St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1677- هل يفرح داود ويسر بإلهه لأنه يُشبع شهواته: "يا رب بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدًّا. شَهْوَةَ قَلْبِهِ أَعْطَيْتَهُ وَمُلْتَمَسَ شَفَتَيْهِ لَمْ تَمْنَعْهُ" (مز 21: 1، 2).. "تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ" (مز 23: 5)؟

 

س 1677: هل يفرح داود ويسر بإلهه لأنه يُشبع شهواته: "يا رب بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدًّا. شَهْوَةَ قَلْبِهِ أَعْطَيْتَهُ وَمُلْتَمَسَ شَفَتَيْهِ لَمْ تَمْنَعْهُ" (مز 21: 1، 2).. " تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ" (مز 23: 5)؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: 1- صَلَّى داود قائلًا: "يا رب بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدًّا فواضح أن الدافع لفرح وبهجة داود هو قوة الله التي ساندته في رحلة حياته، وخلاصه الذي أنقذه من الموت مرارًا وتكرارًا، فداود لم يفرح ويبتهج بقوته العسكرية وجيشه، ولا بقصره وغناه وعبيده، ولا بخضوع الأمم المحيطة له، ولا بشهوات أرضية، ويقول "أحد رهبان دير المحرق": "أنظر كيف أنه لم يذكر العز والشرف الملوكي، وما أراد أن يفرح بصفوف العساكر المتسلحين ولا بالعظماء والأرباب والسلاطين، ولم يفتخر بزينة الثياب البهية ولُباس الحرير والأرجوان الممجد، ولا بالمراكب المُعدة للحرب، ولا حسب موشي الخيل المتلألئة بقلائد الذهب الثمينة، ولم يرتفع قلبه بكثرة البنين والمحبوبين المشرقين على ظهر المراكب المجلَّلة بأنواع الجمال، وبأحسن ترتيب لابسين ثيابًا شريفة نسج الصُنَّاع الماهرين، لكنه جالس على كرسي مملكته وأمامه كل ما ذكرنا بالخوف والرعدة قائمين. فترك جميع تلك الأشياء المذكورة والتفت إلى الرب وقال: يا رب بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدًّا... يبتهج الملك الملتجئ إليك بعزتك وجبروتك وخلاصك" (224).

 

 2ــ هل عندما قال داود النبي: "شَهْوَةَ قَلْبِهِ أَعْطَيْتَهُ" كان يقصد الشهود الجسدية؟! وهل لا توجد شهوات أخرى غير الشهوة الجسدية فحسب؟! بالقطع هناك شهوات مقدَّسة تراود قلب داود، أما الإنسان الجسداني فعندما تأتي أمامه كلمة "شهوة" لا يلمع أمام عينيه غير الشهوة الجسدية الحسية، لأنه لا يعرف للشهوة الروحية طريقًا، ويغفل تمامًا أن كلمـة "شهــوة" مــن الفعل "اشتهى"، والاشتهاء يمكن أن يكون لأمور صالحة أو لأمور شريرة، ومن يدرس حياة داود يعرف قدر طهارته، وإن كان سقط مرة في الشهوة الرديئة فذلك لم يكن سلوكه العام، وإن كان أخطأ لحظات فقد ندم وبكى وذرف الدمع سنوات، أما قلبه فقد كان متعلقًا بالله، وانظر إلى أقواله:

 † "عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي" (مز 63: 1).

 † " وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ الرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ. أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ" (مز 27: 4).

 وكانت مشاعره مقدَّسة مثل مشاعر آساف: "مَنْ لِي فِي السَّمَاءِ. وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ" (مز 73: 25)، ومثل المشاعـر السائدة في المزامير:

 † " كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ" (مز 42: 1).

 † " تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ" (مز 84: 2).

 † " انْسَحَقَتْ نَفْسِي شَوْقًا إِلَى أَحْكَامِكَ فِي كُلِّ حِينٍ... هأَنَذَا قَدِ اشْتَهَيْتُ وَصَايَاكَ... فَغَرْتُ فَمِي وَلَهَثْتُ لأَنِّي إِلَى وَصَايَاكَ اشْتَقْتُ" (مز 119: 20، 40، 131).

 وقالت عروس النشيد: "تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ" (نش 2: 3)، وقال سليمان الحكيم: "شَهْوَةُ الصِّدِّيقِينَ تُمْنَحُ" (أم 10: 24).

 وقول داود " شَهْوَةَ قَلْبِهِ أَعْطَيْتَهُ وَمُلْتَمَسَ شَفَتَيْهِ لَمْ تَمْنَعْهُ" يشبه قول داود في المزمور السابق: "لِيُعْطِكَ حَسَبَ قَلْبِكَ وَيُتَمِّمْ كُلَّ رَأْيِكَ... لِيُكَمِّلِ الرَّبُّ كُلَّ سُؤْلِكَ" (مز 20: 4، 5)، فقد طلب داود من الله أن يحفظ حياته وأعطاه الرب سُئل قلبه: "حَيَاةً سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ طُولَ الأَيَّامِ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ" (مز 21: 4)، وطلب داود البركة فأعطاه الله سُئل قلبه: "جَعَلْتَهُ بَرَكَاتٍ إِلَى الأَبَدِ" (مز 21: 6) فلم يكتفِ الله أن يباركه بل جعله بركة، كما فعــل مــع إبراهيم: "فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ. وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ" (تك 12: 2، 3). 

 ويقول "القمص بيشوي كامل": "وما هيَ شهوة قلب الإنسان المنتصر بقوة الله على أهوائه وشهواته؟. إن شهوة قلبه ستكون في الروحيات ومن أجلها تطلب الشفتين وتلتمس الصلاة، عندئذ يعطيه الله، ومن أمثلة هــذا الإنســان "دانيال" الرجل المحبوب "فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ... وَأَعْطَى اللهُ دَانِيآلَ نِعْمَةً وَرَحْمَةً عِنْــدَ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ" (دا 1: 8، 9).

 ولكن عندما يطلب الإنسان الشهواني فإن الله لا يعطيــه ملتمـس قلبه: "تَطْلُبُــونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ" (يع 4: 3). إذًا يا أحبائي ينبغي أن نتأكد تمامًا أن قلبنا مشغول بطلب الأمور الروحية، وعلينا أن نحترس من أن ينشغل قلبنا بطلب الأمور العالمية " لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضًا" (لو 12: 34).. داود النبي اشتهى أن يُطرح على عتبة بيت الرب (مز 84: 1 - 4)، كذلك اشتهى داود أن يسكن في بيت الرب كل أيام حياته (مز 27: 4)، واشتهى الرسول أن ينطلق ويكون مع المسيح (في 1: 23)، واشتهى سليمان الحكمة قائلًا: "فَأَعْطِ عَبْدَكَ قَلْبًا فَهِيمًا... وَأُمَيِّزَ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ... فَحَسُنَ الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لأَنَّ سُلَيْمَانَ سَأَلَ هذَا الأَمْرَ" (1مل 3: 9، 10) واشتهى الآباء خدمة الكنيسة: "إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلًا صَالِحًا" (1تي 3: 1)، واشتهى القديسون الاستشهاد، وترك العالم محبةً فـي الملك المسيح... هـذه هيَ الشهـوات اللذيذة التي يهبها الله للذين يطلبونها" (225).

 ويقول "الراهب القس أوغريس السرياني": "شهوة القلب تسبق سؤال الشفتين، وينبغي أن تتفق معه ليعمل الداخل والخارج في هارمونيـة طبقًا لإرادة الله: "لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان "، وطالما يقدم الإنسان إرادة الله، ويعمل في ضوء تعاليمه ووصاياه، نجد استجابة الله تكون سريعة لرغبات القلب وكلمات الفم، لأن شهوة القلب يضبطها تعقل الإنسان المؤمن وسمو روحه، وممارسته وسائط الخلاص التي تجعل حواسه وغرائزه تسير في مخافة الله، وتبعًا لذلك تكون شهوة البصر مستنيرة بشهوة القلب" (226).

 

 3ــ لقد اختار الله داود من مربض الغنم ورفعه ليملك على شعبه وبسط عليه حمايته ورعايته وعنايته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقال الله له: "وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا عَظِيمًا" (2صم 7: 9).." وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ" (2صم 8: 6).. ومن كان يستطيع أن ينقذ داود من رمح شاول؟!، ومن كان يستطيع أن ينقذ داود وهو في مغابن الكهف وشاول وألوفه يحاصرونه؟!، ولذلك كان من الطبيعي أن يعلن داود شكره العميق لله... تأمل في مدى عمق محبته من خلال المزمور (18): "أُحِبُّكَ يا رب يَاقُوَّتِي" (مز 18: 1).

 

 4ــ قال داود النبي: "تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ" (مز 23: 5)، ولم يشتهي داود مائدةً تجمع ما لذ وطاب من الأطعمة والمشروبات الفاخرة، لأن مثل هذه الموائد كانت متوفرة لديه بكثرة، إنما قصد أن الله يهتم بكل أموره في أصعب الظروف وأحلكها، ففي وسط الضيقات التي يعاني منها يرتب الله كل أموره، حتى أنه يعد له مائدة تجاه أو مقابل أعداءه، وبنفس المفهوم قال سليمان الحكيم: "اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا. نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا السَّبْعَةَ. ذَبَحَتْ ذَبْحَهَا. مَزَجَتْ خَمْرَهَا. أَيْضًا رَتَّبَتْ مَائِدَتَهَا" (أم 9: 1، 2) ففي أسلوب شعري جميل يُصوّر داود المعونة التي قدمها له الله على أنها مائدة، وفي موضع آخر قال داود: "ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ... الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ" (مز 34: 8، 10) كما قصد داود من قوله: "تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ" أي أن الله يمنحه السلام والطمأنينة والشبع بالرغم من مضايقات الأعداء، حتى أنه عبَّر عن هذه المضايقات في الآية السابقة: "أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي" (مز 23: 4).

 وعندما قال داود أن " تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ" رسم صورة الملك الظافر الذي يقيم ولائمه لرجاله بينما الأعداء المأسورين لا يجرؤ أحد منهم على مضايقة ضيوف الملك، وأيضًا يرسم صورة للراعي الصالح الذي يقود قطيعه إلى الأراضي الخضراء لتأكل، بينما يسكب هو الماء المغلي على الثعابين السامة في شقوقها حتى لا تأذي القطيع. وأيضًا حملت هذه الآية بُعدًا نبويًا لأنها تشير إلى مائدة العشاء الرباني التي قدمها السيد المسيح لتلاميذه، والتي قال عنها القرآن أن الله أنزلها من السماء، ووضع عقوبة شديدة لمن يكفُر بعد (راجع سورة المائدة 5: 112 - 115).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(224) إعداد راهب من دير المحرق - سفر المزامير جـ 1 ص 272، 273.

 (225) تفسير المزامير 21 - 30 ص 4، 5.

(226) تأملات في سفر المزامير جـ 1 ص 153.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1677.html

تقصير الرابط:
tak.la/rss4ffb