س 1645 : هل الله إله عنصري يميز إنسانًا عن آخر: " فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ" (مز 4 : 3)؟
ج : 1ـ يوجه داود الحديث للذين ساندوا أبشالوم في ثورته بهدف الخلاص منه قائلًا لهم: " فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ"، فإن كان الله هو الذي اختار داود وهو الصغير بين أخوته (1صم 16 : 11، 12)، وأخذه من مربض الغنم وأقامه ملكًا على شعبه وكان معه وعمل له اسمًا عظيمًا (2صم 7 : 8، 9)، وقد حفظه في جميع ضيقاته وشدائده لأنه: " يَعْلَمُ الرَّبُّ أَنْ يُنْقِذَ الأَتْقِيَاءَ مِنَ التَّجْرِبَةِ، وَيَحْفَظَ الأَثَمَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ مُعَاقَبِينَ" (2بط 2: 9)، فإن الاستهانة بداود الملك هو في الحقيقة استهانة بمن أقامه ملكًا واستأمنه على شعبه، ولذلك قال لهم داود: " اعْلَمُوا"، أي لا تنسوا أبدًا أن الله هو الذي ميَّزه، ومن اختاره الله وميَّزه فمن يقوى على إقصائه؟!
2ـ لو قلنا أن الله لا يميز بين الإنسان البار والإنسان الشرير، وأن الإنسان الصالح والطالح سيان أمامه، فإن هذا يعني أن الله فاقد التمييز والإحساس، وحاشا لله من هذا. إذًا لا بد أن الله يميز الإنسان التقي الذي يسير في وصاياه باستقامة قلبه، ويعيش حياته في تقوى وورع وخشوع، وأعماله تطابق أقواله، وليس معنى هذا أنه لا يخطئ، لأنه ليس مولود امرأة بلا خطيَّة، سواء بالفعل أو بالقول أو بالفكر، والسهوات من يشعر بها؟! وهناك خطايا يرتكبها الإنسان بدون معرفة، ولكن المحصلة أننا جميعًا في الموازين إلى فوق، ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد، ويقول "الأب متى المسكين": " تقيَّة": الكلمـة العبرية مشتقة من: Resed التي تعني بالإنجليزية mercy أي " رحمة ". وتفيد إنسانًا محبًا لله وتابعًا له أو مرحومًا وموضوع محبة الله وتمييزه" (93).
وفي تمييز الله للإنسان التقي يشعر الناس بأن الله يُقرّبه إليه، وإن كانت الحقيقة أنه هو الذي سعى للالتصاق به، فهكذا كان يوحنا الحبيب الذي كان يتكئ على صدر السيد المسيح، وظهر للجميع أن السيد المسيح يقرّبه إليه، فدُعيَّ بالتلميذ الذي كان يسوع يحبه (يو 13 : 23، 19 : 26). أما الإنسان الخاطئ فلا يطيق الاقتراب من جمر اللاهوت، هكذا كان آدم بعد السقوط إذ سمع صوت الله فاختبأ منه.
3ـ جاءت الآية: " فَاعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ مَيَّزَ تَقِيَّهُ" كنبؤة عن السيد المسيح ابن الله الوحيد في حالة تجسده، فقال عنه يوحنا المعمدان: " اَلآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ" (يو 3 : 35)، وقد أقامه الله الآب من بين الأموات وأصعده إلى السموات وأجلسه عن يمينه وأخضع كل شيء تحت قدميه، وقال عنه داود النبي: " جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ" (مز 8 : 6)، وقال عنه بولس الرسول: " لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ" (1كو 15 : 27).. " وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ" (أف 1 : 22).. " لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ" (في 2 : 10).. " أَخْضَعْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْـتَ قَدَمَيْهِ" (عب 2 : 8) وقال السيد المسيح تبارك اسمه: " دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ" (مت 28 : 18)، وقال بطرس الرسول: " الَّذِي هُوَ فِي يَمِينِ اللهِ، إِذْ قَدْ مَضَى إِلَى السَّمَاءِ، وَمَلاَئِكَةٌ وَسَلاَطِينُ وَقُوَّاتٌ مُخْضَعَةٌ لَهُ" (1بط 3 : 22).
_____
(93) سفر المزامير - دراسة وشرح وتفسير جـ 2 ص 41.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1645.html
تقصير الرابط:
tak.la/nrz984y