يقول " عبد المجيد همو": "نرى الشيطان في السفر أنه يحضر مجمع الآلهة وأبناء الله معه. تعالى الله عن هذا عُلوًّا كبيرًا... يلعب الشيطان دورًا كبيرًا في مشكلة أيوب كما توردها التوراة، بينما لا نرى هذا الدور في القرآن الكريم"(1).
ويقول " إبراهيم ناصر": "وجاء الشيطان أيضًا في وسطهم هناك ليمثُل... بأية صفة حضر هذا الاجتماع... هل هو من أبناء الله؟ هل أُستدعي... أم حضر من دون دعوة... لا بد وأنه كان على عِلم بموعد ومكان الاجتماع... إذا كان قد حضر من دون دعوة هذا معناه أن باستطاعة الشيطان الحضور أمام الرب وفي محافله ساعة يشاء من دون دعوة أو استئذان من الرب... وإن كان قد جاء بدعوة من الرب... فلماذا دعاه"(2).
ويقول " أحمد بهجت": "نعلم -كمسلمين- أن الشيطان قد خرج من حضرة الرب منذ أن خلق الرب آدم عليه الصلاة والسلام... فمتى عاد الشيطان إلى حضرة الرب؟ نحن أمام تعبير أدبي، ولسنا أمام حقيقة مادية"(3).
ويقول " د. محمد علي البَار " عن أيوب: "وتبدأ قصته بأسطورة غريبة حيث يحضر الشيطان اجتماع الرب مع الملائكة ويسمع الرب يباهي بعبده أيوب"(4).
ويقول " حنا حنا": "يقول سبينوزا أن سفر أيوب مُترجم من لغة أخرى لأنه يذكّرنا بأشعار غير اليهود، إذ ورد فيه أن أبا الآلهة دعا مجلسه مرتين مشيرًا بذلك إلى ما ورد في أصحاحيه الأول والثاني حول اجتماع هذا المجلس (البانثيون Pantheon) ويقصد سبينوزا بهذه الإشارة أن يقول: أن للسفر أصلًا وثنيًا، أو أنه متأثر بأصل وثني، لأن وجود أبناء للإله ومجلس له يجمعه بهم ويحضره الشيطان في وسطهم هو من تصوُّرات الديانات الوثنية القديمة ومنها الديانة السومرية والديانة البابلية... إن الشيطان ذُكر مرارًا في نص أيوب السومري والبابلي كما ذُكر في سفر أيوب التوراتي أربع عشرة مرة. بينما لم يُذكر في كل أسفار العهد القديم اسم الشيطان عدا مرتين أُقحم فيهما إقحامًا... في سفر زكريا... كما أُقحم ذكر الشيطان في المزمور 109"(5).
ج: 1- هذا الاجتماع الذي نقرأ عنه في الكتاب المُقدَّس في سفر أيوب لم يكن مجمعًا للآلهة كقول عبد المجيد همو، لأنه ليس في الأسفار المقدَّسة أي رائحة تشتم منها تعدد الآلهة، وعندما كان يسقط اليهود في عبادة آلهة الأمم كان الرب يغضب عليهم داعيًا ذلك زنا روحي، فموضوع وحدانية الله في التوراة موضوع مفروغ منه، وعندما يقول الناقد: "مجمع الآلهة " فهو يرمي ويهدف إلى القول بأسطورية القصة، وهذا ما أفصح عنه د. محمد علي البَار، إذ قال عن قصة أيوب: "تبدأ قصته بأسطورة غريبة"، وشتان بين ما جاء في الأساطير وما جاء في قصة أيوب التوراتية، فالشعراء الوثنيون مثل "هوميروس" خلعوا على آلهتهم الصفات والضعفات البشرية، فهي آلهة تأكل وتشرب وتعمل وتشقى وتتزاوج وتلد وتتصارع فيما بينها فتُصرع وتُقتَل وتُذبَح. أمَّا الله في سفر أيوب فيقف فريدًا، هو الإله الحقيقي في السماء وعلى الأرض، كامل في ذاته متكامل في صفاته، الكل خاضع له، حتى الشيطان لا يتعدى دائرة ضبطه الإلهي.
2- ما ورد في القرآن عن أيوب أعداد قليلة، ولهذا لم يذكر القرآن هذا الاجتماع، وأيضًا لم يذكر أية تفصيلات عمّا لحق بأيوب من بلايا، ولم يذكر أصحاب أيوب، لا أسمائهم ولا أعدادهم ولا مواقفهم ولا أحاديثهم، ولم يذكر أليهو وأحاديثه الأربعة، ولم يذكر حوار الله مع أيوب، ولم يذكر خاتمة أيوب ومكافأة الله له. ومن يريد أن يفهم قصة أيوب لا مناص أبدًا من الرجوع إلى التوراة التي ذكرت القصة كاملة مسلسلة زمنيًا ومنطقيًا بتفصيلاتها، فتستطيع أن تأخذ منها العِبَر والفوائد الروحية، وهذا لا ينطبق على قصة أيوب فحسب، بل ينطبق على جميع قصص الأنبياء التي وردت متناثرة في القرآن ومختصرة للغاية، خبر هنا وخبر هناك بدون تسلسل ولا ترابط، ولا توجد قصة كاملة المعالم والبنيان، وذلك لأن القرآن افترض أن الذين يطالعونه قد طالعوا الأسفار المقدَّسة من قبل، ولذلك أوصى بالإيمان بجميع الأنبياء وقراءة كتبهم والالتزام بما جاء فيها، ولا يُحسب الإنسان مؤمنًا إن لم يؤمن بالملائكة والرسل وكتبهم، فقال: "وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِالله وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" (سورة البقرة 2: 285)... " وَمَنْ يَكْفُرْ بِالله وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" (سورة النساء 4: 136).
وقد أورد " الشيخ محمد متولي الشعراوي " في كتابه "قصص الأنبياء"(10) خمسة عشر قولًا مختلفًا للقرطبي في نوعية المرض الذي أصاب أيوب، وقول أيوب لربه مسَّنى الضُّرُّ: "قال القرطبي: اختلف في قول أيوب (مسَّنى الضُّرُّ) على خمسة عشر قولًا... " وزاد الشيخ محمد الشعراوي احتمالين آخرين عن عنده، فصار هناك سبعة عشر قولًا مختلفًا في تفسير الضُّرَّ الذي لحق بأيوب. أمَّا "عبد الوهاب النجار " أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية أصول الدين فقد أوصى صراحة بأن من يريد أن يطلع على قصة أيوب فليرجع إلى سفره في العهد القديم (لأنه بعيد عن السفر تكثر الظنون والتخمينات) فقال: "من الأنبياء الذي قصَّ الله علينا قصصهم في القرآن "أيوب عليه السلام" وقد ذُكر اسمه في القرآن الكريم أربع مرات في الآية 186 من سورة النساء، وفي الآية 84 من سورة الأنعام، وفي الآية 83 من سورة الأنبياء، وفي الآية 41 من سورة ص. وقد ورد ذكر أيوب في كتب أهل الكتاب وله سفر خاص به من الأسفار القانونية في العهد القديم... ويقال أنه عوص بِكر ناحور أخي إبراهيم وقيل هو يوباب حفيد عيسو بن إسحق. كان موطنه أرض عوص ويُظن أنها جزء من جبل سعير أو بلاد آدوم، قيل أنه كان قبل موسى، وقيل قبل إبراهيم بأكثر من مائة سنة وهو أرجح. ومن أراد الوقوف على تفاصيل قصته فليطلبها من السفر المنسوب له في العهد القديم. وسفر أيوب هو أحد أسفار العهد القديم القانونية وهو يحتوي على 42 أصحاحًا جمعها خمسة فصول كبيرة..."(6).
3- إن كان بعض النُقَّاد من الإخوة المسلمين يستنكرون مثول الشيطان أمام الله، والبعض يقول أن هذا تعبير وأسلوب أدبي لا ينم عن حقيقة مادية، فإن بعض كبار الكُتَّاب قد أقرُّوا هذه الحقيقة، فيقول " الدكتور رشدي البدراوي " الأستاذ بجامعة القاهرة: "قال وهب... قيل: فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب، فأدركه الحسد وقال: "يا إلهي نظرتُ في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدًا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك. ثم لم تختبره بشدة ولا ببلاء. وأنا زعيم بأنك لو ضربته ببلاء ليكفرن بك ولينسينك. فقال الله تعالى: انطلق إليه فقد سلطتك على ما له وولده"(7).
أمَّا " الثعلبي" (وهو أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري) فأخذ يشرح هذا الأمر بالتفصيل، فقال: فسمع إبليس تجاوب الملائكة مع أيوب وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه، فأدركه البغي والحسد وصعد سريعًا حتى صعد إلى السماء... فقال: يا إلهي نظرتُ في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدًا أنعمت عليه فشكرك وعافيته فحمدك ثم لم تختبره لا بشدة ولا بلاء وأنا لك زعيم لئن ضربته ببلاء ليكفرن بك ولينسينك، فقال الله تعالى انطلق إليه فقد سلطتك على ما له فانقضَّ عدو الله حتى بلغ الأرض ثم جمع عفاريت الشياطين وعظمائهم، فقال لهم ماذا عندكم من القوة والمعرفة فإني قد سُلِطتُ على مال أيوب، وزوال المال هو المصيبة الفادحة والفتنة التي لا تصبر عليها الرجال، فقال عفريت من الشياطين أُعطيتُ من القوة ما لو شئتُ تحولتُ إعصارًا من نارٍ فأحرقت كل شيء آتي عليه. فقال له إبليس فأتِ الإبل فأحرقها ورعاتها (فأحرقها العفريت، وتنكر إبليس في شكل راعي وذهب ليخبر أيوب قائلًا: هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترته وعبدته بإبلك ورعاتها، فقال أيوب إنها ماله عارينها وهو أولى بها إن شاء تركها وإن شاء أخذها... فقال له إبليس فإن ربك أرسل إليها نارًا من السماء فاحترقت كلها... فقال أيوب الحمد لله الذي أعطاني وحيث شاء نزع مني، عريانًا خرجتُ من بطن أمي وعريانًا أعود إلى القبر وعريانًا أُحشر إلى ربي... فرجع إبليس إلى أصحابه خائبًا ذليلًا (فاقترح عفريت آخر أن يقتل الغنم فوافقه إبليس، وتولى إبليس إبلاغ الخبر لأيوب فقال أيوب قوله الأول، وتكرَّر الموقف ثالثة مع فداءين البقر...) فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله ولم ينل منه شيئًا ولا نجح في شيء من أفعاله شق عليه ذلك وصعد سريعًا ووقف الموقف الذي كان يقفه وقال يا إلهي (والتمس إبليس من الله أن يجرب أيوب في أولاده فأذن له الله...) فانقض عدو الله حتى جاء بني نبي الله أيوب وهم في قصرهم، فلم يزل يزلزله حتى تداعى القصر من قواعده ثم جعل يناطح بجدره بعضها بعضًا فرماهم بالخشب والجندل حتى مثل بهم كل مثله، ثم رفع بهم القصر وقلبه فصاروا منكسين (وذهب إبليس ليخبر أيوب) وقال له يا أيوب لو رأيتَ بنيك كيف عُذِبوا وكيف قُلب بهم القصر وكيف نكسوا على رؤوسهم تسيل دماؤهم وأدمغتهم من أنوفهم وشفاهم، ولو رأيتَ كيف شُقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم لتقطَّع قلبك (فبكى أيوب ووضع قبضة تراب على رأسه فاغتنم إبليس الفرصة وصعد سريعًا ليبلغ ربه بما صنع أيوب، ولكن أيوب كان قد ندم على ما فعل واستغفر ربه وشكره، فوقف إبليس خاسئًا ذليلًا، والتمس من الله أن يسلطه على جسد أيوب فأذن الله له...)، فانقض عدو الله سريعًا فوجد أيوب ساجدًا فقبل أن يرفع رأسه أتاه من قِبل الأرض في موضع وجهه ونفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده... ووقعت فيه حكمة لا يملكها ولا يتماسك عن حكمها فحكمها بأظفاره حتى سقطت كلها. ثم حكها بالمسوح الخشنة حتى قطَّعها ثم بالفخار والحجارة الخشنة فلم يزل يحكمها حتى نزل لحمه وتقطع وتغير وأنتن"(8).
4- المقصود بأبناء الله الملائكة، ولا كُفر في هذا، لأننا ندرك أن هذه البنوة بنوة روحية بالخِلقة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولا تعني على الإطلاق أن الملائكة لهم نفس طبيعة الله، والأخ " عبد المجيد همو " يعترف بأنواع من البنوة، وهي ليست من ذات الطبيعة، ولا تعني التزاوج والتناسل، فهناك بنوة للمكان كقولنا: "نحن أبناء مصر " أو " نحن أبناء النيل"، وهناك بنوة للزمان كقولنا: "نحن أبناء القرن الواحد والعشرين " أو " نحن أبناء العصر الحديث"، وهناك بنوة للأجداد كقولنا: "نحن أبناء بُناة الأهرام" وقال اليهود أنهم أبناء إبراهيم، وجميع البشر هم أبناء آدم وحواء، وقال القرآن أكثر من مرة " ابن السبيل" (سورة التوبة 9: 60، وسورة الإسراء 17: 26، وسورة الحشر 59: 7) والسبيل أي الطريق، فالبنوة هنا واضحة أنها مجازية وليست حقيقية، وبالمثل قال " إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ" (سورة الإسراء 17: 27) وهي إخوة مجازية وليست إخوة حقيقية.
5- لم يقتحم الشيطان مجلس الله، ولا يجرؤ أن يفعل هذا لئلا يحترق بنار اللاهوت. إذًا لا بد أن الشيطان استسمح الله بالمثول أمامه فسمح له، وهذا يكشف عن مدى اتضاع الله الذي قبل مثُول الشيطان أمامه، والكاتب كتب ما أوحيَ له من نتيجة نهائية دون الدخول في تفصيلات، وبلا شك أن الشيطان حاول مرّة ومرّات أن يُسقط أيوب من قبل ولكنه فشل، ولم تنجح كل إغراءات الشيطان في إسقاط أيوب، ولذلك لم يجد الشيطان مناصًا من استخدام العنف الزائد مع أيوب، ولكنه لا يستطيع أن يفعل هذا بدون إذن من إله أيوب، فقد أحاط الله أيوب بعنايته وسيج حوله وحول ممتلكاته، وهو ما عبَّر عنه الشيطان قائلًا لله: "أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ" (أي 1: 10) ولذلك مثَل الشيطان أمام الله ليحصل على إذن خاص لضرب أيوب، فهو لا يكف عن محاربة أبناء الله الأمناء، دخل إلى جنة عدن وأسقط أبوينا الأولين، ورآه زكريا النبي واقفًا يقاوم يهوشع رئيس الكهنة فقال: "وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِمًا قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ، وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ!" (زك 3: 1، 2) و"الرب " الذي قال هذا هو ملاك من فئة من الملائكة التي تدعى " الربوبيات " فكل ملاك منها يُدعى " رب".
6- يقول " قداسة البابا شنودة الثالث": "عجيب هو موقف الله من الشيطان في سفر أيوب، فيه الكثير من تواضع الله، ومن مبدأ تكافؤ الفرص. سمح الله للشيطان أن يمثُل بين يديه، وأن يندس وسط أولاد الله (أي 1: 6). بل أكثر من هذا، سمح له بأن يكلمه وأن يجادله، وأن يشتكي أمامه ضد ابن عزيز عليه هو أيوب... بل سمح له أن يأخذ منه سلطانًا ضد هذا الرجل الكامل المستقيم، وأن يخرج ليُخرّب ويقتل.....! جميل أن الله يفتخر بأولاده ويمتدحهم ويتحدّى الشيطان بهم. إن كان الشيطان قد أسقط كثيرين، فإن أيوب ليس مثلهم لأنه ليس مثله في الأرض. أنه نوعية أخرى، رجل كامل ومستقيم. فهل رأيت أيها الشيطان هذه التحفة الجميلة التي اسمها أيوب؟ هل جرّبت حيلك معه؟ هل قدرت عليه؟ هل صعدت إلى مستوى محاربته..؟ كان الله واثقًا من أيوب وقوة احتماله، فسمح للشيطان أن يجرّبه"(9).
7- جاء في رسالة يهوذا الرسول: "وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ" (يه 6) وجاء في رسالة بطرس الرسول الثانية: "لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ" (2بط 2: 4)، وطبعًا القول بقيود أبدية وسلاسل الظلام يجب أن يؤخذ بالمعنى المجازي... لماذا؟ لأن الشياطين أرواح فلا يمكن تقييدهم بقيود وبسلاسل مادية، إنما هم مُقيدون بالحكم الإلهي الذي صدر ضدهم، فعندما تكبَّر سطانئيل وأراد أن يرفع كرسيه فوق كرسي العلي وتعاطف معه بعض جنوده لم يشفق الله عليهم بل عاملهم بحسب عدله، فأسقطهم من رتبتهم وطردهم من السماء، وهذا ما أشار إليه إشعياء النبي عندما قال: "كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ" (إش 14: 12-15) وكان الشيطان من أجمل ملائكة السماء (حز 28: 12-15) وعقب السقوط دُعي " رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ" (يو 14: 30)، و"إِلهُ هذَا الدَّهْرِ" (2كو 4: 4)، و"رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ" (أف 2: 2)، وعندما سأل الله الشيطان: " مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟ فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا" (أي 1: 7) كان يقصد أن يكشف للجميع مدى انشغال الشيطان بشن هجماته على الأمناء. وقال عنه السيد المسيح له المجد: "رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطًا مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ" (لو 10: 18) وجاء في سفر الرؤيا قصة طرد الملاك ميخائيل للشيطان (رؤ 12: 7-9) وفي يوم الدينونة الرهيب سوف يُطرح الشيطان وكل جنوده في بحيرة النار والكبريت مع كل الذين أطاعوه: "اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ" (مت 25: 41).
8- لو كان أصل سفر أيوب وثنيًا لرأينا فيه تعدد الآلهة وتناسلها وتصارعها... إلخ.، لكننا لا نجد أي أثر لمثل هذه الأساطير في السفر. كما أن حجة سبينوزا بأن كل من سفر أيوب، وأيوب السومري، وأيوب البابلي، لهم أصل واحد وثني لأنهم استخدموا جميعًا اسم " الشيطان"، فهي حجة واهية لأن اسم الشيطان أو إبليس ورد في الأسفار المُقدَّسة مثلما جاء في سفر زكريا، ومزمور 109، وأيضًا في سفر أخبار الأيام الأول: "وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ" (1أي 21: 1)، ومفهوم ضمنًا أن الشيطان هو الذي أسقط آدم وحواء.
_____
(1) اليهودية بعد عزرا وكيف أُقرت؟ ص 35.
(2) التوراة بين الحقيقة والأسطورة والخيال ص 341، 342.
(3) أنبياء الله - دار الشرق طبعة 29 - سنة 2003م ص 177.
(4) أباطيل التوراة والعهد القديم 1 - المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم ص 237.
(5) الحكم والأمثال السورية القديمة جـ2 ص 163.
(6) عبد الوهاب النجار - قصص الأنبياء ص 415.
(7) قصص الأنبياء والتاريخ جـ3 - إسحق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب ص 597.
(8) قصص الأنبياء المُسمّى عرائس المجالس - دار إحياء الكتب العربية ص 136-138.
(9) أيوب الصديق ولماذا كانت تجربته ص 20-22 .
(10) جـ2 ص 1188-1192.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1515.html
تقصير الرابط:
tak.la/7yb254t