يقول " علاء أبو بكر": "لكن كيف طلب الرب من سليمان في رؤيا أن يطلب ما يتمنى، في الوقت الذي يعبد فيه الأوثان؟ وكيف استجاب له؟ بل كيف أنعم عليه بأكثر مما طلب وهو يذبح للأوثان؟ وإذا كان الرب يرضى عن عبادة الأوثان فلماذا حرَّمها على عباده؟ وألاَّ ترى أن هذه حجة يحتج بها الكفرة والمشركين على الرب يوم الحساب فلا يتمكن أن يدينهم، بل سيكون هو أمام عبيده من السفهة الضالين المُضلين؟ تخيل ماذا سيكون رد الرب إذا سأله أحد عبيده واتهمه أنه هو سبب هذا الضلال: إذ رضى عن سليمان عابد الأوثان وكرَّمه وأغدق عليه بنعمه!!"(1).
ويقول " ليوتاكسل": "فيهوه الذي لم يكن ينتظر حتى ينام إبراهيم ويعقوب وغيرهم، كي يظهر ويتحدث إليهم، نرى أنه غيَّر عادته الآن وصار ينتظر إلى أن يغط سليمان في نومه، فليكن الأمر هكذا إذًا. ولكن كيف غدا هذا كله معروفًا؟ هل روى سليمان أحلامه لأحدهم؟ يبدو أنه ليست ثمة طريقة أخرى لوصول قصة هذا الحلم إلى مؤلف كتاب الملوك الثالث (ملوك الأول) الذي عاش في أيام السبي البابلي، إلاَّ إذا كانت قد انتقلت من جيل لآخر، وهذا أمر فيه كثير من الغرابة"(2).
ج: 1- لم يعبد سليمان في بداية حياته الأوثان، وعندما أصعد ألف محرقة -وكلمة "ألف" قد تعني فعلًا ألف ذبيحة، أو قد تشير إلى كثرة الذبائح التي قدمتها- فأنه قدم هذه الذبائح للرب إلهه، ولذلك اختار جبعون التي بها خيمة الاجتماع ومذبح المحرقة، وقد دُعيت جبعون بالمرتفعة العظمى لأن بها خيمة الاجتماع، ولو ضل سليمان في بداية حياته وعبد الأوثان لكان من المستحيل أن الله القدوس العادل يُظهر رضائه عنه، ويهبه كل ما يطلب، وأكثر مما يريد، ولو عبد سليمان الأوثان في بداية حياته لصرح الكتاب المقدَّس بهذا صراحة، كما صرح بهذا عندما أخطأ في شيخوخته، ولو تأمل الإنسان قليلًا لأدرك لو أن سليمان أخطأ في بداية حياته وهو شاب حدث متحمس لكان أهون من سقوطه قرب نهاية حياته، وبعد عشرة مع الله استمرت عشرات السنوات، فإن كان الكتاب ذكر الأصعب وهو سقوط سليمان في شيخوخته ألا كان يذكر سقوطه في بداية حياته لو حدث ذلك فعلًا..؟!
لقد وضع علاء أبو بكر قاعدة باطلة فاسدة، وبنى عليها أبراجًا من الوهم متهمًا الله تبارك اسمه بأنه كان يشايع عبادة الأوثان، وما بُني على باطل فهو باطل، وما بُني على الفساد فهو فاسد، لذلك لسنا في حاجة للرد على الأستاذ علاء أبو بكر في كل التساؤلات التي طرحها بسخرية واضحة. فقط أريد أن أُذكّره بموقف واحد يؤمن به، وهو أنه من الثابت أن الكعبة كانت قبل الإسلام بيتًا للأوثان والأصنام، فكل قبيلة كانت تحرص على أن يكون الإله الذي تعبده له تواجد في الكعبة في صورة تمثال له، وفي السنة التي وُلِد فيها محمد والتي عُرفت بعام الفيل، هاجم أبرهة الشرمي المسيحي الموحّد بالله الكعبة بجنوده لكيما يزيلها من الوجود، وعندما استولى في البداية على مائتي من الأبل كانت ملكًا لعبد المطلب بن هشام جد الرسول، والتقى عبد المطلب بأبرهة وطالبه برد الأبل، تعجب أبرهة من جد الرسول الذي يهتم بالأبل أكثر من اهتمامه بالكعبة، فقال له: "أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتًا هو دينك ودين أبائك قد جئت لهدمه ألاَّ تكلمني فيه؟! قال له عبد المطلب إني أنا رب الأبل وأن للبيت ربًا سيمنعه"(3).. فعندما هاجم أبرهة الكعبة بيت الأصنام تُرى من دافع عنها؟! " ألم ترَ كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. ألم يجعل كيدهم في تضليل. وأرسل عليهم طيرًا أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل. فجعلهم كعصف مأكول" (سورة الفيل 1-5).. فهل الله يدافع عن بيت الأصنام ويرفع علم الوثنية، وينصر كفار قريش على قائد مسيحي موحّد بالله..؟! وأعيد لعلاء أبو بكر تساؤلاته: "إذا كان الرب يرضى عن عبادة الأوثان فلماذا حرَّمها على عباده؟ وألاَّ ترى أن هذه حجة يحتج بها الكفرة والمشركين على الرب يوم الحساب... ؟ تخيل ماذا سيكون رد الرب إذا سأله أحد عبيده واتهمه..؟"
2- تعامل الله مع الأنبياء بأنواع وطرق شتى، فقد كلَّم موسى من العليقة المشتعلة (خر 3: 4)، ثم بطريق مباشر حتى أنه قال لهارون ومريم: "إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ، فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لَهُ. فِي الْحُلْمِ أُكَلِّمُهُ. وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَلَيْسَ هكَذَا... فَمًا إِلَى فَمٍ وَعَيَانًا أَتَكَلَّمُ مَعَهُ" (عد 12: 6 - 8) وتكلَّم الله مع يعقوب في الحلم " وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ... وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: أَنا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ.." (تك 28: 12، 13) وفي موضع آخر طمئن الله يعقوب قبل نزوله إلى أرض مصر " فَكَلَّمَ اللهُ إِسْرَائِيلَ فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَقَالَ يَعْقُوبُ، يَعْقُوبُ. فَقَالَ هأَنَذَا" (تك 46: 2) وجدعون إطمئن قلبه عندما نزل إلى محلة المديانيين حسب وصية الرب له " فَإِذَا رَجُلٌ يُخَبِّرُ صَاحِبَهُ بِحُلْمٍ وَيَقُولُ: هُوَذَا قَدْ حَلُمْتُ حُلْمًا، وَإِذَا... فَأَجَابَ صَاحِبُهُ وَقَالَ: لَيْسَ ذلِكَ إِلأَّ سَيْفَ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ رَجُلِ إِسْرَائِيلَ" (قض 7: 13، 14) وكان دانيال رجل الرؤى والأحلام (دا 2: 19، 7: 1، 10: 8) وفي العهد الجديد تلقى يوسف النجار الأوامر الإلهيَّة من خلال الأحلام (مت 1: 20، 2: 12، 22) وتعامل الله مع بطرس الرسول عن طريق الرؤى (أع 10: 11 - 16) وكذلك بولس الرسول (أع 16: 9، 10، 18: 9، 22: 17، 18، 23: 11، 27: 22، 23).
3- لا بد أن سليمان قص هذا الحلم لأخصائه، فشاع الخبر، وقد حفظ لنا التقليد المقدَّس هذا الحلم حتى تم تسجيله في سفر الملوك عند كتابته، ولو لم يكن هذا الحلم حقيقة ما أجاز روح الله القدوس كتابته في هذا السفر المقدَّس " لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا" (رو 15: 4) فإن الله هو مصدر كل حكمة وتميّيز وعلم وغنى، وقد أوصانا الإنجيل أن من تعوزه الحكمة فليطلب من الله فتعطى له " إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ" (يع 1: 5).
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س 425 ص 304، 305.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 374.
(3) السيرة النبوية لابن هشام جـ 1 ص 36.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1243.html
تقصير الرابط:
tak.la/r72wnxf