ج: 1- سبق الإجابة بالتفصيل على هذا التساؤل، وتم الإيضاح بأن الأبناء الذين يتحملون إثم آبائهم هم المخالفون الرافضون للوصايا الإلهيَّة، وهذا ما أوضحه سفر التثنية تمامًا، فعندما نقرأ النص الكامل نجد أن الله قد نهى عن السجود للتماثيل وعبادة الأصنام قائلًا " لأني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي الجيل الثالث والرابع من الذين يبغضونني" (تث 5: 9) فقوله " من الذين يبغضونني " يؤكد على شرط استمرار العقوبة، وهو استمرارية سلوك الأبناء في خطايا أبائهم(2).
2- تقول الأخت الإكليريكية نيفين فايز كمال(3) " ما المقصود بالعدل الإلهي..؟ تأتي لفظة " العدل " في الكتاب المقدَّس بمعنيين:
أ - المعنى العام: للدلالة على الكمال الأدبي غير المحدود، وهذا ينطبق على الله فقط.
ب - المعنى الخاص: للدلالة على الاستقامة المغايرة للجور والظلم، أي العدل النسبي وهذا ينطبق على الإنسان.
والله هو الحاكم العادل الذي منحنا شرائع مقدَّسة وعادلة وصالحة، فهو ملك عادل وديان مستقيم لا يميت البار مع الأثيم (تك 18: 25) وهو قاضٍ عادل (مز 7: 11) يدين المسكونة بالعدل والشعوب بالاستقامة (مز 96: 13) والعدل والحق قاعدة كرسيه (مز 97: 2، رؤ 16: 7).
ومن مظاهر العدل الإلهي مكافأة الأبرار والاقتصاص من الأشرار، وقد يتساءل البعض: هل الهدف من القصاص هو إصلاح الخاطئ..؟ نقول أن هناك فرقًا بين التأديب والقصاص، فهدف التأديب هو الإصلاح، أما هدف القصاص هو العقوبة، وليس في القصاص خير ولا فائدة للمُعاقب، فالذين اقتص الله منهم بالطوفان أو بالنار والكبريت (سدوم وعمورة) لم يستفادوا شيئًا من هذا القصاص، بل هلكوا هلاكًا أبديا.
إذًا ما هو المقصود بأن الله يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء؟
أولًا: نحن لا ننكر أن الأبناء يحملون ثمار أخطاء آبائهم، فالجنين الذي يتغذى طوال فترة الحمل على دم أم غضوب ثائرة يحمل ثمرة هذا الغضب جسديًا ونفسيًا، ومع هذا فإن كثيرين ممن لهم طبائع فظة ورثوها من الآباء صاروا بالتوبة والمثابرة والجهاد قديسون.
ثانيًا: قول الله " أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي الجيل الثالث والرابع (تث 5: 9) لا يعني أن الله ينتقم من الأبناء بسبب شرور آبائهم، لكنه يريد أو يوضح طول أناة الله على الأشرار من سنة إلى أخرى، ومن جيل إلى آخر لعلهم يتوبون " في تلك الأيام لا يقولون بعد الآباء أكلوا حصرمًا وأسنان الأبناء ضرست. بل كل واحد يموت بذنبه" (أر 31: 29، 30).. " النفس التي تخطئ هو تموت... الابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن. بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون" (حز 18: 20) ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم {ليس معنى هذا أن إنسانًا يتحمل عقوبة جرائم ارتكبها غيره، ولكن مادام هذا الإنسان يرتكب خطايا كثيرة ولم ينصلح حاله إنما يرتكب ما فعله آباؤه فبعدل يستحق العقاب أيضا} ويقول القديس أغسطينوس {من تغيَّر حاله في المسيح كفَّ عن أن يكون ابنًا للأب الشرير، إذ لم يعد يتمثل بشره، وبهذا لا تُفتقد شرور أبائه فيه} وعندما قال اليهود ساعة الحكم على السيد المسيح " دمه علينا وعلى أولادنا " فإن أبناءهم الذين يوافقون أبائهم على هذا الجرم، ويرفضون الإيمان بالسيد المسيح المخلص فكما سرت العقوبة على الآباء هكذا تسري على الأبناء. أما إذ قبل هؤلاء الأبناء المخلص فإنهم يصيرون أبناء الله، ولا يعودوا أبناءً لسافكي دم المسيح.
ثالثًا: تظهر الآية موضع الحديث طول أناة الله، إذ أنه يعطي حياة للإنسان حتى الجيل الثالث والرابع لعله يتوب، ولكن كل إنسان يظل مسئولًا عن خطأه وليس خطأ غيره، فالآباء مسئولون عن خطاياهم وإعثارهم لأبنائهم، والأبناء مسئولون عن عدم طاعتهم لله والتمادي في خطايا آبائهم. ومن الملاحظ أن بركة الله لمطيعيه تفوق عقاب الله للمتمردين، فإن كان التأديب إلى الجيل الثالث والرابع فإن البركة إلى ألوف الأجيال.
رابعًا: الله في عدله " لن يبرئ إبراءً " فالله رحوم ورؤوف بطئ الغضب وكثير الإحسان وغافر الإثم والمعصية، وهو أيضًا يعاقب المخطئ الذي يتمسك بخطيته، فالله يعلن اتساع مراحمه للتائبين وشدة عدله للمعاندين والعصاة"(4).
_____
(1) البهريز جـ1 س 223.
(2) يُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 6 س 663.
(3) إكليريكية شبين الكوم.
(4) من أبحاث النقد الكتابي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/853.html
تقصير الرابط:
tak.la/9f2s4g2