س454: كيف تأثرت الكنيسة البيزنطية بآراء بعض الشخصيات مثل بيتر أبيلارد، وغريغوريوس بالاماس؟ وما هو رأي بالاماس في "تأليه الإنسان"؟
ج: تأثرت الكنيسة البيزنطية بآراء بعض الشخصيات عبر التاريخ، مثل "بيتر أبيلارد" (1079 - 1142م) صاحب نظرية التأثير الأخلاقي، الذي أنكر وراثة الخطية الأصلية، وهناك شخصيات أخرى مثل شخصية "غريغوريوس بالاماس"(2) (1296 - 1359م) الذي له آراء لا توافق عليها كنيستنا مثل فكره عن تألُّه الإنسان، وقد تأثر الفكر اللاهوتي الحديث لدى كنائس الروم الأرثوذكس بفكر غريغوريوس واعتبروه أنه حجر الزاوية في الفكر اللاهوتي، بينما لم تخرج كنيستنا عن فكر الآباء، البابا أثناسيوس الرسولي والقديس كيرلس الكبير. ونادى الروم الأرثوذكس بفكرة "التألُّه" ليس بحسب فكر الكتاب المقدَّس والقديس أثناسيوس، وللأسف فإن بعض الذين يحصلون على درجات علمية من جامعاتهم يعود بعضهم وقد تغيرت نظرته للكنيسة القبطية وعقائدها، فيتهمونها بالفقر والجهل اللاهوتي والجهل باللغة اليونانية التي صيغ بها الإيمان المسيحي، ويتهمون الكنيسة بأنها لم تنتج فكرًا لاهوتيًا منذ أيام أثناسيوس وكيرلس.
وتغيرت نظرة أصحاب هذه الآراء في الكنيسة القبطية مدَّعين أن لاهوت البابا شنوده مخالفًا للاهوت الآباء، وأن الكنيسة تتبع لاهوت الغرب في العصور الوسطى الذي بُني على نظرية الترضية لأنسلم الذي تأثر بفكر أُغسطينوس، وأخذوا يهاجمون القديس أُغسطنيوس فيقولون أنه تبنى الفكر اللاهوتي الغربي مع أن القديس أُغسطينوس عاش خلال الفترة (354 - 430م) حينما كانت الكنيسة واحدة والعقيدة واحدة لا يُوجد لاهوت شرقي وغربي، لأن الانشقاق الأول حدث في مجمع خلقيدونية سنة 451م، ولا ننسى أن القديس كيرلس الكبير (376 - 444م) عاصر القديس أُغسطينوس، وكذلك القديس أمبروسيوس (340 - 397م) وغيرهما من أساطين العلم والمعرفة، فلو أخطأ القديس أُغسطنيوس في الفكر اللاهوتي ما وقف هؤلاء صامتون. وأصحاب هذه الآراء يحاولون بكل طريقة أن يبثوا أفكارهم لتشكيل العقيدة من جديد! فهل بعد أن استقرت العقيدة على يد هؤلاء الآباء العظماء أثناسيوس وكيرلس وديسقورس الذين تتلمذوا للكتاب المقدَّس وترجموا العقيدة عبر الليتورجيات... هل نحتاج إلى تصحيح هذه العقيدة القويمة؟!!.. العقيدة مستقرة وثابتة في كنيستنا القبطية منذ نحو ألفي عام لم نحد عنها قيد أنملة، ضاربة بجذورها في الأسفار المقدَّسة والليتورجيات وأقوال الآباء، وأمام أعيننا رأي أستاذنا المتنيح دكتور موريس تاوضروس في مؤتمر العقيدة في بيت مارمرقس العجمي سنة 2017م حين قال: "اسمعوا يا أخوة لسنا محتاجين أن نكوّن عقيدة... يخطئ من يظن أننا سنبني العقيدة من جديد، وهل الكنيسة القبطية ليس لديها عقيدة، ونحن سنبدأ في تكوينها؟!!... في كتب التاريخ التي تتحدث عن علاقة الكنائس معًا مثل كتاب القمص ميخائيل مينا (علم اللاهوت) قال بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة اليونانية لا يُوجد إلاَّ اختلاف واحد حول طبيعة المسيح الواحدة. هذه هيَ الحقيقة ولهذا سعت كنيستنا نحو الوحدة مع كنيسة الروم الأرثوذكس. هذا الكلام كان في الماضي، لكن السرّ الذي أريد أن أكشفه لكم أن الكنيسة اليونانية الحالية بعيدة جدًا عن الكنيسة اليونانية القديمة. أنا أعلنت هذا وقدمت أمثلة لذلك. اليوم دخل التحرُّر (اللاهوت الليبرالي) في الكنيسة اليونانية أكثر مما دخل في المجتمع. مثال بسيط الذي ينكر وراثة الخطية الأصلية، أنا لدي كتب يونانية درست فيها سنة 1956م تقول بوراثة الخطية الأصلية، وسلمت صور منها لقداسة البابا تاوضروس الثاني ونيافة الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة والأنبا مقار أسقف الشرقية والعاشر من رمضان. ما يتعلمونه الآن ليس لغة الآباء بل هو ترجمة حديثة (New Patristic) ".
ويقول نيافة الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة في عظته لاجتماع الخدام بكنيسة العذراء بجاردن سيتي في 16/8/2019م عن الفكر الحديث للكنيسة البيزنطية: "رجعوا إلى غريغوريوس بالاماس أحد علماء الكنيسة البيزنطية في القرن الرابع عشر، ونحن لا نتفق معه في كثير من الأحوال، واعتبروه أنه المرجع، وكتبوا في النيوباترستك New Patristic أن غريغوريوس بالاماس هو حجر الزاوية في التقليد الأرثوذكسي... بالنسبة لنا حجر الزاوية البابا أثناسيوس والقديس كيرلس الكبير. الكنيسة البيزنطية طوحت باللاهوت الأصلي البسيط وبدأت تنادي بتألُّه الإنسان وتُنكر وراثة الخطية الأصلية. وبعض الذين يدرسون اللاهوت لدى الكنيسة اليونانية حملوا هذه الأفكار معهم ولديهم إحساس أن كل من في الكنيسة القبطية قوم جهلة يجهلون اللغة اليونانية، ويعيشون باللاهوت الغربي الخاص بأنسلم والذي يرجع للعصور الوسطى... ينادون بأن الصليب كان حبًا ولم يكن عقوبة، لأن فكرة العقوبة لا تتفق مع صلاح اللَّه، وإذا قلنا لهم: ألم يكن الطوفان عقوبة؟!.. يقولون أن الطوفان مثله مثل ما جاء بالأصحاحات الاحدى عشر الأولى من سفر التكوين، هيَ مجرد ميثولوجيا، أساطير... هل في نظرهم أن الإله الذي لا يعاقب إله صالح؟!!.. ولماذا السيد المسيح سيقول للأشرار: "اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ" (مت 25: 41) ما دام أنه لن يعاب أحد بالنار الأبدية ؟!!.. اللَّه صالح، ومن صلاحه أنه عندما رآنا ظلمنا في خطية آدم جاء ليخلصنا ولم يتركنا للهلاك. لو قلت أن الإنسان ظُلِم لأنه ورث خطية آدم، واللَّه تركه لعَكَسَ هذا عدم صلاح اللَّه، ولكن كونه لم يتركنا عنه إلى الإنقضاء بل تعهدنا بالأنبياء القديسين وفي آخر الأيام ظهر لنا نحن الجلوس في الظلمة وظلال الموت وخلصنا... أليس هذا بيان ودليل واضح على صلاح اللَّه؟!!.. بدون ذنب منا طالتنا خطية آدم، وهو أشفق علينا وخلصنا... أليس هذا صلاح اللَّه؟!!.. أخذنا الخطية من آدم بدون ذنب، وأخذنا بر المسيح بدون فضل منا... تعبنا في آدم، واسترحنا في المسيح... الميلاد الأول أورثنا شيئًا رديئًا، والميلاد الثاني يخلص من يقبل المسيح... الموضوع لا يحتاج إلى تعقيد ونيوباترستيك وآراء فلاسفة اليونان. ونحن نصر أننا ورثنا خطية آدم".
وبمناسبة حديث نيافة الأنبا رافائيل عن غريغوريوس بالاماس، دعنا يا صديقي نتعرَّف عليه قليلًا... مَنْ هو غريغوريوس بالاماس وما هو فكره عن تألُّه الإنسان؟:
← اللغة الإنجليزية: Gregory Palamas - اللغة العبرية: גרגוריוס פלמאס - اللغة اليونانية: Γρηγόριος Παλαμᾶς - اللغة اللاتينية: Gregorius Palamas.
وُلِدَ عام 1296 م. بمدينة القسطنطينية، وكان أبوه وأمه قد هاجرا من بلاد الأناضول بسبب غزو الأتراك، وصار والده عضوًا في مجلس الشيوخ، تقرَّب من الإمبراطور البيزنطي أندونيكوس الثاني باليولوغوس، وتأثر غريغوريوس(1) بأبيه الذي كان يواظب على الصلاة القلبية الدائمة، حتى أنه كان يغيب عمن حوله، حتى لو كان في محضر الإمبراطور، كما تأثر غريغوريوس بأمه المرأة التقية الحادة الذكاء التي تتمتع بمواهب عديدة، وبعد موت أبيه ظلت علاقة غريغوريوس بالقصر الإمبراطوري، لم تجذبه مظاهر العالم، إنما درس البيان والخطابة والمنطق والفلسفة وتأثر بمذهب أرسطو حتى نال إعجاب معلميه، فكانوا يسمعون فيه أرسطو بعينه، وكان مواظبًا على الصلوات الحارة، كما كان يلتقي ببعض الرهبان القادمين من جبل أثوس، فكانوا يشجعونه على حياة الرهبنة. وعندما بلغ نحو العشرين من عمره سنة 1316م اتخذ قرارًا جماعيًا مع أمه وأخوته وأخواته والخدم بترك العالم والالتحاق بالحياة الرهبانية، فأخذت أمه ابنتيها ولتحقن بأحد أديرة القسطنطينية، واصطحب غريغوريوس أخويه مكاريوس وثيودوسيوس إلى جبل أثوس Mount Athos لدى الرهبان الهدوئيين، فتتلمذ على يد "الأب نيقوديموس الهدوئي"، والهدوئية طريقة رهبانية نسكية متعارف عليها في جبل أثوس، حيث يجتمع بعض الرهبان حول شيخ روحاني، ويذهبون للدير في السبوت والآحاد للاشتراك في الليتورجية، وأمضى ثلاث سنوات، وتوفي أبوه الروحي نيقوديموس، وشقيقه الأصغر ثيودوسيوس، فانتقل مع أخيه مكاريوس إلى دير اللافرا الكبير وهو أول دير في جبل أثوس، فأمضى ثلاث سنوات أخرى، ثم خرج للصحراء طلبًا للمزيد من الخلوة والهدوء، فتتلمذ على يد "غريغوريوس البيزنطي" وهو ناسك مشهور، وجاء في "موقع أرثوذكس ويكي" أنه: "تتلمذ لناسك شهير في الهدوئية، اسمه غريغوريوس البيزنطي فأخذ عنه الأسرار الفائقة للصلاة العقلية ولرؤية اللَّه السامية. وقد... ساعدته الخلوة والهدوء على تركيز العقل في القلب والدعوة بِاسم الرب يسوع". وأمضى غريغوريوس نحو ثلاث سنوات في هذا الإسقيط، ثم ذهب مع اثني عشر راهبًا إلى تسالونيكي، وحاول أن ينشر أفكاره عن الروحانية الهدوئية بين عامة الناس. وفي سن الثلاثين سنة 1326م سيم كاهنًا، وعاش في احدى المغارات في منطقة فاريا على الحدود بين مقدونيا وتركيا، فكان يحبس نفسه خمسة أيام لا يخرج من المغارة، ويخرج السبت والأحد للمشاركة في الأسرار الإلهيَّة، وظل هكذا نحو خمس سنوات، وبسبب غارات الصربيين عاد إلى جبل أثوس، وعندما هاجم "الراهب برلعام" الهدوئيين موضحًا عدم إمكانية رؤية اللَّه، إنبرى غريغوريوس في الدفاع وكتب في هذا ثلاثيته في الدفاع عن الرهبان الهدوئيين، وفي سنة 1347م سيم غريغوريوس أسقفًا على سالونيك، وفي سنة 1353م بينما كان مسافرًا بالبحر من تسالونيكي إلى القسطنطينية وقع أسيرًا في يد القراصنة الأتراك لمدة نحو سنة ثم افتداه بعض الأتقياء من الصرب بالمال، وفي سنة 1359م فارق الحياة، وبعد تسع سنوات أعلنت الكنيسة البيزنطية قداسته، ووصفه المجمع الذي أقرَّ قداسته بأنه "الأعظم بين آباء الكنيسة"، وصار له عيدًا سنويًا يعيد فيه البيزنطيون بسيرة غريغوريوس بالاماس.
أما عن فكر غريغوريوس بالاماس عن "تألُّه الإنسان": "فإنه يرى أن الإنسان عندما يركز عقله في قلبه فإن الطاقات الإلهيَّة تدخل إلى نفس هذا الإنسان وتتحد به، واعتبر أن هذه الطاقات هيَ اللَّه ذاته، فبذلك يصبح الإنسان إلهًا، فإن اللَّه يكشف له ذاته. إذ ذاك تنشق الظلمة ولا يبقى غير نور اللَّه يدعونا إليه مؤطرًا بنار معتمة. هذا النور هو اللَّه نفسه فإن صلى المرء بمنتهى البساطة في القلب وكرر الكلمات "ربي يسوع المسيح، يا ابن اللَّه ارحمني" وأيضًا فإنه يؤدي بذلك العمل الفائق الذي من أجله خُلِق، لأنه سيجد نفسه أخيرًا في دائرة الضوء الذي أشرق على قمة ثابور يوم التجلي الإلهي" (سنكسار - القديس غريغوريوس بالاماس العجائبي رئيس أساقفة سالونيك من شبكة الإنترنت).
كما قال: "فالتلاميذ الذين وقفوا فوق قمة ثابور قد رأوا النور وأضحوا كائنات سماوية لأنهم لما حدَّقوا فيه تروحَّنت أجسادهم" (المرجع السابق). وجاء عنه في موقع "أرثوذكس ويكي": "كان يقول أنه من النفس تنسكب في الجسد طاقة إلهيَّة بصورة متواصلة وأن الملائكة وإن كانوا أدنى إلى اللَّه فلا أجساد لهم ينسكب فيهم الطاقة الإلهيَّة على هذا النحو. وعنده أن الإنسان يصبح إلهًا متى إنكب على التأمل وعاين في موضع القلب نور التجلي المتوهج". ثم يُصرِح بعكس ما قال، فيقول أننا لن نستطيع أن نشترك في الطبيعة الإلهيَّة، مُعترفًا بأنه يقدم أمرين متناقضين معًا، فيقول: "ليس لنا أن نشترك في الطبيعة الإلهيَّة، ومع ذلك بمعنى من المعاني، لنا أن نشترك وبيسر في طبيعة اللَّه، لأننا ندخل في شركة معه، بينما يبقى اللَّه تمامًا وفي الوقت نفسه بمنأى عنا. لذا نؤكد معًا، وفي وقت واحد، أمرين متناقضين نسر بهما ونعتبرهما مقياسًا للحقيقة" (موقع أرثوذكس ويكي).
ويشرح "الأب أغابيوس نعوس" كاهن كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس في حديثه في برنامج تلفزيوني على قناة OTV فكر "تألُّه الإنسان" عند غريغوريوس بالاماس، فيقول عنه: "قيمته العظمى أنه عاين النور الإلهي، وقيمته أنه هو أعلن لنا عن إمكانية هيَ موجودة دائمًا ولكن غير معلومة من الناس، هيَ أننا نستطيع أن نتأله. وهذه الكلمة التي قالها الآباء القديسون قبله يعني، أصبح بإمكاننا من قراءة حياة هذا القديس أن نعلم أننا نستطيع أن نصبح آلهة بالنعمة. والعظيم أنك تستطيع أنت أن تتحد مع اللَّه، وهذه هيَ قيمة الإنسان، لأن الإنسان بدون الألوهية يصير صفر على الشمال... هناك علاقة قائمة بين اللَّه وبين الناس... الذي أظهره غريغوريوس بالاماس في قدسيته في نوعية هذه العلاقة (الصادرة من اللَّه). ولأن اللَّه غير مخلوق فما يخرج منه هو غير مخلوق، فالعلاقة التي تخرج من اللَّه هيَ علاقة غير مخلوقة. هو الذي يجعل النعمة تنحدر من عليائه إليك، وهذه النعمة في بعض الأذهان المريضة أُعتبرت أنها نعمة مخلوقة. إطلاقًا، إنما هذه النعمة غير مخلوقة، وأنت باتحادك أو بتعاطيك مع اللَّه غير المخلوق أنت تتحوَّل أيها الإنسان من ترابية مخلوقة إلى نوع آخر هو نوع وجودك في الملكوت... فما هو الملكوت..؟ هو اللَّه، فأنت يجب أن تكون إلى حد كبير إلهيًا، يجب أن تتنزه عن خطيئتك لكي ترتفع إلى مستوى هذه النعمة التي تنحدر عليك، وتُعطيك هذه النعمة قيمة باقية إلى الأبد...
أما نحن معشر المؤمنين أكنا مسيحيين أم غير مسيحيين نؤمن أن هناك بعثًا، أن هناك قيامة، وأن هذه القيامة هيَ التي تجعل من كيانك كيانًا ناهضًا وهذا النهوض الذي أنت تنهض فيه ليس بقوتك وإنما بقوة النعمة الإلهيَّة المنحدرة عليك التي تجعل منك كائنًا آخر متألهًا. هذا هو قديسنا غريغوريوس بالاماس" (برنامج تليفزيوني على اليوتيوب). ويقول الأب أغابيوس في حديثه للمذيعة أن كيانك ليس هو مجرد جسدك، بل لكِ كيان آخر أوسع باقٍ للأبد لذلك يمكنني أن أسجد أمامك وأقبل يديك.
ويقول "نيافة الأنبا رافائيل" أسقف عام كنائس وسط القاهرة في عظته في اجتماع خدام كنيسة العذراء جاردن سيتي في 16/8/2019: "وضع غريغوريوس بالاماس في القرن 14 مبادئ جديدة للتألُّه. ماذا قال؟ قال أن الإنسان عندما يصلي وتكون صلاته نقية يدخل في استنارة، والاستنارة تدخل به في دهش، والدهش يجعله يرى النور غير المخلوق ويتأله، وبعد هذا تصير الطبيعة الإلهيَّة داخله. لاحظوا أنه في فكر كيرلس وأثناسيوس أن التأله نعمة من عند ربنا من الاتحاد به ببساطة في المعمودية والإفخارستيا... أما التألُّه في فكر بالاماس هو ممارسة خارجة من أسفل إلى أعلى، تشبه اليوجا!!. صلاة يسوع في جبل أثوس حتى الآن، يدخل الراهب في مكان مُظلم ويقول لك انزل ذهنك جوه قلبك، ومع كل شهيق تقول يسوع ومع كل زفير تقول يسوع، وتكون ريلاكس... مع الممارسة يحصل لك استنارة... كل هذا الكلام من جنوب شرق آسيا من العبادات الخاصة باليوجا!.. يقول لك: الرهبان اختبروا هذا، وأيضًا نحن نقول: أن البوذيين اختبروا هذا. هذه ليست نعمة... النعمة أقول: "أنا ضعيف، يا رب ارحمني أنا الخاطئ ".. اللَّه ينوَّر حياتي بطريقة غير مفتعلة. مثل هذه الروحانية القبطية في منتهى الجمال والبساطة... شهداء ليبيا يشهدون على ذلك. تحملوا الاستشهاد ولم يتربوا في كنيسة علمتهم اليوجا... كنيستنا علمتهم حب المسيح ببساطة... لماذا يريدون أن يخرجوا كنيستنا القبطية من جوها الجميل؟!!".
ما هو رأي الكتاب المقدَّس والآباء في فكرة تأليه الإنسان؟
1) القول بأن الطاقات الخارجة من اللَّه للإنسان هيَ ذاتها اللَّه، يوقعنا في الثنائية، وكأن هناك إلهين الأول بحسب الجوهر والآخر بحسب الطاقات، بينما تعاليم الكتاب بعهديه تعلمنا أننا نؤمن بإله واحد " لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي" (خر 20: 3).
2) التأليه كان غرض الشيطان " أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ" (إش 14: 14) فسقط سقوطًا مدويًا.
3) خلق اللَّه الإنسان على صورته ومثاله، وهذا لا يعني أن يصبح الإنسان إلهًا، والناس يصيرون آلهة، إنما خلق اللَّه الإنسان على صورته في العقل والحكمة والمعرفة والبر والقداسة والخلود.
4) لو أن الإنسان تألَّه فهل شارك اللَّه في صفاته أو بعضها؟!.. بالتأكيد هناك صفات إلهيَّة ينفرد به اللَّه، فاللَّه روح بسيط متفرَّد، لا تركيب فيه، لا ينقسم ولا يتجزأ -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- بينما الإنسان مركَّب من جسد وروح، واللَّه كائن في كل مكان وزمان يؤثر ولا يتأثر والإنسان ليس له وجود في أكثر من مكان وزمان، واللَّه غير محدود وغير متناه، بينما الإنسان محدود، واللَّه أزلي ليس له بداية والإنسان له بداية، واللَّه لا يتغير لأنه كمال مُطلق بينما الإنسان يتغيَّر، واللَّه خالق كل شيء ومن المستحيل أن الإنسان يخلق شيئًا من العدم، واللَّه ضابط كل شيء والإنسان إمكانياته محدودة، واللَّه قادر على كل شيء والإنسان قدرته محدودة، واللَّه عالم بكل شيء والإنسان علمه محدود للغاية، واللَّه قدوس منزَّه عن أي خطأ أو ضعف والإنسان غير معصوم من الخطأ، واللَّه حي لا يموت والإنسان يموت ويتحلَّل جسده ويعود للتراب... فبأي صورة يمكن أن ندعوا الإنسان إلهًا؟!!.
5) بغواية الشيطان أكل الإنسان من شجرة معرفة الخير والشر حتى يصير مثل اللَّه " وَتَكُونَانِ كَاللَّه عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تك 3: 5) فسقط سقوطًا بشعًا، وفي آدم سقطت البشرية جمعاء. وعلَّم اللَّه الإنسان أن الألوهية خاصة باللَّه وحده قائلًا: "أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ" (إش 42: 8).
6) في التجسد الإلهي لم تتألَّه الطبيعة البشرية، لأن الطبيعة اللاهوتية اتحدت بالطبيعة البشرية بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، فكل طبيعة احتفظت بخصائصها، ولم تتحوَّل الطبيعة البشرية إلى طبيعة لاهوتية، ولا اللاهوت تحوَّل إلى ناسوت. ويقول "القديس غريغوريوس النيزينزي" في الليتورجيا: "باركت طبيعتي فيك" ولم يقل "ألَّهت طبيعتي فيك". وقال "القديس يوحنا الذهبي الفم": "إن ابن اللَّه صار ابنًا للإنسان لكي يصير أبناء الإنسان أبناء اللَّه"، فقد صرنا أبناء للَّه بالنعمة، بالتبني، وليس بالطبيعة.
وعندما قال اللَّه لموسى عن هرون: "هُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا وَأَنْتَ تَكُونُ لَهُ إِلهًا" (خر 4: 16) لم يقصد أن يتحوَّل موسى إلى إله وهرون يقدم له العبادة، إنما قصد أن يكون موسى مصدر الوحي لهرون، وهرون يتكلم عوضًا عن موسى الثقيل الفم واللسان. وعندما قال اللَّه لموسى: "انْظُرْ أَنَا جَعَلْتُكَ إِلهًا لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ" (خر 7: 1) فليس المقصود أن موسى يصير إلهًا يقدم له فرعون العبادة، بل المقصود أن فرعون يسمع الأوامر الإلهيَّة التي ينطق بها موسى، وكأنه يستمع للَّه من خلال موسى. وعندما قال اللَّه لموسى أنا جعلتك إلهًا لفرعون فهنا على وجه التخصيص، فاللَّه خصص موسى ليوقع التأديبات الصادرة من اللَّه على فرعون ويرفعها بالصلاة للَّه، ولم يقل على وجه العموم، فمثلًا لم يقل لموسى جعلتك إلهًا لبني إسرائيل، أو إلهًا للبشر، أو إلهًا للعالمين. وأيضًا قول اللَّه لموسى جعلتك إلهًا لفرعون أي صاحب سلطة عليه وسيدًا له، فلا تخافه ولا ترهب وجهه، ويقول "القديس باسيليوس": "يقدم هذا اللقب برهانًا على نوع من السلطان في التدبير أو في العمل" (336). وعندما قال المزمور: "أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ" والتي علق عليها السيد المسيح (يو 10: 34، 35) لم يقصد أننا تحوَّلنا إلى آلهة واكتسبنا الصفات الإلهيَّة، فاللَّه هو الحي الذي لا يموت، بينما في الآية التالية مباشرة في المزمور يقول: "لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ" (مز 82: 6، 7). وعندما قال بطرس الرسول: "لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّة" (2 بط 1: 4) لم يقصد أننا صرنا آلهة، لأنه في نفس الآية يكمل قوله: "هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَة" بينما اللَّه منزَّه عن الفساد والضعف ولا يهرب من شيء.
وعندما قال "القديس كيرلس الكبير" في ثيؤطوكية الجمعة: "هو أخذ الذي لنا، وأعطانا الذي له. نسبحه ونمجده، ونزيده علوًا".. لم يقصد أنه أعطانا شيئًا من ألوهيته، إنما المقصود أنه أخذ خطايانا حملها في جسده على الصليب، وأعطانا برَّه في المسيح يسوع، أخذ موتنا وأعطانا قيامته إذ مات وقام وأقامنا معه. وفي أحاديث "القديس أثناسيوس" عن التألُّه، لم يقصد أننا نتحوَّل إلى آلهة ونكتسب صفات اللاهوت، ولم يقل "آلهة" بل قال "مؤلهين"، ويقول "القمص أنجيلوس جرجس": "ما معنى موَّلهين؟ عندما نقرأ الفقرات السابقة نجده يتحدث عن الخطية التي سبَّبت جهالة للبشرية، ولما التجسد تم، أصبحت معرفة اللَّه في المخلوقات كلها، وصارت كلها مؤلَهة. فهل هذا القول يعني: أن الشمس إله والشجر إله؟!!. وبعد فقرتين يقول: ما هيَ نتيجة فكرة مؤلهين؟ أقول ببساطة ما معنى مؤلَهين، مثلما تقول عن البابا شنوده نيح اللَّه نفسه كان لاهوتي عظيم!!. لاهوتي. ماذا تعني؟ تعني أن فيه معرفة اللَّه. هذا هو النص الخاصة بأثناسيوس "مؤلَهين".. " (عظة من شبكة الإنترنت). وربما هذا يذكرني بالقول: "تلهوَّتوا " أي ادرسوا وافهموا اللاهوت دون أن تعني أن نصير آلهة. (للمزيد راجع البابا شنوده الثالث - بدع حديثة ص141 - 167).
_____
(1) إضافة من الموقع: يُتَرْجَم الاسم أحيانًا بصيغ: الأب إغريغوريوس بالاماس، جريجوري بالاماس...
(2) إضافة من الموقع: تعتبره الكنيسة اليونانية قديسًا، وتطلق عليه "ذهبي الفم الجديد" Νέος Χρυσόστομος.
(336) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر الخروج ص53.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/454.html
تقصير الرابط:
tak.la/qz3hr43