يقول " ليوتاكسل": "والحقيقة أن أدونيا كان قد ودَّع حلم الجلوس على عرش داود، وأدرك منذ وقت أن حلمه قد انتهى، ولذلك فإن كل ما أراده من تركة داود، فتاة صغيرة جميلة جاؤوا بها في وقت ما لتدفأ عظام داود الهرم، ولم يكن حب أدونيا لتلك الفتاة يعني شيئًا بحد ذاته، بيد أنه تحوَّل إلى ذريعة لواحد من أول قرارات سليمان " الحكيمة": لقد أمر سليمان بقتل أدونيا على الرغم من أن هذا الأخير أدى آيات الولاء لأخيه وأذعن لإرادة أبيه الذي سلبه حقه في العرش"(1).
ج: 1- عقب مؤامرة أدونيا وفشل هذه المحاولة وتنصيب سليمان على عرش إسرائيل خاف أدونيا والتجأ إلى الهيكل متمسكًا بقرون المذبح، وعندما أخبروا سليمان: "فَقَالَ سُلَيْمَانُ: «إِنْ كَانَ ذَا فَضِيلَةٍ لاَ يَسْقُطُ مِنْ شَعْرِهِ إِلَى الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ وُجِدَ بِهِ شَرٌّ فَإِنَّهُ يَمُوتُ». فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ فَأَنْزَلُوهُ عَنِ الْمَذْبَحِ، فَأَتَى وَسَجَدَ لِلْمَلِكِ سُلَيْمَانَ. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: «اذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ»." (1مل 1: 52، 53) ومعنى قول سليمان " إِنْ كَانَ ذَا فَضِيلَةٍ " أي أن نواياه الآن حسنة، ولا يفكر في القيام بعمل مضاد ضد الملك والمملكة فليذهب إلى بيته، وما أجمل أن يبدأ سليمان حكمه بالعدل والحق ولم يفعل سليمان كما فعل أبيمالك بن جدعون الذي قتل أخوته السبعين في يوم واحد على حجر واحد (قض 9: 5) أما سليمان فلم يفكر في قتل أخيه بعد أن خضع له، ولم يفكر في مصادرة ممتلكاته وأمواله، ولم يُحدّد إقامته في بيته كما فعل مع شمعي بن جيرا، بل ترك له كامل حريته في مباشرة أعماله وتحركاته. وكان يجب على أدونيا بعد هذه الحادثة وبعد نجاته من الموت أن يحتاط لنفسه، ولكنه غامر وطلب أبيشج لنفسه إرضاء لشهوة النظر، بينما كانت شهوة قلبه نحو العرش، وكانت النتيجة طريق الموت.
ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس " عن طلبة أدونيا " أن الغرض الظاهري لطلبة أبيشج غرامه بجمالها الرائع (1مل 1: 4) غير أن غايته قد تؤول بتأويلات سياسية خطيرة... وربما كانت غاية أدونيا الحقيقية أن يتزوج أجمل سراري أبيه، وبذلك يكون وارثًا للملك وتكون هذه خطوة لمحاولة استرداد المُلك لنفسه... كانت هذه مأساة أليمة قتل فيها أخ أخاه، وسواء أكانت طلبة أدونيا مبنية على رغبته في الزواج من أبيشج لجمالها الفتَّان أو لطمعه في المُلك، فإن المأساة تذكرنا بأن عشق الجمال الجسدي قد يُعرّض الإنسان للأخطاء وللخطر، وكذلك محبة العالم وعدم القناعة والرضى قد تعرضانه أيضًا لأشر الأخطار الروحية والمادية"(2).
2- لم يطلب أدونيا شيئًا بسيطًا من تركة داود أبيه كقول الناقد، إنما طلب أبيشج الشونمية التي كانت في منزلة زوجة أو سُرّية أبيه، حتى وإن كان داود لم يعرفها، وهذا ما تحرمه الشريعة تمامًا، وهذه الحماقة ارتكبها من قبل أبشالوم عندما اضطجع مع سراري أبيه العشرة بحسب مشورة أخيتوفل " فَقَالَ أَخِيتُوفَلُ لأَبْشَالُومَ: «ادْخُلْ إِلَى سَرَارِيِّ أَبِيكَ اللَّوَاتِي تَرَكَهُنَّ لِحِفْظِ الْبَيْتِ، فَيَسْمَعَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ أَنَّكَ قَدْ صِرْتَ مَكْرُوهًا مِنْ أَبِيكَ، فَتَتَشَدَّدَ أَيْدِي جَمِيعِ الَّذِينَ مَعَكَ»." (2صم 16: 21).
3- لم يكن أدونيا أحق بالعرش لأن ليس دائمًا البكر هو الذي يحتفظ ببركة البكورية، فقد كان إسحق أصغر من إسماعيل، وهو الذي نال بركة البكورية وكذلك يعقوب، وهو أصغر من عيسو، وهكذا يهوذا، وهو أصغر من رأوبين، وصار سبط يهوذا سبط الملوك، ومنه تجسد السيد المسيح ملك الملوك ورب الأرباب، وقد أدرك أدونيا نفسه أن الرب هو الذي اختار سليمان، ولهذا قال لبثشبع: "فَقَالَ: «أَنْتِ تَعْلَمِينَ أَنَّ الْمُلْكَ كَانَ لِي، وَقَدْ جَعَلَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وُجُوهَهُمْ نَحْوِي لأَمْلِكَ، فَدَارَ الْمُلْكُ وَصَارَ لأَخِي لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ صَارَ لَهُ." (1مل 2: 15) وربما كان أدونيا يشيع في القصر أن المُلك كان له وكل الشعب يريده دون أن يذكر موقف الله، وذلك ليثير تعاطف الشعب معه.
4- زواج أدونيا من أبيشج يعني ضمنيًا حق أدونيا في العرش، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا يفتح باب الصراع بينه وبين أخيه سليمان الحدث السن، وربما لم تدرك بثشبع أبعاد الموقف، ولعلها سُرَّت بأن تكون واسطة خير بين هذين العروسين الجميلين، فقد شهد الكتاب لجمال كل منهما، ولعلها رأت أن تلبية سليمان طلب أدونيا يريح نفسية أدونيا، ويبعده عن الإحساس بالظلم والالتجاء للعنف والدسيسة، ويجعله خاضعًا لأخيه سليمان بنفس راضية، ولكن سليمان بحكمته أدرك أبعاد الموقف، وأن هذه محاولة أخرى للاستيلاء على العرش، فبعد أن قدم الإكرام اللائق لأمه إذ سجد أمامها وأجلسها على يمينه وأبدى استعداده التام لتلبية طلبتها، وإذ به يحتد " فَأَجَابَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ وَقَالَ لأُمِّهِ: «وَلِمَاذَا أَنْتِ تَسْأَلِينَ أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ لأَدُونِيَّا؟ فَاسْأَلِي لَهُ الْمُلْكَ لأَنَّهُ أَخِي الأَكْبَرُ مِنِّي! لَهُ وَلأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنِ وَلِيُوآبَ ابْنِ صَرُويَةَ»" (1مل 2: 22).
فبحسب التقاليد والأعراف أن الملك الجديد يستطيع أن يضم نساء وسراري الملك السابق له، ويقول " القمص تادرس يعقوب": "مع أن أبيشج كانت ممرضة لكنها في نظر الشعب كانت كإحدى السراري، وكان لدى الإسرائيليين كما لدى الفارسيين أن من يقتني نساء الملك الميت يكون كمن تولى عرشه (2صم 12: 8، 16: 21)"(3).
5- تساءل البعض: كيف يتراجع سليمان في وعده لأمه؟ فبعد أن قال لأمه: "اسألي يا أمي لأني لا أردكِ " وعندما أعلنت عن طلبها لابنها، والحقيقة أن سليمان بحكمته أدرك أبعاد الموقف وأوضح هذا لأمه، كما اهتم أولًا وأخيرًا بسلامة المملكة، ففضل التراجع عن وعده لأمه... لقد كان خير لهيرودس أن يتراجع في وعده لسالومي عن أن يذبح يوحنا المعمدان وهو متأكد من براءته. كما أن البعض قد تساءل: لماذا لم تشفع أم سليمان في أدونيا حتى يتراجع سليمان عن حكمه عليه بالقتل، وهناك احتمالان للرد على هذا التساؤل:
أ - ربما صُدِمَت بثشبع من هول الموقف، فلم يجول بخاطرها أن تتشفع من أجل أدونيا.
ب- ربما أحست بصرامة ابنها الذي رفض طلبتها، وتأكدت أنه لن يسمع لها، ولهذا لم تشفع في أدونيا.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 370.
(2) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الأول ص 31، 33.
(3) تفسير سفر الملوك الأول ص 80، 81.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1238.html
تقصير الرابط:
tak.la/2gqdg8m