فقال " آدم كلارك " أن النسخة اليونانية ذكرت أن المدة من الخروج وحتى بناء الهيكل 440 سنة فقط، كما قال "الخوري بولس الفغالي": "في سنة 480 بعد الخروج. إذًا بين الخروج وبناء الهيكل 12 جيلًا، وكل جيل يتضمن 40 سنة. أما السبعينية فتقول: 11 جيلًا، ويبدو أن الهيكل بُني حوالي سنة 965 ق.م."(1).
ج: 1- افترض الناقد أن بني إسرائيل خرجوا من أرض مصر في عصر رمسيس الثاني (1290 - 1240 ق.م.) وبذلك تكون الفترة من الخروج وحتى حكم سليمان (970 ق.م.) أقل من 480 سنة وبذلك يُشكّك الناقد في صحة ما جاء في الكتاب: "وَكَانَ فِي سَنَةِ الأَرْبَعِ مِئَةٍ وَالثَّمَانِينَ لِخُرُوجِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِ سُلَيْمَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ" (1مل 6: 1) ومن الثابت أن مُلك سليمان على إسرائيل بدأ سنة 970 ق.م.، فالسنة الرابعة من مُلكه هي سنة 966 / 967 ق.م.، فالمدة من رمسيس الثاني إلى سليمان تبلغ نحو 300 سنة وليس 480 سنة.
والحقيقة أن هناك رأيان رئيسيان في تحديد فرعون الاضطهاد وفرعون الخروج:
الرأي الأول: أن فرعون الاضطهاد هو "تحتمس الثالث" وفرعون الخروج هو خليفته "أمينوفيس" (امنحوتب الثاني):
وتحتمس الثالث (1490-1436 ق.م.) من ملوك الأسرة (18) وعُرف في التاريخ بأنه عدو الساميين وأن خلفه "امنحوتب الثاني"(2) والذين نادوا بهذا الرأي اعتمدوا على ما جاء في (1مل 6:1) فالسنة الرابعة لمُلك سليمان 966 / 967 ق.م. وبإضافة 480 سنة تصبح سنة الخروج نحو 1446 / 1447 ق.م. وأكدت الاكتشافات الأثرية أن سقوط أسوار أريحا وحرق المدينة كان في القرن الرابع عشر ق.م.، بالإضافة إلى الأسانيد الأخرى.
الرأي الثاني: أن فرعون الاضطهاد هو "رمسيس الثاني" وفرعون الخروج هو "مرنبتاح":
ورمسيس الثاني (1290 - 1224 ق.م.) هو ثالث ملوك الأسرة (19) وأرَّخ له البعض بالفترة من (1301 - 1234 ق.م.) وكان محاربًا عظيمًا، وفي عهده نشبت معركة قادش الشهيرة سنة 1286 ق.م. بين الحثيين والمصريين على نهر العاصي، وأن بني إسرائيل خرجوا من مصر في عهد خليفته "مرنبتاح" واعتمد أصحاب هذا الرأي على أن رمسيس الثاني كان شغوفًا بالبناء والتعمير، فهو الذي سخَّر بني إسرائيل لبناء مدينتي رعمسيس وفيثوم، وجاء في النقوش المصرية القديمة قول رمسيس: "أنا بنيت فيثوم" كما تم اكتشاف لبنات تحمل اسمه، وهي خالية من مخلوط التبن، وهذا يتمشى مع ما جاء في (خر 5: 10 - 12). وجاء أيضًا في برديات ترجع إلى عصر رمسيس الثاني قصص عن العبيرو (العبرانيين) وهم يجرون الحجارة الضخمة لمعبد رمسيس الثاني، وأيضًا تم اكتشاف قصيدة نُقشت على لوحة تذكارية من الجرانيت الأسود وتسجل انتصار مرنبتاح على الإسرائيليين، ودُعيت هذه اللوحة بلوحة إسرائيل وجاء فيها: "وإسرائيل قد خربت وانقطعت بذرتها " وأكد علماء الآثار أن هذه العبارة تشير بوضوح إلى مغادرة بني إسرائيل أرض مصر.
وهناك آراء أخرى أضعف، مثل الاقتراح بأن فرعون الخروج هو تحتمس الثاني، أو رمسيس الثاني، أو توت عنخ آمون... إلخ، ونحن نرجح الرأي الأول الذي يتفق تمامًا مع ما جاء في (1مل 6: 1) وبذلك يكون فرعون الخروج هو امنحوتب الثاني، ومن دقة الكتاب المقدَّس أنه لم يذكر سنة بدء العمل 480 سنة للخروج فقط، بل ذكر الشهر الذي بدأ فيه البناء وترتيبه بين شهور السنة " فِي شَهْرِ زِيُو وَهُوَ الشَّهْرُ الثَّانِي" (1مل 6: 1) وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل(3).
2- جاء في هامش الكتاب المقدَّس الدراسي: "يعد الربط الزمني بين أحداث معينة وقعت أثناء حكم بعض ملوك مملكة إسرائيل اللاحقين وما تسجله الحوليات الأشورية يحدد السنة الرابعة من حكم سليمان على أنها سنة 966 ق.م... فلو اعتبرنا أن خروج بني إسرائيل من مصر قد جاء قبل سنة 966 ق.م. بحوالي 480 سنة يكون معنى هذا أنه قد وقع بالفعل سنة 1446 ق.م... في وقت حكم فرعون الأسرة المصرية الثامنة عشرة والمدعو أمنحتب الثاني، وعلى الرغم من ذلك فعلى أساس ما ذكر في (خر 1: 11) بالإضافة إلى بعض الاعتبارات التاريخية الأخرى، فقد استنتج البعض أن الخروج حدث قبل حكم فرعون الأسرة المصرية التاسعة عشرة والمدعو رمسيس الثاني، أي ليس قبل سنة 1290 ق.م."(4).
كما جاء في مقدمة سفر الخروج بالكتاب المقدَّس الدراسي: "وفقًا لما جاء في (1مل 6: 1) فقد وقعت أحداث كتاب الخروج قبل 480 سنة من "السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِمُلْكِ سُلَيْمَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ" ولما كانت تلك السنة هي سنة 966 ق.م. فأن النظرية التقليدية تعتقد أن الخروج حدث في عام 1446 ق.م... فرغم أن التأريخ المصري القديم للأسرة الثامنة عشر مازال غير مؤكد، فإن الأبحاث الحديثة تميل إلى دعم النظرة التقليدية القائلة بأن أثنين من فراعنة هذه الأسرة، وهما تحتمس الثالث وابنه امنحوتب الثاني، كانا فرعوني فترة الاضطهاد والخروج على التوالي... باختصار لا توجد أسباب قوية تدفع إلى رفض النظرة التقليدية التي تتحدث عن خروج بني إٍسرائيل من مصر في عام 1446 ق.م."(5).
3- القول بأن هناك توراة عبرية، وتوراة يونانية قول غير صحيح، لأن أصل التوراة واحد وهي التوراة العبرية، أما النسخة اليونانية فهي ترجمة من اللغة العبرية للغة اليونانية، فالمعول الرئيسي الذي نعتمد عليه هو التوراة العبرية، وبذلك يتضح أن المدة من خروج بني إسرائيل من مصر وحتى بداية بناء الهيكل في السنة الرابعة من حكم سليمان وهي 480 سنة وليس 440 سنة، وبعد أن أورد " آدم كلارك " عدة آراء في هذا قال: "وكتاب الله (يقصد التوراة العبرية) هو الجدير بأن يعوَّل عليه " أما الناقد فقد حذف هذه العبارة، وهذا يعكس إخلال الناقد بالأمانة العلمية(6). وبينما يدقق الناقد في تاريخ بناء الهيكل بالنسبة لتاريخ الخروج فأنه يغض البصر عن جميع أحداث العهد القديم التي جاء ذكرها في القرآن دون الإشارة إلى أي تاريخ لأي منها، بل أن القرآن كثيرًا ما يسقط التسلسل التاريخي في تناول الأحداث وأسماء الأنبياء.
_____
(1) التاريخ الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 414.
(2) راجع دائرة المعارف الكتابية جـ1 ص231، 232.
(3) فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ6 س566 ص 26 - 38.
(4) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 786، 787.
(5) المرجع السابق ص 132، 133.
(6) راجع كتاب الهداية جـ 3 ص 183.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1253.html
تقصير الرابط:
tak.la/ztgk7w7