ج: أولًا: نشأة بدعة السيمونية: أنشأ هذه البدعة سيمون الساحر الذي وُلِد في السامرة وعاش فيها، والسامرة هيَ المدينة التي اختلطت فيها الوثنية باليهودية، ومنها خرج سيمون يعيد القصة ويحاول خلط الوثنية بما فيها من سحر وشعوذة مع المسيحية. وفي سفر الأعمال نجد جانب من قصة سيمون، فعقب استشهاد استفانوس تشتَّت معظم المسيحيين من أورشليم: "فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ. فَانْحَدَرَ فِيلُبُّسُ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ وَكَانَ يَكْرِزُ لَهُمْ بِالْمَسِيحِ" (أع 8: 4-5)، وفيلبس هذا أحد الشمامسة السبعة زميل الشهيد استفانوس (أع 6: 5). وقد بشَّر فيلبس في السامرة وصنع معجزات: "لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الَّذِينَ بِهِمْ أَرْوَاحٌ نَجِسَةٌ كَانَتْ تَخْرُجُ صَارِخَةً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. وَكَثِيرُونَ مِنَ الْمَفْلُوجِينَ وَالْعُرْجِ شُفُوا" (أع 8: 7)، وكان سيمون بسحره يدهش شعب السامرة حتى أنهم كانوا يدعونه " قُوَّةُ الله الْعَظِيمَةُ" (أع 8: 10)، فآمن سميون بحسب الظاهر وأعتمد، وعندما أرسلت كنيسة أورشليم بطرس ويوحنا الرسوليين للسامرة ليضعوا الأيادي على الذين آمنوا لينالوا الروح القدس، طمع سيمون في هذه المواهب، وقدم دراهم كرشوة للرسولين ليهبانه ذاك السلطان، فتصدى له بطرس الرسول بقوة وشجاعة قائلًا: "لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ الله بِدَرَاهِمَ... لأَنِّي أَرَاكَ فِي مَرَارَةِ الْمُرِّ وَرِبَاطِ الظُّلْمِ" (أع 8: 20 - 23)، وقد وصف آباء الكنيسة "سيمون" الساحر بأنه "الجد الأكبر" لجميع الهرطقات.
![]() |
ثانيًا: تعاليم السيمونية: من تعاليم السيمونية ما يلي:
1- ادعى سيمون أنه هو الإله الأعظم الذي يجب أن تُقدم له العبادة، كما ادعى أنه أظهر نفسه على أنه "يسوع" في اليهودية، وأظهر نفسه أنه "الآب" في السامرة، و"الروح القدس" في بلاد أخرى. قال عنه "كيرلس الأورشليمي": "هذا الرجل بعد أن طرده الرسل جاء إلى روما، واستمال إليه زانية تُدعى هيلانة. وقد تجاسر بفمه المملوء تجديفًا أن يدَّعي أنه هو الذي ظهر على جبل سيناء كالآب، وظهر كيسوع المسيح بين اليهود، وليس في جسد حقيقي، وبعد ذلك كالروح القدس الذي وعد المسيح أن يرسله كمعزٍ" (المقالات لطالبي العماد 6: 14). وبذلك وضع سيمون بذرة إنكار الثالوث القدوس، والتي اعتنقها سابليوس المبتدع فيما بعد إذ ادعى أن الأقانيم الثلاثة مجرد ثلاثة أسماء (راجع الأنبا ديسقورس أسقف المنوفية الأسبق - موجز تاريخ المسيحية ط 1948م).
2- ادعى أتباع سيمون بأن "سيمون" مسيحهم وفاديهم، ودعوه "سمعان السابح" لأن الشياطين كانت ترفعه وتطير به في الهواء. وفي سنة 150م بعد موته أقاموا له تمثالًا في روما على نهر التيبر وكُتب أسفله "إلى سيمون الإله القدوس" قال عنه "الشهيد يوستين" في دفاعه الأول أمام أنطونين: "وبعد صعود الرب إلى السماء رفعت الشياطين رجالًا معينين قالوا أنهم آلهة، ولم يسمحوا لهم فقط بأن يظلوا غير مضطهدين بل اُعتبروا أيضًا مستحقين الإكرام. كان أحدهم سيمون وهو سامري من قرية "جتو" Gitto. وفي عهد كلوديوس قيصر أجري في مدينتك الإمبراطورية (يخاطب الإمبراطور) بعض أعمال السحر العجيبة بفضل الشياطين، التي كانت تعمل فيه، وأعتبر إلهًا، وكإله أكرمته (أيها الإمبراطور) بتمثال أُقيم في نهر التيبر بين القنطرتين، ونُقشت عليه هذه الكتابة باللاتينية Simoni Deo Sancto أي (إلى سيمون الإله القدوس)" (2: 13: 3) (88).
3- اتخذ سيمون له رفيقة شريرة تُدعى "هيلينا" (هيلانة) التقطها من بيت الدعارة في مدينة صور، وادعى أنها أنوية الفكر Ennoia التي انبثقت من عقله، فصارت الإلهة الأنثى، وهي التي خلقت الملائكة ورؤساء الملائكة، والملائكة بدورهم خلقوا العالم. فهو يمنح للبشر الأيون الذكري، وهيلينا أم جميع الناس تمنحهم الأيون الأنثوي، والأيون هو الشيء الإلهي السماوي الأبدي، ودعى هيلينا بالخروف الضال. وقال "يوسابيوس القيصري" أن "الشهيد يوستين" الذي عاش في السامرة قال: "وصار كل السامريين تقريبًا، وقليلون حتى من الأمم الأخرى يعترفون به ويعبدونه كالإله الأول. وجالت معه في ذلك الوقت امرأة تُدعى هيلانة، وكانت سابقًا عاهرة في مدينة صور من أعمال فينيقية، وهم يدعونها الفكرة الأولى التي برزت منه" (2: 13: 4) (89). كما يقول "يوسابيوس القيصري": "ونحن نعلم أن سيمون هو مُنشئ كل بدعة ومنذ عصره إلى الوقت الحاضر نرى أن كل الذين أتبعوا هرطقته قد تظاهروا بفلسفة المسيحيين الوقورة المتزنة... على أنهم مع ذلك رجعوا ثانية لخرافات الأوثان التي تظاهروا أنهم قد نبذوها وصاروا يخرون أمام صور وتماثيل سيمون نفسه، وهيلانة السابق ذكرها التي رافقته، ويتجاسرون على عبادتها بالبخور والذبائح والسكائب" (2: 13: 6) (90).
4- وضع أتباع سيمون إنجيلًا مزيفًا دعوه: "أربع زوايا الدنيا وأربع نواصي الأرض".
5- عاش أتباع سيمون في انحلال خُلُقي، حتى قال عنهم "يوسابيوس القيصري": "لأنه أية سفالة يمكن تصورها أدنى من أسفل السفائل، تلك التي برز فيها أولئك السفلة الذين يلهون ويعبثون بالنساء التعسات اللاتي انغلبن من كل أنواع الرذائل" (2: 13: 8) (91).
6- علَّق أتباع سيمون خيوط حُمر في أعناقهم كعهد بينهم وبين الشيطان، وكان يضفرون شعرهم مثل أحبار اليهود.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ثالثًا: نهاية سيمون المأسوية: اصطحب سيمون رفيقته هيلينا إلى روما ليُبهر أهلها، وفي احتفال ضخم ادَّعى أنه سيصعد إلى السماء، فتجمع حوله جموع غفيرة لتشاهده وهو صاعد إلى السماء، وبدأت الشياطين ترفعه شيئًا فشيئًا، وصوت الجماهير يزلزل المكان: "عظيمة هيَ قدرة سيمون" وتأكد الجميع أنه إله راجع إلى وطنه السمائي، غير أنه كان هناك رجلًا بسيطًا جاثيًا على ركبتيه منسكب في صلاة عميقة ليبطل الله عمل الشياطين وخداعهم. أنه بطرس الرسول، صياد الجليل، الذي حضر هذا الاحتفال الجمهوري ليقاوم سيمون وسحره وشياطينه، ولم تحتمل الشياطين صلوات بطرس السهمية، ففرت هاربة وتركت سيمون في الهواء ليهوي من علو فانكسرت ساقاه، وحمله تلاميذه إلى بيت قريب، ومن فرط خجله لم تؤاته الشجاعة أن يلتقي ثانية بجماهيره، بل أنه أصيب باكتئاب عظيم، فألقى بنفسه من فوق سطح البيت ومات منتحرًا، ومع كل هذا فأن أتباعه لم يكفوا عن عبادته وتقديم البخور والسجود لتمثاله ونحر الذبائح أمام تمثاله أيضًا.
رابعًا: ميناندر خليفة سيمون: بعد انتحار سيمون خلَّفه ميناندر Menander الذي وُلِد في قرية كباراتيا Kapparatia إحدى بلاد السامرة، وتتلمذ على يد سيمون السامري ومارس أعمال السحر مثل معلمه. وإن كان سيمون ادَّعى أنه الإله الأعظم فإن ميناندر ادَّعى أنه المُخلص الذي أرسلته الآلهة من الدهور غير المنظورة إلى أرضنا هذه من أجل خلاص البشرية، وانتقل ميناندر من بلاد السامرة إلى مدينة أنطاكية، وخدع الكثيرين بسحره، وأقنع أتباعه أنه يستطيع أن يغلب الملائكة الذين خلقوا العالم، وأن كل من يعتمد منه لن يموت بل يظل خالدًا للأبد، بل ويستطيع أن ينتصر على الملائكة (راجع عادل فرج عبد المسيح - موسوعة آباء الكنيسة جـ 1 ص 253).
خامسًا: تعاليم الميتاندرية: من تعاليم الميتاندرية ما يلي:
1- اعتقدوا بمعتقدات السيمونية، فالذي خلق العالم ليس هو الله الأعظم الأسمى، بل الملائكة هم الذين خلقوا العالم.
2- ادَّعى ميناندر أنه هو المُخلص المبعوث من عالم الأيونات غير المرئي لخلاص نفوس البشر، ويقول عنه "يوسابيوس القيصري": "لقد برهن ميناندر خَلَفْ سيمون الساحر بتصرفاته على أنه كان آلة أخرى في يد القوة الشيطانية لا يقل عن سلفه، وكان هو أيضًا سامريًا، وأذاع أضاليله إلى مدى لا يقل عن معلمه، وفي نفس الوقت عربد في طياشات أعجب منه. لأنه قال بأنه هو نفسه "المخلص" الذي أُرسل من الدهور غير المنظورة لخلاص البشر" (3: 26: 1) (92).
3- ادَّعى ميناندر أن لا أحد يستطيع أن ينال السيادة والسلطة على الملائكة التي خلقت العالم إلاَّ من يجوز في النظام السحري الذي يمنحه، ويقبل المعمودية من ميناندر، ومثل هؤلاء الذين يعتمدون منه فأنهم لن يموتوا، بل يبقوا خالدين إلى الأبد في الحياة الحاضرة، دون أن يشيخوا (راجع يوسابيوس 3: 26: 2 - تاريخ الكنيسة ط 1960م ص 141). وقال "الشهيد يوستين": "ونحن نعلم أن شخصًا معينًا اسمه ميناندر، وكان أيضًا سامريًا من قرية كابراتي كان تلميذًا لسيمون، وهو أيضًا إذ طوحت به الشياطين آتى إلى أنطاكية واحتل الكثيرين بسحره، وأقنع أتباعه بأنهم لن يموتوا، ولا يزال يوجد البعض منهم يؤكدون هذا" (يوسابيوس 3: 26: 3) (93).
4- مارس أتباع ميناندر السحر والشعوذة، وقد انتشرت الميناندرية بأسحارها في غرب سوريا. ولأن كل من سيمون وتلميذه ميناندر حُسبوا على المسيحية، فكان لهذا الادعاء تأثيره السلبي، فأتهم الوثنيون المسيحيين أنهم يمارسون السحر والشعوذة، حتى أن "لوسيان" و"كاسوس" ادعيا أن السيد المسيح نفسه كان ساحرًا يصنع معجزات ويُخرج الشياطين عن طريق السحر.
_____
(88) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص81 ، 82.
(89) المرجع السابق، ص82.
(90) المرجع السابق، ص82.
(91) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص82.
(92) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص140 ، 141.
(93) أورده يوسابيوس القيصري - ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص141.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/646.html
تقصير الرابط:
tak.la/vpd3mmw