St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

42- ما الفرق بين السيد المسيح "كلمة الله"، والكتاب المقدَّس "كلمة الله"؟ وهل الإيمان بالمسيح يكفي لخلاص الإنسان بعيدًا عن الكتاب المقدَّس؟ وهل يمكن الفصل بين الإيمان بالمسيح والإيمان بالكتاب المقدَّس؟

 

س 42 : ما الفرق بين السيد المسيح "كلمة الله"، والكتاب المقدَّس "كلمة الله"؟ وهل الإيمان بالمسيح يكفي لخلاص الإنسان بعيدًا عن الكتاب المقدَّس؟ وهل يمكن الفصل بين الإيمان بالمسيح والإيمان بالكتاب المقدَّس؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : أولًا: المسيح "كلمة الله"، والكتاب المقدَّس "كلمة الله":

1ـــ هناك فرق بين المسيح كلمة الله، وبين الكتاب المقدَّس الذي يحمل كلمات الله، فالسيد المسيح هو أقنوم الكلمة، هو اللوغوس في الثالوث القدوس، أمَّا كلمات الله في الكتاب المقدَّس مثل الوصايا العشر وأحاديث الله مع موسى والأنبياء، ولا واحدة من هذه الكلمات تمثل أقنومًا إلهيًّا، ولا كلمة من هذه الكلمات تعتبر إلهًا، فالفارق بين السيد المسيح وكلامه في الإنجيل يماثل الفارق بين الشخص وكلمته، وبالرغم من أن كلام الإنسان يظهره، وأن الإنسان مسئول عن كلامه، ولكن يظل الإنسان شخصًا، ولا كلمة من كلماته تمثل كيانًا إنسانيًا. فالمسيح كلمة الله بمعنى أنه شخص فعَّال تام أزلي أبدي: " بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ" (مز 33 : 6).. " أَرْسَلَ كَلِمَتَهُ فَشَفَاهُمْ" (مز 107 : 20)، و "الكلمة" في الأصل اليوناني "لوغوس" Logos، وفي الترجمة الإنجليزية Logic أي المنطق وليس النطق Pronounce، فالمقصود بالكلمة هنا نُطق الله العاقل أو العقل المنطوق به، أو العقل الأعظم، فهو شخص حقيقي، ولذلك ترد "الكلمة" بصيغة المذكر: " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ" (يو1 : 1).

St-Takla.org Image: The Word Spoken Through Angels (Hebrews 2:2) - from "Religion in the Home or Captivating Bible Stories" book, by Charlotte M. Yonge, engravings by Julius Schnorr Von Karolsfeld, published by George W. Bertron, 1913. صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة الله: "الكلمة التي تكلم بها ملائكة" (العبرانيين 2: 2) - من كتاب "الدين في المنزل، أو قصص كتابية آسِرة"، لـ شارلوت م. يونج، رسم جوليوس شنورر فون كارولسفيلد، إصدار جورج و. بيرتون، 1930 م.

St-Takla.org Image: The Word Spoken Through Angels (Hebrews 2:2) - from "Religion in the Home or Captivating Bible Stories" book, by Charlotte M. Yonge, engravings by Julius Schnorr Von Karolsfeld, published by George W. Bertron, 1913.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمة الله: "الكلمة التي تكلم بها ملائكة" (العبرانيين 2: 2) - من كتاب "الدين في المنزل، أو قصص كتابية آسِرة"، لـ شارلوت م. يونج، رسم جوليوس شنورر فون كارولسفيلد، إصدار جورج و. بيرتون، 1930 م.

2ـــ من الملاحظات الجميلة أن الأناجيل الأربعة بدأت بالحديث عن السيد المسيح ابن الله، أقنوم الكلمة:

" كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ" (مت 1 : 1).

" بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ" (مر 1 : 1).

" الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ" (لو 1 : 2).

" فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ" (يو 1 : 1).

وقد ربط السيد المسيح بين ذاته وبين الإنجيل قائلًا: " وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا" (مر 8 : 35). وهو هنا يتكلّم عن ذاته أولًا، وعن الإنجيل ثانية، ولا يُفهم من النص أن السيد المسيح هو الإنجيل، والإنجيل هـو السيد المسيح، ولكن الإنجيل هو كلام السيد المسيح الذي تفوَّه به من فمه المبارك.

3ـــ قال "البابا أثناسيوس الرسولي": " الله تام ليس بعادم كلمته، ثابت قائم دائم، ليس بزائل ولا بمبتدئ ولا فانٍ، لأن الله لم يكن قط بلا كلمة، ولكن لم يزل له الكلمة متولدًا منه، ليس مثل كلمتنا التي لا قوام لها المهراقة في الهواء، ولكن كلمة ذو قوام حي تام ليس بمفترق منه، ولكن ثابت فيه.. فهو وكلمته يملأ كل شيء ولا يسعه شيء" (198).

كما قال "البابا أثناسيوس الرسولي" أيضًا: " ابن حقيقي هو كلمته وحكمتـه وقوته، وغير منفصل عنه، إذ ليس هناك جوهر آخر، لئلا يكون هناك بدءان، فإن الكلمة الذي هو من الجوهر الإلهي لا ينحل، وهو ليس مجرد صوت ظاهري، بل هو كلمة جوهري وحكمة جوهري، الذي هو الابن الحقيقي.. هو إله من إله وحكمة من الحكيم، وكلمة من العاقل، وابن من الآب" (فقرة 1 من المقالة الرابعة) (199).

 ويقول "أنسيمس" بطريرك أورشليم في القرن الثامن عشر: " لأن الله الآب هو واحد ودائم الوجود، فنطقه أيضًا واحد حي ودائم الوجود، وتام لكون الآب هو تام أيضًا.. في الله حكمة واحدة تامة وقائمة بذاتها، حية مساوية له في الأزلية، وهيَ كلمتـه وابنه الوحيد" (200).

 

 ثانيًا: هل الإيمان بالمسيح يكفي لخلاص الإنسان بعيدًا عن الكتاب المقدَّس؟ وهل يمكن الفصل بين الإيمان بالمسيح والإيمان بالكتاب المقدَّس؟

 يمكن أن نصيغ السؤال بطريقة أخرى، وهيَ: هل اهتم السيد المسيح بالكتاب المقدَّس؟.. نعم كان للكتاب المقدَّس دور أساسي ورئيسي ومحوري في خدمة الرب يسوع، بدليل:

1ـــ أنه منذ البداية احتكم للكتاب، في التجربة على الجبل، حيث كانت جميع إجاباته مقتبسة من الكتاب المقدَّس (مت 4 : 4، 7، 10)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكثيرًا ما كان يقـول: " أنَهُ مَكْتُوبٌ" (يو 8 : 17).. " أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ" (مت 21 : 42) (راجع مت 21 : 16، مر 12 : 26).

2ـــ عندما لم يدرك اليهود طبيعة السيد المسيح الإلهيَّة وأرادوا رجمه قالوا له: " لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ. فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ. إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ" (يو10 : 33 - 35)، ومعنى لا يمكن أن يُنقض المكتوب أي لا يمكن أن يتغيَّر أو يتبدَّل أو يُحرَّف أو يُكذَّب أو يُنكَر.

3ـــ عندما كان السيد المسيح يتحدث عن العقائد كان يرجع للكتاب المقدَّس، فعندما تكلّم مع الصدوقيين عن حقيقة القيامة العامة رجع إلى سفر الخروج (خر 3 : 6): " وَقَالَ لَهُمْ تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللهِ.. أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ الْقَائِلِ. أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ. لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ" (مت 22 : 20 - 32)، وعندما تكلّم عن طبيعته الفريدة رجع إلى (مز 110 : 1): " وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ. قَائلًا مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ. ابْنُ مَنْ هُوَ. قَالُوا لَهُ ابْنُ دَاوُدَ. قَالَ لَهُمْ فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا قَائِلًا. قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِيني حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ" (مت 22 : 41 - 45).

4ـــ طالما تكلّم السيد المسيح عن أحداث الكتاب المقدَّس، فذكر خلق الإنسان (مت 19 : 4، 5)، وقتل هابيل (مت 23 : 35)، وفُلك نوح والطوفــان (مت 24 : 37 - 39)، والآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب (مت 8 : 11)، ولوط وهلاك سدوم وامرأة لوط (لو 17 : 28 - 32)، ورفع موسى الحيَّة النحاسية (يو 3 : 14)، والمَن الذي نزل من السماء (يو 6 : 49)، وكيف أكل داود ومَن معه من خبز التقدمة (مت 12 : 3)، وإيليا النبي وإعالة أرملة صرفة صيدا له (لو 4 : 25، 26)، وأليشع النبي وشفاء نعمان السرياني من برصه (لو 4 : 27)، ويونان وأهل نينوى (مت 12 : 40، 41)، وسليمان وملكه التيمن (مت 12 : 42).. إلخ، وعندما تكلم عن هذه الأحداث لم يتكلم عنها كأساطير أو خرافات أو قصص رمزية، بل تكلم عنها كقصص حقيقية حدثت بالفعل على أرض الواقع كما قصها لنا العهد الجديد، فمثلًا عندما تكلّم عن خلق آدم وحواء تكلم عليهما كشخصين حقيقيين وليس كرمزين للرجولة والأنوثة كقول البعض، بل جعل من حديثه عنهما أساسًا لشريعة الزوجة الواحدة.

5ـــ عندما التقى السيد المسيح بعد قيامته بتلميذيّ عمواس حدثهما عما جاء عنه في أسفار موسى وجميع الأنبياء، وقال لهما: " أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ. ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لو 24 : 26، 27).. لاحظ قوله جميع الكتب، أي جميع أسفار العهد القديم، لم يهمل سفرًا واحدًا، فلولا اهتمام السيد المسيح بالأسفار المقدَّسة ما كان يستغرق المسيرة كلها في الحديث عن هذه الأسفار، بل كان يكتفي بأن يُعلن ذاته لهما. وهذا عين ما فعله مع التلاميذ إذ وجه نظرهم وفتح أذهانهم للكتاب المقدَّس، وقال لهم: " أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ" (لو24 : 44، 45).. الكتاب المقدَّس هو الخريطة، وهو المُرشد الصادق الذي يمسك بأيدينا ويقودنا إلى أبواب الملكوت، وبدونه كيف ستعرف المسيح؟.. هل ستعرفه عن طريق شخص آخر؟.. تأكد أن هذا الشخص الآخر لن يستطيع أن يقدم لك المسيح بعيدًا أو منفصلًا عن الإنجيل.. بدون وصايا الكتاب وإرشاداته كيـف يعيش الإنسان؟.. كيف يُصلِّي؟.. كيف يصوم..؟! كيف يخدم؟.. كيف يمارس حياته الروحيَّة؟.. كيف وكيف وكيف..؟! إذًا من المستحيل الفصل بين الإيمان بالمسيح وبين الإيمان بالكتاب المقدَّس، ونستكمل الإجابة من خلال السؤال التالي.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (198) كمال البرهان على حقيقة الإيمان ص 21.

(199) المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ص 8، 9.

(200) كتاب الهداية طبعة 1792م ص 11.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/42.html

تقصير الرابط:
tak.la/9ab6tqr