س1671: كيف يقول داود عن الله أنه ملتوي: "مَعَ الطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِرًا وَمَعَ الأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا " (مز 18: 26)؟ وهل يُعقل أن يصف نبي ربه بالاعوجاج والالتواء؟
ج: 1- الله كامل في ذاته متكامل في صفاته، وكماله كمال مُطلق لا يشوبه نقص ولا عجز ولا اعوجاج ولا التواء، إنما أراد داود أن يوضـح أن الله لا يُشمَخ عليه، ويرد لكل إنسان ثمار أعماله وتصرفاته فقال: "مَعَ الرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيمًا. مَعَ الرَّجُلِ الْكَامِلِ تَكُونُ كَامِلًا. مَعَ الطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِرًا وَمَعَ الأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا" (مز 18: 25، 26)، والمعنى واضح وجلي أن الله يعامل كل إنسان بحسب أعماله سواء رحمةً وكمالًا وطهرًا، أو اعوجاجًا والتواءً، وقد أنذر الله شعبه منذ البداية عندما قال: "وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مِنِّي بِذلِكَ بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ. فَإِنِّي أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ" (لا 26: 23، 24)، وقال سليمان الحكيم وقت تدشين الهيكل: "فَاسْمَعْ أَنْتَ فِي السَّمَاءِ وَاعْمَلْ وَاقْضِ بَيْنَ عَبِيدِكَ إِذْ تَحْكُمُ عَلَى الْمُذْنِبِ فَتَجْعَلُ طَرِيقَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَتُبَرِّرُ الْبَارَّ إِذْ تُعْطِيهِ حَسَبَ بِرِّهِ" (1مل 8: 32). كما قال أيضًا: "كَمَا أَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ هكَذَا يُعْطِي نِعْمَةً لِلْمُتَوَاضِعِينَ" (أم 3: 34)، وقال أليفاز التيماني: "الآخِذِ الْحُكَمَاءَ بِحِيلَتِهِمْ فَتَتَهَوَّرُ مَشُورَةُ الْمَاكِرِينَ" (أي 5: 13)، وقال بولس الرسول: "وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ" (رو 1: 28).. " فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا" (غل 6: 7).
2ـ قول داود النبي: "مَعَ الأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا" أي أن الإنسان المعوّج المُصر على اعوجاجه تتخلى عنه نعمة الله فيسقط في يد من هـو أكثر منه اعوجاجًا، وهذا ما حدث مع يعقوب إذ خدع أبيه إسحق مستغلًا ضعف بصره، فتعرض بعد ذلك للخداع من قِبل خاله لاَبَانَ تارة، ومن أبنائه تارة أخرى، فالإنسان المُصر على اعوجاجه يتركه الله أمام العراقيل فلا يستطيع أن يتخطاها بل يتعثر بها، وليس الهدف من هذا أن الله يريد هلاك هذا المعوج، إنما يتركه يتخبط ويعاني لعله يعود إلى رشده، فالله ليس ضد المعوج لكنه هو ضد هذا الاعوجاج وذاك الشر.
3ــ يقول "القس بطرس جرجس": "يصف داود النبي هنا معاملة الله للبشر حسب نواياهم وأفكارهم وما تستوجبه تصرفاتهم من ثواب أو عقاب لأن الله يراقب أعمال الجميع ويرد لصاحب كل عمل كنحو عمله. وليس غرض المُرنّم أن ينسب للديان العادل نقصًا في صفاته الكاملة أو انحرافًا في ذاته القدسية لأنه تبارك اسمه رب كل كمال ومنزَّه عن كل نقص، ولكنه يراعي سنن شرائعة ونواميسه وقوة نفاذها... ومع ذلك يكون الثواب من الناحية الإيجابية لمن يراعي حق الوصايا الإلهيَّة، فالرحمة لمن يرحم وبر البار عليه يكون. كصوت الوحي بلسان إشعياء: "قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ لأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ" (إش 3: 10). والنتيجة أن أعمال الإنسان وصفاته إيجابية كانت أم سلبية تقابل بقسط من مثلها باستحقاق كمقتضى عدل الله" (212).
ويقول "الراهب القس أوغريس السرياني": "أنك يا رب تعامل كل إنسان حسب أعماله، وتعطيه المكافأة التي يستحقها، فالطاهر والبار تعطيه مثل بره وصلاحه وتكون معه بارًا. ومع المعوج الذي يمشي في طريق غير مستقيم، وفي طريق الشر والخطيَّة فأنك تعامله مثل اعوجاجه، حتى يعود إليك معترفًا بخطاياه وشره نادمًا على كل أفعاله التي لا ترضيك، فتقبله في حظيرتك لأنك تسر بعودة الخاطئ إلى حضنك" (213).
4ـ إن كان الناقد يحتج على قول الكتاب: "وَمَعَ الأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِيًا"، فكيف يقبل قول القرآن: "وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (آل عمران 3: 54).. " وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْـرُ جَمِيعًا" (الرعد 13: 42).. " وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (النمل 27: 50).
_____
(212) الكوكب المنير في تفسير المزامير جـ 1 ص 172، 173.
(213) تأملات في سفر المزامير جـ 1 ص 125.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1671.html
تقصير الرابط:
tak.la/zv7r8zz