س 46: كيف نتعامل مع الصعوبات التي تواجهنا في الكتاب المقدَّس؟ وما هو موقفنا تجاه الذين يهاجمون الكتاب المقدَّس؟
أولًا: ثقتنا بالكتاب
المقدَّس كاملة
ثانيًا: لا نخشى الآراء
السلبية
ثالثًا: تضارب أقوال النُقَّاد
رابعًا: أمور يجب مراعاتها
أمثلة
العبارات التي تبدو في ظاهرها متناقضة:
1ــ عبارتان تحملان نفس الاسم
2ــ عبارتان بينهما فارق
زمني
3ــ عبارتان أحدهما
تثبت والأخرى تُنفي
4ــ عبارتان أحدهما أوسع
من الأخرى
خامسًا: عامل الزمن
سادسًا: موقفنا تجاه النقاد
سابعًا:
كيفية التعامل مع الصعوبات في الكتاب المقدَّس
+ هل بالكتاب المقدس أخطاء؟!
+ الله لا يمكن أن يخطئ
+ الكتاب المقدَّس هو
كلمة الله
+ أن الكتاب المقدَّس
لا يمكن أن يخطئ (معصوم من الخطأ)
+ هل
يمكن تصديق الكتاب المقدَّس في العلوم والتاريخ
+ أخطاء النقاد:
نحن نثق في كتابنا المقدَّس الذي كتبه رجال الله القديسون مسوقين ومحمولين بالروح القدس، فهو الكتاب المعصوم، وعصمته تامـة، كاملة، وشاملة، لذلك عندما تواجهنا أي مشكلة أو معضلة في الكتاب المقدَّس لا ننفعل ولا نحتد ولا نملأ الدنيا صياحًا، ولا نشك في صحة ما جاء بالكتاب، بل نهدأ إلى أنفسنا ونأخذ فرصتنا كاملة في الدراسة والتأمُّل والصلاة، حتى يفكُّ الروح القدس أمامنا الختوم، ويفتح أمامنا الأبواب المغلقة، فنفهم وندرك ما غمض علينا، وما أجمل طلبة معلّمنا بولس الرسول لتليمذه تيموثاوس: " افْهَمْ مَا أَقُولُ. فَلْيُعْطِكَ الرَّبُّ فَهْمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ" (2تي 2 : 7).
ويقول "جاك كاترول": " ولا شك أن هذا هو ردنا أيضًا عندما نسمع أي اعتراض على الكتاب المقدَّس، إننا نقول على الفور أننا نعرف هذا الكتاب، أن بصمات الله واضحة في كل أجزائه وصفحاته، أن سجله وتاريخه عريق في الدقة والأمانة. لقد أُتهم عشرات المرات من قبل، ولكن في كل مرة ثبت عدم صحة الاتهامات. لا بد أن تكون هذه الاعتراضات مبنية وناشئة عن سوء فهم للكتاب المقدَّس، وأعتقد أن من واجبنا ومسئوليتنا أن نجتهد لكي نساعد هؤلاء الناس على التخلص من سوء الفهم هذا" (261).
فإيماننا بالكتاب المقدَّس لا يتوقف على آراء النُقَّاد، ولا المؤرخين ولا العلماء، لأن مرجعنا هو ما يقوله الكتاب المقدَّس عن نفسه وليس ما يقوله الآخرون عنه، ونحن نرحب بجميع آراء النُقَّاد مهما كانت تحمل من شحنات بغضاء وكراهية وجوانب سلبية، ونأخذ ملاحظاتهم الموضوعية بعين الاعتبار، نطرحها على طاولة البحث، فندرسها ونفحصها ونمحّصها بروح الاتضاع والصلاة، حتى نكشف عن حقيقة هذه المشكلة أو تلك المعضلة، وبهذا تزداد معرفتنا نحن بالكتاب المقدَّس يومًا فيومًا، فنشكر مع القديس أوغسطين أولئك النُقَّاد الذين دفعونا للبحث والتنقيب لنُخرِج جددًا وعتقاء، وليس المطلوب منا أن نُقيم أسوارًا حول كتابنا المقدَّس، وحول أنفسنا وأولادنا وكنائسنا، فنحن نعيش جو السموات المفتوحة والتواصل الاجتماعي، فلا يصلح ولا يصح أن يغلق الإنسان على نفسه وينعزل عن الواقع، لأن خبر ما في قرية ما في أقاصي الأرض سريعًا ما تجده يلف الكرة الأرضية.
فليس معنى انتقاد البعض لبعض الأمور في الكتاب المقدَّس، أنهم على حق والكتاب على باطل، فكثيرًا ما يختلف النُقَّاد فيما بينهم ويناقض بعضهما البعض، وطالما تضاربت انتقاداتهم، بل أن الناقد الواحد أحيانًا يناقض نفسه، ومعظم النُقَّاد أحادي النظرة، فكل هدفه نقض هذا الكتاب الخالد، غيرةً وحسدًا، فيهاجم أمورًا ولا يدري أنه هو نفسه يؤمن بمثل هذه الأمور، إذ أنها وردت في الكتاب الذي يؤمن به، أو في التراث الذي ينتمي إليه، ولذلك فإن ثقتنا في كتابنا المقدَّس لا تُقارن بثقتنا في هؤلاء النُقَّاد. ثقتنا في كتابنا هيَ ثقة عامة وشاملة وكاملة وتامة، فهو الكتاب الوحيد المُوحَى به من الروح القدس، المعصوم من الخطأ، بينما كل ناقدٍ هو إنسان، وكل إنسانٍ عرضة للسقوط في الخطأ سواء عن قصدٍ أو عن جهلٍ، فكيف يحكم الإنسان غير المعصوم على الكتاب المعصوم؟!
ويقول "چاك كاترول": "لا بد لنا ونحن ندرس الكتاب المقدَّس أن نضع في حسباننا تمامًا عدم عصمتنا من الخطأ، لذا حتى إذا واجهنا ما نزعم أنه تناقض أو خطأ في الكتاب المقدَّس، نسأل أنفسنا أولًا عن مدى فهمنا السليم للكتاب المقدَّس"(262).
في دراستنا لمعضلات ومشكلات الكتاب المقدَّس علينا مراعاة الآتي:
1ـــ قراءة الآية محل الخلاف في سياقها وربطها بالفقرة وبالحدث الذي تدور في فلكه وفهم قصد الكاتب وهدف السفر ولمَن يكتب هذه الآية، للمؤمنين أو غيرهم، للمطيعين أم للعصاة؟ وما هيَ القرينة التاريخية التي ذُكرت فيها هذه الآية؟ والاطلاع على الترجمات المختلفة، فربما ما غمض في ترجمة تكون قد أوضحته ترجمة أخرى كما أن معرفة القواعد النحوية للُّغة الأصلية التي كُتبت بها الأسفار يحل الكثير من أوجه اللبس، فمثلًا قول يوحنا الحبيب: " كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً" (1يو 3 : 9) لا تعني أن الإنسان المؤمن لا يخطئ على الإطلاق، ولكنها تعني أنه لا يستمر في الخطية، لأن الفعل المستخدم في اللغة اليونانية جاء في زمن "المضارع التام" فالمعنى ليس إنسان مولود من الله يستمر بارتكاب الخطية بصفة مستمرة كطريقة للحياة.
2ـــ ربط الآية أو الفقرة محل البحث بمرادفاتها من آيات وفقرات أخرى، ويساعدنا في هذا البحث الكتاب المقدَّس المشوهد، فهو يحمل شواهد في جانب الصفحة تربط الكلمة أو الآية بمثيلاتها في الكتاب المقدَّس كله.
3ـــ تفسير الآيات الصعبة في ضوء الآيات السهلة، وتفسير الآية أو الفقرة محل البحث في ضوء القرائن يساعد على الفهم الصحيح، وعملًا بقول الكتاب: " قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ" (1كو 2 : 13).
4ـــ التعرف على الطريقة التي كُتبت بها الآية أو الفقرة محل البحث، هل هيَ تدخل في إطار الأحداث التاريخية، أم أنها تحمل نبوة عن أحداث مستقبلية، أم أنهـا فقرة شعرية... إلخ، ونحن نعلم أن الكتاب الخالد استخدم الأساليب الأدبية على مستوى رفيع، ففيه نلتقي بالرموز، والأمثلة، والتشبيهات، والاستعارات، والكنايات، والمجاز، وعلم البيان... لذلك يلزمنا الرجوع إلى قواعد اللغة والبيان لتفهم قصد الكاتب، فعندما يتغنى المرنم قائلًا: " الْجِبَالُ قَفَزَتْ مِثْلَ الْكِبَاشِ" (مز 114 : 4) فهو لا يقصد بالطبع المعنى الحرفي، فالجبال الراسخة لا تقفز ولا تتحرك، ولكنه تعبير عن الفرحة التي يشعر بها الإنسان، ومثلها قول إشعياء النبي: " وَكُلُّ شَجَرِ الْحَقْلِ تُصَفِّقُ بِالأَيَادِي" (إش 55 : 12)، فليس للشجر يدان تصفقان، ولكننا نأخذ المعنى البلاغي، فإشعياء النبي يشعر أن تمايل فروع الأشجار كأنها تصفق، وهذا تعبير عن فرح الخليقة بجابلها، وهكذا قال المرنم: " الْجَاعِلُ السَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ" (مز 104 : 3)، وعندما قال الكتاب عن الله أنه "خزَّاف" فهو لم يقصد المعنى الحرفي، ولكن صُنْع الخزَّاف الآنية الفخارية من طين الأرض، يذكرنا بخلقة الله للإنسان من طين الأرض، وقد رأى بولس الرسول في هاجر وسارة رمزين للعهد القديم والجديد، وللعصرين عصر الناموس وعصر النعمة... إلخ (راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 6 ص 318، 319).
5ــ عند دراسة معضلة في الكتاب المقدَّس يحسن بنا أن نلم بالخلفيات التاريخية والحضارية للسفر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكيف جرت الأحداث، وملابساتها... إلخ، والاستعانة بدوائر المعارف والقواميس الخاصة بالكتاب، وتفسيرات الآباء، وكيف فهموا هذا النص محل البحث.
6ـــ قد يستخدم الكتاب أسلوب الماضي في الحديث عن نبوة سوف تحدث في المستقبل، وذلك للتأكيد على حتمية حدوثها، وأنها سوف تحدث بدون أي شك. كما أن النبوة كثيرًا ما تشير إلى حدثين، حدث في الزمن القريب، والآخر في الزمن البعيد، فعندما تحدث السيد المسيح في (مت 24، 25) مزج بين علامات خراب أورشليم وحدث هذا سنة 70 م.، وبين علامات المجيء الثاني الذي لم يتحقَّق بعد.
7ــ اقتباسات رجال العهد الجديد من أسفار العهد القديم كان إما اقتباسات حرفية أو اقتباسات بالمعنى، فمثلًا تنبأ ميخا النبي قائلًا: " أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ" (مي 5 : 2)، وجاء متى الإنجيلي وأقتبس هذا النص بالمعنى فقال: " وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا" (مت 2 : 6)، فبدأت كأن هناك إشكالية وهيَ: هل بيت لحم صغيرة حسب قول ميخا النبي أم أنها ليست صغيرة حسب قول متى الإنجيلي؟.. والحقيقة أن بيت لحم كانت صغيرة قبل ميلاد المسيح، ولكن بعد ميلاد السيد المسيح فيها لم تعد صغيرة، بل صارت شهرتها تعم الآفاق.
8ـــ لم يستخدم الكتاب المقدَّس اللغة العلمية المتخصصة، لأن هذه اللغة دائمًا تتطوَّر ولا تثبت على حال، وكم من الكتب العلمية لم يعد لها قيمتها العلمية التي كانت لهـا يوم أن كُتبت، ولو كُتب الكتاب المقدَّس بلغة علمية لقرأه العلماء فقط بينما هو كُتِب لسائر الخليقة، لذلك أستخدم الكتاب لغة الحياة اليومية العامة، وإن كانت قد وردت فيـه بعض الحقائق العلمية، فلا يوجد تناقض قط بين الكتاب المقدَّس والعلم الصحيح الحق. (راجع مدارس النقد - عهد قديم - جـ 3 س 164).
9ـــ حمل بعض الأشخاص الذين جاء ذكرهم في الكتاب المقدَّس أكثر من اسم، فإبراهيم هو أبرآم، وإسرائيل هو يعقوب، ويربَّعل هو جدعون، ويوحنا هو مرقس، وبطرس هو سمعان... إلخ، وأيضًا حملت بعض المدن أكثر من اسم فأورشليم هيَ يبوس وهيَ ساليم، ودان هيَ لايش... إلخ.
10ــ جاءت الأعداد في الكتاب المقدَّس بصورتين، أحدهما صورة محددة ودقيقة، والأخرى صورة تقريبية.
فمثلًا جاء في سفر الأعمال أن الملك هيرودس قطع رأس يعقوب بالسيف (أع 12 : 2)، وفيما بعد في مجمع أورشليم نجد يعقوب أحد المتكلمين (أع 15 : 13)، والحل بسيط وهو أن يعقوب الأول الشهيد هو يعقوب بن زبدي أخو يوحنا، ويعقوب الذي حضر مجمع أورشليم هو يعقوب بن حلفى.
فمثلًا في سفر التكوين: " وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا" (تك 1 : 31)، وفي نفس السفر: " فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ" (تك 6 : 6) والحل بسيط، وهو أن الله رأى كل ما عمله حسن جدًا عقب الخلقة، وحزن عندما رأى سقوط الإنسان وزيادة شره (تك 6 : 5).
فمثلًا قال السيد المسيح عـن يوحنا المعمدان: " وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا" (مت 11 : 14)، بينما عندما سأل الفريسيون يوحنا المعمدان عما إذا كان هو إيليا فأجاب قائلًا: " لَسْتُ أَنَا" (يو 1 : 21). والحل بسيط، وهو أن الرب يسوع يقصد أن يوحنا المعمدان جاء بروح إيليا وقوته كقول الملاك لابنه (لو 1 : 17)، بينما يوحنا المعمدان ينفي عن نفسه أن يكون إيليا التشبي النبي.
كقول يوحنا بوجود ملاكين في القبر (يو20 : 12)، بينما مرقس يقول أنه ملاك واحد (مر 16 : 5)، والحل بسيط لأن مرقس لم يقل أنه لا يوجد سوى ملاك واحد، فكونه ذكر ملاكًا لا يعني عدم وجود ملاك آخر... وهلم جرا (راجع أنور يسى منصور - قضايا خطيرة ص 79 - 83).
كانت هناك أمورًا اعتبرت في الماضي معضلات عظيمة تعرضت للنقد أجيال طويلة، ولكن الزمن كشف عن حقيقتها، فمن كان يصدق أن عذراء تلـد (إش 7 : 14)..؟! ومَن كان يعقل أن المولود هو ولد وهو إله قديــر في آن واحد (إش 9 : 6)..؟! ومَن كان يصدق أن مدينة بابل العظيمة، سيدة مدائن الأرض ستخرب ولن تعمر ثانية..؟! ومَن كان يصدق أن العناصر سوف تنحل (2بط 3 : 10، 11)؟!
ويقول اللاهوتي "و. أ. كريسويل" في عام 1861م: " نشرت الأكاديمية الفرنسية للعلوم كتيبًا صغيرًا وضعوا فيه 51 حقيقة علمية تتعارض مع كلمة الله، واليوم لا يوجد عالِم واحد في العالم يعتقد بحقيقة واحدة من هذه الحقائق المزعومة التي ظهرت عام 1861م، ولا واحدة " (263).
ويقول "چاك كاترول": " ولعل أبسط دليل على ذلك ما حدث في عام 1861م عندما أصدرت الأكاديمية العلمية الفرنسية قائمة مكوَّنة من إحدى وخمسين حقيقة علمية وقالت الأكاديمية أن هذه الحقائق تتعارض مع الكتاب المقدَّس، ومع مرور السنين ثبت عدم صلاحية أو سلامة كل واحدة من هذه الحقائق... العجز البشري عن حل بعض المشاكل لا يعني أبدًا أن هذه المشاكل ليس لها حل... لا بد أن تكون لدينا ثقة كاملة في أن هناك حلًا، وأن هذا الحل لا بد أن يظهر في وقت ما من الأوقات في المستقبل، وهذا قد حدث كثيرًا في بعض أعداد العهد القديم.
من الضروري أن لا نشعر بالتخوف إذا عجزنا عن حل بعض الصعوبات لأن الماضي قدم لنا الكثير من الحلول للكثير من المشكلات التي سبقت واعترضت غيرنا أو اعترضتنا مرات كثيرة. لقد قدم التاريخ حلولًا، وقدمت اللغة حلولًا أخرى، وقدمت الاكتشافات والحفريات حلولًا ثالثة، وفي كل مرة كانت تظهر الحقيقة وكل ما كان يُظَن أنه خطأ في الكتاب المقدَّس يظهر أنه حق وأنه صحيح بالرغم من كل المحاولات والاجتهادات لإثبات عكس ذلك" (264).
يقول "بول ليتل" أن: " الدليل قد أثبت الدقة الإجمالية للنصوص الكتابية برغم النسخ من نسخة لأخرى عبر مرور الزمن... وذلك نتيجة للعناية الفائقة التي كان النُسَّاخ يمنحونها لكل نسخة... بمقارنة هذه الآلاف من الوثائق الكتابية، هناك بعض المشكلات تبدو حتى الآن غير قابلة للتفسير. يمكننا أن نعترف بذلك بلا خوف، متذكرين أوقاتًا عديدة في الماضي عندما تم حل العديد من المتناقضات المحتملة في النص حينما توافرت المزيد من المعلومات. ولذلك فإن الموقف المنطقي الذي علينا اتخاذه هو: أنه عندما تكون هناك مناطق تبدو متناقضة يجب إرجاء المشكلة قليلًا" (265).
يقول "چوش مكدويل": "مثل هذه التناقضات المُدَعاة ليست جديدة، لقد عُرفت بواسطة دارسي الكتب المقدَّسة خلال القرون الماضية... فالكتاب يقف صامدًا، وهناك الكثير من المشاكل تنكشف أكثر مما كان حادث منذ قرون مضت، وهناك اكتشافات في البحر الميت، والسامرة، ونجع حمادي، ومؤخرًا في إبلا، تعطي أدلة قوية للمواقف التي يتمسك بها اللاهوتيون لزمن طويل" (266).
هؤلاء النقاد الذين يهاجمون الكتاب المقدَّس هم يناطحون الصخر... من جهتنا نحن نحبهم بالحقيقة وينبغي أن نُصلِّي من أجلهم ليفتح الله عيون أذهانهم وينير بصيرتهم فيرجعون للحق والحق يحررهم، وفي نفس الوقت لا ننساق وراء أفكارهم الهدَّامة وأراءهم المسمَّمة، وأيضًا لا نهتز بسبب سخريتهم واستهزاءهم بالأسفار المقدَّسة وتشكيكهم في صحتها، فالكتاب سيظل صامدًا شامخًا يتحدى تحديات النقاد، ويتحدى معاول الهدم، وهكذا سيظل حتى المجيء الثاني لصاحب ورب هذا الكتاب... فقط علينا أن نهتم بكل نقد موضوعي ندرسه ونبحثه، نفحصه ونمحصه، ونسلط عليه نور الحق، فيتلاشى ويضمحل مثل الظلمة أمام النور، ونحن في ملء الثقة أن لكل سؤال بنعمة ربنا جواب، وأيضًا نشكر هؤلاء النقاد الذين هيئوا لنا الفرصة وأعطونا الدافع للبحث والتنقيب في كتابنا المقدَّس، ولعل سلسلة "ملف مفتوح" من موسوعة "اقرأ وافهم" التي غطت الكثير من أسفار العهد القديم، وتمدَّدت للعهد الجديد هيَ ثمرة الجهد المبذول للرد على تساؤلات هؤلاء النقاد المحبوبين... فأهلًا بكل نقد يوجه لكتابنا المقدَّس.
هذه مقتطفات تُرجمت بتصرف قامت بها الكيميائية المعيدة بمادة النقد الكتابي باكليريكية القديس أثناسيوس بدمهور "ميري بشارة عدلي" من كتاب "عندما يسأل النُقَّاد" When Critico Ask لمؤلفيه "نورمين جيسلر" و "توماس" Norman Geisler and Tomas Howe من ص 11 - 24 :
يزعم النقاد أن الكتاب المقدَّس ملئ بالأخطاء قد تصل إلى الآلاف، لكن الحقيقة أنه لم يثبت خطأ واحد في النص الأصلي للكتاب المقدَّس...
هذا لا يعني أنه لا توجد بعض الصعوبات في الكتاب، لكنها ليست أخطاء فعلية لأن الكتاب المقدَّس هو كلمة الله، والله لا يمكن أن يخطئ... فلنفكر بشكل منطقي...
وبما أن الكتاب المقدَّس هو كلمة الله.
بناءً على ذلك فالكتاب المقدَّس معصوم من الخطأ.
هذا استنتاج منطقي لأي عاقل... فإن كانت المقدمات (الأساسيات) صحيحة وحقيقية، بالتالي فإن الاستنتاجات أيضًا حقيقة... كما سنرى. والكتاب المقدَّس يعلن بوضوح عن نفسه كونه كلمة الله، ويخبرنا أيضًا أن الله لا يمكن أن يخطئ بالتالي فالاستنتاج إذًا أمر لا مفر منه، أن الكتاب المقدَّس معصوم من الخطأ... لكن إن كان بالكتاب أي جزء خطأ يؤكد أن الله هو المخطئ لكن حاشا لله أن يخطئ...
والكتاب المقدَّس يعلن ذلك بشكل قاطع أنه "لاَ يُمْكِنُ أَنَّ اللهَ يَكْذِبُ" (عب 6 : 18) ويقول معلّمنا بولس الرسول ".. اللهُ الْمُنَزَّهُ عَنِ الْكَذِبِ" (تي 1 : 2)، "إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ" (2تي 2 : 13) وذلك هو كلمته وقد قال الرب يسوع للآب "كَلاَمُكَ هُوَ حَق" (يو 17 : 17)، وقد هتف المرنم "رَأْسُ كَلاَمِكَ حَقٌّ وَإِلَى الدَّهْرِ كُلُّ أَحْكَامِ عَدْلِكَ" (مز 119 : 160).
أشار الرب يسوع إلى العهد القديم على أنه " كلمة الله" الذي "لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ" (يو 10 : 35) وقد قال: "إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" (مت 5 : 18) وأضاف بولس "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ" (2تي 3 : 16)، لقد جاء "مِنْ فَمِ اللهِ" (مت 4 : 4) بالرغم من أن الأداة البشرية قد سجلت رسائله، "لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ" (2بط 1 : 21).
وقد قال الرب يسوع للزعماء الدينيين في عصره (الكتبة والفريسيين) "مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ" (مر 7 : 13)، وقد لفت انتباههم إلى كلمة الله المكتوبة مؤكدًا مرارًا وتكرارًا.." مَكْتُوبٌ... مَكْتُوبٌ أَيْضًا... لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ.." (مت 4 : 4، 7، 10) وقد تكررت هذه العبارة أكثر من تسعين مرة في العهد الجديد، وتُعد مؤشرًا للسلطة الإلهيَّة لكلمة الله المكتوبة... ويشير الرسول بولس للأسفار المقدَّسة بـ"كَلِمَةِ اللهِ" (رو 9 : 6) وكاتب العبرانيين أعلن أن "كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ.." (عب 4 : 12).
قد تكلم الله... الله الحق أعطانا كلمة الحق التي لا يمكن أن تحتوي على أي كذب...
البعض يقول أنه يمكن تصديق الكتاب المقدَّس في المسائل الأخلاقية، ولكنه ليس دائمًا صحيحًا بشأن المسائل التاريخية... لكن إذا كان هذا صحيحًا هذا من شأنه أن يجعل الكتاب المقدَّس غير فعال كسلطة إلهيَّة... حيث أن الروحيات غالبًا ما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ... فالواقع التاريخي، والعقيدة واللاهوت قائمان معًا أو يسقطان معًا.
باختصار... إذا كان الكتاب المقدَّس لا يتكلم بالصدق (أو لا يمكن تصديقه) في العالم المادي، حينئذ لا يمكن الوثوق به عندما يتحدث عن العالم الروحي... فهما يرتبطان ارتباطًا وثيقًا.
عندما يتعرض العلماء لظواهر تدل على شذوذ الطبيعة... فأنها تكون مجال للبحث والدراسة والتوقع بثقة أنه سيتم العثور على إجابة، وتاريخ العلم يشهد بذلك... على سبيل المثال، فلم يكن هناك تفسيرًا طبيعيًا للنيازك، وللكسوف، الأعاصير والزلازل حتى وقت قريب... لا يستطيع العلماء تفسير كيف تستطيع أن تنمو الحياة على الفتحات الحرارية في أعماق البحر، فلا يستسلم العلماء لليأس والبكاء، لكنهم على يقين أن تفسير هذه الظواهر العلمية يحتاج للصبر...
بالمثل... فما ليس له تفسير حتى الآن في الكتاب المقدَّس أو الأشياء الغير واضحة ليست هيَ غير قابلة للتفسير أو هيَ تناقضات، لكنه ببساطة ما زالت تحت إجراء البحوث.
يفترض النقاد خطأ الكتاب حتى يبرهن على صحته، مثلما نتهم أي مواطن بارتكاب الجريمة... لكننا ننظر للجميع كأبرياء إلى أن تثبت إدانتهـم... كذلك الكتاب المقدَّس هو "برئ" حتى يثبت إدانته... مثلًا... هل يمكننا افتراض أن جميع إشارات المرور لا تؤدي للحقيقة حتى يثبت العكس أو نفترض أن جميع الملصقات الغذائية خاطئة حتى نفتح جميع العلب ونحزم الوضع قبل الشراء؟.. وماذا لو افترضنا خطأ كل الأرقام على العملات؟.. فهذا النقد سلبي لا يستند على دلائل... ويبدأ مع مجرد افتراض عكسي، فلا عجب لهذا التفكير أن يستخلص أن الكتاب ملئ بالأخطاء.
... فالكتاب المقدَّس معصوم لكن التفسيرات البشرية ليست كذلك... وهذا وهو السبب في وجود محايات على الأقلام الرصاص ومفتاح "حذف" على "لوحة المفاتيح" لكن كلمة الله كاملة (مز 19 : 7). ولكن ما دام هناك بشر سيكون النقص موجود وسيكون هناك تفسيرات خاطئة.
لذلك... لا ينبغي أن يكون المرء متسرعًا في افتراض أن الرأي السائد حاليًا في العلم هو الكلمة الأخيرة حول هذا الموضوع، فآراء العلم في الماضي تعتبر الآن أخطاء.
فالخطأ الأكثر شيوعًا من النقاد أن نأخذ النص من سياقه الصحيح مثلًا... (مز 14 : 1) يمكن أن يثبت عدم وجود الله في "لا يوجد الله" بطبيعة الحال، لكن السياق هو "قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ لَيْسَ إِلهٌ"..
بعض المقاطع في الكتاب المقدَّس صعبة بسبب معانيهـا الغامضة. مثال خبزنا كفافنا، خبزنا الآتي... بعض المقاطع من الصعب فهم المعنى... وأحيانًا أخرى تكون الكلمات واضحة لكن المعنى ليس واضح مثل (1كو 15 : 29).. "الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ".. يجب أن نراعي أشياء عديدة في الاعتبار:
1ـــ لا ينبغي أن نبني عقيدة على أمور غامضة...
2ـــ عندما يبدو لنا شيء ليس واضحًا لا ينبغي لنا أن نستنتج أنه يعني شيئًا ما يعارض آخر... فالله لا يخطئ في كلامه لكننا نحن يمكن أن نخطئ في فهمنا لذلك الكلام...
... فقد كتبه بشر استخدموا أنماطهم البشرية الأدبية الخاصة فيظهر بأساليب مختلفة كالشعـر الرثائي كما في إشعياء والقواعد اليونانية البسيطة عند يوحنا، والمعقدة في العبرانيين...
فالكتاب المقدَّس هو الإنسان الكامل، بدون خطأ...
في بعض الأحيان الكتاب المقدَّس يعبر عن نفسه بطرق مختلفة... بالتالي الإلهام لا يستبعد تنوع التعبير، الأناجيل الأربعة ربطت نفس القصة بطرق مختلفة لمجموعات مختلفة من الناس وأحيانًا يقتبسون من بعضهم بكلمات مختلفة مثال اعتراف بطرس فـي إنجيل متى "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ"، وفي مرقس "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ"، وفـي لوقا "مَسِيحُ اللهِ" حتى الوصايا العشر المكتوبة بإصبع الله، بها اختلافات عندما أعطاها الله للمرة الثانية...
استخدم العهد الجديد اقتباسات من العهد القديم... ليست العبارات بالضبط فيشير لها النقاد على أنها اختلافات... وينسون أن الاقتباس ليس من الضروري أن يكون متطابقًا تمامًا لكن المهم أن يكون الأسلوب الأدبي مقبول لإعطاء الجوهر... فيمكن استخدام نفس التعابير اللفظية.
* في بعض الأحيان تختلف لتغير المتحدث. مثال زكريا يسجل كلام الرب قائلًا: ".. فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ الَّذِي طَعَنُوهُ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ.." (زك 12 : 10) لكن في العهد الجديد عندما يستشهد يوحنا، فيتم تغيير النص إلى "سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ" (يو19 : 37).
* أحيانًا أخرى يستشهد الكتاب بجزء من النص المذكور في العهد القديم مثل (لو 14 : 18 - 19) نقلًا عن (إش 61 : 1 - 2) فتوقف في نصف الجملة.
* في بعض الأحيان العهد الجديد يعيد صياغة أو يلخص النص في العهد القديم مثال (مت 2 : 6)..
* هناك أيضًا أحيانًا العهد الجديد يطبق النص بطريقة مختلفة مثل قول هوشع "مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِــي" (هو 11 : 1) لليهودي، أما متى فيطبق هذا على المسيح (مت 2 : 15)..
ذلك عندما تختلف تفصيلتان أو أكثر لنفس الحدث فهذا لا يعني أنهما متناقضان أو متنافيان.
على سبيل المثال: في (مت 28 : 5) يقول أنه كان هناك ملاكًا عند القبر بعد القيامة، في حين أن يوحنا يخبرنا أنه كان هناك اثنان (يو 20 : 12) لكن هذه التفاصيل ليست متناقضة...
في الواقع... هناك قاعدة رياضية صحيحة تشرح هذه المشكلة بسهولة فحينما يكون هناك اثنان، يوجد دائمًا واحد (ضمنيًا).. لا يمكن أن ننكر ذلك... فمتى لم يقل أنه كان هناك ملاك واحد فقط، فلم يضيف كلمة فقط لـ (متى) يجعلها تتعارض مع يوحنا. عندما يأتي الناقد للكتاب المقدَّس لكي يُظهِر به أخطاء عندئذ لا يكون الخطأ في الكتاب المقدَّس لكن في الناقد نفسه...
بالمثل في (مت 27 : 5) يخبرنا أن يهوذا شنق نفسه لكن لوقا يقول أنه "سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا" (أع 1 : 8) فهذه التفاصيل مختلفة لكنها لا تتعارض... إذ شنق يهوذا نفسه على شجرة على حافة هاوية وجسمه سقط على الصخور الحادة أسفله فتدفقت أحشاؤه خارجًا عنه، كما لو كان لوقا يصف تفاصيل الحدث بشكل واضح.
فمن الخطأ أن نفترض أن كل ما كُتب في الكتاب المقدَّس قد أُمتدح... الكتاب المقدَّس كله صحيح (يو 17 : 17) ولكنه قد سجل أكاذيب البعض على سبيل المثال... الشيطان (تك 3 : 4، راجع يو 8 : 44) وراحاب (يش 2 : 4)، الإلهام يشمل الكتاب المقدَّس بشكل كامل وتام بمعنى أنه يسجل بدقة وبصدق حتى أخطاء وأكاذيب الأشخاص الأشرار.
صدق الكتاب المقدَّس نجده فيما يكشفه (يوحي به) ليس في كل شيء سجله من أحداث. ما لم يتم هذا التمييز فلربما نخلص خطأ إلى أن الكتاب المقدَّس يعلِّمنا الفجور لأنه يروي لنا خطية داود (2صم 11 : 4)، وأنه يشجع على تعدد الزوجات لأنه يسجل زيجات سليمان (1مل 11 : 3) أو أنه يؤكد على الإلحاد لأنه يقتبس خداع قوله "لا إله" (مز 14 : 1).
لكي يكون صادقًا وصحيحًا... ليس مضطر لاستخدام لغة تقنية أو ما يُسمى "لغة علمية"، الكتاب المقدَّس قد كُتب للشخص العادي من كل جيل، لذلك فقد استخدم اللغة اليومية، واستخدام اللغة الوصفية وغير العلمية ليس هو ضد العلم (لا يتنافى مع العلم) لكنه هو مجرد ما قبل العلمي، فالأسفار المقدَّسة كُتبت في عصور قديمـة وفقًا للمعاييـــر (الضوابط) القديمة فلم يكن علميًا أن نتحدث عن: "يا شمس دومي" (يش 10 : 12) أو أن يُشير إلى "شروق الشمس" (يش 1 : 15) فخبراء الأرصاد الجوية المعاصرين ما زالوا يتحدثون يوميًا عن "شروق" و "غروب" الشمس...
خطأ آخر نجده مصطنع من قِبل النقاد... يدَّعون أن الأرقام التقريبية هيَ أرقام خاطئة... الأمر ليس كذلك لأن الأرقام التقريبية ما هيَ سوى أرقام تقريبية مثل معظم الكلام العادي، يستخدم الكتاب المقدَّس الأرقام التقريبية (1أي 19 : 18، 21 : 5).
على سبيل المثال فأنه يشير إلى القطر بنحو ثلث محيط الشيء، ومن الممكن أن يكون غير دقيق من وجهة نظر المجتمع التكنولوجي المعاصر أن نتحدث عن الرقم 3.14159265
كأنه رقم 3، ولكنه ليس غير دقيق... بالنسبة للأشخاص القدامى غير التكنولوجيين... فثلاثة و0.14 يمكن تقريب العدد إلى ثلاثة.
ذلك كان كافيًا لـ "البحر المسبوك" (2 أي 4 : 2).. على الرغم من أنها ليست كافية لكمبيوتر في صاروخ حديث... لكن لا أحد يتوقع الدقة العلمية في عصر ما قبل العلم...
كتاب الله المُوحَى به ليس من الضروري أن يتكون من نمط أدبي واحد، وواحد فقط، البشر هم مَن كتبوا كل سفر من الكتاب المقدَّس، واللغة البشرية ليست قاصرة على نوع واحد من التعبير، لذلك، ليس هناك سبب لافتراض أن نمط واحد أو نوع واحد أدبي قد استخدمه الوحي الإلهي... الكتاب المقدَّس يكشف عن عدد من الوسائل الأدبية.
أسفار عديدة قد كُتبت بالشعر (مثل أيوب، مزامير، أمثال)، إجمالي الأناجيل مليئة بالأمثال (حكايات رمزية). في غلاطية (ص4) بولس يستخدم الرمز. العهد الجديد يزخر بالعديـد من الاستعارات [على سبيل المثال (2كو 3 : 2 - 3؛ يو 3 : 6)] والتشبيهــات (راجع مت 20 : 1، يع 1 : 6) ويمكن أيضًا أن نجد المبالغات (أي 41 : 1)، يسوع وظف (استخدم) الهجاء (مت 9 : 24 مع 23 : 24) والاستعارة أو المجاز في الكلام شائع على طول الكتاب المقدَّس.
ليس خطأ كتبة الكتاب المقدَّس أنهم استخدموا الكلام المجازي... وإنما هو خطأ القارئ عندما يأخذ هذا المجاز حرفيًا... من الواضع... عندما يقول الكتاب للمؤمن يستريح في ظل أجنحة الله (مز 36 : 7) فهذا لا يعني أن الله هو طائر ذو ريش، وعندما يقول الكتاب المقدَّس لله "استيقظ" (مز 44 : 23) كأنما هو كان نائمًا... بل هو كلام مجازي...
عندما يأتي النقاد لخطأ في نسخة مخطوطة، ذلك يجعلهم يفترضون أن الأخطاء الفادحة الأخرى التي يفترضونها هيَ موجودة في النص الأصلي للكتاب المقدَّس... النص الأصلي فقط بدون أخطاء، والإلهام لا يضمن أن كل نسخة من الأصل بدون أخطاء... لذلك نتوقع أن الأخطاء الصغيرة هيَ التي يمكن العثور عليها في نسخة المخطوطة. ولكن مرة أخرى كما لاحظ القديس أُوغسطينوس بحكمة، عندما نصل إلى ما يُسمّى بالخطأ فـي الكتاب المقدَّس، يجب أن نفترض أحد أمرين... إما أن المخطوطة لم يتم نسخها بشكل صحيح أو أننا لم نفهم جيدًا. ولا يمكن أن نفترض أن الله قد أخطأ في الإلهام في النص الأصلي...
ينبغي مراعاة عدة أمور حول هذه الأخطاء النسخية... أولًا وقبل كل شيء هيَ أخطاء في النسخ، وليس في النسخ الأصلية، ولم يجد أحد في أي وقت مضى خطأ في المخطوط الأصلي. ثانيًا: هيَ أخطاء بسيطة (غالبًا في الأسماء أو الأرقام) التي لا تؤثر على أي عقيدة في الإيمان المسيحي. ثالثًا: هذه الأخطاء النسخية هيَ قليلة نسبيًا في العدد... رابعًا: من خلال السياق أو من خلال كتاب مقدَّس آخر. يمكن أن نعلم ما هو الخطأ...
غالبًا ما يقفز النقاد إلى استنتاج أن التعبيرات الغير مشروطة تتسع إلى دون استثناء... سفر الأمثال هو مَثَل جيد لمثل هذه القضية... الأمثال بطبيعتها إرشادات عامة فقط ليست شاملة... هيَ قواعد للحياة، ولكن القواعد لا تعترف بالاستثناءات (أمثال 16 : 7) هو مثال على ذلك ويؤكد أن "إِذَا أَرْضَتِ الرَّبَّ طُرُقُ إِنْسَانٍ جَعَلَ أَعْدَاءَهُ أَيْضًا يُسَالِمُونَهُ" لكن من الواضح أن هذا ليس حقيقة شاملة، بولس كان يُرضي الرب وكان لـه أعداء وقد رجموه (أع 14 : 19).. هذه هيَ الحقيقة العامة فإن الذي يعمل على إرضاء الله يمكن أن يقلل العداء من أعدائه...
... أحيانًا نقاد الكتاب المقدَّس يخلطون بين تدرج الوحي وبين الخطأ، فهذا يُعتبر خطأ بالنسبة للناقد، على سبيل المثال أن يسمح أحد الوالدين للطفل الصغير أن يأكل الطعام بأصابعه فقط حتى يخبروه في وقت لاحق استخدام الملعقة، هذا ليس تناقض ولا يناقض الأب نفسه على الإصرار لاحقًا أن الطفل لا بد له من استخدام الشوكة... هذا هو الوحي التدريجي... في الواقع كل هذا الوحي اللاحق هيَ ببساطة أوامر بسيطة مختلفة لأناس مختلفين وفي وقت مختلف في خطة الله الشاملة للفداء.
_____
(261) ترجمة منى مرتجى بطرس - سلطان الكتاب المقدَّس ص 56.
(262) ترجمة منى مرتجى بطرس - سلطان الكتاب المقدَّس ص 60.
(263) ترجمة وجدي وهبه - لماذا أؤمن. 2ـــ إجابات منطقية عن الإيمان ص 156.
(264) ترجمة منى مرتجى بطرس - سلطان الكتاب المقدَّس ص 60، 61.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/46.html
تقصير الرابط:
tak.la/s9gk8sg