ج: من أهداف المعجزات ما يلي:
1- إعلان الله عن ذاته في العهد القديم، ولذلك قال موسى النبي " فأسأل عن الأيام الأولى... هل سمع شعب صوت الله يتكلم من وسط النار كما سمعت أنت وعاش. أو هل شرع الله أن يأتي ويأخذ لنفسه شعبًا من وسط شعب بتجارب وآيات وعجائب وحرب ويد شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة مثل كل ما فعل لكم الرب إلهكم في مصر أمام أعينكم. أنك قد أُريت لتعلم أن الرب هو الإله. ليس آخر سواه" (تث 4: 32 - 35) ولولا المعجزات التي أعلنت صفات الله للبشرية لظل الله مجرد فكرة مجردة.
2- دليل على صدق الإعلان الإلهي للبشرية، فالإعلان الخالي من المعجزات هو إعلان مشكوك في مصدره إن كان من الله أو لا.
3- دليل على صدق الكتاب المقدَّس، وأنه مُوحى به من الله، وبدون المعجزات يصير الكتاب المقدَّس كأنه كتابًا عاديًا، ويقول "هربرت لوكير".. "والمعجزات كجزء لا يتجزأ من الكتاب المقدَّس تقدم الدليل على أنه كلمة الله المُوحى بها، ولولا ما يتضمنه من معجزات، فنحن لا نستطيع أن نقبله ككتاب غير عادي. فعدم وجود معجزات يعني أنه لا دليل قاطع على أنه من عند الله"(1).
4- إظهار مجد الله " فقال موسى وهرون لجميع بني إسرائيل في المساء تعلمون أن الرب أخرجكم من أرض مصر. وفي الصباح ترون مجد الرب... الرب يعطيكم في المساء لحمًا لتأكلوا وفي الصباح خبزًا لتشبعوا" (خر 16: 6 - 8) فالمعجزة ليست للتسلية واللهو الافتخار والاستعراض وإثارة الفضول والدهشة، ولكن الله يصنعها تحت إلحاح الحاجة ولغاية مقدسة وحكمة إلهية، ويقول " هربرت لوكير".. " ومن بين السمات الأخرى للهدف من وجود المعجزات الكثيرة فيه إظهار مجد الله، فهي تتحدث ببلاغة عن سلطان الله على كل شيء، فهو رب الكل وفي الكل. إن المعجزات هي الختم الرسمي لسلطان الله"(2).
5- المعجزات التي أجراها الرب يسوع تشهد لطبيعته الإلهيَّة، ولذلك قال " الأعمال بعينها التي أنا أعملها هي تشهد لي أن الآب قد أرسلني" (يو 5: 36).. " صدقوني إني في الآب والآب فيَّ. وإلاَّ فصدقوني لسبب الأعمال نفسها" (يو 14: 11).. " ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيَّ وأنا فيه" (يو 10: 38) ومع أن السيد المسيح لم يصنع المعجزات ليصدق الناس ما يقوله عن نفسه، إنما صنعها رحمة بالإنسان الشقي المسكين، ولكن هذه المعجزات شهدت على صحة أقواله، كما تقول دائرة المعارف " وهو لم يصنع هذه المعجزات لكي يؤمن الناس بما يقوله عن نفسه، ولكن أعماله العجيبة والقوات التي صنعها كانت دليلًا قاطعًا على صدق هذه الأقوال"(3).
لقد صنع السيد المسيح آلاف المعجزات، ولم تسجل لنا الأناجيل سوى 35 معجزة فقط على سبيل المثال، بالإضافة إلى المعجزات الخاصة بشخصه مثل ولادته من العذراء مرتمريم، وقيامته من الأموات، وصعوده إلى السموات، وجلوسه عن يمين أبيه، ومجيئه الثاني، وامتدت معجزات السيد المسيح التي سجلتها الأناجيل الأربعة لتظهر سلطانه على الأمراض وعلى الأرواح، وعلى الطبيعة، وعلى الأسماك، وعلى الوحوش، وعلى النباتات، وعلى الملائكة... إلخ (راجع كتابنا أسئلة حول 5- الوهية المسيح ص 63 - 73).
وعندما جاء إليه تلميذي يوحنا يسألانه عما إذا كان هو النبي أم ينتظرون آخر " فأجاب يسوع وقال لهما إذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران. العمي يبصرون والعرج يمشون والبُرص يُطهَّرون والصمُّ يسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبشَّرون. وطوبى لمن لا يعثر فيَّ" (مت 11: 4 - 6).
ويقول "جوديت" Godet" أن معجزات يسوع ليست مجرد أعاجيب (terata) يقصد بها أن تلهب الخيال، فهناك علاقة وثيقة بين هذه الحقائق المدهشة وشخصية من قام بها. أنها رموز منظورة تظهر كنههه وما جاء ليفعله. صور نابضة بالحياة، كأشعة صادرة من المعجزة الدائمة لظهور المسيح"(4).
ويقول " كوليردج " Coleridge " كثيرًا ما أؤكد أن المعجزات التي أجراها المسيح، كمعجزات وكإتمام للنبوءات، كآيات وعجائب، كانت تعلن وتثبت بما لا يدع مجالًا للشك، طبيعته الإلهيَّة وسلطانه الإلهي. لقد كانت أمام كل الأمة اليهودية، دلائل صادقة قوية على أنه قد جاء الذي سبق أن وُعد به الآباء وأُعلن لهم {هوذا إلهكم... يأتي... هو يأتي ويخلصكم} (أش 35: 4) لذلك فإنني أقبلها كبراهين على صدق كل كلمة قالها أو علَّم بها... كانت إعلانات عن ذلك الذي قال {أنا هو القيامة والحياة} (يو 11: 25)(5).
6- لتجذب النفوس للملكوت، وتقود غير المؤمنين للإيمان الحقيقي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كقول يوحنا الحبيب " وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع لم تكتب في هذا الكتاب. وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" (يو 20: 30، 31) وقال القديس أوغسطينوس أن " المعجزات تقودنا للإيمان، وهي تجرى أساسًا لأجل غير المؤمنين"(6) فالمعجزات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإيمان المسيحي، ويقول هـ. ويس Wace " على العموم فربما يدرك على نحو متزايد أن المعجزات، أبعد ما تكون عن المزايدة على الإيمان المسيحي، فهي مرتبطة به ارتباطًا وثيقًا لا يمكن الفصل بينهما. وأن هناك إتحادًا تامًا بينهما في إعلان أنهما من فوق، وهذا مدوَّن في الكتاب المقدَّس"(7).
وجاء في دائرة المعارف الكتابية عن الإيمان كهدف أساسي من أهداف المعجزة " من الخطأ البالغ أن نظن أن أساس إيماننا لا يهتز إذا أنكرنا المعجزات أو طرحناها جانبًا. إننا نعقد الدليل الإيجابي الذي نمتلكه عن قوة الله المخلّصة. فالمعجزات ليست مجرد الأدلة على صدق الإعلان، ولكنها هي نفسها الإعلان، فهي تعلن " مخلصًا " من كل أمراض البشرية، وليس ثمة إعلان آخر في العالم له نفس هذه القوة. كما أن المعجزات المسجَّلة للرسل، لها نفس الأثر، فقد صنعت هذه المعجزات -كما في حالة شفاء بطرس للرجل الأعرج- كدليل على قوة المخلص الحية (أع 3: 3، 4)"(8).
7- إظهار تحنن الله على البشر مثل عشرات المعجزات التي أجراها الله في العهد القديم قبل التجسد، أو بعد التجسد من أجل شفاء إنسان مريض أو تفتيح عيني أعمى أو إقامة مفلوج... إلخ فالمعجزات تدخل في نطاق أعمال الرحمة الإلهيَّة للإنسان، لتخفف من أتعابه وآلامه وأمراضه وضيقاته، ولطرد الأرواح النجسة التي تسكن فيه.
8- لتأييد الكارزين حسب وعده الصادق "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا ويعمل أعظم منها" (يو 14: 12).. "اشفوا مرضى. طهروا برصًا. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين. مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا" (مت 10: 8) وقال معلمنا بولس الرسول لأهل كورنثوس " أن علامات الرسول صُنعت بينكم في كل صبرٍ بآيات وعجائب وقوَّات" (2كو 12: 12).
9- للشهادة للحق وصحة العقيدة، فشق البحر الأحمر شاهد قوي لإله إسرائيل، كما قالت راحاب للجاسوسين " قد سمعنا كيف يبَّس الرب مياه بحر سوف قدامكم عند خروجكم من مصر" (يش 2: 10) والأعمال المعجزية التي عملها السيد المسيح كانت شاهدًا قويًا لشخصه المبارك، وتجلي السيدة العذراء على قباب كنيستها في الزيتون سنة 1968م شاهد حق على صدق المسيحية الأرثوذكسية، ويقول "سبرول" أن "المعجزات مرئية وخارجية ويمكن تلمسها لمن هو مسيحي أو ليس كذلك، وتحمل في طياتها وسيلة الإقناع اللازمة والتأكيد، ففيما يختص بالدفاع عن العقيدة، المعجزة المرئية ضرورية فيما يختص بالمسيحية. وفي كل الأحوال سوف تظهر هذه بشكل سليم ومقنع سواء أعتنقها أحد أم لا، سواء حدث تحوُّل لأحد أم لا، الدليل سوف يكون ظاهرًا حتى لو امتنع كل الناس برغبتهم عن قبوله"(9)(10).
ونحن ننتظر المعجزة الكبرى وهي قيامة الأجساد، عندما يبوق رئيس الملائكة الجليل سوريال، ويأتي المسيح له المجد في مجده ومجد أبيه، فيقوم الراقدون من آدم وحتى المجيء الثاني، ليعطي كل إنسان حسابًا أمام منبر المسيح العادل.
_____
(1) كل المعجزات في الكتاب المقدَّس ص 12.
(2) المرجع السابق ص 12.
(3) دائرة المعارف الكتابية جـ 5 ص 194.
(4) هربرت لوكير - ترجمة ادوارد وديع عبد المسيح - كل المعجزات في الكتاب المقدَّس ص 14.
(5) دائرة المعارف الكتابية جـ 5 ص 194، 195.
(6) هربرت لوكير - ترجمة ادوارد وديع عبد المسيح - كل المعجزات في الكتاب المقدَّس ص 13.
(7) المرجع السابق ص 13.
(8) دائرة المعارف الكتابية جـ 5 ص 194.
(9) جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 585.
(10) Sproul , CA , 145.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/64.html
تقصير الرابط:
tak.la/ztr3bh9