ج: 1- جاء في سفر التثنية " إذا سكن أخوة معًا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تَصِر امرأة الميت إلى خارج لرجل أجنبي. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يُمحى اسمه من إسرائيل" (تث 25: 5، 6) وهذه العادة كان مُتعارف عليها بين الآباء، فشريعة موسى لم تنشئ هذا النظام، إنما كان سائدًا قبل موسى بمئات السنين، ومن يرجع إلى سفر التكوين يجد قصة أولاد يهوذا عيرا وأونان وشيلة، فقد تزوج عيرا من ثامار وبسبب شره أماته الرب " فقال يهوذا لأونان أدخل على امرأة أخيك وتزوج بها وأقم نسلًا لأخيك" (تك 38: 8) وعندما تصرف أُونان تصرفًا خاطئًا تعرض لعقوبة شديدة أودت بحياته " فعلم أُونان أن النسل لا يكون له. فكان إذ دخل على امرأة أخيه أنه أفسد على الأرض لكيلا يُعطي نسلًا لأخيه. فقبح في عيني الرب ما فعله. فأماته أيضًا" (تك 38: 9، 10) فقد طمع أُونان في ميراث أبيه، ليقتسمه مع أخيه شيلا فقط، ويكون له هو نصيب الأسد، ويحرم أخيه المتوفي من الميراث، ولذلك رفض أن يُنجب ابنًا من أرملة أخيه المتوفي، ويقول أحد الآباء الرهبان بدير القديس أنبا مقار " كشف الوحي هنا عن سلوك أُونان الذي قبح في عيني الرب فأماته. فهو ينمُّ عن نقص شديد في المشاعر الطبيعية للمحبة والتقدير لأخيه الذي مات، وأنانيةٍ وطمعٍ في أن يستأثر لنفسه بكل شيء. أما ما هو أكثر شناعة من هذا كله فهو سلوكه الذي يُعتبر جريمة ضد القانون الإلهي للزواج"(1).
2- قصد الله من هذا التشريع أن يظل اسم المتوفي بين شعب إسرائيل ولا يُمحى " لئلا يُمحى اسمه من إسرائيل" (تث 25: 6) وأيضًا يظل ميراث المتوفي في حوزة أسرته، ولاسيما أن الأرض كانت تعتبر هبة إلهيَّة مجانية لكل سبط وكل عشيرة، وقد قسَّم يشوع بن نون هذه الأرض على الأسباط بالقرعة، فالإنسان اليهودي نظر بعين التقدير لهذا الميراث، ومن أجل هذا ضحى نابوت اليزراعيلي بحياته ولم يُضحي بميراث آبائه. ولهذا كان هناك ضرورة لشريعة الولي، حتى أنه لو كان المتوفي وحيدًا ليس له أخوة يكون الولي هو أقرب إنسان له. أما إن رفض جميع الأقارب واحدًا فواحدًا الزواج بهذه الأرملة، فحينئذ تصير هذه الزوجة حرة تتزوج بأي إنسان من أي سبط.
ويقول القمص تادرس يعقوب " ما هو غاية هذا القانون؟
أولًا: كان الإنسان يرى في نسله امتدادًا لحياته، وبالتالي إن مات دون إنجاب ابن يعني إزالة اسمه من العالم نهائيًا. لهذا كان الأخ أو الولي يلتزم أن يتزوج أرملة الميت لا لشيء إلاَّ لإقامة نسل للميت فلا يُمحى اسم الميت من العالم. هذه العادة قديمة قبل استلام الشريعة كما جاء في (تك 38: 8). ولا يجوز للأرملة أن تتزوج آخر غير الولي اللهم إلاَّ إذا رفض الولي الزواج بها"(2).
3- إذا رفض الولي الأول وهو الأقرب للزوج المتوفي الزواج بأرملته وإقامة نسلًا باسم هذا المتوفي، فهذا يُعد أمرًا شائنًا، حتى أن هذه الأرملة تتقدم أمام شيوخ المدينة " وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرخ وتقول هكذا يُفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه" (تث 25: 9) وخلع النعل يشير إلى خلع المسئولية عن الولي.
ويقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " يصير هذا الشخص موضعًا للاحتقار:
(أ) فتخلع زوجة الأخ الميت نعله (نعل الولي) من رجليه كعلامة لاحتقاره وخلع الولية والمسئولية عنه...
(ب) وتبصق في وجهه، والمقصود في الغالب أن تبصق على الأرض أمام وجهه وكان هذا علامة لاحتقاره أيضًا.
(ج) وتصرخ وتقول (هكذا يُفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه) أي الذي يرفض أن يحفظ اسم أخيه في سجلات شعبه ويُقيم له نسلًا لكي يستمر بيته مفتوحًا وعمارًا.
(د) وزيادة على ذلك فإن بيت هذا الرجل يحمل لقبًا جديدًا يدل على عمله حيث كانوا يدعونه دائمًا (بيت مخلوع النعل)"(3).
4- تحمل هذه الشريعة إشارة خفية للخلود والقيامة، وجاء في كتاب السنن القويم " ومما يستحق التأمل هنا أن في هذه الشريعة عينها بعض معنى القيامة. فقد قال بوعز في راعوث {لتقيم اسم الميت على ميراثه} (را 4: 5) فلماذا يُقام اسم الميت إذ كان قد تلاشى أي زال من الوجود إلى الأبد. فلنا أن نعتقد أن هذه الشريعة تدل بعض الدلالة على القيامة من الموت... فإنها تجعل من يولد بكرًا من امرأة المتوفي وأخيه محييًا اسم المتوفي على رجاء القيامة التي كان يعتقدها الشعب المختار وكانت من صور ذهنه الدائمة"(4) ولذلك طرح الصدوقيون هذه القضية أمام السيد المسيح، فهم لا يؤمنون بالقيامة، فأعطوا مثلًا بالسبعة أخوة التي تزوج أحدهم ومات فتزوج أخوه هذه الأرملة ومات إلى أن مات الأخوة السبعة، وكان تساؤلهم: في القيامة لمن تكون؟ فقال لهم السيد المسيح تضلون إذا لا تعرفون الكتب لأنه في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون إنما يكونون كملائكة الله، وأكد لهم حقيقة القيامة من قول الله لموسى أن الله " ليس هو إله أموات بل إله أحياء" (مر 12: 27).
5- ماذا يريد الناقد..؟! وأيهما أفضل أن تظل هذه الأرملة في بيتها وتتزوج بشقيق زوجها الذي يُنجب منها طفلًا يحمل اسم زوجها المتوفي فلا يُمحى اسمه من إسرائيل، وتحتفظ بالميراث، أم أنها تخرج من حياتها وتتخلى عن ميراث زوجها وتعود إلى أهلها وقد تتزوج ثانية أو لا تتزوج؟!
6- في العهد الجديد صارت أسمائنا مكتوبة في سفر الحياة، وليس لنا مدينة باقية، إنما ننتظر العتيدة، أورشليم السمائية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولذلك لم تعد هناك ضرورة لشريعة الولي، وإذ صار الزواج سرًا مقدَّسًا، يحل فيه روح الله القدوس فيوحد الزوجين في جسد واحد، لذلك لا يصح أن يتزوج أحد بشقيق قرينه متى مات هذا القرين، لأن أخو الزوج هو أخ للزوجة التي صارت جسدًا واحدًا مع زوجها المتوفي، وهكذا أخت الزوجة صارت أختًا للزوج، ولا يمكن أن يتزوج أحد أخته (أخت زوجته المتوفاة) ولا تتزوج واحدة أخيها (أخو الزوج المتوفي).
_____
(1) شرح سفر التكوين ص 417.
(2) تفسير سفر التثنية ص 480.
(3) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر التثنية ص 296.
(4) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 2 ص 459.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/885.html
تقصير الرابط:
tak.la/7ahq2f8