ويقول " ليوتاكسل": "ومع ذلك فإن أبعاد البناء التي يذكرها سفر الملوك... لا تتوافق مع تلك التي يذكرها سفر الأيام الثاني (3، 4). ويكفي وجود مثل هذا الاختلاف في كتاب يُزعَم أنه مقدَّس ليخلق لدينا الشك، هذا إذا لم يكن النص كله مجرد هراء لا طائلة منه. أضف إلى هذا أن وصف البناء الداخلي يثير مزيدًا من السخرية، عداك عن أن الطابق السفلي أضيق من العلوي بمتر كامل، وهذا بحد ذاته أمر مذهل! وتلك النوافذ الجانبية الواسعة من الداخل والضيقة من الخارج، وهي أيضًا ليست سوى بدعة غبية"(2).
ج: 1- يخلط علاء أبو بكر بين عرض الرواق " وَعَرْضُهُ عَشَرُ أَذْرُعٍ" (1مل 6: 3) وبين عرض البيت " عَرْضِ الْبَيْتِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا" (2أي 3: 4) والمقصود بالبيت هنا ليس الرواق، إنما المقصود به الهيكل، فالكتاب يتكلَّم عن شيئين وليس شيئًا واحدًا، ولتوضيح ذلك نقول:
جاء في سفر الملوك: "وَالرِّوَاقُ قُدَّامَ هَيْكَلِ الْبَيْتِ طُولُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا حَسَبَ عَرْضِ الْبَيْتِ، وَعَرْضُهُ عَشَرُ أَذْرُعٍ قُدَّامَ الْبَيْتِ" (1مل 6: 3) وهنا واضح جدًا أن طول الرواق 20 ذراع، وعرضه 10 أذرع.
وجاء في سفر الأخبار: "وَالرِّواقُ الَّذِي قُدَّامَ الطُّولِ حَسَبَ عَرْضِ الْبَيْتِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَارْتِفَاعُهُ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ" (2أي 3: 4) وهنا واضح جدًا أن طول الرواق = عرض الهيكل = 20 ذراع، وارتفاع الرواق 120 ذراعًا.
أما أبعاد الهيكل فإن " طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَسَمْكُهُ ثَلاَثُونَ ذِرَاعًا" (1مل 6: 2).
وكان الهيكل متجهًا بطوله من الشرق للغرب، فإن الرواق كان متجهًا بطوله من الجنوب للشمال بحسب الرسم الآتي:
الشمال
الشرق
الهيكل
20 ذراع الرواق
الغرب
60 ذراع
10 أذرع
الجنوب
فإن سفر الملوك ذكر أن طول الرواق = عرض الهيكل = 20 ذراع، كما ذكر عرض الرواق عشرة أذرع ولم يذكر الارتفاع، وجاء سفر أخبار الأيام ليؤكد أن الرواق (من حيث الطول) = عرض البيت (الهيكل = 20 ذراع) وأضاف ارتفاع الرواق وهو 120 ذراعًا.
فلا يوجد أي تعارض بين أبعاد الرواق، بل أن هناك انسجامًا تامًا بين عرض الهيكل وطول الرواق.
2- كان ارتفاع الرواق ملفتًا للنظر جدًا، فجاء ارتفاعه نحو ستون مترًا فصار مثل المنارة التي تحف الهيكل، وكان تحفة فنية، فقد " غَشَّاهُ مِنْ دَاخِل بِذَهَبٍ خَالِصٍ" (2أي 3: 4) ومن أعلى هذا الرواق يمكن رؤية البحر المتوسط من جانب والبحر الميت ونهر الأردن من جانب آخر، كما أن القادمين إلى أورشليم يرون هذا الرواق من مسافات بعيدة، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "الرواق أو القاعة الممتدة أمام مبنى الهيكل يبلغ ارتفاعه أربعة أضعاف الهيكل، وهو يمثل حلية للمبنى الضخم، المنظر من أعلى القاعة غاية في الروعة. قيل أنه يمكن للإنسان أن يرى البحر الأبيض المتوسط من جانب والبحر الميت من الجانب الآخر، عبر نهر الأردن وما وراء العربية. كان بجانب مدخله رواق (بهو) وأعمدة، ثم اتسع الرواق في عهد خلفاء سليمان حتى شمل جميع الجهات"(3).
ويعلق " هنري ل. روسييه " على ارتفاع الرواق، والمبنى المحيط بالهيكل فيقول: "أنها أربعة أضعاف ارتفاع البيت، أنها ترتبط بالرمز الذي جاء في مزمور (24) {وَمَنْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ قُدْسِهِ؟! اِرْفَعْنَ أَيَّتُهَا الأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَارْتَفِعْنَ أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ} أن هذا القوس الانتصاري الحقيقي يستحق ملك المجد، رب الجنود، القدير الجبار، الذي كان سليمان رمزًا ضعيفًا له... أما كل ما حول الهيكل باستثناء مدخله، من الطبيعي أنها الغرف الجانبية مساكن الكهنة، وليس لهذا نظير في خيمة الاجتماع التي كانت في البرية... ومساكن الكهنة لم تنفصل عن البيت مكوّنة وحدة كلية معها دون أن تفسد أي جزء منها، وحوائط الهيكل بها عوارض مرتكزة على كتل خشبية مثبَّتة من خارج الحوائط وليست في باطنها، وبهذه الطريقة كانت غرف الكهنة متوافقة تمامًا مع البيت دون أن تمس سلامة البناء. أنه لهذا سنسكن في المجد، والحقيقة أن سكنانا هناك لن يقلل من كمال بيت الله بل سيؤكد القول {هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبًا والله نفسه يكون معهم ويكون إلهًا لهم} (رؤ 21: 13)"(4).
3- أُقيم مبنى ذو ثلاث طوابق محيطًا بالهيكل من ثلاث جوانب، به حجرات إضافية خُصّصت كمخادع للكهنة والكتبة (أر 36: 10، 20)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وأيضًا تستخدم كمخازن للآنية المقدَّسة الفائضة عن الحاجة، وتقدمات الشعب من بخور ونذور وعشور من قمح وزيت وخمر (نح 13: 5) ويقول " القمص تادرس يعقوب": "إقامة الغرف حول البيت يُشير إلى الاهتمام بالملحقات العملية حيث توضع الأدوات الخاصة بالهيكل بطريقة لائقة. وفيها يرتدي الكهنة ملابسهم الكهنوتية ويخلعونها، ويحفظون ثيابهم فيها، فمع جمال المبنى يلزم الاهتمام بمراعاة إمكانية الاستفادة منه عمليًا، حتى يحقق المبنى هدفه... كانت الحجرات من الجوانب الثلاثة للهيكل"(5).
وكان عرض هذه الحجرات بالدور الأول خمسة أذرع أي نحو مترين ونصف، والحجرات بالدور الثاني بعرض ستة أذرع أي نحو ثلاثة أمتار، والحجرات بالدور الثالث بعرض سبعة أذرع أي نحو ثلاثة أمتار ونصف، وتعجب الناقد وقال كيف يتأتى ذلك..؟! والحقيقة أن الفكرة التي اعتمد عليها سليمان الحكيم في هذا بسيطة إذ جاء جدار المبنى متدرجًا، فكان عرضه بالدور الأول مثلًا متر ونصف، وفي الدور الثاني صار العرض مترًا، وبذلك أعطى اتساعًا لحجرات الدور الثاني بمقدار ذراع، وفي الدور الثالث صار عرض الجدار نصف متر فأعطى حجرات ذلك الدور اتساعًا آخر بمقدار ذراع آخر. ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "كانت الطريقة في بناء هذه الحجرات مثل الطريقة التي يتبعها المهندسون والبناءون في أيامنا في الكثير من المباني، فعرض جدران الحجرات في الطابق الأول كان أعرض منه في الطابق الثاني بمقدار ذراع، وعرضها في الدور الثاني كان أعرض منه في الطابق الثالث بمقدار ذراع، ولذلك فالحجرات في الطابق الأول كانت أضيق من التي في الطابق المتوسط، وهذه بدورها كانت أضيق من نظائرها في الطابق الأعلى"(6). وهذا ما عبَّر عنه الكتاب قائلًا: "فَالطَّبَقَةُ السُّفْلَى عَرْضُهَا خَمْسُ أَذْرُعٍ، وَالْوُسْطَى عَرْضُهَا سِتُّ أَذْرُعٍ، وَالثَّالِثَةُ عَرْضُهَا سَبْعُ أَذْرُعٍ، لأَنَّهُ جَعَلَ لِلْبَيْتِ حَوَالَيْهِ مِنْ خَارِجٍ أخْصَامًا لِئَلاَّ تَتَمَكَّنَ الْجَوَائِزُ فِي حِيطَانِ الْبَيْتِ" (1مل 6: 6) فقد تم ربط هذه الحجرات بالجدار الخارجي للهيكل، ليس بوضع جوائز (عوارض) في جدار الهيكل نفسه، بل بتثبيت ركائز على الجدار، وهذا ما أوضحته ترجمة كتاب الحياة: "وشيَّد على جوانب جدران القاعة الرئيسية والمحراب بناء ذا طوابق ثلاثة محيطًا بالهيكل جعله حجرات إضافية. وكان عرض الطبقة الأولى خمس أذرع وعرض الطبقة الثانية ست أذرع وعرض الطبقة الثالثة سبع أذرع وكانت الحجرات متصلة بجدران الهيكل بعوارض مرتكزة على كتل خشبية مثبَّتة خارج الجدران وليس في باطن الجدران نفسها" (1مل 6: 5، 6).
4- تساءل البعض عن ارتفاع الهيكل هل هو 30 ذراع (1مل 6: 2) أم 120 ذراع (2أي 3: 4)..؟ ويعد هذا التساؤل ومثله الكثير من قبيل خلط الأوراق، لأن ما جاء في سفر الملوك هو ارتفاع الهيكل " وسَمكُهُ ثلاثون ذراعًا" (1مل 6: 2) والمقصود بسَمكُهُ (بفتح السين وضم الكاف والهاء) أي ارتفاعه، بينما ما جاء في سفر أخبار الأيام ليس ارتفاع الهيكل بل ارتفاع الرواق " وَالرِّواقُ... ارْتِفَاعُهُ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ" (2أي 3: 4).
_____
(1) البهريز جـ 1 س428.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 380، 381.
(3) تفسير سفر الملوك الأول ص 148.
(4) تأملات في سفر الملوك الأول ص 60، 61.
(5) تفسير سفر ملوك الأول ص 149.
(6) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الأول ص 73.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1254.html
تقصير الرابط:
tak.la/byq7kpm