ج: 1- للخطية عقابان، عقاب أرضي وعقاب أبدي، فالأبناء أحيانًا يعانون من عقاب خطايا أبائهم فيتوارثون عنهم الفاقة والديون وبعض الأمراض الوراثية. وربما سوء السمعة، بل وقد يعاني الأبناء ويجدون صعوبة في الاقتران بشريك الحياة، ليس لذنب جنوه، ولكن بسبب سوء سمعة الوالد أو الوالدين، ولا أحد يستطيع أن ينكر مدى تأثر الأبناء بخطايا الوالدين، حتى إن ابن العبد يخرج للدنيا وارثًا العبودية، ومن يولد تحت الاحتلال يخرج للدنيا محتلًا، كل هذا خاص بالعقاب الأرضي. وجاء في السنن القويم " أن ذنوب الآباء تفتقد في الأبناء، فالأمراض الخبيثة التي يُعرّض الوالدون أنفسهم لها تلحق أولادهم إرثًا طبيعيًا. وتوغل الوالدين في الخلاعة والشهوات والمسكرات تترك أولادهم فقراء وأعمال الأشرار بلاء لأنسالهم... ويكفي أن نذكر هنا ما لحقنا من خطيئة الأبوين الأولين، وكل أسرة فيها نقائص ورثتها عن أسلافها، فذكر الله هذه السنَّة التي أودعها عالم الطبيعة ردعًا للوالدين في التهافت على المعاصي وارتكاب الآثام"(2).
أما العقاب الأبدي فلا يتوارثه قط الأبناء عن الآباء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا ما أوضحه الوحي الإلهي على لسان حزقيال النبي عندما قال " مالكم أنتم تضربون هذا المثل على أرض إسرائيل قائلين الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الأبناء ضرست" (حز 18: 2) فإن كان هذا المثل ينطبق على العقاب الأرض فإنه لا ينطبق على العقاب الأبدي.
2- أغفل الناقد تكمله الآيتين الأولى والثالثة، فعندما قال الكتاب " أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع " أكمل قائلًا " من مبغضي" (خر 20: 5) و" من مبغضي " تعود على الأبناء، وأيضًا عندما قال الكتاب " أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي الجيل الثالث والرابع " أكمل قائلًا " من الذين يبغضونني" (تث 5: 9) فهو يقصد أيضًا " من الذين يبغضونني " من الأبناء. أي لو سار الأبناء على درب الآباء في فعل الخطية وشرب الإثم كالماء فإنهم سيتعرضون لذات العقاب الذي تعرض له آباؤهم.
3- يقول القديس يوحنا ذهبي الفم " ليس معنى هذا أن إنسانًا يتحمل وزر غيره، ولكن مادام هذا الإنسان لا يزال يرتكب الخطايا التي فعلها آباؤه ولم ينصلح حاله، فبعدل يستحق العقاب أيضًا"(3).
4- يقول قداسة البابا شنوده الثالث " مازال الأبناء يحملون ذنوب آبائهم، على الأقل في قوانين الوراثة الطبيعية فالأب الفاسد أو المذنب كثيرًا ما يُورّث ابنه أمراضًا في الجسد... أو يورثه طباعًا رديئة. أشياء كثيرة يرثها الأبناء لا ذنب لهم فيها، سواء في صحتهم، أو في طباعهم، بالإضافة إلى ما يرثونه من جهة الحالة الاجتماعية أو السمعة... أم مثلًا -أثناء فترة الحمل- كانت كثيرة الغضب والنرفزة، وكان دمها يتعكر جدًا، وعاش الجنين في بطنها حوالي تسعة أشهر من هذا الدم المُعكَّر. ماذا تنتظرون أن يكون هذا الولد؟! ألا يرث بالطبع الكثير من حالة أمه... بل يحدث أكثر من هذا، شيء قد يبدو لا ذنب لأحد فيه. القرابة الشديدة مثلًا، تضر النسل أحيانًا ضررًا بليغًا...
من جهة هذه الأمور الطبيعية وقوانين الوراثة في الجسد والطبع والعقل، وبعض الأمور الاجتماعية وما يشبهها، يرث الأبناء الكثير من آبائهم، كما يرثون الشكل مثلًا. أما من جهة خلاص النفس، فلا ذنب للابن في خطيئة أبيه، لا يهلك بسببها في مصيره الأبدي. أنظروا ماذا يقول الرب على لسان أرميا النبي {في تلك الأيام لا يقولون بعد الآباء أكلوا حصرمًا وأسنان الأبناء ضرست... بل كل واحد يموت بذنبه. كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه" (أر 31: 26 - 30) هذه النظرية بالذات شرحها حزقيال النبي أيضًا شرحًا وافيًا... (حز 18: 1-20)"(4).
5- يقول ج. س. كونيل " أن الله لا يعاقب الأبناء على ذنوب آبائهم، إلاَّ أن الأبناء إذا ما اقترفوا الذنوب عينها التي أقترفها آباؤهم، فأنهم يعانون بالطريقة عينها (من مبغضي) وكذلك فإن خطايا الآباء تؤثر في الأبناء وتسبيهم إلى الخطية. ثم أن بعض الخطايا تجلب عقابًا يشترك فيه الأبناء لا محالة، كالأمراض التي تنجم عن النجاسة والفقر الذي ينشأ عن الإسراف... وبينما السلوك الرديء يترك طابعه السيئ في الأجيال الثلاثة أو الأربعة التالية، إذ بالحياة الطيبة تؤثر في النسل تأثيرًا حسنًا يكاد لا يحد مداه. فغضب الله يصل فقط إلى الجيل الثالث أو الرابع، أما رحمته فتصل إلى ألف جيل"(5).
6- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " معنى العبارة أن الذين يحيدون عن الله يجنون على أنفسهم، وعلى الأجيال اللاحقة بهم أيضًا. ففضلًا على أن الله يعاقبهم شخصيًا على خطاياهم، فإن آثار خطاياهم والعقوبات التي تقع عليهم كثيرًا ما تمتد إلى أجيال عديدة من النواحي الروحية والجسدية والصحية والمادية والاجتماعية:
(أ) فقد يرث الأبناء والأحفاد العقائد والعادات الفاسدة التي كانت لآبائهم وأجدادهم، كما قد يرث الأفراد والشعوب المذلة والعبودية والأمراض والفقر وغيرها مما قد تسببت فيه الأجيال السابقة.
(ب) وقد يحدث أن تتمادى الأجيال في الشرور والأخطاء التي كان عليها الآباء ويملأون مكيال آبائهم (تث 23: 32)..
(جـ) ونلاحظ أن العقوبات أو الآثار السيئة التي تلحق بالأجيال اللاحقة عقوبات زمنية... أما العقاب الأبدي فكل إنسان مسئول فيه عن نفسه كما يقول حزقيال النبي... (خر 18: 20).
... مكافأة الصديقين " وأصنع إحسانًا إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي " قوله " إلى ألوف " تترجم أيضًا " إلى ألف جيل " ومعنى ذلك أن الله كان ينتقم من الأشرار ومن نسلهم، يحسن إلى الصديقين وإلى الأجيال اللاحقة بهم... وقد وعد الآباء مثل إبراهيم وداود وغيرهما بأنه يحفظ عهده معهم إن حفظ بنوهم عهده ووصاياه (تك 17: 9، مز 132: 11، 12) ونرى هنا أيضًا عظم محبة الله وإحسانه لأنه ينتقم من مبغضيه " في الجيل الثالث والرابع " بينما يحفظ رحمة لمحبيه إلى " ألوف الأجيال".."(6).
_____
(1) البهريز جـ3 س531.
(2) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ1 ص 406.
(3) دير القديس أنبا مقار - شرح سفر الخروج ص 461.
(4) الوصايا العشر ص 36 - 39.
(5) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 244.
(6) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الخروج ص 219، 220.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/663.html
تقصير الرابط:
tak.la/g5qq5x9