St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

651- كيف عاش "باسيليدس" الغنوسي السكندري بشخصية مزدوجة، فأوصى بالطهارة وعاش حياة الخلاعة منغمسًا في الشهوات؟ وكيف توسع في نظرية الانبثاقات؟ وما هيَ نظريته في إلقاء شبه يسوع على آخر وقت الصلب؟ وكيف تطرف "كاربوكراتس" الغنوسي السكندري في حياة الشر والنجاسة، حتى أنه رأى الكمال المسيحي في ممارسة الشهوات الجسدية؟

 

ج:

أولًا: باسيليدس وازدواج الشخصية: عاش باسيليدس Basilides في الإسكندرية في عصر الإمبراطور هدريان (117 - 138م)، وقال عنه القديس إيرينيئوس أنه كان معلمًا في الإسكندرية، فهو من أشهر الغنوسيين السكندريين، ويمثل ذروة غموض الغنوسية. ادَّعى أنه أخذ تعاليمه من "متى الرسول"، و"فلوسيوس" (فلاوكس) تلميذ بطرس الرسول، والحقيقة أن باسيليدس أخذ بعض أفكاره من سيمون الساحر وخليفته ميناندر. أما عن أعمال باسيليدس وأفكاره فنذكر الآتي:

1- اشتغل "باسيليدس" بالتأليف، فكتب مقالًا باسم "الإنجيل" لم يتبقى منه سوى شذرة واحدة، ووضع (24) كتابًا في تفسير الكتاب المقدَّس، بالإضافة إلى تأليف بعض المزامير والأناشيد، ولم يتبقَ من كتاباته سوى بعض الفقرات التي وردت في ثنايا ردود بعض الآباء عليه مثل إيرينيئوس وأكليمنضس السكندري وهيببوليتيس ومنها تعرفنا على أفكاره الفاسدة.

2- عظَّم "باسيليدس" دور العقل والمعرفة عن الإيمان، فالإنسان يمكنه - من وجهة نظره - أن يخلُص بالمعرفة العقلية دون الحاجة للإيمان، بل أنه كان يرى أن الأيمان يقيد حرية الفكر.

3- كان "باسيليدس" صاحب شخصية مزدوجة، يعلّم بشيء ويعمل ما يخالف تعاليمه، يدعي أنه مسيحي وهو يعيش في أعماق الغنوسية الوثنية. يوصي ويعلّم بحياة الطهارة ويُنهي عن الميل للخطية، وفي نفس الوقت ينغمس في الشهوات والأهواء الجسدية. يعلّم بأن الممارسات الجسدية طبيعية لكنها غير ضرورية، بينما ينغمس في هذه الممارسات الجسدية، فانطبق عليه قول الكتاب: "فَأَنْتَ إِذًا الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ الَّذِي تَكْرِزُ أَنْ لاَ يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ؟ الَّذِي تَقُولُ أَنْ لاَ يُزْنَى أَتَزْنِي؟" (رو 2: 21-22). قال عنه "ابن العبري" أنه كان يقدّس ويكرّم ويعظم الثعبان لأنه رمز للحيَّة التي أشارت على حواء بممارسة الجنس وإنجاب النسل.

4- قال "باسيليدس" أن الإنسان الخاطئ فقط هو الذي تصيبه الشرور والآلام، حتى أنه أرجع آلام الشهداء إلى خطاياهم السابقة، فقال بالرغم أن هؤلاء الشهداء أبرار، لكن ما احتملوه من عذابات هو ثمرة خطاياهم السابقة... عجبًا أن الكنيسة تكرّم الشهداء لتمسكهم بالإيمان ولتضحيتهم بحياتهم رخيصة على مذبح الحب الإلهي، وتلتمس شفاعاتهم وصلواتهم وبركاتهم، بينما باسيليدس يصفهم بأنهم خطاة سابقين، لذلك أصابهم ما أصابهم من عذابات وموت. وتطرف باسيليدس في أفكاره الفاسدة حتى أنه قال بما أن يسوع قد تألم، فلا بد أنه سبق وأخطأ، وقيل عن باسيليدس أنه أجاز للإنسان إنكار المسيح وقت الخطر، وهو نفسه كان يهرب من الاستشهاد.

 

St-Takla.org Image: Basilides (active between 117–161 AD), early Christian Gnostic religious teacher in Alexandria, Egypt - and Carpocrates of Alexandria (1st-2nd century), founder of an early Gnostic sect (Carpocratians). - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 20 June 2025. صورة في موقع الأنبا تكلا: باسيليدس (نشط بين 117-161 م)، وهو معلم ديني غنوصي مسيحي مبكر في الإسكندرية، مصر - وكاربوقراطيس الغنوسي الإسكندري: كاربوكراتس (القرنين الأول والثاني)، مؤسس طائفة غنوصية مبكرة (الكاربوقراطيين). - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 20 يونيو 2025 م.

St-Takla.org Image: Basilides (active between 117–161 AD), early Christian Gnostic religious teacher in Alexandria, Egypt - and Carpocrates of Alexandria (1st-2nd century), founder of an early Gnostic sect (Carpocratians). - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 20 June 2025.

صورة في موقع الأنبا تكلا: باسيليدس (نشط بين 117-161 م)، وهو معلم ديني غنوصي مسيحي مبكر في الإسكندرية، مصر - وكاربوقراطيس الغنوسي الإسكندري: كاربوكراتس (القرنين الأول والثاني)، مؤسس طائفة غنوصية مبكرة (الكاربوقراطيين). - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 20 يونيو 2025 م.

ثانيًا: نظرية الانبثاقات لدى باسيليدس: إن كان عدد الأيونات في نظرية الإنبثاقات التي وضعها فالنتينوس بلغت نحو (30) أيونًا، (راجع س 650)، فإن عدد الأيونات أي الكائنات المتوسطة بين الله والعالم في نظرية الانبثاقات التي وضعها باسيليدس بلغت (365) أيونًا تسكن في (365) سماءً، بعدد أيام السنة، ويمكن تلخيص نظرية الانبثاقات بحسب تصوُّر باسيليدس كالآتي:

1- عظَّم "باسيليدس" الإله الأعظم والأسمى (الآب) ودعاه: "إبراكساس" Abraxas، وقال عنه أنه فوق كل اسم، وفوق الفهم والإدراك، وفوق الوجود ذاته.

2- انبثق من "إبراكساس" "نوس" Nous أي العقل، ولذلك يعتبر "نوس" الابن البكر للآب، ثم انبثق من "نوس" "لوغوس" Logos أي الكلمة، وانبثق من "لوغوس" "فرونيسيس" Phronesis أي الفطنة، وانبثق من "فرونيسيس" "صوفيا" Sophia (الحكمة) وأيضًا "ديناميس" Dynamis أي القوة.

3- انبثق من "صوفيا" و"ديناميس" أعظم رتب الملائكة التي سكنت السماء الأولى، وهؤلاء الملائكة العظام انبثق منهم ملائكة ذات طبيعة لاهوتية أقل، سكنوا في السماء الثانية، وملائكة السماء الثانية انبثق منهم ملائكة السماء الثالثة، وتتالت الانبثاقات حتى وصل عدد السموات إلى (365) سماءً، بعدد أيام السنة، وأيضًا هذا الرقم (365) يساوي مجموع حروف كلمة "إبراكساس" اليونانية، اسم الإله الأعظم ورئيس جميع السموات.

4- أبعد سماء عن "الآب" وهي السماء الدنيا رقم (365) وهي السماء المرئية لنا، فهي أبعد سماء عن الآب وأقرب سماء للمادة الشريرة الخبيثة، وقد قام ملائكة هذه السماء الدنيا بخلقة البشر بنفوس حسيَّة، وعندما أبصر "إبراكساس" البشر استحسن عمل الملائكة هذا، ووهب البشر نفوس عاقلة من لدنه.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ثالثًا: نظرية إلقاء شبه يسوع على آخر وقت الصلب: قال "باسيليدس" عن رئيس السماء الدنيا اختار الأمة اليهودية ليكون رئيسًا لليهود، وهو الذي أعطاهم شريعة موسى. أما ملائكة السموات الأخرى فقد ترأسوا على الشعوب الأخرى، وحدث صراع بين إله اليهود وآلهة الأمم من أجل الرغبة الجامحة في توسيع الممالك، فثارت آلهة الأمم على إله اليهود، ولذلك أرسل "إبراكساس" (الآب الأعظم) ابنه البكر "نوس" Nous العقل، الذي هو "المسيح" واتحد "المسيح" بالإنسان "يسوع" لكي يرد للإنسان المعرفة الحقيقة المفقودة بالإله الحي، ولكي يقاوم إله اليهود، صنع معجزات كثيرة. وعندما علم إله اليهود بمهمة يسوع المسيح حرَّك أتباعه اليهود ليصلبوا يسوع المسيج الذي كان يتخذ لنفسه هيئات مختلفة. وفي ساعة قيادة يسوع للصلب جاء سمعان القيرواني ليحمل عنه الصليب، حينئذ اتخذ يسوع صورة غير مرئية، وألقى بشبهه على سمعان القيرواني، فاقتادوه للصلب بينما يسوع يراهم ويسخر منهم. قال "القديس إيرينيئوس" أن باسيليدس قال عن يسوع: "ليس هو الذي مات بل سمعان القيرواني الذي حمل الصليب أخذ شبه يسوع وصُلب مكان يسوع بينما يسوع أخذ صورة سمعان وكان يضحك عليهم وهو يقف بجوارهم" (راجع ضد الهرطقات جـ 1 ك 1 ف 24 ص 108). ثم صعد يسوع إلى السماء.

وقال "باسيليدس" أن النفوس التي تطيع وصايا يسوع تصعد للسماء بعد الموت، والنفوس التي لا تطيع وصايا يسوع تعود بعد الموت إلى المادة الخبيثة ثانية، فقد اعتقد باسيليدس بفكرة تناسخ الأرواح. وللأسف أن بعض النُقَّاد المُغرضين نسبوا "باسيليدس" للمسيحية رغم انغماسه إلى هامة رأسه في الغنوسية، واتخذوا قوله كحجة على أن السيد المسيح لم يُصلّب، إنما صُلب شبيهه سمعان القيرواني، وهم يقولون: لقد شهد شاهد من أهلها، وهكذا الذين ادعوا المسيحية وعاشوا في الهرطقات صاروا عثرة، وقد رد آباء الكنيسة الأولى على أفكار باسيليدس الفاسدة، ومن هؤلاء الآباء الذين تصدوا لبدع الغنوسية القديس إيرينيئوس، والقديس أكليمنضس السكندري، وهيبوليتوس والعلامة ترتليان (راجع د. غالي - موقع هوليبايبل - هل آباء الكنيسة الأولى شهدوا بأن سمعان القيرواني صُلب بدل المسيح؟).

 

رابعًا: تطرف "كاربوكراتس" الغنوسي السكندري نحو الانحلال الخُلُقي... عاش "كاربوكراتس" الغنوسي Carpocrates في الإسكندرية في عصر الإمبراطور "هادريان" (117 - 138م) معاصرًا لباسيليدس وفالنتينوس، فثلاثتهم فلاسفة غنوسيون عاشوا في مدينة الإسكندرية، اعتنقوا المسيحية وغاصوا في أعماق الغنوسية، وكان "كاربوكراتس" معلمًا غنوسيًا وفيلسوفًا أفلاطونيًا يمزج أفكاره الغنوسية والأفلاطونية بالفلسفة المصرية القديمة، وقد أضاف عناصر مسيحية بينما ظلت الأفكار الهيلينية تمثل محور تفكيره وتعاليمه، ويعتبر "كاربوكراتس" أشر كل الفلاسفة الغنوسيين، إذ رأى في الانحلال الخُلقي وممارسة الشهوات الجسدية طريقًا للكمال المسيحي، فلم يحيا طبقًا لمبادئ المسيحية السامية، ودُعي تلاميذه بالكاربوكراتسيين Carpocrattans، وإحدى تلميذاته "مارسلينا" ذهبت إلى روما أثناء بابوية البابا أنيكتوس (154 - 165 م)، وخدعت وأضلت الكثيرين، حتى أنهم رسموا لها صورًا وجعلوها على مثال صور المسيح، ورسموا يسوع بينهم، وكلَّلوا هذه الصور بالأكاليل ووضعوها مع صور فيثاغورث وأفلاطون وأرسطو، وكرموا تلك الصور بنفس الطريقة التي يتبعها الوثنيون، إذ يسجدون أمامها ويقدمون البخور والعبادة. أما عن أفكار كاربوكراتس وتعاليمه فيمكن إجمالها في الآتي:

1- اعتقد بالإله الأعظم الأسمى مثل باسيليدس، غير المُدرك، المنزَّه عن المادة، الذي لم يخلق العالم ولا الإنسان، إنما الملائكة هم الذين خلقوا العالم من المادة الشريرة الخبيثة.

2- الإنسان له نفسان الأولى أقل من الثانية وخاضعة للملائكة المتمردين، والأرواح خُلقت قبل خلقة الأجساد، ثم حُبست في تلك الأجساد المادية، والإنسان الذي يموت وتنطلق روحه فأنها تسكن في جسد آخر (تناسخ الأرواح) لتأخذ فرصة أكبر لارتكاب أفعال بشعة وشرور أكثر.

3- وُلِد يسوع ولادة طبيعية مثل بقية البشر من يوسف النجار ومريم، وكانت نفسه مستقيمة وطاهرة فكان قويًا وباسلًا وشهمًا، حلّت عليه قوة نازلة من عند الآب، فاستطاع يسوع أن يرى الأمور الخاصة بالإله الأعظم غير المنظور، وقد فاز بالنجاة من أعدائه الذين أرادوا صلبه وعاد إلى الآب. واعتقدوا أن النفوس التي تتشبه بيسوع تنال قوة من الأعالي من عند الآب، وادعى بعض الكاربوكراتسيين أنهم صاروا أعظم من بطرس وبولس الرسوليين، بل أنهم صاروا مثل يسوع.

4- وضع الكاربوكراتسيون "المسيح" على نفس مستوى الفلاسفة الوثنيين فكرَّموا صور المسيح مثلما كرَّموا صور الفلاسفة الوثنيين، وافتخر الكاربوكراتسيون بأنهم فوق مستوى الأديان جميعًا، وادّعوا أنهم يحملون قوة يسيطرون بها على العالم، وقد مارسوا أعمال السحر والشعوذة.

5- نادى الكاربوكراتسيون بأن كل شهوة طاهرة لأنها أمر إنساني طبيعي، ومن يريد أن يصل إلى حياة الكمال المسيحي عليه أن يمارس أقبح الشرور والشهوات، فالشهوة هيَ العدو الذي أمرنا الإنجيل أن نصطلح معه (مت 5: 25)، وبهذا قادوا المجتمع إلى حياة الفسق والرذيلة ودمروا القوانين الأدبية. وأمر كاربوكراتس بأن ينفّس الإنسان عن شهوته، ويمارس المتعة والشهوات كما يشأ، وأن يفعل كل ما يحبه، بحجة أن المسيح هو الذي أمر بهذا. بل أن الأمر المُدهش أنهم اعتبروا أن الفسق نوع من الجهاد الديني اللازم للوصول إلى حياة الكمال، ومن العجيب أيضًا أن هؤلاء الكاربوكراتسيون دعوا أنفسهم بـ"نيوستينيين" أي "المعلمون المستنيرون" ويدَّعون أنهم مسيحيين والمسيحية بريئة منهم تمامًا، وكانوا يميزون أنفسهم بوضع علامة (وشم) على طرف أذنهم الأدنى بالنار والحديد، ورغم أن عددهم كان قليلًا إلاَّ أن بدعتهم استمرت حتى قرب القرن السادس.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/651.html

تقصير الرابط:
tak.la/4rycz5j