س1672: أيهما نصدق، قول داود النبي: "يَصْرُخُونَ وَلاَ مُخَلِّصَ. إِلَى الرَّبِّ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ" (مز 18: 41)، أم قول السيد المسيح: "لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ. وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ. وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ" (مت 7: 8)..؟ وكيف يقبل داود أن يُعبَد كإله: "تَجْعَلُنِي رَأْسًا لِلأُمَمِ. شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي " (مز 18: 43)؟
ج: 1- الأشرار المعاندين المتمسكين بشرهم، والذين استنفذوا المراحم الإلهيَّة إن جاز التعبير، قد تجبروا وتكبروا وعاندوا ولا بارقة أمل في عودتهم، لذلك يصرخون للرب فلا يُستجاب لهم، وقال الكتاب: "فَسَأَلَ شَاوُلُ مِنَ الرَّبِّ فَلَمْ يُجِبْهُ الرَّبُّ لاَ بِالأَحْلاَمِ وَلاَ بِالأُورِيمِ وَلاَ بِالأَنْبِيَاءِ" (1صم 28: 6)، ولذلك قال المُرنّم: "إِنْ رَاعَيْتُ إِثْمًا فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ" (مز 66: 18). أما الأشرار الذين يتوبون عن شرهم فالرب يستجيب لصلواتهم، ويمد لهم يد المعونة من أجل خلاص أنفسهم، وهؤلاء ينطبق عليهم قول السيد المسيح: "لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ. وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ. وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ".
وقد ألقى أيوب البار الضوء على الصلوات المرفوضة عندما تساءل: "لِيَكُنْ عَدُوِّي كَالشِّرِّيرِ. وَمُعَانِدِي كَفَاعِلِ الشَّرّ... أَفَيَسْمَعُ اللهُ صُرَاخَهُ إِذَا جَاءَ عَلَيْهِ ضِيقٌ" (أي 27: 7، 9)، وقال أليهو: "ثَمَّ يَصْرُخُونَ مِنْ كِبْرِيَاءِ الأَشْرَارِ وَلاَ يَسْتَجِيبُ" (أي 35: 12)، وقال الله في سفر الأمثال: "لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي... حِينَئِذٍ يَدْعُونَنِي فَلاَ أَسْتَجِيبُ. يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ فَلاَ يَجِدُونَنِي" (أم 1: 24، 28). وقال الله أيضًا عن رجال يهوذا سكان أورشليم الذين عادوا لآثام أبائهم: "لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ. هأَنَذَا جَالِبٌ عَلَيْهِمْ شَرًّا لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهُ وَيَصْرُخُونَ إِلَيَّ فَلاَ أَسْمَعُ لَهُمْ" (إر 11: 11).
2ــ صَلَّى داود النبي قائلًا: "تُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ الشَّعْبِ. تَجْعَلُنِي رَأْسًا لِلأُمَمِ. شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي" (مز 18: 43)، وبلا شك أن داود لم يقصد على الإطلاق أن يؤلّه نفسه، لأنه في نفس الآية يلتجئ لله ملتمسًا منه النجاة، فيقول: "تُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ الشَّعْبِ"، وعبر آيات المزمور يذكر داود اسم الله مرارًا وتكرارًا شاكرًا إياه على إنقاذه، ومن هذه الآيات:
† " الرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي" (مز 18: 2).
† " أَدْعُو الرَّبَّ الْحَمِيدَ فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي" (مز 18: 3).
† " فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ وَإِلَى إِلهِي صَرَخْتُ" (مز 18: 6).
† " أَصَابُونِي فِي يَوْمِ بَلِيَّتِي وَكَانَ الرَّبُّ سَنَدِي" (مز 18: 18).
† " لأَنَّكَ أَنْتَ تُضِيءُ سِرَاجِي. الرَّبُّ إِلهِي يُنِيرُ ظُلْمَتِي" (مز 18: 28).
† " مُنَجِّيَّ مِنْ أَعْدَائِي. رَافِعِي أَيْضًا فَوْقَ الْقَائِمِينَ عَلَيَّ" (مز 18: 48).
3ــ المقصود من قول داود النبي: "شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ يَتَعَبَّدُ لِي" أن الشعوب المحيطين قد قدموا له الإكرام كملك عظيم منتصر مختار من الله، فإن الرب لم ينقذه فقط من سطوة هذه الأمم المحيطة بها والتي طالما غارت وأذلت شعب الله، بل وهبه الله النصرة عليها، فضرب اليبوسيين (2صم 5: 6 - 10)، وضرب الفلسطينيين وذللهـم (2صم 5: 17 - 25، 8: 1، 2)، وضرب الآراميين (2صم 8: 5، 6، 10)، وضرب الأدوميين (2صم 8: 13، 14)، وضرب العمونيين ووضعهم تحت السخرة (2صم 12: 26 - 31)، وضرب الموآبيين وقاسهم بالجبل فقتل ثلثي المقاتلين الذين أسرهم وقد رفعوا السلاح في وجهه، فصاروا عبيدًا يقدمون له الهدايا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وباختصار " وَكَانَ دَاوُدُ يَتَزَايَدُ مُتَعَظِّمًا وَالرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ مَعَهُ" (2صم 5: 10).. " وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ" (2صم 8: 6).
ويقول "فخري عطية": "إذ يستعرض داود الماضي المجيد وما حصل عليه من نصرات أشاد بها في الأعداء السابقة. وإذ يستعرض عظمة الله الذي وقف بجانبه، يتحدث بلغة الواثق عن تثبيت مُلكه وما يتبع ذلك من أمجاد. لقد نجاه الرب من مخاصمات غير المخلصين من شعبه (راجع ع 4 - 18)، وأعطاه نصرة على الأمم المجاورة التي كانت تناوئه وتناهض سلطانه (راجع 2صم 8: 1 - 11)، وجعله سيدًا عليها، وشعوب لم يكن يعرفها صارت تخدمه (ع 43) وقد أظهروا الطاعة له بمجرد أن سمعوا عنه ثم هناك الأمم الغرباء ينحنون له (ع 44)، وبسبب الخوف منه " يبلون " أي تذبل قوتهم وشجاعتهم كما تذبل أوراق الشجر (إش 28: 1، 4)" (214).
ومن جانب آخر حملت الآية بُعدًا نبويًا إذ انطبقت على السيد المسيح له المجد فقال: "تُنْقِذُنِي مِنْ مُخَاصَمَاتِ الشَّعْبِ" لأن الملوك والولاة والكهنة ورؤسائهم والكتبة والفريسيين قاموا على السيد المسيح يودون الخلاص منه، كما قال داود: "تَجْعَلُنِي رَأْسًا لِلأُمَمِ" وداود لم يصر رأسًا للأمم بل صار ملكًا على بني إسرائيل فقط، أما السيد المسيح فهو الإله الذي تخضع له كل الأمم، كقول داود النبي في مزمور آخر: "تَذْكُرُ وَتَرْجعُ إِلَى الرَّبِّ كُلُّ أَقَاصِي الأَرْضِ. وَتَسْجُدُ قُدَّامَكَ كُلُّ قَبَائِلِ الأُمَمِ" (مز 22: 27)، وكقول بولس الرسول: "لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِــي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ" (في 2: 10)، وأيضًا قال داود " شَعْبٌ لَمْ أَعْرِفْهُ" أي شعب غير يهودي، وهل هناك شعب لا يعرفه الله؟! نعم الشعب المتغرب عن الله ووصاياه فإن الله لا يعرفه، كقول السيد المسيح للعذارى الجاهلات: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ" (مت 25: 12).. وقال إشعياء النبي عن هذه النبوءة: "هَا أُمَّةٌ لاَ تَعْرِفُهَا تَدْعُوهَا وَأُمَّةٌ لَمْ تَعْرِفْكَ تَرْكُضُ إِلَيْكَ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ إِلهِكَ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ" (إش 55: 5)، وقال الآب للابن: "اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ" (مز 2: 8).
_____
(214) دراسات في سفر المزامير جـ 1 ص 280.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1672.html
تقصير الرابط:
tak.la/b968skw