يقول " إبراهيم ناصر": "إن ذكر الشيطان أتى معرَّفًا (الشيطان) وليس نكرة (شيطان)... من هذا نستدل على أن هناك شيطانًا واحدًا ليس أكثر!! كما نلاحظ أن الرب يولي الشيطان هذا اهتمامًا خاصًا وانتباهًا يميزه عن بقية المجتمعين. الله يستفسر: أين كنت ومن أين جئت؟ الرب لا يعلم ذلك ويريد أن يعرف... والشيطان يجيب (أي 1: 7) {مِنَ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا}. فإذا كان سؤال الرب للعلم فإن ذلك يدل على أن لا قدرة للرب على الشيطان ولا علم له بتصرفاته بدليل أنه لا يعرف أين كان ومن أين جاء"(1).
ج: 1- قال الكتاب: "وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟" (أي 1: 6، 7)، وليس ذكر اسم " الشَّيْطَانُ" (معرَّفًا بالألف واللام) يُعد دليلًا على أنه لا يوجد غير شيطان واحد، فمن المعروف أن هناك شياطين كثيرين، ولا يصح أن نبني رأيًا على نص واحد، بل ينبغي أن نأخذ في الاعتبار كافة النصوص التي تناقش أو تذكر أو تشير لهذا الأمر، وإن كان الأخ إبراهيم ناصر قد خلص لهذه النتيجة فلماذا لم يطبقها على القرآن الذي ذكر كلمة " الشيطان" (معرَّفة بالألف واللام) مرات عديدة (راجع مثلًا سورة البقرة 2: 36، 168، 208، 268، 275، وسورة آل عمران 3: 36، 155، 175، وسورة النساء 4: 38، 60، 76، 83... إلخ.) وبينما ورد اسم " الشيطان " فيما سبق وغيره الكثير، فإن هذا لم يمنع من ذكر اسم " الشياطين " في مواضع عديدة (راجع سورة الشعراء 26: 210، 221، وسورة الصافات 37: 65، وسورة ص 38: 37، وسورة الملك 67: 5، 14).
2- جاء في هامش " الكتاب المقدَّس الدراسي": "الشيطان: معناها الحرفي " المشتكي" (انظر رؤ 12: 10) في كتاب أيوب نلاحظ أن هذه الكلمة العبرية يسبقها دائمًا أداة تعريف. ولكن في العبرية في (1أي 21: 1) لا نجد أن أداة التعريف تلك مستخدمة، لأن بحلول ذلك الوقت كان اسم " الشيطان " قد أصبح اسم علم"(2).
3- سؤال الرب للشيطان لا يعني أن الله كان يجهل الإجابة، فهناك أهداف عديدة للسؤال، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقد يكون السؤال استنكاري، وقد يكون بهدف تقرير حدث معين، وقد يكون هدف السؤال أن يُعلن للإنسان أو للشيطان ما بداخله، فعندما سقط آدم وطُمست بصيرته وحاول الاختفاء من الله: "فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: أَيْنَ أَنْتَ؟" (تك 3: 9)، وبعد أن حذر الرب قايين من قتل أخيه، وارتكب قايين تلك الجريمة " فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟" (تك 4: 9) وعندما حاول قايين التهرب " فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟ فَقَالَ: مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ" (تك 4: 9، 10) وهكذا نرى تساؤلات الله على مدار الأسفار المقدَّسة، وهنا نجد نفس الأمر: "فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟" (أي 1: 7).
4- يقول " البابا غريغوريوس الكبير": "ماذا إذًا أن يُقال للشيطان: "مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟ " إلاَّ لكي يدين طرقه كما لو كانت غير معروفة. فنور الحق لا يعرف شيئًا عن الظلمة، هذه التي يوبخها... يليق أن يسأل عنها كما لو كانت مجهولة. ولهذا قيل لآدم وهو في خطيته بصوت خالقه: "آدَمَ... أَيْنَ أَنْتَ؟" (تك 3: 9)، فإن القوة الإلهيَّة لم تجهل الموضع الخفي الذي هرب إليه عبده بعد عصيانه، لكنه رأى أن الساقط في خطيته مختفيًا عن عيني الحق تحت الخطية...
إنه يدين الشيطان لذا فُحص طريقه، أمَّا الملائكة المختارون فلا يحتاجون أن يُسألوا من أين جاءوا، إذ طرقهم معروفة لله. إنهم كمن يمثلون حركته، إذ هم خاضعون لإرادته وحدها، ولا يمكن أن يكونوا غير معروفين له"(3).
_____
(1) التوراة بين الحقيقة والأسطورة والخيال ص 342.
(2) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 1192.
(3) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير سفر أيوب جـ1 ص 56، 57.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1516.html
تقصير الرابط:
tak.la/wvfmf99