قال التطوُّريون بأن فكرة التطوُّر عرفها الإنسان منذ القديم، فقد اعتقد " أرسطو" (384 - 322 ق.م.) بفكرة التحوُّل التدريجي من " غير الكامل إلى الكامل " وقال داروين أن " أرسطو " ذكر في كتابه " إنصاتات طبيعية". " أن الأسنان على سبيل المثال، تنمو طبقًا للضرورة فالأسنان الأمامية حادة ومعدة للقطع، والطواحن مسطَّحة وتُستخدم في مضغ الطعام. وبالرغم من أنه يتم تشكيل الأسنان من أجل هذه الأغراض، إلاَّ أنه قد حدث ذلك عن طريق الصدفة، ونفس الشيء ينطبق على الأجزاء الأخرى التي يبدو فيها أن هناك تكيفًا ما نحو غاية ما.. ونستطيع هنا أن نرى أن مبدأ الإنتقاء الطبيعي قد بدأت ظلاله في الوضوح"(1).
كما قال التطوُّريون أن " لوكرتيوس " اعتقد بأن الطبيعة تحتفظ بالأقوى وتتخلص من الأضعف، فيقول د. مورس بوكاي " أما لوكرتيوس Lucretius فقد عبرَّ في كتابه " عن الطبيعة " De Natura Rerum عن آراء وأفكار مؤيدة لمفهوم عملية الإنتقاء الطبيعي الذي يعمل على حفظ الأقوى والتخلص من الأضعف"(2).
أما نظرية التطوُّر كما هي معروفة الآن فقد بدأها " لامارك " على أساس أن الأعضاء تُستعمل بكثرة تنمو وتقوى، والتي تُهمل تضمر، فالكائن الحي يتكيَّف مع الظروف الطبيعية، ويُورّث الصفات المكتسبة، فيحدث التطوُّر وأيده في هذا المفهوم " بافون". ثم جاء " داروين " وقال أن الطبيعة تنتخب القوي ليعيش ويتكاثر ويسود بينما يختفي الكائن الأضعف، وبذلك يحدث التطوُّر بواسطة الانتخاب الطبيعي، وتوصل إلى نفس النتائج صديقه " بافون". ثم جاء " مندل " الذي اكتشف قوانين الوراثة، وقال أن التطوُّر يحدث عن طريق الطفرة، وأتفق معه " دي فريز " , و" مرجان"، وأخيرًا قال " هولدين " أن التطوُّر يحدث نتيجة الطفرة مع الإنتقاء الطبيعي، وهو ما دُعي بالداروينية الجديدة، واتفق مع هولدين " رونالد فيشر" و"سيوال برايث" و"جوليان هكسلي".. إلخ.
ويجب أن نفرق بين مفهوم " الرقي " ومفهوم " التطوُّر " فالرقي هو تغيير للعضو ليصبح أكثر قوة على القيام بوظيفته. أما التطوُّر فالمقصود به التغير التدريجي المستمر إلى أن يصل إلى إنتاج أنواع جديدة تختلف عن الأصول، وبهذا المفهوم نستطيع أن نقول أن كل تطور هو رقي، ولكن ليس كل رقي يعتبر تطوُّرًا، لأن التطوُّر مفهومه أعم وأشمل من الرقي.
وفي هذا الفصل نقدم عرضًا تاريخيًا مُبسَّطًا لنظرية التطوُّر، مع ردود مبسَّطة، على أن نناقش بالتفصيل في الفصلين القادمين (الثالث والرابع) الأسانيد التي أعتمدت عليها نظرية التطوُّر والرد عليها، مع عرض الصعوبات التي واجهت ومازالت تواجه نظرية التطوُّر. أما النقاط المُثارة في هذا الفصل فهي:
أولا: دي لامارك والتكيُّف مع الطبيعة.
ثانيًا: داروين والانتخاب الطبيعي.
ثالثًا: مندل، ودي فريز، ومرجان والطفرة.
رابعًا: النظرية التركيبية الحديثة.
خامسًا: التطوُّر على قفزات.
_____
(1) ترجمة مجدي محمود المليجي - أصل الأنواع ص 37
(2) ما أصل الإنسان؟ ص 40
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/index3bc.html
تقصير الرابط:
tak.la/t7brnx4