ج: 1- جاءت أحداث السفر في مدينة "شوشن" عاصمة الإمبراطورية الفارسية، وهى مدينة "سوسة" وكانت عاصمة الدولة العيلامية، ويرجع تاريخها إلى نحو سنة 3000 ق. م.، وكانت مقرًا للملك "كدر لعومر" الذي انتصر عليه إبراهيم (تك 14: 1 - 16)، وكانت تمثل العاصمة الشتوية لملوك فارس، وقد شيد الملك "داريوس" أبو الملك أحشويروش فيها قصورًا عظيمة تحمل غنى الفرس وعظمتهم حتى أن الأسِرَّة والآنية التي اُستخدمت كانت من الذهب، وبجوار شوشن كانت هناك عاصمتان أخريتان هما "بابل" و"أكباتانا"، وقد أثبتت الاكتشافات الحديثة بعد فك رموز الأثار الفارسية أن اللغة والأسلوب المستخدمان في كتابة سفر أستير يتوافقان تمامًا مع سمات العصر الفارسي.
2- جاء في "دائرة المعارف الكتابية": "منذ أن قرأ جروتفند في عام 1802م اسم "أزركسيس" (أحشويروش) في أحد النقوش الفارسية، ووجده يطابق -حرفًا بحرف- أحشويروش المذكور في سفر أستير، بدأت الأدلة تتراكم، الدليل تلو الدليل، مؤكدة صحة تاريخية السفر، فقد أثبتت الاكتشافات -بادئ ذي بدء- أن تاريخ كتابة السفر لا يمكن أن يعود إلى عصر متأخر لأن لغة السفر تنتمي إلى عصر سيادة الإمبراطورية الفارسية وازدهارها... ولقد تميَّز العصر الفارسي حقًا بما نراه في هذا السفر من النظام البريدي الدقيق، وكتَّاب الملك وحفظ سفر تذكار أخبار الأيام، وكذلك عادات البلاط الملكي بكل ما فيها من دقة وصرامة. كما أننا نقرأ عن المرسوم الملكي الذي حصل عليه هامان، وكيف أنه كُتب بِاسم الملك أحشويروش وختم بخاتم الملك، ونلاحظ أن المرسوم لم يُوقَع ولكنه خُتم، فقد كانت هذه العادة عند ملوك فارس، فلقد أُكتشف خاتم الملك داريوس -أبي الملك أحشويروش- وهذا محفوظ الآن بالمتحف البريطاني، وعلى الختم صورة الملك وهو يطلق السهام على أحد الأسود بالإضافة إلى كتابة باللغة الفارسية والشوشنية والأشورية تقول: "أنا داريوس الملك العظيم"... إن السفر يذكر بأن شوشن كانت مقرًا لملوك فارس، وهذه هي الحقيقة التاريخية فعلًا، والصيغة الصحيحة للاسم كما جاءت في النقوش الفارسية هي "شوشن"...
إن الموت كان يتهدد كل من يدخل إلى حضرة الملك دون دعوة، فكثيرًا ما استخدمه المعترضون للتدليل على أن ذلك السفر ليس إلاَّ قصة خيالية. ولكن على العكس من ذلك تمامًا، ثبت أن تلك هي الحقيقة، إذ يقول لينورمانت: {لقد كان من المستحيل بالنسبة للعامة أن يدخلوا القصر الملكي الفارسي، إذ كان هناك نظام صارم يحكم الدخول إلى حضرة الملك، ويجعل الاقتراب منه أمرًا بعيد المنال... فكل من يدخل إلى محضر الملك دون أن يحصل على إذن سابق فعقابه الموت}"(1)(4).
3- تم اكتشاف القصر الذي عاش فيه الملك أحشويروش وأستير، وكيف التهمته النيران في عصر أرتحشستا لونجيمانوس بن أحشويروش، وكشفت حملات التنقيب الفرنسية عن هذا القصر ومدى مطابقته تمامًا لما جاء في سفر أستير، مثل موقع باب الملك أمام وسط المدينة، وموقع بيت النساء على الجانب الشرقي من القصر، وإن الملك الجالس على عرشه يرى القادم عليه من دار بيت الملك الداخلية، وإن هناك ممرًا من بيت النساء إلى الدار الداخلية، وقد خرج الملك من الوليمة التي أقامتها الملكة أستير إلى جنة القصر... إلخ.(5).
4- عاش هيرودت في تلك الفترة التي جرت فيها أحداث أستير، فقد وُلِد هيرودت ما بين 490 - 480 ق. م.، وخصَّص ثلث كتابه "التواريخ" لحكم الملك أحشويروش وذكر أنه كان لا يستنكف أن يسأل الآخرين عن آرائهم، حتى أنه كان يستشير "أرتميسيا" وهى امرأة تقوم بوظيفة ضابط في جيشه، وكان يقبل مشورتها جدًا، كما كان لأحشويروش مغامراته النسائية حتى مع زوجة أخيه ومع ابنته، ولذلك كان عزل "وشتي" والزواج بأستير أمر هين بالنسبة له(6).
5- يقول "جويس بولدوين": "إن النقوش الفارسية للقرن الخامس قبل الميلاد تضيف شهادتها... بينما زادت آلاف اللوحات المستخرجة من (برسيبوليس) من فرص معرفة تاريخ العالم ولا سيما تاريخ بلاد فارس... ومن هذه المصادر مجتمعة حصلنا على تعزيز لما ذكره هيرودوت عن الإدارة الفارسية، ونستطيع الآن أن نصف النظام بتفصيل أدق وتصوير أوضح... كما أن لوحات برسيبوليس تُظهر لنا صورة أحشويروش (كأمير ملكي) واقفًا خلف عرش والده داريوس... كما أن ما جاء بالأصحاح الأول من السفر عن الاحتفالات الضخمة الفخمة وفيض الذهب وألوان الستائر الزاهية وأنواع الرخام، كل ذلك عزَّزته تمامًا المصادر الأخرى... ففي أساسات القصر التي أرساها داريوس نفسه والتي اُكتشفت أثناء الحفريات في (شوشن) وُجد كشف ببعض مواد البناء الأجنبية التي كانت تستورد من شتى أرجاء الإمبراطورية الفارسية بما فيها كوش (الحبشة) والهند اللتين جاء ذكرهما معًا كمصدر للعاج (ص 1: 1) علمًا بأن الحفريات السابقة التي قام بها (م. أ. بنيولافوي) في شوشن كانت تعوزها الدقة العلمية... إلاَّ أنه أمكن التوصل إلى الملامح العامة للقصر العظيم وأمكن تشخيصها بما تحويه من قاعة العرش وبيت النساء وموقع الفردوس أو الحديقة التي كانت تُروى من النهر القريب (ص 1: 5 وص 7: 7)"(2).
كما يقول "جويس بولدوين" أيضًا: "وبوضع الإشارات الداخلية الرئيسية لسفر أستير موضع الاختبار تعزَّزت دقة معظم التفصيلات بحيث يمكن أن تنسجم أحداث السفر مع ما هو معروف عن حكم أحشويروش من المصادر الأخرى... تفاصيل العادات السائدة في البلاط الملكي مثل استخدام بريد الخيل ركاب الجياد (ص 3: 13، 8: 10) وتجريم الدخول على الملك بملابس الحداد (ص 4: 2) واستخدام الصلب في تنفيذ عقوبة الإعدام (ص 5: 14) كل هذه أمثلة عن العالم الفارسي الأصيل الذي وقعت فيه أحداث السفر"(3).
_____
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 215.
(2) التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أستير ص 16.
(3) المرجع السابق ص 20.
(4) التاريخ القديم للشرق - الجزء الثاني 113 - 114، قارن هيرودت 1: 99.
(5) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ1 ص 216.
(6) راجع التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - أستير ص 15.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1481.html
تقصير الرابط:
tak.la/db8y5fr