ج: 1- قال الله في سفر التثنية " ثيابك لم تبلَ عليك ورجلك لم تتورَّم هذه الأربعين سنة. فأعلم في قلبك أنه كما يؤدب الإنسان ابنه قد أدبك الربُّ إلهك" (تث 8: 4، 5) فحقًا لو عامل الله هذا الشعب العنيد القاسي القلب الصلب الرقبة بحسب أعماله الشريرة لأفناهم، وعندما اشتعلت النيران في أطراف المحلة بسبب تذمر بني إسرائيل " سمع الرب فحمى غضبه. فاشتعلت فيهم نار الرب وأحرقت في طرف المحلة. فصرخ الشعب إلى موسى فصلى موسى إلى الرب فخمدت النار" (عد 11: 1، 2) فمن مراحم الله أنه لم يحرق المحلة بالكامل بكل ما فيها كما أحرق من قبل مدينتي سدوم وعمورة، إنما اكتفى بأن يشب حريقًا في طرف المحلة، ليدرك الشعب خطيته ويتوب عنها. وأيضًا عندما تذمر الشعب بسبب الطعام أرسل الله إليهم طيور السلوى " وإذ كان اللحم بعد بين أسنانهم قبل أن ينقطع حمى غضب الرب على الشعب وضرب الرب الشعب ضربة عظيمة جدًا" (عد 11: 33) ومع أن الضربة كانت عظيمة جدًا فإن الذين ماتوا كانت أعدادهم محدودة بالمقارنة بالعدد الإجمالي لبني إسرائيل، وفي هذه الضربة أيضًا ظهرت مراحم الله، التي لولاها لأفنى الله هذا الشعب، ولم يهلك غالبًا كل المتذمرين بل الذين كانوا أكثر تذمرًا. حقًا قال المرنم " لم يفهم آباؤنا في مصر عجائبك. ولم يتذكروا وفرة مراحمك" (مز 106: 7).
2- مثل واضح على نوعية تأديب الله، ما فعله الله مع سليمان الذي قال عنه لداود أبيه "أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا. إن تعوَّج أؤدّبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم. ولكن رحمتي لا تنزع منه" (2 صم 7: 14، 15) وقد رأينا كيف قدم الله لسليمان الغنى والحكمة، وعندما أخطأ سليمان وعبد آلهة غريبة أدبه الله وأطال أناته عليه، حتى عاد إلى رشده، وتاب عن خطاياه وسجل لنا سفر الجامعة باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح، وسجل سليمان الحكيم هذه الخبرة العملية " ياإبني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسرُّ به" (أم 3: 11، 12) وقال المرنم " طوبى للرجل الذي تؤدبه يا رب وتعلمه من شريعتك" (مز 94: 12) [راجع أيضًا عب 12: 5، 6، رؤ 3: 19].
3- بعد اختبارات داود النبي مع الله شهد بعظم رحمته ورأفته، وأن غضبه لايدوم إلى الأبد، وأنه لا يعاملنا حسب خطايانا بل بحسب رحمته، قال " الرب رحيم ورؤوف بطئ الغضب ووافر الرحمة. لا يسخط إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر. لم يعاملنا حسب خطايانا ولا يجازنا حسب آثامنا. مثل ارتفاع السموات فوق الأرض تعاظمت رحمته على متَّقيه... مثلما يعطف الأب على بنيه يعطف الرب على أتقيائه... أما رحمة الرب فهي من الأزل وإلى الأبد على متَّقيه. وعدله يمتد إلى بني البنين" (مز 103: 8 - 17).0 " الرب حنَّان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة. الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله... الرب بار في كل طرقه ورحيم في كل أعماله" (مز 145: 8، 9، 17).
4- يؤدب الله شعبه لأهداف معينة، فيقول القمص تادرس يعقوب " مع الخيرات التي يقدمها الله لشعبه يقدم التأديبات... التأديب بالنسبة للمؤمن ليس عقوبة يخشاها ويرتعب منها، لكنه مدرسة يتمتع فيها المؤمن بالمعرفة والنمو المستمر، هو باب الصلاة الحارة التي تدفع بالإنسان إلى حضن أبيه السماوي. التأديب هو بداية الطريق لإعلان الله عن ذاته للمؤدَب. فالمؤدَب يدرك حقيقة نفسه، وبإدراكه لنفسه يدرك الله، لأن من يعرف نفسه يعرف الله"(2).
5- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " ويتضمن تأديب الرب لهم:
(أ) تزويدهم بشرائعه ووصاياه التي تنظم حياتهم وتسمو بها.
(ب) تشجيعهم إذا ساروا في طريقه وفي طاعته.
(ج) وفي نفس الوقت قصاصه لهم بمحبته لكي يقوّم إعوجاجهم ويردهم عن أخطائهم...
(د) وبالجملة التعامل معهم بما فيه خيرهم وتهذيبهم كشعب مختار له"(3).
6- يقول تشارلس هنري ماكنتوش " ونحن لا نرضى ولا نسر بالتأديب فهو لا يُرى أنه للفرح بل للحزن، وكل ابن يقبل بسرور أن يأخذ الطعام واللباس من يد أبيه وأن يتمتع بكل الخيرات التي تقدمها محبته، ولكنه يعز عليه أن يرى يد الأب تمتد إليه بالعصا، ومع ذلك فقد تكون عصا الأب المخيفة أنفع شيء للابن... فقد تُصلح العصا عادة رديئة وتُنقذ من ميل شرير وتُخلص من معاشرة فاسدة ومؤثر سيء... الشيء المهم أن يرى الابن محبة الأب وعنايته في التأديب والتقويم كما يراها في الخير المادي والإحسان الزمني"(4).
_____
(1) البهريز جـ 1 س 130.
(2) تفسير سفر التثنية ص 195.
(3) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر التثنية ص 130.
(4) مذكرات على سفر التثنية ص 353.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/859.html
تقصير الرابط:
tak.la/qkys6q8