يقول " ليوتاكسل " عن عثَليا: "لقد قُتلت أُمها إيزابيل والتهمت الكلاب جسدها، وقُتل أخوها يهورام الإسرائيلي، وسبعون أخًا آخر أُبيدوا معه، ثم قُتل إبنها أخزيا وأخوته الاثنان والأربعون. ولم يبقَ لملكة أورشليم سوى أحفادها من أخزيا، فما الذي فعلته لإنقاذهم من بطش ياهو؟ لقد... قتلتهم بيدها {فَلَمَّا رَأَتْ عَثَلْيَا أُمُّ أَخَزْيَا، أَنَّ ابْنَهَا قَدْ مَاتَ، قَامَتْ فَأَبَادَتْ جَمِيعَ النَّسْلِ الْمَلِكِيِّ} (2مل 11: 1) ولا ريب أنه يصعب كثيرًا مصادفة مثل هذا الانتقام إلاَّ في التوراة. وقد قال فولتير في هذا الصدد {عثَليا جدة يوآش الصغير تقتل أحفادها كلهم في أورشليم، كما يقول التاريخ المقدَّس، ولم ينجح منهم سوى يوآش، وكان لها من العمر مائة عام عندئذ، أي لم تكن لتلك المجزرة أي أسباب دافعة، وإنما ارتكبتها عثَليا تحقيقًا لمتعة ذاتية}"(1).
ج: 1- نعم "عثليا" قُتل والديها وأخوتها وابنها ولم يتبقَ لها سوى أحفادها، ومن يتصوَّر أنها عوضًا عن أن تحوطهم بعنايتها وتفديهم بروحها، تسفك دمائهم وهم أبرياء: "فَلَمَّا رَأَتْ عَثَلْيَا أُمُّ أَخَزْيَا، أَنَّ ابْنَهَا قَدْ مَاتَ، قَامَتْ فَأَبَادَتْ جَمِيعَ النَّسْلِ الْمَلِكِيِّ" (2مل 11: 1).. أنه الشر الذي يأكل نفسه، فقد كانت محبتها للعرش أقوى من أي عاطفة أو غريزة بشرية تجاه أحفادها، فارتكبت جريمتها الشنعاء من أجل شهوة الملك التي أعمت عينيها، وهي كانت مهيأة لمثل هذه الجرائم نظرًا لتعتقها في الشر الذي ورثته عن أمها إيزابل التي سفكت دم الشهيد نابوت اليزراعيلي، ودماء أنبياء الرب، وكانت تطلب نفس إيليا النبي، وأيضًا وراثة عن جدها الوثني " أَثْبَعَلَ مَلِكِ الصِّيدُونِيِّينَ" (1مل 16: 31) فكان لهذه المرأة قوتها وشجاعتها وجسارتها في ارتكاب الشرور، ولذلك لم تتورع عن سفك دماء أحفادها الأطفال الأبرياء من أجل الوصول إلى هدفها ومبتغاها... لقد تسلَّطت من قبل على زوجها يهورام وجذبته لحياة الشر "وَسَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ كَمَا فَعَلَ بَيْتُ أَخْآبَ، لأَنَّ بِنْتَ أَخْآبَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةً، وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (2مل 8: 18) وتسلَّطت على ابنها أخزيا " وَهُوَ أَيْضًا سَلَكَ فِي طُرُقِ بَيْتِ أَخْآبَ لأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُشِيرُ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الشَّرّ" (2أي 22: 3) فكانت هي المرأة الحديدية رأس الحيَّة في القصر الداودي، التي زرعت عبادة البعل في مملكة يهوذا ورعتها كما فعلت أمها إيزابل في مملكة إسرائيل.
وسفكت عثليا الدم الملكي، فكاد نسل داود أن ينقطع عن مملكة يهوذا، وكاد سراج داود ينطفئ في أورشليم، وأين الوعد الإلهي الذي تغنى به سليمان في صلاته: "أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ احْفَظْ لِعَبْدِكَ دَاوُدَ أَبِي مَا كَلَّمْتَهُ بِهِ قَائِلًا: لاَ يُعْدَمُ لَكَ أَمَامِي رَجُلٌ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ إِسْرَائِيلَ" (1مل 8: 25)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكن عناية الله هي التي أدركت نسل داود بالمراحم، ففلت من قبضتها طفل من أبناء أخزيا " فَأَخَذَتْ يَهُوشَبَعُ بِنْتُ الْمَلِكِ يُورَامَ، أُخْتُ أَخَزْيَا، يُوآشَ بْنَ أَخَزْيَا وَسَرِقَتْهُ مِنْ وَسَطِ بَنِي الْمَلِكِ الَّذِينَ قُتِلُوا، هُوَ وَمُرْضِعَتَهُ مِنْ مُخْدَعِ السَّرِيرِ، وَخَبَّأُوهُ مِنْ وَجْهِ عَثَلْيَا فَلَمْ يُقْتَلْ" (2مل 11: 2) وكانت يهوشبع هذه التي خاطرت لهذه الدرجة هي أخت أخزيا وزوجة يهوياداع الكاهن (2أي 22: 11)، وهكذا حفظ الله سراج داود مضيئًا في أورشليم.
وجاء في هامش " الكتاب المقدَّس الدراسي " عن إبادة عثليا للنسل الملكي: "لكي تضمن الاستيلاء على عرش يهوذا. بحلول هذا الوقت كانت العائلة المالكة في يهوذا بالفعل قد تقلصت إلى بقية صغيرة. فقد قَتَلَ يهورام زوج عثليا الراحل وأبو أخزيا، جميع أخوته حين خلف أباه يهوشافاط على العرش (2أي 21: 4) وقتل ياهو 42 شخصًا من أعضاء العائلة المالكة في يهوذا، وربما كان منهم العديد من أبناء أخوة يهورام (2مل 10: 12 - 14، 2أي 22: 8 - 9) كما أن إخوة أخزيا قُتلوا على أيدي الغزاة العرب (2أي 22: 1). من المحتمل أن إبادة عثليا للنسل الملكي ركزت على أطفال أخزيا، أي أحفادها هي شخصيًا. وقد مات أخزيا في سن مبكرة إذ كان يبلغ من العمر 22 سنة (2مل 8: 26) وتعتبر محاولة إبادة بيت داود بالكامل هجومًا مباشرًا على خطة الله الفدائية، وهي الخطة التي ارتكزت على الوعد بمجيء المسيا من نسل داود (2صم 7: 11، 16، 1مل 8: 25)"(2).
ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "كانت عثليا امرأة قوية وسفاحة مثل أمها إيزابل، فلما قُتل ابنها أخزيا بأمر من ياهو بن نمشى (2مل 9: 27) وقامت هي بدورها فقتلت " جميع النسل الملكي وهم أبناء ابنها أخزيا ولم ينج منهم إلاَّ ابنه الصغير يوآش".. ويظهر أن هذه المرأة السفاحة كانت ترمي إلى هدفين من قتلها النسل الملكي، أحدهما سياسي والآخر ديني:
(أ) فمن الناحية السياسية أرادت أن تنفرد هي بالمُلك على مملكة يهوذا فقتلت كل من له الحق في وراثة الملك حتى لا ينازعها واحد منهم.
(ب) ومن الناحية الدينية أرادت أن تضعف عبادة الرب في مملكة يهوذا وتعمم عبادة البعل مثلما فعلت أمها من قبل في مملكة إسرائيل. ولعلها كانت ترمي أيضًا إلى تحدي الرب إله إسرائيل الذي وعد بأن يبقى لداود سراجًا يملك على مملكة يهوذا، فأرادت هي أن ينتقل الملك من بيت داود إلى يدها وبالتالي إلى بيت أخآب أبيها الذي كان ملكًا على إسرائيل"(3).
2- قال "فولتير" أن عمر عثليا كان حينئذ مئة عام فمن أين أتى بعمر عثليا هذا..؟! لقد كان عمر أخزيا عندما قُتل نحو ثلاثة وعشرين سنة، وكان أبوه قد مات في سن الأربعين. أي لو كان أبوه حيًّا لكان عمره عندئذ نحو ثلاثة وستين سنة، فلابد أن عثليا كانت في مثل هذا السن أو أقل، وليس من المعقول أن يكون عمرها عند قتل ابنها أخزيا مائة عام لأن معنى هذا أنها أكبر من زوجها يهورام بنحو سبعة وثلاثين عامًا، فلو أن يهورام عندما تزوج كان عمره عشرون عامًا، فهل يُعقل أن يكون عمر عثليا زوجته سبعة وخمسين عامًا..؟!! هل يُعقل هذا يا فولتير؟!!
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 453.
(2) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 888.
(3) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الثاني ص 133.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1342.html
تقصير الرابط:
tak.la/ymwd9k7