St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1678- هل ما جاء في المزمور: "إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي. بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي" (مز 22: 1) نبوة عن موت السيد المسيح على الصليب..؟ وهل قول السيد المسيح: "إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي " يعني أن اللاهوت قد فارق الناسوت..؟ وما معنى قوله "كَلاَمِ زَفِيرِي"؟. هل هناك كلام زفير وكلام شهيق؟!

 

س 1678: هل ما جاء في المزمور: "إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي. بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي" (مز 22: 1) نبوة عن موت السيد المسيح على الصليب..؟ وهل قول السيد المسيح: "إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي " يعني أن اللاهوت قد فارق الناسوت..؟ وما معنى قوله " كَلاَمِ زَفِيرِي"؟. هل هناك كلام زفير وكلام شهيق؟!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: 1- هذا المزمور (22) حوى عدة نبوات عن صلب المسيح وآلامه، ومن هذه النبوات هذه النبوة: "إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي. بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي" (مز 22: 1)، فلماذا أطلق السيد المسيح هذه الصرخة وهو على الصليب؟:

 أــ ليوجه نظر سامعيه من اليهود وقادتهم إلى هذا المزمور، وكأنه يقول لهم أعيدوا قراءة هذا المزمور وتأملوا النبوات التي دوّنت فيه، وأنتم الآن بجهل تتمموها.

 ب - لقد حمل السيد المسيح عقاب خطايا البشرية في جسده: "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يو 1: 29)، ونحن جميعًا " كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا" (إش 53: 6) وقال بولس الرسول: "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً خَطِيَّةً لأَجْلِنَا" (2كو 5: 21) وقال بطرس الرسول: "الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ" (1بط 2: 24)، ولذلك حجب الآب وجهه عنا، فصرخ قائلًا: "إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟! " لقد كان السيد المسيح نائبًا عن البشرية في المعمودية والصوم والصلاة والصلب والموت، ولهذا فهو يصرخ هنا بلسان البشرية: "إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟".

 ويقول "القديس غريغوريوس النزينزي": "لم يكن المسيح متروكًا من الآب ولا من لاهوته كما يظن البعض، أو كما لو كان خائفًا من الآلام فانفصل بلاهوته عن ناسوته أثناء آلامه.. وإنما كما قلت أنه كان ينوب عنا في شخصه. نحن كنا قبلًا متروكين ومرذولين، أما الآن فبآلام ذاك الـذي لا يسوغ له أن يتألم (حسب اللاهوت) أقامنا وخلصنا" (227).

 جـ - قال السيد المسيح " إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" ليدرك الجميع أن آلامه آلامًا حقيقية ومحسوسة، مما جعله يصرخ ويتأوه، فإن اللاهوت لم يتدخل لتخفيف الآلام عن الناسوت، ولو لم يصرخ ويتأوه لظن البعض أن ما يجري على الصليب هو تمثيلية، وأن الناسوت خيال، أو أنه فوق هـذه الآلام لاتحاده باللاهوت، ويقول "الراهب القس أوغريس السرياني": "في هذا اليوم، بقسوة الآلام التي وقعت على الجسد، لأن اللاهوت لم يتألم ولم تقع عليه آلام، نجد لشدة العذاب يخاطب الناسوت اللاهوت المتحد به قائلًا: لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟، ولكن لأني حامل خطايا العالم كله في جسدي لذلك أنت تركتني. يتكلم هنا نيابة عن البشرية وعن الأوجاع والآلام كأحد الناس الخطاة، لأن اللاهوت المتحد بجسده وروحه الإنسانية، لم يخفّف عنه الألم، ولم يمنع معاناته النفسية، لذلك قال: "نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ ".. (228).

 

  قول السيد المسيح " إِلهِي إِلهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" لا يعني على الإطلاق انفصال اللاهوت عن الناسوت، أو أن الآب انفصل عن الابن، إنما يعني أن الآب ترك الابن لهذا العذاب المُريع وهو البار القدوس، لأن الابن ارتضى أن يكون كفارة عن خطايا العالم كله.

 وهذا الترك لم يكن تركًا أقنوميًا، فالآب لم ينفصل عن الابن، إنما هو تركًا تدبيريًا، أي تركه ليحمل خطايا العالم كله، فقد " صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا" (غل 3: 13).. " أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ" (إش 53: 10)، فهو تُرِك من أجل تدبير أمر خلاصنا وليس تركًا أقنوميًا بدليل أن السيد المسيح في ليلة آلامه قال لتلاميذه: "هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ وَقَدْ أَتَتِ الآنَ تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ الآبَ مَعِي" (يو 16: 32).. ثم كيف ينفصل الآب عن الابن أو الابن عن الآب، والاثنان لهما نفس الجوهر الإلهي الواحد، نفس الطبيعة الإلهيَّة الواحدة، نفس الكيان الإلهي الواحد؟!

ويقول "أنثيموس أسقف أورشليم": "إن قومًا من أهل البدع قد ظنوا أن قول ربنا لما كان معلقًا على الصليب: "لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" يعني أن لاهوته قد فارق ناسوته عند الآلام، وهذا الزعم كُفر صريح، لأنه نعم وقت الموت فارقت نفسه جسده لكن اللاهوت مازال متحدًا بنفسه وجسده.

وأما قوله " لِمَاذَا تَرَكْتَنِي" معناه أن الموت له سلطان على المخطئين المولودين من نسل آدم الذي بمعصيته جلب الموت. وأما أنا فبريء من زرع البشر ومن الخطيَّة.. فلماذا تركتنــي، ولمـاذا سمحت بأن يستولى عليَّ الموت؟" (229).

 ويقول "القمص بيشوي كامل": "بعض المسيحيين من الطوائف الأخرى الغريبة الذين يؤمنون بالطبيعتين يرون في هذه الآية دليلًا على مفارقة اللاهوت عن الناسوت، ولكن هذا خطأ خطير لأن معنى ذلك أن الذي مات عنا على الصليب، جسد إنسان وليس الإله المتجسد، والرسول بولس يلفت نظرنا إلى أن الدم الذي سُفك كان دم الله وليس دم جسد فقط، لذلك يقول: "لِتَرعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ" (أع 20: 28)، وكنيستنا القبطية الأرثوذكسية تؤمن أنه بموت المسيح انفصلت نفسه عن جسده لكن لاهوته لم ينفصل قط لا عن نفسه ولا عن جسده، وعند القيامة أتت نفسه واتحدت بجسده. أما اللاهوت فكان قبل الصلب وأثناء الصلب وبعد الصلب وبعد القيامة دائمًا متحـدًا بالنفس ومتحدًا بالجسد" (230).

 ويقول "أبونا غريغوريوس آڤا مينا": "الترك بالمعنى المجازي: عندما نسمع سيرة شهيد عظيم يتألم من أجل المسيح. نجد كثرة من التعزيات التي تحيط بمسرح التعذيب أو الاستشهاد، فها هو في بعض الأحيان يرى ملاكًا ينسيه الألم، أو يأتي رئيس جند الرب ليشفيه، أو يدخل في حالة من الدهش فيخطف ذهنه ليعاين الأمجاد. أما في حالة السيد المسيح له المجد، فلا نجـد أي تعزية تُفرّح قلبه، ولا اختطاف ولا دهش، حتى الملاك الذي جاء يقويه، أتى إليه في الليلة التي تسبق الآلام ولم نسمع عنه وقت الآلام. تركه أيضًا تلاميذه وحده، ومحبيه وهربوا كلهم.. كل هذه الوحدة ومرارة الألم جعلت السيد البار ينطق قائلًا إلهي إلهي لماذا تركتني، بمعنى تركتني وحيدًا أعاني وأتألم. والآية لا تحمل أي ملامة أو عتاب من الابن لأبيه كما يفهم البعض. ولكن نطق السيد المسيح بها كما أشرنا سابقًا لينبه اليهود الواقفين تحت الصليب أن هذا المزمور وكذا كل النبوات، إنما عنه ولأجله قد كُتبت" {من أبحاث النقد الكتابي}.

 

St-Takla.org Image: Jesus the Savior of the world over the cross - Debre Berhan Silassie Church, Gonder - From St-Takla.org's Ethiopia visit - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008. صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع مخلص العالم على الصليب - من ألبوم صور كنيسة ديبرا بيرهان سيلاسي، جوندر، الحبشة - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008.

St-Takla.org Image: Jesus the Savior of the world over the cross - Debre Berhan Silassie Church, Gonder - From St-Takla.org's Ethiopia visit - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع مخلص العالم على الصليب - من ألبوم صور كنيسة ديبرا بيرهان سيلاسي، جوندر، الحبشة - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008.

 3ــ كيف مات المسيح على الصليب؟

مات المسيح على الصليب عندما فارقت روحه البشرية جسده، ولكن اللاهوت لم يفارق أي منهما، فالروح البشرية المتحدة باللاهوت نزلت إلى سجن الجحيم وأطلقت جميع الذين ماتوا على الرجاء مـن هذا السجن ونقلتهم إلى الفردوس، والجسد المتحد باللاهوت لم يعاين فسادًا وهو في القبر، وفي اليوم الثالث وحَّد اللاهوت الروح البشرية مع الجسد البشري وقام المسيح ظافرًا على الموت والخطيَّة والشيطان، وجاء في القسمة السريانية في صلـوات القداس الإلهي: "هكذا بالحقيقة تألم كلمة الله بالجسد وذُبح وانحنى بالصليب وانفصلت نفسه عن جسده، إذ لاهوته لم ينفصل قط لا من نفسه ولا من جسده..".

 

 4ــ كلمة " زَفِيرِي" كناية عن التنهد والأنين.

وجاءت الآية في " ترجمة كتاب الحياة ": "لماذا تباعدت عن خلاصي وعن سماع صوت تنهداتي".

 وفي "الترجمة العربية المشتركة": "وامتنعـت عن نجدتي وسماع أنيني".

وفي "الترجمة اليسوعية": "هيهات أن تُخلّصني كلمات زئيري".

ويقول "الأب متى المسكين": "بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي": جاءت في الترجمة: لماذا أنت هكذا بعيدًا عن معونتي ومن كلمات زئيري (زئير الأسد) (أنظر مز 32: 3) " خَدِرْتُ وَانْسَحَقْتُ إِلَى الْغَايَةِ. كُنْتُ أَئِنُّ مِنْ زَفِيرِ قَلْبِي.." (231).

ويقول "يوسف رياض": "وكلمة "زَفِيرِي" كما وردت في العديد من الترجمات تعني زئيري Roaring. ها أسد سبط يهوذا جريح، يزأر متألمًا من شيء فوق طاقة احتماله. ومن المهم أن ندرك أن لاهوت المسيح لم يفارق ناسوته وهو على الصليب" (232).

ويقول " لزلي مكاو": "زَفِيرِي": أي صراخ الألم الموجع، فلا هدوء لي. أي لا أجد منجاة تجعل صرخاتي غير ضرورية" (233).

ويقول "أبونا غريغوريوس آڤا مينا": "كلمة زفيـري في العبرية "شيجاه" وهيَ تعني في قاموس سترونج: الزفير أو زمجرة الأسد، وقد وردت بهذين المعنيين في كثير من الآيات مثل:

† "لأَنَّهُ مِثْلَ خُبْزِي يَأْتِــي أَنِينِي، وَمِثْلَ الْمِيَاهِ تَنْسَكِبُ زَفْرَتِي" (أي 3: 24).

† " لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ" (مز 32: 3).

† " لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَاللَّبْوَةِ وَيُزَمْجِرُونَ كَالشِّبْلِ وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ" (إش 5: 29).

† "وَعَرَفَ قُصُورَهُمْ وَخَرَّبَ مُدُنَهُمْ فَأَقْفَرَتِ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا مِنْ صَوْتِ زَمْجَرَتِهِ" (حز 19: 7).

ومن المعروف طبيًا أن الإنسان لا يقدر أن يصدر كلامًا مفهومًا أثناء الشهيق، لأن الصوت الناتج من اهتزازات الأحبال الصوتية سيتجه إلى داخل القفص الصدري، أما مع الزفير فتتجه الذبذبات إلى خارج فيُسمع الصوت.

 ومن المعروف في الأعمال الأدبية أن الزفير يشير إلى الكرب والكد والضيق والمرض:

 يقول أبي القاسم الشابي:

"أنا طائر، مُتَغرّد، مُتَرنّم لكِنْ بصوتِ كآبتي وَزفيري" (234).

ويقول الشيخ الثعالبي في وصف أنواع الأصوات:

"إذا أخرَجَ المَكْرُوب أو المَريضُ صوتًا رقيقًا فهو الرَّنينُ، فإذا أخفَاهُ فهو الهنينُ، فإذا أظهره فخرج خَافيًا فهُو الحنينُ، فإذا زادَ فيه فهو الأنينُ، فإن زادَ في رفعِه فهو الخَنينُ، فإذا أزفَرَ به وقَبُحَ الأنينُ فهو الزَّفيرُ، فإذا مدَّ النفَسَ ثم رَمى به فهو الشهيقُ، فإذا تردَّدَ نَفسُهُ في الصـدرِ عند خُروجِ الروحِ فهو الحشرجَةُ" (235).

"فالزفير يُقصد به الألم والأنين، وحالات الضيق الصعب. ولاشك أن السيد المسيح كان في ألم فائق. وضيق لا يوصف، فكانت كلماته وأناته تخرج مع زفيره، حاملة كل معاني الحزن النفسـي والألم الجسدي" {من أبحاث النقد الكتابي}.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(227) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير المزامير جـ 3 ص 358.

(228) تأملات في المزامير جـ 1 ص 160.

(229) تفسير المزامير (1 - 72) ص 84.

(230) تفسير المزامير 21 - 30 ص 15، 16.

(231) المزامير - دراسة وشرح وتفسير جـ 2 ص 232.

(232) المزامير المسياوية ص 80.

(233) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 3 ص 111.

(234) قصيدة يا أيها الشادي المغرد ههنا.

(235) فقه اللغة - الفصل التاسع (في ترتيب أصوات المكرُوبين والمكدُودين والمرضى).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1678.html

تقصير الرابط:
tak.la/8pgb72p