يقول " الخوري بولس الفغالي": "وهكذا كان سليمان عظيمًا بالمُدراء (المديرين) والوكلاء الذين عينهم، بل بشعبه الكثير مثل رمل البحر. في الواقع، حسب التقديرات، لم يتعدَّ عدد سكان أرض كنعان المليون في زمن الملوك، وكانوا يأكلون ويشربون أي يعيشون في سلام... قال الكاتب: تسلَّط على جميع عبر النهر أي نهر الفرات، وهذا الكلام ينطبق لا على سليمان بل على ملوك آشُّور وبابل والفُرس، وجعل الكاتب أرض سليمان كبيرة جدًا، فضمت ما نسميه اليوم فلسطين وسوريا بما فيها دمشق. وهذا أمر مُبالغ فيه"(1).
ويقول " ليوتاكسل": "ولكن مزاح أو قل كذب " الروح القدس " تجاوز كل حد هنا... فمن سمع أو قرأ أن سلطة اليهود امتدت في أي زمان لتشمل الأراضي الممتدة من الفرات إلى البحر المتوسط؟ والحقيقة هي أن اليهود كأي عصابة من عصابات قطاع الطرق الأخرى استطاعوا أن يسيطروا على زاوية من أرض فلسطين وعرة وكثيرة الكهوف، امتدت من بئر سبع حتى دان، ولكن أحدًا لا يعرف بأن سليمان ملك على كيلومتر مربع واحد خارج أرض كنعان. بل أن ملك مصر أمتلك جزءًا من أرض فلسطين"(2).
ويقول " دكتور سيد القمني": "وأول ما نلاحظه حول حدود المملكة، أنه ما كان لها وقد بنيت كدويلة بالأمس، وما كان لملك ناشئ، أن يصل بسلطانها إلى النهر (الفرات) وقت السيادة الآشُّورية، وما أدراك ما الآشُّوريين، أو أن تتجرأ الدويلة فتنبسط في ممارسة السلطان على تخوم مصر، وما أدراك ما الفراعين، وما كان لها أن تطال لبنان، بينما يقول ذات السفر أن سليمان كان يدفع لحيرام ملك صور وصيدا إتاوة سنوية... (1مل 5: 11)"(3).
ج: 1- قال الكتاب: "وَكَانَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ كَثِيرِينَ كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَفْرَحُونَ" (1مل 4: 20) وقال سليمان لله " وَعَبْدُكَ فِي وَسَطِ شَعْبِكَ الَّذِي اخْتَرْتَهُ، شَعْبٌ كَثِيرٌ لاَ يُحْصَى وَلاَ يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ" (1مل 3: 8).. لقد لمع أمام عينيه أبيه يعقوب وأولاده عندما نزلوا إلى مصر وكان عددهم قليلًا نحو خمسة وسبعين رجلًا، أما الآن فقد صاروا ألوف ألوف وربوات ربوات، وبنفس النظرة شبَّه كاتب سفر الملوك بني إسرائيل الذين انتشروا في أرجاء أرض كنعان برمل البحر الذي لا يُعد، وهو يتذكَّر وعد الله لأبيه إبراهيم عندما قال له: "أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ" (تك 22: 17) ومثل هذه التشبيهات البليغة اعتاد عليها أهل الشرق، وجاء مثيل لها في القرآن، ونحن نتمسك بروح النص وليس بحرفيته، لأن الحرف يقتل.
2- قال الكتاب: "وَكَانَ سُلَيْمَانُ مُتَسَلِّطًا عَلَى جَمِيعِ الْمَمَالِكِ مِنَ النَّهْرِ إِلَى أَرْضِ فِلِسْطِينَ، وَإِلَى تُخُومِ مِصْرَ. كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْهَدَايَا وَيَخْدِمُونَ سُلَيْمَانَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ" (1مل 4: 21) والحقيقة أن مملكة إسرائيل قد أرست قواعدها وامتدت واتسعت تخومها وسلطانها على يد داود الملك، الذي حارب تلك الشعوب المحيطة وأخضعها، وقال الكتاب عنه " أَرَاحَهُ الرَّبُّ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ" (2صم 7: 1).. " وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ" (2صم 8: 6) وحقَّق الله وعده لشعبه " وَأَجْعَلُ تُخُومَكَ مِنْ بَحْرِ سُوفٍ إِلَى بَحْرِ فِلِسْطِينَ، وَمِنَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى النَّهْرِ" (خر 23: 31) وترنم آساف بهذا الإنجاز العظيم قائلًا: "كَرْمَةً مِنْ مِصْرَ نَقَلْتَ. طَرَدْتَ أُمَمًا وَغَرَسْتَهَا. هَيَّأْتَ قُدَّامَهَا فَأَصَّلَتْ أُصُولَهَا فَمَلأَتِ الأَرْضَ. غَطَّى الْجِبَالَ ظِلُّهَا، وَأَغْصَانُهَا أَرْزَ اللهِ. مَدَّتْ قُضْبَانَهَا إِلَى الْبَحْرِ، وَإِلَى النَّهْرِ فُرُوعَهَا" (مز 80: 8 - 11) لقد اتسعت تخوم إسرائيل داخل أرض فلسطين كما كان لها سيطرة على آرام شمالًا وأدوم جنوبًا، وموآب وعمون شرقًا، والفلسطينيين غربًا، لكنها لم تنتزع السلطة لا من الدولة الأشورية ولا من الدولة المصرية، والنص لم يذكر قط أن سليمان كان متسلطًا على آشور أو مصر، بل كان هناك عهد صلح وسلام مع مصر تُوّج بزواج سليمان من ابنة فرعون مصر.
3- عندما خرج بنو إسرائيل من أرض مصر كان عدد الرجال من سن العشرين إلى سن الستين نحو ستمائة ألف رجل، وبإضافة عدد النساء والأطفال حتى سن العشرين، وكبار السن أكثر من الستين عامًا نصل إلى عدد إجمالي نحو 2 مليون، وإن كان الجيل الذي خرج من أرض مصر مات في البرية فإن هناك جيل جديد وُلِد في البرية لا يقل عدده عن الذين رقدوا، ثم دخلوا إلى أرض الموعد الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا، ومرت مئات السنين حتى ملك سليمان كان الشعب قد ازداد في العدد وتأصَّل في الأرض، بالإضافة إلى سكان الأرض الأصليين، إذًا القول بأن العدد الإجمالي لهؤلاء وأولئك مليون نسمة، هذا ضرب من المحال.
4- لم يكن اليهود في عصريّ داود وسليمان يشكَّلون عصابة استولت على جزء من أرض فلسطين، لكنهم في الحقيقة قد انتشروا في كل أرض فلسطين طولًا وعرضًا، تلك المسافة التي استوعبت من قبل سبعة شعوب عظيمة.
5- لا يليق بناقد أن يتهم روح الله القدوس بالكذب، لأن روح الله هو الله نفسه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فبطرس الرسول قال لحنانيا: "لِمَاذَا مَلأَ الشَّيْطَانُ قَلْبَكَ لِتَكْذِبَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ... أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى اللهِ" (أع 5: 3، 4) والله ليس إنسانًا فيكذب ولا ابن آدم فيندم، وليس عنده تغيير ولا ظل دوران، ولذلك " لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا" (رو 3: 4).
6- قال الكتاب: "وَكَانَ طَعَامُ سُلَيْمَانَ لِلْيَوْمِ الْوَاحِدِ: ثَلاَثِينَ كُرَّ سَمِيذٍ، وَسِتِّينَ كُرَّ دَقِيق. وَعَشَرَةَ ثِيرَانٍ مُسَمَّنَةٍ، وَعِشْرِينَ ثَوْرًا مِنَ الْمَرَاعِي، وَمِئَةَ خَرُوفٍ، مَا عَدَا الأَيَائِلَ وَالظِّبَاءَ وَالْيَحَامِيرَ وَالإِوَزَّ الْمُسَمَّنَ" (1مل 4: 22، 23) والكُرّ هو الحومر (من المكاييل) وهو يعادل ما يحمله الحمار في المرة الواحدة، ويساوي سعة نحو 230 لترًا، ومن المُدرك أن هذه الكمية من الطعام كانت تقدم لكل القصر من حاشية وموظفين وحراس وخدم، وسبعمائة زوجة لسليمان وثلثمائة سُرّية، بالإضافة للملوك الذين كانوا يزورون سليمان بحاشياتهم وخدمهم، فإذا أخذنا كل هذه الأعداد في الاعتبار ندرك أن هذه الكميات الوافرة من الأطعمة ليس مُبالغ فيها، ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "كانت المئونة اليومية للقصر الملكي كبيرة جدًا والمقادير المذكورة منها تكفي لعدد يُقدَّر من ثلاث آلاف شخص إلى أربعة آلاف شخص من خدام المملكة وكبار العاملين في القصر وفي الجيش ومن أقارب الملك وضيوفه سواء من إسرائيل أو من الشعوب الصديقة أو الممالك التابعة له"(4).
7- لم يدفع سليمان لحيرام إتاوة سنوية، لأن حيرام لم يفرض سيطرته على أرض فلسطين، بل عندما اعتلى سليمان العرش كان حيرام أول من هناءه وعرض عليه خدماته، "لأَنَّ حِيرَامَ كَانَ مُحِبًّا لِدَاوُدَ كُلَّ الأَيَّامِ" (1مل 5: 1) وعندما أعلم سليمان حيرام أنه ينوي بناء بيتًا لإلهه ويحتاج إلى أخشاب " فَلَمَّا سَمِعَ حِيرَامُ كَلاَمَ سُلَيْمَانَ، فَرِحَ جِدًّا وَقَالَ مُبَارَكٌ الْيَوْمَ الرَّبُّ الَّذِي أَعْطَى دَاوُدَ ابْنًا حَكِيمًا عَلَى هذَا الشَّعْبِ الْكَثِيرِ. وَأَرْسَلَ حِيرَامُ إِلَى سُلَيْمَانَ قَائِلًا... أَنَا أَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِكَ" (1مل 5: 7، 8) وتم عقد الصفقات " فَكَانَ حِيرَامُ يُعْطِي سُلَيْمَانَ خَشَبَ أَرْزٍ وَخَشَبَ سَرْوٍ حَسَبَ كُلِّ مَسَرَّتِهِ. وَأَعْطَى سُلَيْمَانُ حِيرَامَ عِشْرِينَ أَلْفَ كُرِّ حِنْطَةٍ طَعَامًا لِبَيْتِهِ، وَعِشْرِينَ كُرَّ زَيْتِ رَضٍّ. هكَذَا كَانَ سُلَيْمَانُ يُعْطِي حِيرَامَ سَنَةً فَسَنَةً" (1مل 5: 10، 11).
_____
(1) التاريخ الاشتراعي - تفسير أسفار يشوع والقضاة وصموئيل والملوك ص 409 - 411.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 377، 378.
(3) الأسطورة والتراث ص 258.
(4) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الأول ص 55.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1246.html
تقصير الرابط:
tak.la/s2ymw72