يقول "علاء أبو بكر": "هل عبد أمصيا الأوثان فعلًا؟
نعم: (2أي 25: 14).
لا: (2أي 25: 3 - 4).
فهل رضى الرب عن أمصيا لأنه تركه وعبد الأوثان؟ أم لم يوحي الله بمثل هذه الخرافات؟"(1).
كما يقول "علاء أبو بكر" أيضًا: "يقول الكتاب: {ثم بعد مجيء أمصيا من ضرب الأدوميين آتى بآلهة بني ساعير وأقامهم له آلهة، وسجد أمامهم وأوقد لهم} (2أي 25: 14) فكيف يعبد المنتصر آلهة المنهزمين؟ فهذا مخالف لكل عقل ومنطق!"(2).
ج: 1- جاء في سفر الأخبار عن أمصيا: "وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلكِنْ لَيْسَ بِقَلْبٍ كَامِل. وَلَمَّا تَثَبَّتَتِ الْمَمْلَكَةُ عَلَيْهِ قَتَلَ عَبِيدَهُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْمَلِكَ أَبَاهُ. وَأَمَّا بَنُوهُمْ فَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِفْرِ مُوسَى حَيْثُ أَمَرَ الرَّبُّ قَائِلًا: لاَ تَمُوتُ الآبَاءُ لأَجْلِ الْبَنِينَ، وَلاَ الْبَنُونَ يَمُوتُونَ لأَجْلِ الآبَاءِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ لأَجْلِ خَطِيَّتِه" (2أي 25: 2 - 4). إذًا أمصيا سلك باستقامة في إصدار الحكم على قتلة أبيه بقتلهم دون أن يقتل أبنائهم، ونفذ حكم الشريعة تمامًا، وأيضًا عندما استأجر أمصيا مئة ألف جبار بأس من إسرائيل ليدخلوا معه الحرب ضد أدوم، وقال له رجل الله: "أيها الملك لا يأتي معك جيش إسرائيل لأن الربَّ ليس مع إسرائيل" أطاع أمصيا، وضحى بما دفعه من فضة لاستئجار هؤلاء الجنود، ولكن أمصيا الذي بدأ بداية حسنة ختم حياته بنهاية سيئة، فبعد انتصاره على الأدوميين تكبر قلبه وسقط في تشامخ الروح، وجاء بآلهة الأدوميين وسجد لها وأوقد لها" فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى أَمَصْيَا وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ نَبِيًّا فَقَالَ لَهُ: لِمَاذَا طَلَبْتَ آلِهَةَ الشَّعْبِ الَّذِينَ لَمْ يُنْقِذُوا شَعْبَهُمْ مِنْ يَدِكَ؟" (2أي 25: 15) ولم يقبل أمصيا نصيحة هذا النبي، فقال له النبي: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ قَدْ قَضَى بِهَلاَكِكَ لأَنَّكَ عَمِلْتَ هذَا وَلَمْ تَسْمَعْ لِمَشُورَتِي" (2أي 25: 16) ولم يراجع أمصيا نفسه بعد هذا الإنذار، وانتهى به الحال إلى مناطحة ملك إسرائيل متباهيًا بقوته بدون مبرر " وَأَرْسَلَ إِلَى يُوآشَ بْنِ يَهُوآحاز بْنِ يَاهُو مَلِكِ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: هَلُمَّ نَتَرَاءَ مُواجَهَةً" (2أي 25: 17) ونصحه يوآش ملك إسرائيل بالتعقل، ولكنه لم يقتنع وعندما دخل في حرب مع ملك إسرائيل بلا مبرر، خسر الحرب، وهرب جيشه كل واحد إلى خيمته، وهدم ملك إسرائيل نحو مائتي متر من سور أورشليم، وسلب الذهب والفضة والآنية من بيت الرب، بعد أن قبض على أمصيا.
فواضح تمامًا أن هناك تناقضًا واضحًا بين بدايات أمصيا ونهاياته، وكل ما ذكره الكتاب المقدَّس هو حق وصدق، سواء ما ذكره عن استقامة قلب أمصيا في البداية أو سقوطه في عبادة أصنام شعب منهزم وإثارته حربًا لا مبرر لها جرت الوبال على شعبه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ودور الوحي هنا أنه أرشد الكاتب ليسجل هذه وتلك، ولا يوجد في هذه الأخبار أو تلك أية نوع من الخرافات، ولا التضارب ولا التناقض في الكتاب ولا في الوحي، ولكن التناقض في شخصية أمصيا، الذي بعد أن حقق نصرًا مذهلًا على الأدوميين عاد ليعبد آلهتهم، ونسى الوصية الإلهيَّة: "لاَ تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الأُمَمِ الَّتِي حَوْلَكُمْ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ إِلهٌ غَيُورٌ فِي وَسَطِكُمْ، لِئَلاَّ يَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ إِلهِكُمْ عَلَيْكُمْ فَيُبِيدَكُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ" (تث 6: 14، 15)... فلماذا يخلط الناقد الأوراق هكذا..؟! لأنه يضع نصب عينيه هدفه الأوحد ألا وهو نقض الكتاب المقدَّس.
2- يقول "القمص تادرس يعقوب": "وهب الرب النصرة لأمصيا على الأدوميين، فإذ به يقتلهم بطريقة وحشية، لكن إذ لم يكن قلبه كاملًا، جذبته الأصنام والرجاسات، فحمل آلهة تلك المنطقة معه لا ليحطمها، بل ليسجد لها. حمْلَه آلهتهم كان دليلًا على سقوط أدوم تمامًا، فآخر شيء يُسلّمونه هو آلهتهم... كان حمْل صور الآلهة أو تماثيلها من الأمة المهزومة أو المدينة عادة شائعة في الشرق وأحيانًا كان يمارسها الرومان، ليتعبَّدوا لها، خاصة إذا كانت الأمة الغالبة تعرف هذه الآلهة، وتتطلع إليها في شيء من القدسية. يا لغباوة الإنسان الذي يجري وراء الشهوات! ماذا رأى أمصيا في أوثان بني ساعير سوى الضعف والجمود والموت والعار. لمس بنفسه الأمور التي حلَّت على المتعبّدين لها، ومع هذا من أجل لذَّات وقتية باطلة كرَّمها وسجد لها. ربما ظن أنه بالسجود لها لا تبالي هذه الآلهة بالدفاع عن الأدوميين.
كان يليق به عوض أن يلقي بالأسرى من رأس سالع أن يلقي بهذه الأوثان فتتحطم. ليس من المنطق أن يعبد إنسان آلهة جامدة لأعداء له انتصر عليهم. لكن وحشيته في التعامل مع الأسرى سلَّمته للجهالة والغباوة وعدم الحكمة... لم يحتمل الملك أن يسمع صوت النبي، فعبادته للأصنام كشفت عن قسوة قلب الملك، وجعلت أذنيه لا تحتملان صوت الرب على لسان نبيه. لم يكن لدى الملك ما يبرر به تصرفه الغبي، وعوض الدخول معه في حوار، انفعل موبخًا إياه بسخرية"(3).
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ1 س452 ص 320.
(2) المرجع السابق س 448 ص 320.
(3) تفسير سفر أخبار الأيام الثاني ص 318، 319.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1421.html
تقصير الرابط:
tak.la/fv6ss7g