دبرت العناية الإلهيَّة للقديس مرقس الرسول كل ظروف حياته.. فوُلِد في أسرة يهودية متدينة غنية اهتمت بتعليمه، فتلقى العلوم على يد أساتذة يونانيين ولاتينيين فأجاد اليونانية واللاتينية، بالإضافة إلى لغته الآرامية، وأيضًا اللغة المحلية التي كان يتحدث بها أهل ليبيا، وشاءت المشيئة الإلهيَّة أن تنتقل أسرة مارمرقس من مدينة قيرين إلى أرض الأجداد في الوقت الذي عاش فيه السيد المسيح في الأراضي المقدسة، فاشترى أبوه بيتًا كبيرًا تعلوه علية تتسع لعدد كبير، وعندما بدأ السيد المسيح خدمته وهو في الثلاثين من عمره كان مرقس من ضمن المعجبين به المتابعين له وكانت أمه من المريمات اللاتي كن يخدمن الرب يسوع وقد فتحت بيتها له، فعاش مرقس البشير مع السيد المسيح يستمع إلى تعاليمه وأحاديثه وأمثاله ويشاهد أفعاله وأعماله ومعجزاته. ونظرة إلى مارمرقس عندما تفل على الأرض وصنع طينًا وطلى جرح أنيانوس الغائر فإذ به يتعافى لوقته، فلا بُد أنه أبصر سيده وهو يتفل على الأرض، ويصنع طينًا خلق منه عينين للمولود أعمى، ومن يدرس إنجيل القديس مرقس لا ينتابه شك أن مرقس الرسول كان شاهد عيان للأحداث الإنجيلية. وقد اختاره السيد المسيح من ضمن الرسل السبعين الذين أرسلهم للكرازة بِاسمه. ومن الثابت أنه في بيت مرقس الرسول صنع الرب الفصح الأخير وغسل أرجل تلاميذه وصلى الصلاة الوداعية، ثم خرج لبستان جثسيماني وهو أيضًا ملك أرسطو بولس والد مرقس، وفي العلية التي في بيت مرقس البشير ظهر السيد المسيح لتلاميذه أكثر من مرةٍ، وفيه حل الروح القدس، وصار هو الكنيسة الأولى في العالم كله مما أتاح الفرصة لمرقس الرسول للتعرف على الآباء الرسل عن قُرب، وكرز معهم، فكرز مع بطرس الرسول، وبولس الرسول، وبرنابا الرسول وكرز بمفرده في المدن الخمس الغربية وفي مصر، فقد كرز في القارات الثلاث آسيا وأوربا وأفريقيا. وكتب مرقس الإنجيلي أول إنجيل، وما زال يخدم هذا القديس بيننا بإنجيله من جيل إلى جيل.
ولأن نحو 90 % من إنجيل مرقس نجده في إنجيل متى، فنحو (600) آية من عدد (660) حواها إنجيل مرقس، تجدها في إنجيل متى، وهذا يعني أن كثير من المعضلات التي حواها إنجيل مرقس قد تعرضنا لها سابقًا في دراستنا للنقد الكتابي في إنجيل متى، والذي أستغرق ثلاث كُتب. وفي هذا الكتاب نجد ثلاثة أبواب:
الباب الأول: النقد النصي وموثوقية العهد الجديد.
الباب الثاني: النقد الكتابي وكاتب إنجيل مرقس الرسول.
الباب الثالث: النقد الكتابي في إنجيل مرقس.
فمارمرقس الرسول كاروز ديارنا المصرية وشفيع كنيستنا العامة (القبطية الأرثوذكسية) وأيضًا شفيع كنيستنا المحلية (كنيسة القديسين مارمرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء) التي عشنا فيها وعاشت فينا وتغلغلت في كل كياننا.
وإن كنت قد قدمت لأبي البابا بطرس رواية "البحار المغامر" بمناسبة مرور سبعة عشر قرنًا على استشهاده (311 - 2011م)، فيسعدني أن أقدم كتابي هذا لك أيها الأب البار القديس مارمرقس الرسول والإنجيلي بمناسبة اليوبيل الذهبي لكنيستنا البديعة، البيعة الوديعة، باب السماء: "كنيسة القديسين مارمرقس الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء".
ولإلهنا المجد الدائم إلى الآبد. آمين.
حلمي القمص يعقوب
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/index6-preface.html
تقصير الرابط:
tak.la/sm32mq7
