St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

613- كيف يقول يسوع للعشرة رجال البرَّص أن يروا أنفسهم للكهنة قبل أن يشفيهم (لو 17: 14)؟ وكيف عاش السامري الأبرص مع اليهود البرص (لو 17: 16-18) بالرغم من العداء المستحكم بين السامريين واليهود؟ وما هو قصد الفريسيين من سؤالهم "مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ" (لو 17: 20) وما معنى عبارة: "هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ" (لو 17: 21)؟

 

س613: كيف يقول يسوع للعشرة رجال البرَّص أن يروا أنفسهم للكهنة قبل أن يشفيهم (لو 17: 14)؟ وكيف عاش السامري الأبرص مع اليهود البرص (لو 17: 16-18) بالرغم من العداء المستحكم بين السامريين واليهود؟ وما هو قصد الفريسيين من سؤالهم "مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ" (لو 17: 20) وما معنى عبارة: "هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ" (لو 17: 21)؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- كيف يقول يسوع للعشرة رجال البرَّص أن يروا أنفسهم للكهنة قبل أن يشفيهم (لو 17: 14)..؟ عاش الرجال البرَّص في شبه مجتمع منعزل عن الأصحاء، فاعتادوا حياة العزلة القاسية التي فُرضت عليهم فرضًا، حتى أنهم كانوا يُحضرون لهم الطعام والماء، وينصرفون سريعًا لئلا يتلامسوا معهم فينجسونهم، فكان هؤلاء البرَّص يُعانون آلامًا، سواء جسدية أو نفسية، وكانت تصلهم الأخبار من بعيد عن يسوع القادر على شفاء هذا المرض اللعين، وعلموا أنه سيمر بالقرب منهم، فتركوا معزلهم وعندما شاهدوا موكب يسوع يسير على الطريق وقفوا من بعيد وهم يصرخون: "يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ ارْحَمْنَا" (لو 17: 13) وكانوا يترجون أن يسمعوا أي كلمة منه، ولذلك فبمجرد أن قال لهم: "اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ" آمنوا أنهم في حكم من نال الشفاء، حتى ولو كان البرَّص واضحًا يملأ أجسادهم، لكنهم آمنوا وصدقوا أنهم على بُعد خطوة من الشفاء، وهذا ما حدث بالفعل، إذ بمجرد أن أطاعوا الكلمة: "وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا" (لو 17: 14). إنه إختبار الإيمان، آمنوا فنالوا الشفاء الكامل في لحظة واحدة طهروا الرجال العشرة جميعًا، وانطبق عليهم تطويب الرب: "طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا" (يو 20: 29)، وانطبق عليهم أيضًا قول أليصابات للعذراء القديسة مريم: "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45).. " لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعِيَانِ" (2 كو 5: 7).. تصوّر يا صديقي لو أن هؤلاء الرجال تشكّكوا في كلمة الرب يسوع لهم، ولم يتحركوا من معزلهم، هل كانوا سينالون الشفاء؟ بالطبع لا، لأنه حيث لا إيمان فلا توجد معجزة، شُفي الرجال العشرة لكن للأسف فإن تسعة منهم انشغلوا بالعطية عن العاطي، نجحوا في امتحان الإيمان وفشلوا في امتحان الوفاء، أما الرجل السامري فقد اجتاز الامتحانين، الإيمان والوفاء، بنجاح باهر، فنال الرضى والتطويب من الفم المبارك: "قُمْ وَامْضِ إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ". عجبًا أن هذا الرجل السامري ذو المعرفة المشوشة عن اللَّه، البعيد عن العبادة الحقيقية والهيكل والمذبح هو الوحيد الذي اجتاز امتحاني الإيمان والوفاء!!!

St-Takla.org Image: Ten Lepers: Jesus heals the ten lepers: (Luke 17) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: معجزة السيد المسيح يشفي العشرة البرص: (لوقا 17) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: Ten Lepers: Jesus heals the ten lepers: (Luke 17) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: معجزة السيد المسيح يشفي العشرة البرص: (لوقا 17) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

2- كيف عاش السامري الأبرص مع اليهود البرص (لو 17: 16-18) بالرغم من العداء المُستحكم بين السامريين واليهود..؟ نظر اليهود للسامريين نظرة احتقار واشمئزاز، وبتعبير السامرية: "لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ" (يو 4: 9)، ونظر السامريون لليهود نظرة حقد وغل وغيظ، واستحكم العداء بين هؤلاء وأولئك، حتى أن اليهود كانوا يتحاشون العبور من منطقة السامرة، فيهود الجليل المتجهين إلى أورشليم، وعوضًا عن السير في خط مُستقيم عبورًا بالسامرة، يتخذون طريقًا أطول وأوعر شرق الأردن، حتى يتجنبوا إيذاء السامريين لهم. ولكن قسوة المرض كفيلة بأن توحّد القلوب المتنافرة، فالبرص آلفَّ بين قلوبهم. يقول "دكتور وليم باركلي": "وهنا يبرز مثال لقانون الحياة العظيم وهو أن مآسي الحياة ومحن الدهر تعيد للناس التصاقهم ببعضهم، فقد اعتبر اليهود أن التصاقهم بالسامريين كارثة كبرى لأنه ضد تقاليدهم وشرائعهم، لكن هذا السامري كان مع اليهود... كان اليهودي والسامري يتقاتلان لو تقابلا، لكن الطبيعة ترينا أن الملمات تربط بين قلوب الناس حتى الحيوان، فلو جاء الطوفان على مكان... لتركت الحيوانات القتال والتطاحن، ووقفت في صمت كامل" (373).

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

3- ما هو قصد الفريسيين من سؤالهم " مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ الله" (لو 17: 20) وما معنى عبارة: "هَا مَلَكُوتُ الله دَاخِلَكُمْ" (لو 17: 21)..؟ هناك احتمال ضئيل أن الفريسيين أرادوا أن يستفيدوا من الإجابة، ويستعدوا لهذا الملكوت السمائي وكأن الملكوت أصبح شغلهم الشاغل، مع أن تصرفاتهم تنم عن انشغالهم بأنفسهم أكثر من انشغالهم بملكوت اللَّه، ولهذا فإن الاحتمال الأرجح أنهم سألوا السيد المسيح عن موعد مجيء ملكوت اللَّه لكي يصطادوه بكلمة، وقد اعتقد هؤلاء الفريسيون أن ملكوت اللَّه هو ملكوت أرضي سيؤسسه المسيا في أورشليم عندما يثور ضد الرومان ويسحقهم ويبدأ مُلكه الذي يرتفع ويتسامى فوق جميع ممالك الأرض قاطبة، فلو أن السيد المسيح حدَّد ميعاد عن ملكوت اللَّه، إذًا يُعد هذا اعترافًا منه بأنه هو المسيا، وأنه مزمع أن يثور في وجه الرومان، وهذه التهمة كفيلة بالحكم عليه بالإعدام من قِبَل الوالي الروماني، وبالرغم من سوء قصدهم فإن السيد المسيح أجابهم إجابة غريبة لم يتوقعوها على الإطلاق، إذ قال لهم: "لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ الله بِمُرَاقَبَةٍ. وَلاَ يَقُولُونَ هُوَذَا ههُنَا أَوْ هُوَذَا هُنَاكَ لأَنْ هَا مَلَكُوتُ الله دَاخِلَكُمْ" (لو 17: 20، 21). وقول السيد المسيح: "هَا مَلَكُوتُ الله دَاخِلَكُمْ" لم يقصد بالطبع داخل الفريسيين المملوءين كل خُبث، وقد صب عليهم الرب يسوع الويلات (مت 23: 13 - 36)، ولكن هناك مفهومان لهذه العبارة:

المفهوم الأول: ملكوت اللَّه داخل الإنسان الصالح " هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا الله فِي قُدْسِهِ" (مز 150: 1).

المفهوم الثاني: ملكوت اللَّه حاضر في شخص الرب يسوع، أي أن مفهوم العبارة ملكوت اللَّه معكم.

بالنسبة للمفهوم الأول يقول "القديس كيرلس الكبير": "لا تسألوا عن الأزمنة التي سيظهر فيها أيضًا ملكوت السموات ويأتي، بل بالحري اجتهدوا لكي تُحسبوا أهلًا له، لأنه موجود داخلكم، أي أنه يعتمد على مشيئاتكم الخاصة، وهيَ في متناول أيديكم سواء قبلتموه أو رفضتموه، لأن كل إنسان قد حصل على التبرير بواسطة الإيمان بالمسيح، وهو متزين بكل فضيلة، فإنه يُحسب أهلًا لملكوت السموات" (374).

ويقول "القديس أُغسطينوس": "بينما ذهبت لأبحث عنك خارجًا عني كنت أنت بداخلي. كنت أنت معي لكن لفرط شقاوتي لم أكن أنا معك. لم تشبعني فلسفة سقراط أو أفلاطون أو أرسطو، لم تروي روحي أناشيد اليونان وتسابيح كهنة آمون. إنجيلك وحدك هو الذي تسرَّب بنور حكمته إلى أعماقي، فعرفت طريق الحق ومعنى الحياة، أحببتك فكرهت كل خطاياي وآثامي، اكتشفتك فأُسقط مني كل فكر وثني شهواني، تذوقت حلاوة العشرة معك ولن أتركك فأنت كل حياتي وكل موتي".. وأيضًا يقول: "إلهي... بحثت عنك في كل مكان ولم أجدك لأنك داخل أعماق قلبي".. وكذلك يقول: "كنت بداخلي في أعماقي وذهبت أبحث عنك خارجًا، ضاقت بي نفسي. صرخت إليك، وحدك ما زلت تمد يدك إليَّ" (راجع القس أنسطاسي شفيق - الفداء في إنجيل لوقا - تفسير أصحاح 17).

أما بالنسبة للمفهوم الثاني لعبارة: "هَا مَلَكُوتُ الله دَاخِلَكُمْ" يمكن أن تُفهم بمعنى أن ملكوت اللَّه معكم، فالمكان الذي يحل فيه يسوع المسيح الإله المتجسد، فهناك ملكوت اللَّه، وعبارة: "هَا مَلَكُوتُ الله دَاخِلَكُمْ" في ترجمة فانديك، جاءت في الترجمة العربية المشتركة "ملكوت الله هو فيكم"، وفي الترجمة اليسوعية: "فها أن ملكوت الله بينكم" وفي ترجمة الحياة والترجمة البولسية " ملكوت الله في داخلكم"، ومن الآباء الذين ذكروا أن " مَلَكُوتُ الله دَاخِلَكُمْ" هيبوليتوس، وأوريجانوس، وأثناسيوس وأمبروسيوس، وجيروم، ومن الآباء الذي استخدموا تعبير: "في وسطكم" مارأفرام السرياني وكيرلس السكندري وثيوفيلاتس، ومن الآباء الذي استخدموا " في متناول أيديكم" ترتليان وكبريانوس (راجع بوب إتلي - لوقا المؤرخ: إنجيل لوقا ص359). ويقول "القس أنسطاسي شفيق": "كان الملكوت حاضرًا في وسطهم بذات المسيح، ولعماهم لم يقدروا أن يميزوه... حضر الملك في وسطهم فعثروا فيه كحجر صدمة، كقول سمعان الشيخ: "إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ " وقد رأينا بأي مقدار من البغض قاومه أولئك الفريسيون" (375).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(373) ترجمة القس مكرم نجيب - تفسير العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص283.

(374) ترجمة دكتور نصحي عبد الشهيد - تفسير إنجيل لوقا، ص561.

(375) الفداء في إنجيل لوقا، ص668.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/613.html

تقصير الرابط:
tak.la/b834hfc