س1673: هل يسكن الله في الشمس: "جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَنًا فِيهَا" (مز 19: 4)؟ وهل الأرض ثابتة والشمس تدور حولها: "مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ خُرُوجُهَا وَمَدَارُهَا إِلَى أَقَاصِيهَا وَلاَ شَيْءَ يَخْتَفِي مِنْ حَرِّهَا" (مز 19: 6)..؟ وإن كانت المجموعة الشمسية تبدو متناهية الصغر في مجرة درب التبانة التي تضم نحو مائة مليار نجم، والكون يشمل نحو مائة مليار مجرة، فكيف يقول المُرنّم: "مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ خُرُوجُهَا وَمَدَارُهَا إِلَى أَقَاصِيهَا وَلاَ شَيْءَ يَخْتَفِي مِنْ حَرِّهَا"؟!
ج: 1- الطبيعة كتاب لاهوت مفتوح يحدثنا عن عظمة الخالق، فقال داود النبي في بداية المزمور: "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (مز 19: 1)، وقال بولس الرسول: "لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ" (رو 1: 20). ويقول " د. مراد أمين موسى": "إن هذه الأجرام السماوية تُعلن في صمتها أبلغ رسالة. وكما عبر أحدهم: تتعدد لغات البشر، غير أن السموات لها لغة واحدة، هيَ التحدث بمجد وجلال وعظمة الله، لكل من يريد أن يفهم. فإن كانت هذه كارزة بوجود الله، فهيَ في الوقت نفسه شاهدة على الذين يرفضون شهادتها، ولن يتبرروا في المحاكمة لأنهم بلا عذر (رو 1: 20)، وشهادتها عامة ولجميع الناس وليست لفريق خاص أو طبقة معينة. إن منطقها (امتداد شهادتها) إلى أقصى الأرض، خاصة وأن الشمس التي تراها كل عين ولا يستغني عنها الإنسان في كل مكان، حالة في وســط السماوات تقدم الشهادة نفسها" (215).
2ـ قال داود النبي بأسلوب شعري رائع: "جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَنًا فِيهَ" (مز 19: 4)، وفي الترجمة القبطي: "جعل في الشمس مسكنه"، فالله من خلال خليقته يبدو جليًّا للجميع، فهو يعلن عن وجوده مثلما تعلن الشمس الظاهرة للجميع عن وجودها، وهيَ تشرق في قوة وروعة ومجد عظيم فتبدد ظلمات الليل، تعلن عن خالقها العالي المتسامي عن الأذهان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وإن كانت الحياة تستحيل بدون الشمس فمن يستطيع أن يحيا حياة أبدية بدون بارئ الشمس، والله في تجسده أعلن عن نفسه أنه شمس البر، كقول النبي: "وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا" (ملا 4: 2).. إذًا قول داود النبي: "جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَنًا فِيهَا" قول شعري رائع، لا ينبغي أن يؤخذ بالمعنى الحرفي، لأن الشمس رغم عظم حجمها فهيَ محدودة أما الله فهو غير محدود، ورغم عظم تأثير الشمس بضوئها وحرارتها فإن تأثيرها محدود ومحكوم بمسافة معينة لا تتعداها، أما تأثير وقدرة الله فبلا حدود، ومهما بلغت عظمة وقدرة وقوة الشمس فهيَ لا تتعدى أن تكون إحدى مخلوقات الله. أما إذا أخذنا المعنى الشعري فهو رائع وجميل، فإن الله مالئ الكل بلاهوته حتى أعماق الشمس.
وإن ما قاله داود هنا: "جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَنًا فِيهَا" يشبه قول عاموس النبي: "فَإِنَّهُ هُوَذَا الَّذِي صَنَعَ الْجِبَالَ وَخَلَقَ الرِّيحَ وَأَخْبَرَ الإِنْسَانَ مَا هُوَ فِكْرُهُ الَّذِي يَجْعَلُ الْفَجْرَ ظَلاَمًا وَيَمْشِي عَلَى مَشَارِفِ الأَرْضِ يَهْــوَهُ إِلهُ الْجُنُودِ اسْمُهُ" (عا 4: 13)، ومن الطبيعي أن كلتا الآيتين لا يصح تفسيرهما بطريقة حرفية، فمثلًا القصد من قول المُرنّم: "يَمْشِي عَلَى مَشَارِفِ الأَرْضِ" أن الله هو ضابط كل شيء والمتحكم في كل أمور الأرض، ومن المستحيل أن يحدث شيئًا كبيرًا أو صغير بدون إرادته إذا كان خيرًا، أو بدون سماح منه إذا كان شرًا.
3- قول المزمور الذي يوحي بأن الشمس هيَ التي تتحـرك حول الأرض: "مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ خُرُوجُهَا وَمَدَارُهَا إِلَى أَقَاصِيهَا" (مز 19: 6) فإن داود يتحدث بما هو ظاهر للعين البشرية، واستخدم يشوع بن نون نفس التعبير عندما قال: "يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ وَيَا قَمَرُ عَلَى وَادِي أَيَّلُونَ. فَدَامَتِ الشَّمْسُ وَوَقَفَ الْقَمَرُ" (يش 10: 12، 13)، وما زال هذا التعبير نستخدمه للآن، فتقول أن الشمس أشرقت أو توسطت كبد السماء أو مالت للغروب، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 8 س 947.
وأيضًا عندما قال المُرنّم: "مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ خُرُوجُهَا وَمَدَارُهَا إِلَى أَقَاصِيهَا" لم يقصد داود الكون كله كما هو معروف اليوم والذي يضم نحو مائة مليار مجرة، وكل هذا لا يمثل أكثر من نحو 10 % من الكون، وأيضًا لم يقصد كل مجرة درب التبانة التي حوت نحو 100 مليار نجم، ولكن المُرنّم قصد بأقصى السموات، أي السموات المرئية، وليس أقصى السموات بما فيها مجرات ونجوم لا تُرى بالعين المجردة أكثر من أنها نقطة مضيئة، إنما ركز المُرنّم على الإطار الذي رسمه الله للشمس وعلاقتها بالأرض، كما أننا نعلم أن المجموعة الشمسية كلها تتحرك بسرعة نحو 750 ميلًا / دقيقة في دائرة متسعة تقطعها في مليوني سنة، ويُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 3 س 148.
_____
(215) شرح سفر المزامير ص 123.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1673.html
تقصير الرابط:
tak.la/5q62naw