س6 : هل مدينة الناصرة بمواصفتها التي جاءت بالإنجيل لم يكن لها وجود في القرن الأول الميلادي، بدليل أن اسمها لم يرد في أسفار العهد القديم، ولم يذكرها المؤرخ اليهودي "يوسيفوس" ولم يذكرها "فيلو" الفيلسوف اليهودي السكندري، ولا التلمود، ولم تكشف الآثار عن أية آثار لها؟ وهل الناصرة الحالية أنشأتها الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين في القرن الرابع الميلادي؟
ويقول "فراس السواح" نقلًا عن "هـ. سبنسر لويس": " ولكن كل الوقائع تشير إلى أن المدينة التي نعرفها اليوم بِاسم الناصرة لم تكن موجودة خلال حياة يسوع، فنصوص العهد القديم لم تأتِ على ذكرها، ولم ترد في أخبار المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاش في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، ووصف بالتفصيل خريطة فلسطين، كما لم ترد في أي وثيقة تاريخية أو طبوغرافية أخرى، ولا سيما في الوثائق الرومانية، ويبدو أن المدينة قد أُحدثت فيما بعد وأُطلِق عليها اسمها، بسبب الحاجة إلى وجود مثل هذا الموقع لتفسير ما ورد في إنجيل متى، وقد تم ذلك في القرن الثالث الميلادي عندما اُختيرت مزرعة صغيرة على مبعدة من بحيرة طبرية" (14).
ويقول ع. م "جمال الدين شرقاوي": "هذه البلدة التي لم تُذكَر قط في أسفار العهد القديم، كما لم تظهر في كتابات من كتبوا عن تاريخ وجغرافية فلسطين حتى القرن الرابع الميلادي فلم يذكرها كل من فيلو الفيلسوف اليهودي السكندري، ولا يوسف بن متى المؤرخ الفلسطيني المولد المشهور بِاسم جوزيفوس....!! وخاصة أن يوسف بن متى ذكر معظم مدن وقرى وكُفور فلسطين الهامة منها وغير الهامة، الصغيرة والكبيرة منها على السواء وذلك في كتابه الحروب اليهودية، وتاريخ اليهود. ففي منطقة الجليل وحدها ذكر أسماء خمسة وأربعين مدينة وقرية ليست الناصرة من بينها، لدرجة أنه ذكر يافا المدينة التي وُلِد فيها والتي تبعد حوالي ميل واحد من الناصرة، فهو أدرى الناس بموطنه... وكذلك نجد التلمود اليهودي يذكر في منطقة الجليل أسماء ثلاثة وستون مدينة وقرية وكفرًا، ولم يذكر الناصرة مرة واحدة"(15).
ثم يستفيض ع. م "جمال الدين شرقاوي" في الحديث عن الناصرة، فيقول أن الناصرة الحالية تقع وسط منخفض منبسط بين مرتفعات الجليل، غرب بحيرة طبرية بنحو 22 كم. وتبعد عـن عكا 30 كم، وعــن أورشليم نحو 138 كم، وترجع للقرن الرابع الميلادي، أما الناصرة التي ذكرتها الأناجيل (نزريت) فهى:
1ــ ليس لها أهمية تاريخية (يو 1 : 46).
2ــ المدينة مبنية على حافة جبل له منحدر قائم (لو 4 : 29).
3ــ المدينة قريبة من شاطئ بحيرة طبرية (مت 13 : 1).
4ــ المدينة تقع على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية فوق مرتفعات الجولان (مت 14 : 34).
5ــ المدينة بها منازل كثيرة وورش صناعية ومعبد يهودي (لو 4 : 14 - 16).
(راجع يسوع النصراني... الجنّى... مسيح بولس ص 42 - 44، وقضايا مثيرة في المسيحية والإسلام لنفس الناقد ص 135-138).
ثم يختتم قوله قائلًا: "مما سبق يتضح لنا أن مدينة المسيح عليه السلام وبيته يقعان قريبًا من شاطئ بحيرة طبرية..!! كما أن مدينته عليه السلام مبنية على حافة جبل عالٍ... وهاتان العلامتان لا تتوفران في الناصرة الحالية، إذ أن المسافة بينها وبين شاطئ البحيرة لا تقل عن مسيرة يومين صعودًا وهبوطًا للمرتفعات التي يجتازها القادم من الناصرة"(16).
ويؤكد ع. م "جمال الدين شرقاوي" أن علماء الآثار لم يعثروا على أية آثار لمدينة الناصرة كما ذكرت الأناجيل، فيقول": "والعلماء وخاصة علماء التنقيب عن الآثار لا يعترفون بوجود هـذه القرية الإنجيلية في زمن بعثة المسيح (عليه السلام) ويقولون بأن أقدم المصادر التاريخية المسيحية لا تثبت وجود هذه القرية الهامة جدًا في التراث المسيحي إلى أكثر من القرن الخامس الميلادي وكذلك فإن أقدم المصادر اليهودية لا تثبت وجودها إلى ما قبل القرن التاسع الميلادي، وأيضًا فإن الأبحاث الجيولوجية والتنقيبات الأثرية لا تسفر عن شيء يثبت قدم هذه المدنية الى عصر المسيح (عليه السلام) (من أقوال العاِلم الأثري ديفد وتيني في بحثه" مشكلة العنوان Nazarene)" (17).
وعلى نفس النهج سار عدد ليس بقليل عن النُقاد، ويقول "على زلماط" أن علماء التاريخ لا يعترفون بوجود الناصرة في زمن المسيح، ولم يرد ذكرها في كتابات جغرافي ومؤرخي فلسطين حتى القرن الرابع الميلادي، وأن ظهورها في مسرح التاريخ مرتبط بالملكة هيلانة، ولم يرد ذكرها في زيارة القديسين بولا وسيبفيا في القرن الرابع، وأكد عدم وجودها المؤرخ الفرنسي "بيار أنطوان برنهايم"، وقال الباحث "إيتيان تودي" : "لقد أجرينا تنقيبات أثرية في Nazareth تحت كنيسة" بازاليكا الحالية، فوجدنا بعض البقايا ترجع إلى القرن الثاني وما بعده. أما ما يعود إلى القرن الأول فلم نجد شيئًا واضحًا" (الأب الماروني الدكتور يوسف يمبن - المسيح وُلِد في لبنان ص 69، 132، 664، 671) (راجع دراسة في إنجيل لوقا ص 78 - 80).
ج:1ــ تقع مدينة الناصرة شرق البحر المتوسط بنحو 32 كم. وغرب بحر الجليل بنحو 24 كم. وشمال أورشليم بنحو 110 كم.، على منطقة مرتفعة، يمكنك منها مشاهدة جبل حرمون وجبل الكرمل وجبل طابور، وهى مدينة صغيرة لا تقع على الطريق الرئيسي بل قريبة منه، تحيط بها أشجار الكروم والتين والزيتون، وهى موطن يوسف النجار، وفيها جاءت البشارة للعذراء مريم، وعاشت فيها العائلة المقدَّسة بعد عودتها من أرض مصر، وظل فيها السيد المسيح حتى سن الثلاثين وبداية الكرازة، ولذلك لُقّب بيسوع الناصري، وهى مدينة منعزلة عن الحياة اليهودية، سكانها خليط من الأمم واليهود، وهذا ما دعى نثنائيل ليقول: "أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ" (يو 1 : 46)، فلم يأتِ ذكر للمدينة في أسفار العهد القديم ولا كتابات يوسيفوس ولا فيلو ولا في التلمود.
وجاء في "دائرة المعارف الكتابية": "كانت الناصرة قرية صغيرة في منطقة التلال في شمالي سهل أرسدرالون، وعلـى ارتفاع ألف قدم عنه، والاسم "الناصرة" قد يعني "خضرة" وكان فيها نبع ماء. وتربط بينهـا الأناجيل (مت 2 : 23) ونبوة الغصن ("نِصر" في العبرية) من نسل داود. وكان سكانهـا من العبرانيين إذ كان بها "مجمع" (لو 4 : 16). و "حَافَّةَ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ" (لو 4 : 29) هـو من "تل القفز" على بُعد ميلين إلى الجنوب، وهو عبارة عن "جرف جبل" يطل على السهل. ولم تكن الناصرة على طريق عام، وكانت مدينة مغمورة حتى أنها لم تُذكر في العهد القديم. كما لم يذكرها يوسيفوس، بل أن جليليًا هو "نثنائيل" (يو 1 : 46) لم يكن يصدق أن يخرج منها نبي، ويقول عنها جيروم أنها "قرية" ولكنها الأن مدينة بها عدد لا بأس به من السكان" (18). وعندما دخل السيد المسيح مجمع الناصرة وقرأ نبوة إشعياء النبي (إش 6 : 21) وفسَّرها على نفسه وبكَّتهم على قلة إيمانهم امتلأوا غضبًا: "فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلٍ. أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِـي وَسْطِهِمْ وَمَضَى" (لو 4 : 29، 30).
2ـــ تضاربت أقوال النُقاد في تحديد تاريخ نشأة الناصرة، فقال ع. م "جمال الدين شرقاوي" بأن المصادر اليهودية لم تتحدث عن الناصرة قبل القرن التاسع الميلادي والمصادر المسيحية لم تتحدث عنها قبل القرن الخامس الميلادي، بينمـا استشهد "علي زلماط" بقول "إيتيان نودي" بأن آثار التنقيب تخبرنا أن آثار الناصرة ترجع للقرن الثاني الميلادي، مع أن التنقيب قد يكشف فيما بعد عما هو جديد، فأيهما نصدّق أم أننا نصدّق قول الإنجيل الذي كُتب بوحي من الروح القدس..؟! لو كان السيد المسيح عاش في مدينة أخرى لذكرها الإنجيل، لأنه لا يوجد أي داعي أن ينسب الإنجيل السيد المسيح لمدينة ليس لها وجود، وهل يُعقل أن القديس متى يحجم عن ذكر اسم المدينة التي عاش فيها السيد المسيح ويذكر اسم مدينة لم توجد إلاَّ بعد مئات السنين؟! وهل كان القديس متى يعلم المستقبل، ويستغل هذا العلم لفبركة خبر عاري من الصحة؟! وهل هذا يتفق مع أخلاق تلميذ المسيح..؟! ما الفائدة من هذا وما هو الدافع له؟!!
3ـــ يقول "جون درين" : "لم تكن البلدة ذات أهمية ولم تُذكَر في مصادر أخرى غير الإنجيل، هذا بالرغم من أن بقاياها من خزانات مياه وقطع أثرية تعود الى حقبة يسوع، لكن لم تكن مدينة كبيرة... صغر حجم الناصرة لم يفسح لها مكانًا في السجلات الرسمية. هذا بالإضافة لكونها في الجليل منطقة محتقرة من اليهود المتشددين الذين رأوا في سكان الجليل ترحيبًا بكل ما هو غير يهودي. ولهذا لم يكن غريبًا أن أكثر مدينتين تحاكيان نمط الحياة اليونانية هما: (صفورية وطبرية) قابعتان في الجليل والتـي كانت تُدعى أحيانًا "جليل الأمم" لأن عدد سكانه من الأمم كان أكثر من تعداد اليهود فيه. على النقيض من هذا كان أهل المقاطعة الجنوبية اليهودية الذين حافظوا على انعزالهم وانطوائهم والذي وصل إلى حد البر الذاتي والرياء. لكنه كان من الصعب على الناصرة أن تعيش منعزلة إذ كانت على تقاطع الطريق للشرق والغرب، وهناك تقابل يسوع مع خليط من الناس غير اليهود، ولا بد أن يكون هو وتلاميذه على معرفة بالأفكار الرومانية واليونانية بالإضافة إلى تراثهم الديني اليهودي"(19).. حقًا أن الله في اتضاعه اختار بيت لحم القرية الصغيرة ليولد فيها، واختار الناصرة المدينة المحتقرة ليعيش فيها... حقًا أن مدينة الناصرة ينطبق عليها قول معلمنا بولس الرسول: "واخْتَار اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ"(1كو 1 : 28).
4ـ يرى الكاتب الكبير "عباس محمود العقاد" أن الناصرة كانت قائمة في زمن المسيح وكان اسمها "نذيرة،" وكانت تنطق بالصاد أو بالسين، فيقول: "وأن بعض المؤرخين يحسب السيد المسيح من النذيرين ويلتبس عليه الأمر بين النذيري والناصري وهما في اللفظ العبري متقاربان، ومن هؤلاء المؤرخين من يزعم أنه لم يكن من الناصرة، بل يزعم أن الناصرة لم يكن لها وجود لأنها لم تذكر قط في كتب العهد القديم، ولكن الأرجح في اعتقادنا أن الناصرة نفسها كانت تُسمى نذيرة بمعنى الطليعة عندما كانت على تخوم الأرض التي فتحها العبريون قديمًا، وأنها كانت مرْقَبًا صالحًا للاستطلاع، لأن التلول التي تحيط بها تكشف جبل الشيخ والكرمل والمرج المعروف بِاسم مرج ابن عمير، وبهذا تزول الصعوبة التي اعترضت المفسرين الغربيين على الخصوص، ولا سيما الناظرين في اللغة اليونانية، لغة الأناجيل، فلا عجب أن يضلوا مع التصحيف اللساني فلا يفرقوا بين النسبة الى المنذرين والنسبة الى النذيرة، وبخاصة إذا كان اسم البلدة قد عرض على التصحيف على ألسنة العبرانيين والغرباء على طول الزمن، فنطقوه تارة بالصاد وتارة بالسين" (20).
5ــ جاء في "ويكيديا الموسوعة الحرة": "من مدينة الناصرة مدينة قديمة عُرفت وسُكنت منذ القديم على الرغم من مرورها بفترات زمنية لم تكن فيها ذات أهمية كبيرة، ولم يرد ذكر لها في كُتب العهد القديم، أو المصادر الأدبية، ولكن هذا لا يعني أنها عُرفت وسُكنت فقط في العهد الجديد وبعد ميلاد المسيح، إذ أن الحفريات الأثرية دلّت على أن الناصرة كانت مسكونة في العصر البرونزي المتوسط وفى العصر الحديدي. وقد أظهرت الحفريات التي جرت في مغارة القفزة الواقعة على سفوح جبل القفزة اكتشافات غنية في فترة ما قبل التاريخ، وأول من انتبه لوجود هذه البقايا كان الرهبــان الفرنسيسكان" (من شبكة الإنترنت).
وبعد أن دمر تيطس أورشليم وأحرق الهيكل، عاد اليهود وعصوا ثانية فأرسل الإمبراطور هدريان جيشًا لأورشليم 131م وأخضعهم ودمّـر أورشليم ثانية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وحكم على كل يهودي يدخل لأورشليم بالموت، فوجّه اليهود أنظارهم صوب الجليل، واستطاعوا الحصول على امتياز من الإمبراطور بعدم دخول أحد غير يهودي لبعض المدن التي سكنوا فيها، ومنها الناصرة وظل هذا الوضع حتى سنة 250م لا يدخل الناصرة غير اليهودي، فاحتجبت المدينة عن عيني الأمم، ثم تغيّر الوضع سنة 250م، وخلال الفترة 306 - 337 م بنيت في الناصرة الكنائس والأديرة، وفي سنة 404م زارت القديسة الغنية "باولا" الناصرة وقالت عنها: "ذهبنا الى الناصرة التى هى كاسمها زهرة الجليل"، وتشير الحفريات إلى أول كنيسة بالناصرة وهى كنيسة البشارة ويرجع تاريخها الى سنة 450م، ودخلت الكنيسة في حوزة العرب سنة 634 م على يد القائد شرحبيل بن حسنة الذي فتح شمال فلسطين، وذكرها اليعقوبي في القرن التاسع الميلادي، وكذلك المسعودي في القرن الحادي عشر... الخ، وقد لمع اسم المدينة أيــام إبراهيـم باشا وظاهــر العمـر وأحمد باشا الجزار وسليمان باشا وعبد الله باشا (موقع riaaya. org gepgrafya شبكة الانترنت).
وشمال منطقة الجليل ذكرت الأناجيل مدينتي صور وصيدا التابعتين لفينيقيا، فلا بأس أن نأخذ فكرة مبسطة عن كل منهما:
اسم "صور" اسم سامى معناه "صخر"، وهى ميناء شهير على ساحل البحر المتوسط جنوب صيدا بنحو 40 كم، وشمال عكا بنحو 40 كـم أيضًا، وقــال "هيروديت" أنها تأسست نحو سنة 2750 ق. م (هيرودتس 2 : 44)، وجاء اسمها في نقوش مصريــة ترجع الى نحو 1850 ق. م، وخضعت صور لمصر في القرن الخامس عشر ق. م كما هو واضح في ألواح تل العمارنة وكانت مدينة حصينة فلم تخضع لبني إسرائيل (يش 19 : 29) فكانت عند حدود سبط أشير، وعندما غزا الفلسطينيـون صيدا (صيدون) نحو سنة 1200 ق. م هرب كثير من سكان صيدا إلى صور، ولذلك دعى إشعياء النبي صور بأنها "بنت صيدون" (إش 23 :12)، ونحو سنة 1000 ق. م كان حيرام ملك صور صديقًا لداود الملك فمده بمواد البناء والأخشاب والعمال المهرة لبناء قصره الملكي، وهكذا فعل مع سليمان عند بناء الهيكل (2 صم 5 : 11، 1مل 5 : 1، 1أي 14 : 1)، ولم يكن أهل صور يميلون للحروب، فاشتهرت بالتجارة، وأبحرت سفنها الى أسبانيا وقرطاجة (تونس) ووصلت إلى غرب أفريقيا، واشتهرت بصناعة الزجاج والأرجوان والقرمز والأشغال المعدنية، وتزوج أخآب ملك اسرائيل من إيزابيل بنت إيثبعل ملك صور (1مل16 : 31) فأدخلت عبادة البعل الى مملكة إسرائيل، وتصدى لها إيليا النبي الناري، وذبح كهنة البعل على جبل الكرمل.
لقد ازدهرت صور وتوسعت في التجارة على مدار ألفي عام حتى صارت تنافس روما، وصارت سيدة البحار وملتقى التجار، وجذب ميناءها السفن من شتى الدول، وفيها أقيمت أسواق الذهب والفضة والأحجار الكريمة واللؤلؤ والعاج والأبنوس، فصارت عروس أسيا بلا منازع، وقد عاينت هذه المدينة أحداثًا عجيبة قصَّتها نبوات الكتاب المقدَّس قبل حدوثها، فتنبأ إشعياء عن انتقال المدينة من مكانها إلى مكان آخر قائلًا: "عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إِلَى مِصْرَ يَتَوَجَّعُونَ. عِنْدَ وُصُولِ خَبَرِ صُورَ. اُعْبُرُوا إِلَى تَرْشِيشَ. وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. أَهذِهِ لَكُمُ الْمُفْتَخِرَةُ الَّتِي مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ قِدَمُهَا تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا بَعِيدًا لِلتَّغَرُّبِ"(إش ِ 23 : 5 ـ 7) فقوله: "تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا بَعِيدًا لِلتَّغَرُّبِ" إشارة إلى انتقال المدينة من مكانها إلى جزيرة في البحر، وتنبأ حزقيال النبي عليها قائلًا: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَى صُورَ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ مِنَ الشِّمَالِ. مَلِكَ الْمُلُوكِ بِخَيْل وَبِمَرْكَبَاتٍ وَبِفُرْسَانٍ وَجَمَاعَةٍ وَشَعْبٍ كَثِيرٍ... وَيَجْعَلُ مَجَانِقَ عَلَى أَسْوَارِكِ وَيَهْدِمُ أَبْرَاجَكِ بِأَدَوَاتِ حَرْبِهِ" (حز 26 : 6، 9) وهــذا عيـن ما حدث، إذ حاصر "نبوخذراصر" مدينة صور ثلاثة عشر عامًا (585 - 573 ق. م) فهجرها معظم أهلها إلى جزيرة مقابلها في البحر، وقد حملوا إليها أموالهم، وتحصنوا في الجزيرة وعاشوا فيها ودعيت أيضًا بِاسم صور، فتحققت نبوة إشعياء "تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا بَعِيدًا لِلتَّغَرُّبِ"، وعندما اقتحم نبوخذ نصر المدينة القديمة لم يجد أموالًا ولا كنوزًا، وهذا ما عبرت عنه نبوة حزقيال النبي، "يَاابْنَ آدَمَ. إِنَّ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ اسْتَخْدَمَ جَيْشَهُ خِدْمَةً شَدِيدَةً عَلَى صُورَ... وَلَمْ تَكُنْ لَهُ وَلاَ لِجَيْشِهِ أُجْرَةٌ مِنْ صُورَ لأَجْلِ خِدْمَتِهِ الَّتِي خَدَمَ بِهَا عَلَيْهَا" (حز 29 : 18).
وعندما زحف الإسكندر على بلاد الشرق استسلمت له المدن والأقاليم، أما صور فأبت وقاومته فحاصرها، وبنى جسرًا ليصل من مدينة صور القديمة للجزيرة التي احتمى بها سكان صور، ولكن أهل صور دمروا هذا الجسر قبل أن يُكتمل، فجمع سفنًا من المدن الفينيقية التي خضعت له، وأعاد بناء السور وقاد المعركة بنفسه حتى دخل المدينة سنة 332 ق. م بعد حصار دام سبعة شهور، فأعمل في شبابها ورجالها السيف حتى قتل ثمانية آلاف وصلب ألفين وأسر ثلاثين ألفًا باعهم في سوق العبيد، واستجلب سكانًا آخرين للمدينة، وتحققت نبوة حزقيال النبي عنها (حز 26 : 3 - 21) وأيضًا نبوة زكريا النبي (زك 9 : 3، 4) وفى سنة 198م عندما آلت صور لحكم السلوقيين، وأدرك السلوقيون أهمية المدينة منحوها بعض الامتيازات، وفى حكم الرومان صارت صور مدينة حرة تتمتع بالامتيازات التي تتمتع بها روما، وكانت صور أقرب إلى بني إسرائيل من صيدون وفاقتها في العظمة، وخضعت لحكم الملك هيرودس الكبير، فبنى فيها معبدًا ضخمًا، وإليها ذهب السيد المسيح، فمر على شاطئ صور وصيـدا (مت 15 : 21 - 28، مر 7 : 24 - 31)، كمـا جـاء إليه قوم من صور وصيدا (مر 3 : 8) وقال السيد المسيح: "وَيْلٌ لَكِ يَاكُورَزِينُ وَيْلٌ لَكِ يَابَيْتَ صَيْدَا. لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ الْقُوَّاتُ الْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا لَتَابَتَا قَدِيمًا فِي الْمُسُوحِ وَالرَّمَادِ... " (مت 11: 21، 22)، وانتشر في صور الدين المسيحي، حتى أن بولس الرسول مكث فيها سبعة أيام أثناء عودته من آسيا الصغرى إلى أورشليم (أع 21 : 3 - 7) وفيها دُفن العلامة أوريجانوس سنة 254م.(راجع قاموس الكتاب المقدَّس ص 559 - 591، ودائرة المعارف الكتابية جـ 5 ص 58-62).
اسم "صيدا" اسم سامى معناه "مكان الصيد"، وتقع في منتصف المسافة بين صور وبيروت، وتعتبر من أقدم مدن فينيقيا، فأسمها مأخوذ من اسم بكر كنعان بن حام بن نوح (تك 10 : 15) وتقع في سهل ضيق محصور بين ساحل البحر المتوسط وجبل لبنان، وتشرف على سهل خصب، وكان للمدينة ميناءان شمالي وجنوبي، وجاء ذكرها في ألواح تل العمارنة في القـرن الخامس عشر قبل الميلاد حيث كانت خاضعة لمصر، ودُعيت في سفر يشوع بِاسم "صيدون العظيمة" (يش 11 : 8)، وكانت رائدة مدن فينيقيا في ركوب البحر والإبحار مسترشدين بالنجـوم، وعمــل أهلهـا بالتجارة البحرية (إش23 : 2، حز 27 : 8) كما كانت المدينة تمثل مركزًا صناعيًا هامًا واشتهر أهلها بصناعة الأدوات الجميلة من الفضة والبرونز، وصناعة النسيج المطرز والأرجوان، وزادت قيمة المدينة بعد دمار مدينة صور بيد الإسكندر، وبعد موته آلت إلى حكم البطالمة حتى سنة 198 ق. م، وعندما انتصر أنطيوخس الثالث على بطليموس سكوباس آلت إلى حكم السلوقيين، وعندما خضعت المنطقة للإمبراطورية الرومانية منحتها روما نوعًا من الحكم الذاتي، وكان لها حق صك نقودها من البرونز، وكانت صور مدينة حرة (مت 11 : 21).
وجاء ذكر "صيدا" في العهد الجديد عدة مـرات، وقـد ذهـب السيد المسيح إلى "نواحي صور وصيدا"، وهناك جاءت إليه المـرأة الكنعانية (مت 15 : 21 - 28، مر 7 : 24 - 31) وفيها انتشرت المسيحية، ففي سفر بولس الرسول إلى روما رست السفينة على ميناء صيدا فسمح قائد المئة لبولس بأن يزور أصدقائه في المدينة ليحصل على عنايةٍ منهم (أع 27 : 3)، وفى عهد الإمبراطور أوغسطس قيصر وطيباريوس قيصر عرفت صيدا بمدرستها الفلسفية إذ كان معظم سكانها من اليونان. (راجع قاموس الكتاب المقدَّس ص 565، 567، ودائرة المعارف الكتابية جـ 5 ص 74 - 78).
_____
(14) الوجه الآخَر للمسيح ص 93.
(17) قضايا مثيرة في المسيحية والإسلام ص 133.
(18) دائرة المعارف الكتابية جـ 6 ص 95.
(19) مدخل العهد الجديد ص 52 .
(20) حياة المسيح في التاريخ وكشوف العصر الحديث ص 55، 56.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/6.html
تقصير الرابط:
tak.la/hrp3w9s