س302: هل كان التلاميذ متبلدين الذهن إلى هذه الدرجة، فكيف بعد أن شاهدوا معجزات السيد المسيح خافوا وارتعبوا من هياج البحر، حتى أن السيد المسيح وصفهم تارة بقلة الإيمان (مت 8: 26) وتارة بعدم الإيمان (مر 4: 40) وكثيرًا ما وبخهم؟
ويقول "علاء أبو بكر": "س206: ما رأي عيسى في تلاميذه؟ هل كان تلاميذه أغبياء؟ هل كانوا جهلاء؟ كما شوَّهت الأناجيل صورة اللَّه وصورة عيسى عليه السلام، شوَّهت أيضًا صورة تلاميذه وحملة لوائه من بعده للإجهاز على الدين كله، فكثيرًا ما تراهم ينسبون لهم عدم فهم عيسى عليه السلام بل والغباء، وكثيرًا ما فهموا عيسى عليه السلام نفسه خطأ... فالتفت وقال لبطرس: "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ" (مت 16: 23).. فقال لهم: "مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ" (مت 8: 26)..
" حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَجَاءَ إِلَى الْبَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زَوَانِ الْحَقْلِ" (مت 13: 36).. وإذ إبتدأ (بطرس) يغرق صرخ: "يَارَبُّ نَجِّنِي ". ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به وقال له: "يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ لِمَاذَا شَكَكْتَ" (مت 14: 25 - 31).. " فَسِّرْ لَنَا هذَا الْمَثَلَ. فَقَالَ يَسُوعُ هَلْ أَنْتُمْ أَيْضًا حَتَّى الآنَ غَيْرُ فَاهِمِينَ" (مت 15: 15 - 16)..
" وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ " فأجاب يسوع: "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ الْمُلْتَوِي إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ. إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ. قَدِّمُوهُ إِلَيَّ ههُنَا "..
" وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللَّه" (مر 10: 13 - 16).. " حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا" (مت 26: 56).." (766).
ج: هذه هيَ طبيعتنا الضعيفة، فلم يدرك ولم يتخيل التلاميذ أن معلمهم هو اللَّه المتجسّد، ولم يخفي الكتاب هذا، كما أنه لم يخفي توبيخ السيد المسيح لهم أكثر من مرة، فهم من نفس عجينة البشرية، لا يختلفون عن أهل عصرهم، حتى قال السيد المسيح: "أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟" (مر 9: 19)، وما قدمه الناقد من صوُّر ضعف التلاميذ وقلة إيمانهم أو عدم إيمانهم جميعها صحيحة. ولكن ليس من الإنصاف أن نركز على ضعفات التلاميذ في مقتبل حياتهم مع السيد المسيح، وكأن هذه هيَ القصة كلها من البداية للنهاية، ونغفل حياتهم المقدَّسة وبطولاتهم وشهادتهم للسيد المسيح شهادة الفم وشهادة الدم، ولذلك أوصانا الكتاب: "اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللَّه. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ" (عب 13: 7).
أن هؤلاء التلاميذ القديسون الأطهار الأبرار الأبطال العظماء:
1- أناس بسطاء، فعدد ليس قليل منهم كانوا من صيادي الأسماك الذين لا يعرفون المُكر ولا الدهاء، بعيدين عن الخداع والإلتواء.
2- أناس متواضعون ودعاء مثل الحملان، فهم رسل حمل اللَّه الذي قال لهم: "هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ" (مت 10: 16).
3- أناس أطهار بشهادة السيد المسيح الذي قال لهم: "وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ. لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ لِذلِكَ قَالَ لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ" (يو 13: 10).
4- منحهم السيد المسيح السلطان: "ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ" (مت 10: 1).
5- هم سيدينون أسباط إسرائيل كقول مخلصنا الصالح لهم: "أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي فِي التَّجْدِيدِ مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ" (مت 19: 28)، وليس معنى أنهم يدينون أي ينطقون بالأحكام على هذا وذاك، بل أن إيمانهم بالمسيح واستشهادهم على اسمه القدوس، في الوقت الذي رفض فيه بنو إسرائيل الإيمان به، فهذا يُعد دينونة لبني إسرائيل.
6- بكرازتهم غيَّروا خريطة العالم، وباستشهادهم نشروا نور الإيمان في شتى أرجاء المسكونة، فالإيمان المسيحي بُني على أساس إيمان الرسل والأنبياء: "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَة" (أف 2: 20).
7- وقد كُتب أسماؤهم على أساسات أورشليم السمائية: "وَسُورُ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَسَاسًا وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْخَرُوفِ الاثْنَيْ عَشَرَ" (رو 21: 14).
8- شهد القرآن أن اللَّه أوحى للتلاميذ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى: "وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا" (سورة المائدة 5: 111) (راجع أيضًا سورة آل عمران 3: 52). وقال الأمام البيضاوي إنهم دُعوا "حواريين" لخلوص نيتهم ونقاء سيرتهم (راجع تفسير البيضاوي لسورة آل عمران 52 ص100). كما دعاهم القرآن أيضًا أنصار اللَّه وأنصار يسوع المسيح: "قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّه" (سورة الصف 61: 14).
وما أجمل شهادة المفكر الكبير "محمود عباس العقاد" لصدق التلاميذ، حيث قال: "ومن بدع (أهل) القرن العشرين سهولة الإتهام... ومن ذلك اتهام الرسل (التلاميذ) بالكذب فيما كانوا يثبتونه من أعاجيب العيان وأعاجيب النقل. ولكننا نعتقد أن التاريخ الصحيح يأبى هذا الإتهام... فشتان ما بين عمل المؤمن الذي لا يبال الموت تصديقًا لعقيدته، وعمل المحتال الذي يكذب، ويعلم أنه يكذب، وأن يدعو الناس إلى الأكاذيب. مثل هذا لا يقدم على الموت في سبيل عقيدة مدخولة، وهو أول من يعلم زيفها وخداعها، وهيهات أن يوجد بين الكذبة العامدين من يستبسل في نشر دينه كما أستبسل الرسل المسيحيون.." (767).
_____
(766) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص175 - 177.
(767) عبقرية المسيح ص188 - 190.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/302.html
تقصير الرابط:
tak.la/2wp84rx