ويقول د. أحمد حجازي السقا يظهر من النص أن بني عيسو أخذوا أرض الحوريين كما فعل قبلهم بنو إسرائيل بأرض كنعان، وبما أن بني إسرائيل لم يأخذوا أرض كنعان في عصر موسى، إذًا الذي كتب هذه الجزئية قد كتبها في وقت لاحق بعد وراثة إسرائيل أرض أعدائهم(1).
ج: 1- سكن الحوريون أرض ما بين النهرين، وامتدوا غربًا إلى نهر الأردن، وكان منهم أمير يدعى سعير فسكن مع قومه منطقة جبلية، فدعيت بجبل سعير، وقد حاربهم نسل عيسو وأبادوهم واستولوا على أرضهم، وجاء في سفر التثنية " وفي سعير سكن قبلًا الحوريون فطردهم بنو عيسو وأبادوهم من قدامهم وسكنوا مكانهم كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم التي أعطاهم الرب" (تث 2: 12) وهنا يأتي السؤال:
هل في الوقت الذي كتب فيه موسى النبي سفر التثنية بما فيه هذه الجزئية، كان بنو إسرائيل قد طردوا الأمم؟
الحقيقة أن موسى كتب سفر التثنية بالكامل، باستثناء الإصحاح الأخير، في الشهرين الأخيرين من السنة الأربعين من الخروج من أرض مصر، وفعلًا كان بنو إسرائيل قد طردوا الأمم في شرق الأردن بعد نصرتهم على عوج ملك باشان وسيحون ملك الأموريين (عد 21: 21 - 35) وورث أرضهم سبطي رأوبين وجاد ونصف سبط منسى، وهؤلاء الأمم هم الذين أشار إليهم موسى النبي بقوله " كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم". أما بقية الأمم التي سكنت غرب نهر الأردن فلم يكونوا قد طُردوا بعد، إنما طردهم يشوع بن نون بعد موت موسى، وكانت أريحا المدينة الحصينة هي أول مدن الأمم التي سقطت أسوارها المنيعة بقوة إلهيَّة بدون حرب (يش 6: 20).
2- جاء في سفر التثنية".. كما فعل إسرائيل بأرض ميراثهم التي أعطاهم الرب" (تث 2: 12) ولم يحدد موسى النبي هنا أرض ميراثهم، ولم يذكر أنها أرض كنعان غرب نهر الأردن، والحقيقة أن أرض ميراثهم تشمل الأرض التي تقع سواء شرق الأردن وهي ما امتلكوها فعلًا وقت كتابة سفر التثنية، أو الأرض التي تقع غرب الأردن والتي حصلوا بشأنها على وعد إلهي صادق أنهم سيمتلكونها بيد يشوع بن نون، فسواء الأرض التي تقع شرق أو غرب الأردن فكل منهما يمثل ميراثًا آل لبني إسرائيل بسبب كثرة شرور سكانها، وما قصده موسى النبي هي الأرض التي تقع شرق الأردن، والتي ورثها سبطي رأوبين وجاد ونصف سبط منسى، وفيه إشارة أيضًا للأرض التي تقع غرب الأردن والتي سيمتلكها إسرائيل بناء على المواعيد الإلهيَّة.
3- حتى لو كان قصد موسى النبي الأرض الواقعة غرب الأردن، فيمكن قبول هذا على سبيل النبوءة عما سيكون قريبًا، ويقول الأرشيدياكون نجيب جرجس " والكلام في الفقرة بصيغة الماضي وهي نبوءة تفيد المستقبل لأن إسرائيل لم يكونوا بعد قد أخذوا شيئًا من أراضي الشعوب، ومعنى الآية (كما سيفعل إسرائيل بأرض ميراثهم التي أعطاهم الرب) أي التي وعدهم بها وسيعطيهم إياها فعلًا، والنبوءات ومواعيد الله قد تأتي بصيغة المستقبل، وقد تأتي أحيانًا بصيغة الماضي أو الحاضر كأنها تحققت بالفعل مع أن تحقيقها يكون في المستقبل. لأن كل ما في قصد الله محقق الوقوع، وفي حكم الشيء الذي حدث فعلًا حتى إن لم يكن قد تم بعد. ولذلك نرى إشعياء النبي مثلًا يتكلم بصيغة الزمن الحاضر الذي يفيد المستقبل في قوله عن ولادة الرب يسوع من عذراء (ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل) (أش 7: 14)، وفي نفس الوقت نرى المرنم داود يشير إلى حادث الصلب بصيغة الماضي فيقول (ثقبوا يديَّ ورجليَّ وأحصوا كل عظامي) (مز 22: 16) مع أن الحادث كان في قصد الله ليتم في عصور مستقبلة بعد عهد داود"(2).
4- أما عن رفضنا الكامل لنظرية التنقيحات، فيقول نورمين جيسلر أن الله قد نهى تمامًا عن إضافة أو حذف أي جزئية للأسفار المقدَّسة، وقد أوصى شعبه قائلًا: "لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها" (تث 4: 2) وهذا ما أكده الله فيما بعد " إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوءة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة" (رؤ 22: 18، 19) والقول بأن هناك كاتب آخر أتى بعد موت موسى ونقَّح في أصول التوراة قول مرفوض، لأن هذا التنقيح يعد عملًا غير قانونيًا، لأن معنى التنقيح أن الكلام الأول الذي كتبه موسى لم يكن موحى به ولم يُكتب بروح النبوءة، ولو وافقنا على نظرية التنقيح فمعنى هذا أن روح النبوءة انتقلت من الكاتب الأصلي إلى من قام بالتنقيح لاحقًا، وأن كلام الكتاب المقدَّس يشمل جزء كتبه الكاتب الأصلي بواسطة الوحي الإلهي، وجزء آخر جاء نتيجة التنقيحات، وهذا الأمر يؤدي إلى قلب المعايير(3).
_____
(1) راجع نقد التوراة ص 95.
(2) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر التثنية ص 40.
(3) راجع When Critics Ask P 115 - 116.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/847.html
تقصير الرابط:
tak.la/5pvb5x3