St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1644- قال داود النبي: "أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي" (مز 3 : 5).. فما وجه العجب في هذا..؟ إنسان اضطجع ونام، فمن الطبيعي أن يستيقظ، فما هو العجيب في هذا الأمر؟

 

س 1644 : قال داود النبي: " أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي" (مز 3 : 5).. فما وجه العجب في هذا؟.. إنسان اضطجع ونام، فمن الطبيعي أن يستيقظ، فما هو العجيب في هذا الأمر؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج : 1ــ هناك عدة معانٍ للنوم في الكتاب المقدَّس، وهيَ (النوم العادي - نوم الغفلة والكسل - نوم الخطيَّة - نوم الموت):

 أ- النوم العادي: كقول الكتـاب عن يعقوب في هروبه من وجه أخيه عيسو: " وَأَخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَاضْطَجَعَ فِي ذلِكَ الْمَكَانِ" (تك 28 : 11).

 ب- نوم الغفلة والكسل: فعندما قال الكتاب: " لاَ تُعْطِ عَيْنَيْكَ نَوْمًا، وَلاَ أَجْفَانَكَ نُعَاسًا" (أم 6 : 4) لم يقصد أن الإنسان لا ينام على الإطلاق، إنما المقصود هو البُعد عن الغفلة والكسل اللذان يقودان النفس للسقوط.

 جـ- نوم الخطيَّة: ولذلك قال الكتاب: " اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ" (أف 5 : 14).

 د- نوم الموت: ولذلك قال السيد المسيح عن موت ابنة يايرس: " لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لكِنَّهَا نَائِمَةٌ" (مر 5 : 39) وقال عن موت لعازر: "لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ" (يو 11 : 11)، وكل إنسان سينام نوم الموت، وفي يوم الدينونة سيقوم كمن استيقظ من نومه.

 

 2ـ النوم هو موت مجازي قصير، وقد ينام الإنسان وخلال نومه ينتقل من الموت المجازي القصير للموت الحقيقي ولا يقوم بعد، فالإنسان الجسداني يظن أن الإنسان مادام أنه نام فحتمًا سيستيقظ، أما الإنسان الروحي فيشكر الله:

  أولًا: لأنه أعطاه نومًا لأنه " يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا" (مز 127 : 2)، وهذا وعد الله لأحبائه: " وَأَجْعَلُ سَلاَمًا فِي الأَرْضِ فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ. وَأُبِيدُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ. وَلاَ يَعْبُرُ سَيْفٌ فِي أَرْضِكُمْ" (لا 26 : 6)، ونوم داود لم يكن نومًا عاديًا لأن عرش إسرائيل كان محل الأطماع من الحاسدين الطامعين، فحياة الملك دائمًا في خطر، ومن الطبيعي أن النوم يجافي الإنسان المهدَّد بالمخاطر، وبالرغم من أن داود ترنَّم بهذا المزمور عندما كان مطَاردًا من ابنه أبشالوم الذي كان يشتهي أن يقتنص روحه، ومع كل هذا فإن الله حفظه، بل وأعطاه سلامًا ونومًا، ولذلك عندما أستيقظ شكر الله قائلًا: " اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي. لاَ أَخَافُ مِنْ رِبْوَاتِ الشُّعُوب الْمُصْطَفِّينَ عَلَيَّ مِـنْ حَوْلِي" (مز 3 : 5، 6) كما قال في المزمور الثاني: " بِسَلاَمَةٍ أَضْطَجعُ بَلْ أَيْضًا أَنَامُ لأَنَّكَ أَنْتَ يا رب مُنْفَرِدًا فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي" (مز 4 : 8). وقال سليمان للإنسان الذي يرضي الرب: " إِذَا اضْطَجَعْتَ فَلاَ تَخَافُ بَلْ تَضْطَجعُ وَيَلُذُّ نَوْمُكَ. لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفٍ بَاغِتٍ وَلاَ مِنْ خَرَابِ الأَشْرَارِ إِذَا جَاءَ. لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ مُعْتَمَدَكَ وَيَصُونُ رِجْلَكَ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ" (أم 3 : 24 - 26)، وهذا يذكرنا بقـول داود النبي أن " مَلاَكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ وَيُنَجِّيهِمْ" (مز 34 : 7).

  ثانيًا: يشكر داود الله لأنه حفظه وأعطاه أن يستيقظ " اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي"، فثقته في تعضيد الرب له هو الذي طرح الخوف بعيدًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وأعطاه سلامًا في نومه وفي يقظته، ونحن في كل صباح نُصلّي قائلين: " الليل عَبَر نشكرك يا رب ونسأل أن تحفظنا في هذا اليوم بغير خطيَّة وأنقذنا" (من مقدمة صلاة باكر).

 

 3ــ يقول "قداسة المتنيح البابا شنوده الثالث": "عجيب أن داود يستطيع أن يضطجع وينام، مع وجود كثيرين يحزنونه، وربوات من الجميع محيطين به. الوضع العادي أن يطير النوم من عينيه، وسط هذه الأحزان والتهديدات الخارجية".. أنظروا ماذا قال عن داريوس الملك، حينما ألقى دانيال في جُب الأسود.. يقول الوحي الإلهي عنه: " حِينَئِذٍ مَضَى الْمَلِكُ إِلَى قَصْرِهِ، وَبَاتَ صَائِمًا.. وَطَارَ عَنْهُ نَوْمُهُ " (دا 6 : 18).

 ولكن على الرغم من الضيقات، ينام الإنسان الذي يكون قلبه مملؤًا بالإيمان وبالسلام.. بمثل هذا الإيمان وهذا السلام، نام بطرس الرسول في السجن محروسًا بأربعة أرابع من العسكر، وقد نوى الملك هيرودس أن يسلمه بعد الفصح إلى اليهود (بعد أيام) ليقتلوه (أع 12 : 3، 4). ولم ينم نومًا قلقًا، وإنما نومًا ثقيلًا، لدرجة أن الملاك الذي جاء لإنقــاذه، ضربـه في جنبه لإيقاظه (أع 12 : 7).. وهكذا اضطجع داود ونام.. الضيقات كانت خارجة، تضغط من الخارج، ولم تدخل إلى داخل نفسه فتقلقه وتمنع عنه النوم.

 ولذلك استطاع أن ينام، ليس نوم الغفلة، ولا نوم الموت، ولكن نوم الثقة. نام في أحضان الله الحنون، أبشالوم ومعه الجيش يطارده وهو في البرِّيَّة ينام، تاركًا الرب يستر عليه.. كان داود في نومه، أكثر اطمئنانًا من أبشالوم المعتز بقوته" (89).

 

 4ــ يقول "القس وليم مارش" عن نوم داود: "هنا نوم الهدوء والسكينة. بالرغم من عقوق الابن وخيانة الشعب وابتعاد الصديق وتعيير المعيّرين وتضعضع الحالة، يضطجع كالطفل في حضن أمه وينام هادئًا سعيدا،ً ثم بعد ذلك يستيقظ إلى يوم آخر من أيام الحياة ولا شيء يكدر صفوها. ولا شيء يفرج ضيقتنا سوى إيمان كهذا. لأن المصائب لا بد أن تأتينا ولا نستطيع أن نطلب من الله أن لا تكون تجارب بل نُصلّي " ولا تدخلنا في تجربة " أي إذا أتتنا التجارب لا نسقط فيها ولا ننخذل كالذين لا رجاء لهم" (90).

 

 5ــ حوت هذه الآية نبوة واضحة وضعها الروح القدس على فم أبينا داود، فتخبرنا عن موت السيد المسيح وقيامته، فكما أن الإنسان يضطجع وينام بإرادته، هكذا السيد المسيح قَبِلَ الموت في جسده بإرادته، فهو الذي قال: " لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا" (يو 10 : 17، 18)، وبالرغم من أن النبوة تتحدث عن أمر مستقبلي إلاَّ أنها جاءت في صيغة الماضي تأكيدًا على حدوثها، فيذكرها داود وكأنها حدثت: " أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي" (مز 3 : 5) قال هذا قبل تحقُّق النبوة بحوالي ألف عام، ولاحظ قوله " يَعْضُدُنِي" جاءت في الزمن الحاضر، ويُعلق على هذا "القديس أُغسطينوس" فيقول: " نلاحظ أن كاتب المزامير استخدم فعلين أحدهما في الزمن الماضي والآخر في المستقبل لأنه قال أنا " قمت " في الزمن الماضي، و " ناصري " أي سوف يرفعني في زمن المستقبل، والقيام مرة أخــرى لا يمكن أن يتم بدون رفع " ناصري" ولكن في النبوة يتصل المستقبل بالماضي فيتضح كلاهما، لأن الأشياء التي تنبأ عنها عن أنها تأتي مستقبلًا هيَ مستقبل بالنسبة للزمن، ولكن بالنسبة للأنبياء تُرى على أنها قد تمت فعلًا" (91).

وفي احتفالاتنا بالجمعة العظيمة التي نعيش فيها مع السيد المسيح المُتألم من أجلنا، وعندما ندفن صورته بين الورود والأطياب علامة على موته، والشمامسة ينشدون لحن "غولغوثا"، ويصلون المزامير المائة والخمسين سرًا، يُصلّي الأب الأسقف المزمور الثالث حتى عبارة: " أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ" إشارة لموت المسيح، ويقف عند هذا الحد وكأن القيامة لم تحدث بعد.

 

 6ـ يقول "الراهب القس أوغريس السرياني": " في هذه الكلمات نجد كمال فاعلية الاتكال على الله، فعلى الرغم من هذه الشدائد والضيقات التي كانت تحيط بداود النبي، إلاَّ أنه لم يكن قلقًا ولم يكن مضطربًا، ووجد للنوم سبيلًا لأجفانه، لأنه وضع حياته وأفكاره بين يدي إلهه الذي كان واثقًا في مراحمه كمن يرقد في المساء منتظرًا الاستيقاظ بقوة أفضل في الصباح. وهكذا نجد في هذه الكلمات إشارة إلى رقاد الإنسان المؤمن السالك في حياة الشركة مع المسيح إلهه عندما يدركه انفصال روحه عن جسده، فإن هذا النوم - الموت - لا يخيفه، لأنه يؤمن أنه سوف يقوم لحياة أفضل، وأيضًا في هذه الكلمات نجد إشارة إلى السيد المسيح الذي يُدعَى موته على الصليب رقادًا ونومًا، لأنه قام بسلطان لاهوته المتحد بناسوته من بين الأموات، ناقضًا أوجاع الموت ليمنحنا الخلاص والحياة الأبدية بهذه القيامة المجيدة. ويعطينا الرجاء في قيامة أفضل بعد رقاد القبر في القيامة العامة للأموات" (92)

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(89) تأملات في مزامير الأجبية. يا رب لماذا؟ ص 48، 49.

(90) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 6 ص 7.

(91) تفسير المزامير للقديس أُغسطينوس - إصدار مطرانية طما ص بدون.

 (92) تأملات في سفر المزامير جـ 1 ص 27.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1644.html

تقصير الرابط:
tak.la/9yakvs5