س 1707: كيف يكون الخائن رجل سلامة: "أَيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ آكِلُ خُبْزِي رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ" (مز 41: 9)..؟ وهل كان داود رجلًا ساذجًا لدرجة أنه يثق برجل خائن ويشركه في مائدته..؟ وهل كلمة "آمِينَ" التي جاءت في نهاية المزمور أُخذت من الكلمة المصرية "آمون" أي الخفي؟
يقول "المستشار محمد سعيد العشماوي": "تكرر لفظ " آمِينَ " في المزامير، وهو لفظ " آمون " أو آمين (Amen) المصري بمعنى الخفي، وهو صفة لله، ظهر بشدة في الأسرة التاسعة عشر التي عاش خلالها موسى، لأنه كان موحّدًا بغير شك، فقد استعمل اللفظ كصفة لله لا كإله" (336).
ج: 1- لم يكن داود رجلًا ساذجًا، إنما كان مقاتلًا شجاعًا، وسياسيًا محنكًا، وملكًا ناجحًا، وضع أركان مملكة إسرائيل القوية المتحدة التي ضمت جميع الأسباط، وأخضع جميع الشعوب المحيطة حوله، ولولا حروب داود ما نعمت مملكة سليمان بالسلام، واليهود يعرفون جميعًا أنهم عاشوا أزهى عصورهم خلال حُكم داود وابنه سليمان، ومهما كانت مهارة داود فقد لا يستطيع أن يكتشف أمر الإنسان الخائن، لأن الخائن منافق ومرائي بطبيعته، يجيد أداء دوره التمثيلي حتى يكاد يظهر كأنه حقيقة، فهو يرتدي ملابس الصديق الوفي، ويفيض لسانه بالكلام المعسول، بينما تختفي الحيَّة الرقطاء داخل أعماقه، وبالرغم من أن العُرف كان يجرّم اعتداء الإنسان على صاحبه الذي أكل معه في صحفة واحدة، فإن الخائن لا يهتم بالأعراف ولا بالتقاليد، بل يتحين اللحظة التي ينقض فيها على صديقه الذي أكل معه خبزًا فيقتله بسيفه أو بمشورته المسمومة، هكذا فعل أخيتوفل الخائن، إذ تعاطف مع الابن الجاحد أبشالوم الطامع في عرش أبيه، وعندما علم داود، وهو لم يكن يعلم من قبل، أن أخيتوفل بين الفاتنين مع أبشالوم: "فَقَالَ دَاوُدُ حَمِّقْ يا رب مَشُورَةَ أَخِيتُوفَلَ" (2صم 15: 31)، وفعلًا أبطل الرب مشورة أخيتوفل الذي اغتاظ ومضى وخنق نفسه (2صم 17: 23).
2- عندما قال داود: "أَيْضًا رَجُلُ سَلاَمَتِي الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ آكِلُ خُبْزِي رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ" (مز 41: 9) حمل كلامه هذا بُعدًا نبويًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذ انطبقت النبوءة بكامل صورتها على التلميذ الخائن الذي باع معلمه الصالح بثلاثين من الفضة، ذاك هو يهوذا الذي أكل مع السيد المسيح في ذات الصحفة، وبعد ساعات قليلة أسلمه لأيدي اليهود بقُبلة غاشة (مت 26: 49)، والفارق بين السيد المسيح وداود، أن داود كان يجهل حقيقة أخيتوفل، أما السيد المسيح فكان يعرف أعماق يهوذا وكشف عنه قائلًا: "الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي" (مت 26: 23)، وعندما سأل يوحنا معلمه عمن يسلّمه: "أَجَابَ يَسُوعُ هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ. فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ" (يو 13: 26). بل أن السيد المسيح فسَّر ما نطق به داود بالروح القدس عن يهوذا منذ ألف عام مضت، فقال لتلاميذه: "وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ. لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ. لِذلِكَ قَالَ لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ... أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ" (يو 13: 10، 11، 18).. وانتهت حياة كلٍ من أخيتوفل الذي خان داود، ويهوذا الذي خان مسيحه، وخسر كل منهما نصيبه بعد أن كان أخيتوفل صديقًا مقرَّبًا ومستشارًا لداود، وبعد أن كان يهوذا تلميذًا لابن داود... ويكمل داود رسم صورة يهوذا في نفس المزمور قائلًا: "وَإِنْ دَخَلَ لِيَرَانِي يَتَكَلَّمُ بِالْكَذِبِ. قَلْبُهُ يَجْمَعُ لِنَفْسِهِ إِثْمًا. يَخْـرُجُ. فِي الْخَارِجِ يَتَكَلَّمُ" (مز 41: 6) وفي مزمور آخر يقول: "لأَنَّهُ لَيْسَ عَدُوٌّ يُعَيِّرُنِي فَأَحْتَمِلَ. لَيْسَ مُبْغِضِي تَعَظَّمَ عَلَيَّ فَأَخْتَبِئَ مِنْهُ. بَلْ أَنْتَ إِنْسَانٌ عَدِيلِي إِلْفِي وَصَدِيقِي. الَّذِي مَعَهُ كَانَتْ تَحْلُو لَنَا الْعِشْرَةُ. إِلَى بَيْتِ اللهِ كُنَّا نَذْهَبُ فِي الْجُمْهُورِ" (مز 55: 12-14).
3- يعتبر المزمور (41) هو ختام الكتاب الأول من كُتب المزامير الخمسة، ولذلك فأنه انتهى بتسبحة رائعة مثل بقية الكتب، فجاء آخر المزمور: "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. آمِينَ فَآمِينَ" وجاء في "قاموس الكتاب المقدَّس" أن كلمة " آمِينَ" جاءت في الكتاب المقدَّس بأربعة معاني:
1ــ بمعنى التأكيد في القسم أو العهد أو التحقيق كما حدث عندما تلى اللاويون اللعنات والبركات فكان الشعب يرد قائلًا آميـن (تث 27: 15 - 26) (راجع أيضًا إر 11: 5، نح 5: 13).
2ــ كلمة " آمِينَ" في ختام الصلاة تعني أستجب، أو ليتم هذا الأمر، أو بمعنى ليكن هكذا (2كو 13: 14).
3- معنى كلمة " آمِينَ" أي الحق كما استخدمها السيد المسيح في (مت 18: 3).
4- كلمة "الأمين" صفة للسيد المسيح (رؤ 3: 14، 2كو 1: 20).
ومن الناحية اللغوية جاء معنى " آمِينَ" في معجم المعاني الجامع - معجم عربي: "آمين" (اسم): اسم فعل أمر مبني على الفتح بمعنى أستجب، تأتي في خاتمة الدعاء".
والمستشار محمد سعيد العشماوي الذي يعتقد أن كلمة " آمِينَ" مقتبسة من الإله الفرعوني "آمون" وقال أن هذا من تأثير الديانة الفرعونية على الديانة اليهودية، لماذا لم يسأن نفسه، إن كان الوضع هكذا، فلماذا يستخدمها في صلواته، وكل مرة يقرأ فيها الفاتحة يختمها بكلمة "آمين".. جاء في "ويكيبديا الموسوعة الحرة" على شبكة الإنترنت: "كلمة " آمين " كلمة سريانية قديمة تعني " اللهم استجب دعائي "، وقد تناقلتها أصحاب الديانات الإبراهيمية حتى يومنا هذا، وبما أن اللغة العربية لغة سامية كما العبرية والأرامية فقد استخدمها المسلمون في صلواتهم وأدعيتهم حتى هذا اليوم بكل لغاتهم وكذلك اليهود والمسيحيين... لكن هناك ادعاء يقول أنها ليست سريانية الأصل إنما هيَ كلمة مصرية قديمة مشتقة من اسم الإله المصري الفرعوني الشهير (آمون)، وكان المصريون القدماء – فيما يبدو – يتغنون بها بطريقة تجعل (حرف الواو في، آمون) تبدو مكسورة فتصبح أقرب إلى (آمين).
وفي رد موقع "إسلام ويب" على القائلين بأن "آمين" مقتبسة من "آمون" قال: فمما لا يختلف فيه اثنان أن ألفاظ كل لغة لا يمكن أن نفهم معانيها إلاَّ من أهلها. فمن غير المعقول ولا الجائز أن نحاكم ألفاظ لغة إلى معاني لغة أخرى لمجرد التشابه اللفظي بين اللفظين، فهذا لا يقبله عاقل، فمثلا كلمة (كانْ) العربية إذ نطقها عربي يكون لها معنى معروف، ونفس هذا اللفظ المسموع إذا سمعه من ينطق بالإنجليزية ولا يفهم العربية سيفهم منه (يستطيع).. وكذلك كلمة (آمين) العربية لها معناها المعروف. فهي اسم فعل بمعنى اللهم استجب لي، وقيل معناه كذلك فليكن. يعني الدعاء كما قال ابن الأثير، وليس لهذه الكلمة أية علاقة من قريب أو من بعيد بهذا الفرعون المسمى (آمون).
وقال الإمام القرطبي: "كلمة آمين لم تكن قبلنا إلاَّ لموسى وهارون عليهما السلام" وروى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن يوسف... عن أبي هريرة أن النبي (صلعم) قال إذا آمَّن الإمام فآمَنوا، فأنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
_____
(336) الأصول المصرية لليهودية ص 205، 206.
فهرس |
مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (عهد قديم) |
"بِذَبِيحَةٍ وَتَقْدِمَةٍ لَمْ تُسَرَّ. أُذُنَيَّ فَتَحْتَ.
مُحْرَقَةً وَذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لَمْ تَطْلُبْ" |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1707.html
تقصير الرابط:
tak.la/ajmt3vh