يقول " ليوتاكسل": "لقد مات داود كما عاش، ندلًا خسيسًا قاتلًا وحسب. فقد أظهر غدرًا يثير الاشمئزاز لما أوصى بقتل قائد جيوشه يوآب، أكثر خَدَمهُ إخلاصًا على امتداد أربعين عامًا، أنه القائد الذي يدين له مسيح الرب بهذا التاج الذي أقام فوق رأسه تلك السنين كلها. كما حنث بقسمه وهو على فراش الموت بوقاحة لا مثيل لها عندما أوصى بقتل شمعي الذي تظاهر بأنه عفا عنه ليظهر بمظهر الملك الكبير القلب، ووعده بألاَّ يتعرض لحياته. قصارى القول أن داود بقى وغدًا فغادرًا حتى آخر نسمة في حياته، بيد أن الكنيسة تبرر سلوك داود... (ويدافع كالميت عن داود قائلًا): {الحقيقة أن داود أفاد من خدمات يوآب إفادة عظيمة، والصفح الذي منحه إياه طيلة تلك الفترة هي مكافأة على إخلاصه الثابت، لكن ذلك كله لم يعفِ داود من ضرورة معاقبة الجريمة ومحاكمة يوآب} غير أن هذا الأب ينسى على الأرجح أن جريمة يوآب الكبرى وقعت عندما أذعن لأمر داود وقتل أوريا الحثي بسيوف الخصم، ومع ذلك تبرئ الكنيسة ساحة داود وتدين يوآب...
ألا يُعد هذان الملكان (داود وسليمان) الأكثر قذارة بين أجداد يسوع..؟ حاولت كنيسة ابن مريم... بل دافعت عن جرائم داود كلها، وجعلت منه جدًا محترمًا مبجَّلًا، أنه ملك نموذجي يُحتذى به... فقد أعلنوه قديسًا بين القديسين، وهن يترنمون " بمزاميره " السطحية السخيفة في كنائسهم. علاوة على هذا كله، أعلنته الكنيسة تجسيدًا بشريًّا ليسوع، أي أنه الإله الابن، العضو الثاني في الثالوث المقدَّس.."(1).
ج: 1- ماذا فعل يوآب حتى أن داود الملك أوصى ابنه سليمان بقتله (1مل 2: 5، 6)؟
أ - قال داود لابنه سليمان: "وَأَنْتَ أَيْضًا تَعْلَمُ مَا فَعَلَ بِي يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ، مَا فَعَلَ لِرَئِيسَيْ جُيُوشِ إِسْرَائِيلَ: ابْنَيْرَ بْنِ نَيْرَ وَعَمَاسَا بْنِ يَثْرٍ، إِذْ قَتَلَهُمَا وَسَفَكَ دَمَ الْحَرْبِ فِي الصُّلْحِ، وَجَعَلَ دَمَ الْحَرْبِ فِي مِنْطَقَتِهِ الَّتِي عَلَى حَقَوَيْهِ وَفِي نَعْلَيْهِ اللَّتَيْنِ بِرِجْلَيْهِ. فَافْعَلْ حَسَبَ حِكْمَتِكَ وَلاَ تَدَعْ شَيْبَتَهُ تَنْحَدِرُ بِسَلاَمٍ إِلَى الْهَاوِيَةِ" (1مل 2: 5، 6). لقد جاء أبنير بن نير رئيس جيش إسرائيل ليصنع صلحًا مع داود ويرد له الأسباط الشمالية التي تألبت عليه، فانفرد به يوآب " مَالَ بِهِ يُوآبُ إِلَى وَسَطِ الْبَابِ لِيُكَلِّمَهُ سِرًّا، وَضَرَبَهُ هُنَاكَ فِي بَطْنِهِ فَمَاتَ" (2صم 3: 27) فقد اغتاله غدرًا، ولم يمنحه الفرصة للدفاع عن نفسه، وكانت حجته أن أبنير سبق وقتل أخيه عسائيل، بينما الحقيقة أن عسائيل هو الذي طلب نفس أبنير وسعى وراءه في الحرب التي نشبت بين جيش شاول وجيش داود، ووضع في نفسه أن يقتل أبنير، أما أبنير فكان أكرم منه وحذره لكيما يرجع عنه قائلًا: "مِلْ إِلَى يَمِينِكَ أَوْ إِلَى يَسَارِكَ وَاقْبِضْ عَلَى أَحَدِ الْغِلْمَانِ وَخُذْ لِنَفْسِكَ سَلَبَهُ... مِلْ مِنْ وَرَائِي. لِمَاذَا أَضْرِبُكَ إِلَى الأَرْضِ؟ فَكَيْفَ أَرْفَعُ وَجْهِي لَدَى يُوآبَ أَخِيكَ؟" (2صم 2: 21، 22) أما عسائيل فأبى أن يسمع لأبنير، فزج أبنير الرمح في بطنه فخرج الرمح من خلفه ومات... لقد اشترى أبنير خاطر يوآب ولم يشأ أن يقتل عسائيل، أما يوآب فقد اغتال أبنير بخسة ونذالة، فبكاه داود ورثاه، ولكنه لم يجرؤ على إقامة العدل قائلًا: "أَنَا الْيَوْمَ ضَعِيفٌ وَمَمْسُوحٌ مَلِكًا، وَهؤُلاَءِ الرِّجَالُ بَنُو صَرُويَةَ أَقْوَى مِنِّي. يُجَازِي الرَّبُّ فَاعِلَ الشَّرِّ كَشَرِّهِ" (2صم 3: 39).
ب - عندما خرج الجيش لمحاربة أبشالوم " أَوْصَى الْمَلِكُ يُوآبَ وَأَبِيشَايَ وَإِتَّايَ قَائِلًا: «تَرَفَّقُوا لِي بِالْفَتَى أَبْشَالُومَ»" (2صم 18: 5) وكانت هذه وصية ملكية يجب أن تطاع. أما يوآب فعندما علم أن أبشالوم تعلق من شعره بأشجار البطمة والبغل الذي يركبه مرَّ من تحته " فَأَخَذَ ثَلاَثَةَ سِهَامٍ بِيَدِهِ وَنَشَّبَهَا فِي قَلبِ أَبْشَالُومَ، وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ" (2صم 18: 14) فقتله وطرحه في الوعر وأقام عليه رجمة عظيمة من الحجارة، مما حطم قلب داود " فَانْزَعَجَ الْمَلِكُ وَصَعِدَ إِلَى عِلِّيَّةِ الْبَابِ وَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ وَهُوَ يَتَمَشَّى: «يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ، يَا ابْنِي، يَا ابْنِي أَبْشَالُومُ! يَا لَيْتَنِي مُتُّ عِوَضًا عَنْكَ! يَا أَبْشَالُومُ ابْنِي، يَا ابْنِي»." (2صم 18: 33) ولأن يوآب سفك دم أبشالوم الأقرب لقلب داود في وقت الحرب، فإن داود رغم حزنه وانزعاجه وغضبه إلاَّ أنه لم يحاسب يوآب على دم ابنه أبشالوم، إنما حاسبه على دم أبنير وعماسا اللذان سفك يوآب دمهما وقت الصلح والسلام.
ج - عندما ثار أبشالوم على أبيه داود " أَقَامَ أَبْشَالُومُ عَمَاسَا بَدَلَ يُوآبَ عَلَى الْجَيْشِ" (2صم 17: 25) وبعد موت أبشالوم أرسل داود إلى عماسا يطالبه بالرجوع، ووعده بتعيينه رئيسًا لجيشه عوض يوآب (2صم 19: 13) وعندما عاد عماسا، وقام شبع بن بكري الرجل اللئيم بتحريض بني إسرائيل للانفضاض عن داود، كلف داود عماسا أن يجمع رجال يهوذا لمحاربة شبع، والتقى يوآب الذي أكلته نيران الغيرة بمنافسه عماسا " فَقَالَ يُوآبُ لِعَمَاسَا: «أَسَالِمٌ أَنْتَ يَا أَخِي؟» وَأَمْسَكَتْ يَدُ يُوآبَ الْيُمْنَى بِلِحْيَةِ عَمَاسَا لِيُقَبِّلَهُ. وَأَمَّا عَمَاسَا فَلَمْ يَحْتَرِزْ مِنَ السَّيْفِ الَّذِي بِيَدِ يُوآبَ، فَضَرَبَهُ بِهِ فِي بَطْنِهِ فَدَلَقَ أَمْعَاءَهُ إِلَى الأَرْضِ وَلَمْ يُثَنِّ عَلَيْهِ، فَمَاتَ" (2صم 20: 9، 10) وصار عماسا يتمرَّغ في دمه على الطريق ثم ألقوه في الحقل ووضعوا عليه ثوبًا حتى لفظ أنفاسه، وهكذا اغتال يوآب عماسا غدرًا حتى لا يصير رئيسًا للجيش عوضًا عنه، واستحق يوآب عقوبة الموت للمرة الثانية وداود لم يفعل.
د - شارك يوآب في مؤامرة أدونيا لاغتصاب العرش لأدونيا بدون رغبة داود الملك الذي كان مازال حيًّا (1مل 1: 7، 19) وليس ببعيد أن يعيد يوآب المؤامرة ثانية ويغتال سليمان لصالح أدونيا أو لصالح نفسه ليصير ملكًا على إسرائيل، وهذا ما خشى منه داود.
هـ- قال داود لسليمان " وأنت أيضًا تعلم ما فعل بي يوآب".. يوآب الذي تصرف تصرفات طائشة بدون أوامر من ملكه وبدون إرادته، وأساء إلى من وثق فيهم داود، فكل هذا يعد إساءة لداود. ثم أن مملكة سليمان القائمة على البر والعدل والسلام لا تحتمل أن يوجد فيها مثل هؤلاء الأشرار.
ولذلك أوصى داود ابنه سليمان بعد أن استقر له المُلك أن يجري عدلًا وينتقم من هذا الإنسان القاتل، وتطبيق الشريعة التي نصت على أن " الْقَاتِلَ يُقْتَلُ" (عد 35: 16)، و" سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ" (تك 9: 6)، و" ولا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت بل أنه يُقتل... لا تدنسوا الأرض التي أنتم فيها لأن الدم يدنس الأرض. وعن الأرض لا يُكفَّر لأجل الدم الذي سُفك فيها إلاَّ بدم سافكه" (عد 32: 31، 33) فما لم يستطع داود أن يحققه في حياته من العدل طلب من ابنه سليمان أن يحققه بعد موته.
لقد خشى داود على شعبه بعد موته أن الله ينتقم من هذا الشعب بسبب سفك دماء بريئة، كما انتقم الرب من قبل من الشعب بمجاعة عظيمة بسبب سفك الملك شاول دماء الجبعونيين ظلمًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كما أن توصيات داود لابنه سليمان لم تتسم بروح الانتقام بل بروح العدالة، والدليل على ذلك أنه لم يوصي بتطبيق العدل فقط على من أخطأوا، بل أيضًا على من أصابوا، فقال لسليمان: "وَافْعَلْ مَعْرُوفًا لِبَنِي بَرْزِلاَّيِ الْجِلْعَادِيِّ فَيَكُونُوا بَيْنَ الآكِلِينَ عَلَى مَائِدَتِكَ.." (1مل 2: 7).
ويقول " القمص تادرس يعقوب": "استحق يوآب الموت مرتين بقتله القائدين العظيمين أبنير (2صم 3: 27) وعماسا (2صم 10: 10) حسدًا، بغدرٍ وخداعٍ. هذا الأمر لم يُحزن داود فحسب، وإنما تشكك البعض ظانين أن داود هو الذي قتل أبنير (2صم 3: 28، 37). لقد سُفك دمًا في وقت السلم، الأمر الذي ما كان يجب أن يحدث، فأنهما لم يكونا عدوين له يحاربانه... ففي المعارك يتقابل المحاربون من أجل سلامة دولتهم، فيسيل دم كل قتيل على جسده وثيابه، أما يوآب فقد تظاهر باحتضان أبنير وعماسا، وإذ هما في حضنه قتلهما، فسال الدم على منطقته ونزل إلى نعليه وكأن هذا الدم البريء قد التصق به.
لقد حسب داود قتل القائدين العظيمين خسارة كبيرة لحقت به هو شخصيًا، وكأن ما فعله يوآب بهما إنما فعله بداود نفسه، فما يلحق بمحبوبيه كأنه يلحق به، وما أصاب شعبه بفقدانه القائدين كأنما أصابه هو. إنه كملك ومسئول في أمة دخلت في عهد مع الله لا يليق به أن يترك جريمتين كهاتين دون معاقبة المجرم. لقد أجل العقاب إلى الوقت المناسب، بعد الانتهاء من الحروب في أيامه لتتحقق العدالة في أيام ابنه سليمان. معاقبة قائد حرب مثل يوآب تطلبت الحكمة واختيار الوقت المناسب حتى لا يحدث تذمر في الجيش الذي كان البعض، دون شك، معجبين بالقائد"(2).
2- ماذا فعل شمعي بن جيرا، حتى يوصي داود ابنه سليمان بقتله (1مل 2: 8، 9)؟
أ - عندما كان داود هاربًا من وجه أبشالوم " كَانَ يَصْعَدُ بَاكِيًا وَرَأْسُهُ مُغَطَّى وَيَمْشِي حَافِيًا، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِينَ مَعَهُ غَطَّوْا كُلُّ وَاحِدٍ رَأْسَهُ، وَكَانُوا يَصْعَدُونَ وَهُمْ يَبْكُونَ" (2صم 15: 30).. " وَكَانَتْ جَمِيعُ الأَرْضِ تَبْكِي بِصَوْتٍ عَظِيمٍ" (2صم 15: 23) فخرج شمعي بن جيرا وأخذ يسبَّ الملك ويرشقهم بالحجارة وهو يصرخ: "اخْرُجِ! اخْرُجْ يَا رَجُلَ الدِّمَاءِ وَرَجُلَ بَلِيَّعَالَ!" (2صم 16: 7) فأراد أبيشاي أن يقتله فمنعه داود.
ب - في عودة داود إلى عرشه بعد قتل ابنه أبشالوم الذي ثار عليه، خرج شمعي بن جيرا ومعه ألف رجل مُقدّمًا اعتذاره لداود، ليس عن اقتناع ولكن عن خوف، وأراد أبيشاي أيضًا أن يقتله، "فَقَالَ دَاوُدُ: «مَا لِي وَلَكُمْ يَا بَنِي صَرُويَةَ حَتَّى تَكُونُوا لِيَ الْيَوْمَ مُقَاوِمِينَ؟ آلْيَوْمَ يُقْتَلُ أَحَدٌ فِي إِسْرَائِيلَ؟" (2صم 19: 22) أي أن شمعي فعلًا يستحق القتل، ولكن ليس اليوم... يستحق القتل لأنه أخطأ في شخص داود، كما أخطأ في مركز ملك إسرائيل، وقد صفح داود وغفر عن الإساءة الموجهة إليه شخصيًا، ولكن ليس لداود التهاون في من يمس كرامة ملك إسرائيل، ولهذا أوصى داود ابنه سليمان قائلًا: "وَهُوَذَا مَعَكَ شِمْعِي بْنُ جِيرَا الْبَنْيَامِينِيُّ مِنْ بَحُورِيمَ، وَهُوَ لَعَنَنِي لَعْنَةً شَدِيدَةً يَوْمَ انْطَلَقْتُ إِلَى مَحَنَايِمَ، وَقَدْ نَزَلَ لِلِقَائِي إِلَى الأُرْدُنِّ، فَحَلَفْتُ لَهُ بِالرَّبِّ قَائِلًا: إِنِّي لاَ أُمِيتُكَ بِالسَّيْفِ. وَالآنَ فَلاَ تُبَرِّرْهُ لأَنَّكَ أَنْتَ رَجُلٌ حَكِيمٌ، فَاعْلَمْ مَا تَفْعَلُ بِهِ وَأَحْدِرْ شَيْبَتَهُ بِالدَّمِ إِلَى الْهَاوِيَةِ" (1مل 2: 8، 9) وظل داود الملك ملتزمًا بحلفه طالما كان على قيد الحياة، وفعلًا برَّ داود بحلفه، وطالما كان على قيد الحياة لم يجرؤ أحد على قتل شمعي، أما بعد موته فقد صار في حلّ من حلفه، وقد تحولت القضية برمتها إلى الملك سليمان ليحكم فيها حسب حكمته، فبالرغم من أن داود عفا عن شمعي لكن لم يحسبه بريئًا، بل هو مذنب من وجهة نظره يستحق العقوبة.
ج - أعطى سليمان بحكمته فرصة جديدة لشمعي لينجو من حكم الموت، فقط حدد إقامته في بيته بأورشليم وحذره قائلًا: "فَيَوْمَ تَخْرُجُ وَتَعْبُرُ وَادِيَ قَدْرُونَ، اعْلَمَنَّ بِأَنَّكَ مَوْتًا تَمُوتُ، وَيَكُونُ دَمُكَ عَلَى رَأْسِكَ. فَقَالَ شِمْعِي لِلْمَلِكِ: «حَسَنٌ الأَمْرُ. كَمَا تَكَلَّمَ سَيِّدِي الْمَلِكُ كَذلِكَ يَصْنَعُ عَبْدُكَ». فَأَقَامَ شِمْعِي فِي أُورُشَلِيمَ أَيَّامًا كَثِيرَةً." (1مل 2: 37، 38) وحافظ شمعي على وعده ثلاث سنوات، وبعد ثلاث سنوات هرب عبدان من عبيد شمعي، وإذ سمع أنهما في " جت " استباح العهد الذي قطعه على نفسه وأسرع وأحضر عبديه وعاد إلى أورشليم، وبهذا استحق الموت عن جدارة.
ويقول " القمص تادرس يعقوب": "وعندما عاد داود إلى أورشليم سقط شمعي عند قدميه ووعده الملك بأنه لن يقتله، إذ لم يرد أن يمزج فرح الشعب بعودته إلى عرشه بممارسة أية عقوبة (2صم 19: 19 - 24). لقد غفر له فيما يخصه شخصيًّا كداود، أما كونه قد أخطأ في حق مسيح الرب والملك ممثل الله، فليس من حق داود التهاون في هذا الحق. لقد جاءت وصية داود الملك لابنه: "لا تبرّره " بمعنى ألا تعاقبه عن رغبة شخصية من الانتقام لي ولك، وإنما تحكم عليه كقاضٍ عادلٍ لا يبرر المذنب. لقد أكد داود اتساع قلبه بالحب لمقاوميه، فلم يمس شمعي بأذى كل أيام حياته، وأكد أيضًا خطورة التسيب في معاقبة المجرمين لذا طلب من ابنه ممارسة الحق الإلهي.
بقوله " لا تبرّره " يعني لا تحسبه بارًا لأني حلفت له أني لا أقتله بالسيف، بكونك حكيمًا تصرَّف معه لأنه يمثل خطورة على المملكة، فهو رجل مخادع وليس بريئًا، أنه قد يستغل حداثة سنك فيخطط ضدك"(3).
ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس": "يعترض الكثيرون على توصية داود بشأن شمعي ويظنون أنه حنث بقسمه، ونرى:
(أ) أن داود وفي بوعده وبقسمه طول حياته.
(ب) وإن كان يوصي سليمان بالحذر من شمعي وقتله فكما ذكرنا خوفًا من أن يقوم بحركة مضادة لسليمان وفيها خطورة على سلامة الشعب.
(ج) وحتى إن أعتبر البعض داود مخطئًا، فالكتاب لنزاهته يروي الوقائع كما حدثت حتى إن ذكر بها الأخطاء للصديقين، هذا بالإضافة إلى أن داود مجرد إنسان له فضائله وله أخطاؤه، وليس كاملًا إلاَّ الرب يسوع حمل الله الذي بلا عيب"(4).
3- ردًا على " ليوتاكسل " نقول: عندما أجل داود الانتقام من يوآب وشمعي للوقت المناسب، كان ذلك من قبيل الحكمة، لأن الحكم على يوآب قائد الجيش الناجح قد يؤدي إلى ثورة داخل الجيش، وداود وسليمان نبيان والجميع يقرون هذا يهود ومسيحيين ومسلمين، فمن يقول أنهما أكثر قذارة بين أجداد المسيح سواء كان يهوديًا أو مسيحيًا أو مسلمًا فأنه يضاد عقيدته، ونحن نعترف أن داود النبي وسليمان الملك كليهما من البشر لهما فضائلهما ولهما ضعفاتهما، والإنسان العفُّ اللسان لا ينبغي أن يتفوه بكلمات بذيئة على هؤلاء العظماء في التاريخ الإنساني. أما القول بأن داود كان تجسيدًا بشريًا ليسوع وأنه كان الإله الابن، فهذه مغالطات لاهوتية، لأنه لا يوجد إنسان على سطح الأرض مهما كانت ديانته يقول بمثل هذا، ونحن المسيحيين نؤمن بتجسد واحد وهو تجسد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.
_____
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 368، 369.
(2) تفسير سفر الملوك الأول ص 76، 77.
(3) تفسير سفر الملوك الأول ص 78.
(4) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر الملوك الأول ص 27.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1237.html
تقصير الرابط:
tak.la/w8y6vf2