ج: 1- تكلم يشوع بما يفهمه الشعب، وبما كان سائدًا في ذلك العصر، وتصوَّر يا صديقي لو أن يشوع قال " أيتها الأرض دومي في مكانك " فمن سيصدقه، بل إنهم سيحسبون قوله استخفافًا بعقولهم، فحتى عصر كوبرنيكوس والناس كانوا يظنون أن الأرض ثابتة والشمس هي التي تدور حولها كما تشاهدها العين البشرية. ولماذا نتعجب وإلى الآن نستخدم التعبيرات التي توحي بهذا، فنقول: "أشرقت الشمس " أو " خرجت الشمس من خدرها"، أو " توسدت الشمس كبد السماء"، و" الشمس غربت " أو " ذهبت الشمس للمغيب"، والجميع يقبلون هذه التعبيرات التي توحي بأن الشمس هي التي تتحرك حول الأرض، والحقيقة عكس ذلك تمامًا.
ويقول " نيافة المتنيح الأسقف إيسيذورس " علاَّمة عصره " أن الله خاطب البشر بلغة البشر وجاراهم على حسب قصر إفهامهم، فقال أن الشمس وقفت لأن العموم حينئذ كان هذا فهمهم، ولو قال لهم عكس ذلك لاحتسبوا كلامه افتراء وكذبًا ولما صدقوا له كلامًا آخر... لا ينفي إذًا علم الفلك التعبير الذي جاء في سفر يشوع البتة، لأنه راعى فيه ظواهر الأمور لدى الناس وفهمهم دون التفات إلى حقائقها والتعرض لإثباتها أو نفيها، والتعبير الذي جاء فضلًا عن ذلك ليس غريبًا في بابه أبدًا لأنه لا يزال مألوفًا حتى لدى علماء الفلك الذين يعبرون عن دوران الأرض وتغيير الفصول بقولهم حلَّت الشمس اليوم في هذا البرج وتنتقل غدًا إلى ذاك البرج"(1).
2- توقف الأرض عن دورانها أو بطئها، يعد معجزة جرت بقوة الله الخالق وضابط الكل، وهل يعجز خالق الكون والفلك والأجرام عن أن يوقف حركة الأرض دون أن يحدث خلل في النظام الكوني؟!
فالقول بأن توقف حركة الأرض ضد نواميس الطبيعة، ولهذا لا ينبغي أن يحدث، قول مردود... لماذا؟
أ - لأن الله لم يخلق الطبيعة ويتركها للنواميس الطبيعية، لم يتخلَ ويغيب عنها، لكن الله حاضر في خليقته يسوسها ويضبطها، فالله هو الذي خلق الطبيعة ووضع لها قوانينها، ولكن هذه القوانين لم تصبح إلهًا، إنما الله هو الإله الحقيقي المتحكم في كل شيء، والقادر على إتمام مشيئته كما يريد، فليس بالضرورة أن يبطل الله سريان القوانين الطبيعية التي تحكم الطبيعية، إنما قد يتدخل بإدخال عنصر جديد للمنظومة، مثل اقتراب جرم آخر من المجموعة الشمسية، مما أدى إلى بطء حركة دوران الأرض لساعات محدودة.
ب - إن كان الإنسان قد استطاع أن يتخلص من بعض هذه القوانين الطبيعية مثل قانون الجاذبية، وجعل الطائرات والصواريخ تنطلق لأعلى ولا تقوى عليها الجاذبية الأرضية، ألا يقدر ضابط الكل أن يوقف حركة دوران الأرض حول محورها لساعات محدودة..؟! إن الطبيعة تخضع لجابلها سواء في ظل القوانين العادية أو القوانين الاستثنائية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقد سبق الله وأوقف مياه البحر الأحمر كسور ذات اليمين وذات اليسار، حتى عبر بنو إسرائيل، وكذلك سبق وأوقف المياه المنحدرة في نهر الأردن، وفيما بعد أبطل تأثير قوة النار مع الثلاث فتية، وحفظ دانيال من الأسود الجائعة. إن الله هو سيد الخليقة دائمًا وأبدًا.
3- قال أحد العلماء " لا منافاة بين المعجزات والنواميس الطبيعية، وقد تقرر وتبين في العلوم الطبيعية أنه إذا غلبت قوة أخرى، منعت مفعولها ولم تبطل فعلها. فالطائر يصعد في الجو خلاف ناموس الجاذبية ولا يبطل ذلك الناموس فإذا قدر الطائر على ذلك أفلا يقدر رب الطبيعة القادر على كل شيء؟!!"(2).
4- سبق الله وقال " لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل. وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين" (تك 1: 14) فماذا يقصد بالآيات هنا..؟ أنه يقصد مثل هذه الآية التي نحن بصددها والتي أجراها الله على يد يشوع بن نون في وقوف الشمس، ومثل رجوع الظل عشر درجات والتي أجراها الله أمام حزقيا الملك وإشعياء النبي (2 مل 20: 9 - 11) ومثل الكسوف الكلي الذي حدث للشمس لمدة ثلاث ساعات يوم أن رُفع الخالق على خشبة العار من الساعة السادسة للساعة التاسعة (مت 27: 45).
5- سجل كهنة المصريين القدماء في وثائقهم هذا اليوم الذي كان أطول من أي يوم آخر في التاريخ، واطلَّع على هذه الوثائق المؤرخ اليوناني "هيروديت" وجاء ذكر هذا اليوم أيضًا في بعض المخطوطات الصينية في عصر الإمبراطور "يو" وأيضًا عثر على وثيقة تاريخية في المكسيك تحمل خبر هذا الحدث(3).
6- جاء في صحيح مسلم جـ5 ص 145 عن أبي هريرة " قال رسول الله (صلعم) غزا نبي من الأنبياء... فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، إلههم أحبسها على شيئًا فحبست عليه حتى فتح الله عليه " وروى أحمد في سنده(4) عن أبي هريرة قال رسول الله (صلعم) أن الشمس لم تحبس على بشر إلاَّ ليوشع...
وجاء في " ويكيبديا الموسوعة الحرة " عن يشوع " هو الذي خرج ببني إسرائيل من التيه ودخل بهم بيت المقدس (أورشليم) بعد حصار وقتال شديد، وعندما صار النصر قاب قوسين أو أدنى كان وقت العصر قد أزف واليوم كان يوم الجمعة واليوم التالي هو يوم السبت، وهو يوم السبوت وعدم العمل لدى اليهود، وإن دخل عليهم المغيب لدخل بغياب الشمس يوم السبت، فلا يتمكنون معه من القتال فنظر إلى الشمس ودعى ربه بأن لا تغيب حتى يتم استمرار الهجوم والنصر، وبقدرة الله كان له ذلك".
_____
(1) مشكاة الطلاب في حل مشكلات الكتاب ص 30.
(2) القس منسى يوحنا - ردود كتابية منطقية ص 53.
(3) راجع قاموس الكتاب المقدَّس ص 1069.
(4) جـ 2 ص 325.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/947.html
تقصير الرابط:
tak.la/3jw8p7k