يقول " علاء أبو بكر": "نبي الله ناثان ينصب على أبيه داود ويتآمر مع أم نبي الله سليمان لسرقة النبوءة لصالح سليمان بعد موته مستغلين بذلك كبر سن داود وضعف ذاكرته! فأين الأمانة؟ بل أين البر بالوالدين؟ وأين القدرة؟ وكيف سرقوا الوحي من الله؟ كيف أجبروا الله على تقبل سليمان نبيًا؟ بل كيف وافقهم الله على هذا الخداع وبارك لهم فيه..؟ هنا نجد عدة أمور تبين لك كيف كان الوحي في خيال بني إٍسرائيل، وكيف تُصنع كتبهم وأنبياؤهم؟:
النبي ناثان نصَّاب لتحقيق مصلحة شخصية... ولا تنسَ أن ناثان وسليمان من أجداد الرب يسوع!!..
بعد أن عيَّن داود أدونيا ملكًا (نبيًا) على بني إٍسرائيل سحب النبوءة منه هكذا دون الرجوع لله، بل لنزوة عنده، وأعطاها لسليمان. وهذا التصرف كفيل بوقوع مقتلة وفتنة عظيمة بين الطائفتين وأنصارهما.
إن كبار الكهنة كانوا فريقين أحدهما مع أدونيا والآخر مؤيد لسليمان. ولا يمكن أن يكون الرب عمل هذه الفتنة وجعل هؤلاء يتكلمون باسمه لصالح أدونيا، وأوحى إلى الآخرين أن يدافعوا عن سليمان. وبذلك ترى أن المتحدثين باسم الرب كانوا يتصرفون ويتكلمون بما لم يوحى به الرب، ويفعلون ما يفيد مصالحهم الشخصية...
إن داود هو الذي أمر بمسح سليمان نبيًا وليس الرب، لكن المتابع لباقي قصة سليمان، يجد أن الرب قبل هذا الوضع الذي فُرِض عليه، وأوحى إلى سليمان، بل تراءى له مرتين (1مل 11: 9)..
ورد في سفر أخبار الأيام الأول (الإصحاح الثاني والعشرين) أن الرب قد أعلن لداود أن ابنه سليمان سيخلفه على العرش، فهذا إذًا أمر إلهي، ومع هذا الأمر الإلهي لا داعي لهذه المسرحية...
أمجنون هو الذي كتب هذا الكلام؟ ألا يدرك أن أمر الله نافذ ولو كره أنبياؤه وجميع خلقه؟ ماذا يريد كتبة التوراة من تشويه صورة الأنبياء جميعًا؟ هل يريدون أن يرشدوا الناس إلى الإلحاد؟ أم إلى فقدان الثقة بالله؟ أم إلى التطاول على الذات الإلهيَّة وعصيان الله كما فعل أنبياؤه من قبل (تبعًا لقول كتابهم)..؟
ولو فعل أدونيا هذا الاحتفال بتنصيبه غصبًا عن داود دون إذن أو موافقة صريحة منه، لدلَّ هذا على ضعف شخصية النبي...
ولو فعل أدونيا هذه الحركة مكرًا وخداعًا ليتولى الحكم عقبًا عن داود، فهل رضى الرب ليس له دورًا في تنصيب الأنبياء؟"(1).
ج: 1- كان أدونيا الابن الرابع لداود " وَالرَّابعُ أَدُونِيَّا ابْنَ حَجِّيثَ" (2صم 3: 4) وبعد موت أمنون الابن البكر، وكيلاب الابن الثاني، وأبشالوم الابن الثالث، أصبح أدونيا هو أكبر أبناء داود الأحياء، وبهذا حسب نفسه أنه الأحق بالعرش، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. دون أي اعتبار لإرادة الله، أو لرغبة داود، ولم ينتظر حتى موت أبيه، بل تكبَّر و" تَرَفَّعَ قَائِلًا: «أَنَا أَمْلِكُ». وَعَدَّ لِنَفْسِهِ عَجَلاَتٍ وَفُرْسَانًا وَخَمْسِينَ رَجُلًا يَجْرُونَ أَمَامَهُ" (1مل 1: 5).. لقد سلك مسلكًا شبيهًا للمسلك الذي سلكه من قبل أبشالوم الذي أنقلب على أبيه وانتهت حياته بالقتل، والأمر العجيب أن داود لم يعاقب أدونيا على تصرفه هذا ولم يتصدى له ولم يعاتبه، ربما بسبب شيخوخته وضعف إرادته، وربما بسبب جمال أدونيا الجسدي إذ كان جميل الصورة جدًا.
ويقول "القمص تادرس يعقوب" عن أدونيا أنه " اتكل على ذراع بشري وتخطيط بشري، إذ جذب إليه رئيس الجيش يوآب والكاهن أبياثار، ليكونا له سندًا عسكريًا ودينيًّا، متجاهلًا الإرادة الإلهيَّة والعون السماوي، مما يجدر ملاحظته أن الذين أخذوا موقفًا مساندًا لأدونيا لم يكن ذلك إيمانًا منهم بأنه صاحب الحق في استلام العرش كابن بكر، ولا دفاعًا عن مبدأ في حياتهم وإنما لمصالح شخصية ومنافع"(2).
2- لم يتآمر ناثان النبي مع بثشبع لاغتصاب العرش لابنها سليمان، ولكن كل ما فعله ناثان هو رد الحق إلى نصابه، لأن الذي أراد اغتصاب العرش في حياة أبيه هو أدونيا، وهو يعلم رغبة أبيه في تنصيب سليمان خلفًا له، أما ناثان رجل الإيمان فكان جلَّ اهتمامه هو إحقاق الحق، فيوناثان النبي هو الذي أخبر داود بمشيئة الله أن يبني له سليمان ابنه بيتًا (2صم 7: 1 - 17)، وناثان النبي هو الذي واجه داود بخطيته مع زوجة أوريا الحثي (2صم 12: 1 - 14)، وناثان النبي هو الذي وقف بجوار داود عندما ثار ابنه أبشالوم عليه (2صم 17: 17-21)، وناثان النبي هو الذي عاون داود في تنظيم فرق المغنيين من اللاويين (2أي 29: 25).
ويقول " القمص تادرس يعقوب " أن " ناثان النبي: كان مرافقًا للملك (2صم 7: 2) ربما كان عمله هو الكشف عن الإرادة الإلهيَّة للملك لكي لا يعمل حسب فكره البشري بل حسب إرادة الله، فيرى الملك في نفسه أنه ليس إلاَّ وكيلًا للملك الحقيقي، الله نفسه. حينما أخطأ داود مع بثشبع قام ناثان بتبكيته، وإذ أعلن الملك توبته سمع من النبي: "الرب نقل عنك خطيتك" (2صم 12) كان له تقديره الخاص لدى داود الملك، وله علاقة حميمة بالعائلة المالكة (2صم 12: 25)..
كان ناثان النبي الرجل المتحدث باسم الله لدى داود الملك، خاصة الأمور التي تخص خلاص نفسه وخلاص شعبه، مثل الوعد الإلهي لداود بدوام أسرته الملوكية (2صم 7).. وهنا يتدخل في إقامة سليمان ملكًا، مع كون داود نبيًا وملكًا وله خبراته المباشرة مع الله إلاَّ أنه كان بروح التواضع يتقبل كلمات الرب على لسان ناثان النبي بجديَّة.
تدخل ناثان في الأمر من واقع شعوره بالالتزام بتحقيق إرادة الله. لقد سبق فأعلن عن إقامة سليمان ملكًا، فأراد مساعدة داود على تحقيق القسم الذي حلف به لبثشبع، وتعاطف مع بثشبع التي وُضعت في موقف مؤلم... وقُتِل أوريا الحثي زوجها، فكان لا بُد من تعويضها، وأيضًا لإنقاذ حياتها وحياة سليمان ابنها من يد أدونيا الذي ما كان يمكنه أن يبقيهما حيين حتى يضمن بقاءه على العرش"(3).
3- لم يغتصب سليمان العرش، إنما كان هناك وعدًا إلهيًّا بأنه سيبني الهيكل، ومن يبني الهيكل إلاَّ ملك إسرائيل..؟ عندما أراد داود أن يبني بيتًا للرب كان جواب الرب: "قَائِلًا: قَدْ سَفَكْتَ دَمًا كَثِيرًا وَعَمِلْتَ حُرُوبًا عَظِيمَةً، فَلاَ تَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي لأَنَّكَ سَفَكْتَ دِمَاءً كَثِيرَةً عَلَى الأَرْضِ أَمَامِي. 9هُوَذَا يُولَدُ لَكَ ابْنٌ يَكُونُ صَاحِبَ رَاحَةٍ، وَأُرِيحُهُ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ حَوَالَيْهِ، لأَنَّ اسْمَهُ يَكُونُ سُلَيْمَانَ. فَأَجْعَلُ سَلاَمًا وَسَكِينَةً فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِهِ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا، وَأَنَا لَهُ أَبًا وَأُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مُلْكِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ إِلَى الأَبَدِ" (1أي 22: 8 - 10).
4- ما وجهه علاء أبو بكر من نقد في الحقيقة مملوء بالمغالطات، وهذا يدعونا دائمًا لليقظة وفحص وتمحيص أقوال النُقَّاد، ولا نأخذ أقوالهم كأمور مُسلَّم بها، ومن أمثلة المغالطات التي جاءت في قول علاء أبو بكر ما يلي:
أ - يدَّعي الناقد أن يوناثان ابن داود الملك، فيقول: "ناثان ينصب على أبيه داود... أين البر بالوالدين؟ " وبهذا خلط الناقد بين شخصين، أولهما " ناثان بن داود " من بثشبع " وَهؤُلاَءِ وُلِدُوا لَهُ فِي أُورُشَلِيمَ: شِمْعَى وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ. أَرْبَعَةٌ مِنْ بَثْشُوعَ بِنْتِ عَمِّيئِيلَ" (1أي 3: 5)، وثانيهما هو ناثان النبي الذي كان يعلن دائمًا المشيئة الإلهيَّة للملك داود، وناثان النبي لم يكن ابنًا لداود لا بحسب الجسد ولا بحسب الروح.
ب - يقول الناقد: "ناثان ينصب على أبيه داود مع بثشبع... النبي ناثان نصاب لتحقيق مصلحة شخصية " وكما رأينا من قبل أن ناثان النبي لم يكن نصابًا قط ولم يكن لديه أي مصلحة شخصية يسعى لتحقيقها، إنما كان يعبر عن صوت الحق.
ج - يقول الناقد أن ناثان تآمر مع بثشبع " لسرقة النبوءة " كما يقول: "كيف سرقوا الوحي من الله..؟ بعد أن عيَّن داود أدونيا ملكًا (نبيًا) سحب النبوءة منه... إن داود هو الذي أمر بمسح سليمان نبيًا وليس الله".. والحقيقة أن الصراع كان على عرش الملك، ولم يكن على النبوءة قط، ولم يسعى أدونيا قط أن يكون نبيًا لأنه يعلم تمامًا أن الذي يختار شخصًا للنبوءة، ليس إنسانًا ولا أي كائن آخر، إنما الله وحده هو الذي يختار النبي، ويضع على فمه كلام النبوءة، ومن يخلط بين الملك والنبي فهو يقلب الموازين ويخلط الأوراق... الملك قد يأتي بإرادة الله إذا كان ملكًا تقيًا صالحًا، وقد يأتي بسماح من الله إذا كان ملكًا شريرًا، وكان هناك تكالب على كرسي المُلك في المملكة الشمالية، فكم من ملك منهم تم اغتياله؟! أما في المملكة الجنوبية فكان المُلك بالوراثة، وكان قاصرًا على نسل داود. أما النبي فهو اختيار إلهي صرف ليس لأحد يد في هذا الاختيار، فالله هو فاحص القلوب والكُلى وهو الذي يختار أنبيائه، وهو الذي يُوحي لهم بروحه القدوس، وإن كان الوحي من الله فمن يستطيع أن يسرق الوحي من الله؟!.
د - يقول الناقد: "كيف أجبروا الله على تقبل سليمان نبيًا... كيف وافقهم الله على هذا الخداع وبارك لهم فيه؟".. ومن يستطيع من البشر أن يجبر الله الكُلي القدرة على تقبل وضعًا لا يرضاه..؟! لقد كان سليمان هو المعيَّن من الله ليخلف أباه على كرسي الملك، ويبني بيتًا للرب، وقد أقرَّ الناقد بهذا عندما قال: "أن الرب قد أعلن لداود أن ابنه سليمان سيخلفه على العرش، فهذا أمر الرب ومع هذا الأمر الإلهي لا داعي لهذه المسرحية".
هـ- قال الناقد: "أن ناثان وسليمان من أجداد الرب يسوع " وهو يقصد ناثان النبي، وهذا مخالف للحقيقة، لأن يوسف خطيب العذراء والذي كان يعد أمام الجميع بمثابة أب للسيد المسيح، بحسب ما جاء في إنجيل متى هو من نسل سليمان " وَدَاوُدُ الْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ الَّتِي لأُورِيَّا" (مت 1: 6) وبحسب ما جاء في لوقا الإنجيلي فإن يوسف هو من نسل " نَاثَانَ بْنِ دَاوُدَ" (لو 3: 31) ولم يأتي السيد المسيح من نسل ناثان النبي.
و - قال الناقد: "لو فعل أدونيا هذا الاحتفال بتنصيبه غصبًا عن داود دون إذن أو موافقة صريحة منه، لدلَّ هذا على ضعف شخصية النبي. ولو فعل أدونيا هذه الحركة مكرًا وخداعًا ليتولى الحكم عقبا عن داود؟ فهل رضى الرب ليس له دورًا في تنصيب الأنبياء".. والحقيقة أنه رغم قوة شخصية داود إلاَّ أنه كان ضعيفًا تجاه أولاده، فلم يعاقب أمنون عندما زنا بثامار أخته، وأشفق على أبشالوم الذي ثار ضده، وأيضًا تغاضى عن صد أدونيا ورغبته الجامحة تجاه كرسي الحكم (1مل 1: 6) وقد استغل أدونيا حالة الضعف هذه التي آل إليها داود إذ كان ملازمًا للفراش مسلوب الإرادة، فإن كان الناقد يريد أن يقول أن تصرف أدونيا هذا كان غصبًا عن داود وبدون أذنه وموافقته، وهذا دليل على ضعف شخصية داود فنحن نوافقه على هذا، وإن كان الناقد يريد أن يقول أن أدونيا فعل هذا مكرًا وخداعًا ليتولى الحكم عقبًا عن داود، فنحن أيضًا نوافقه على هذا. أما تساؤل الناقد: "هل رضى الرب ليس له دورًا في تنصيب الأنبياء؟".. نقول أن هذا يعد خلطًا للأوراق لأن الموضوع خاص بالملك وليس بالنبوءة، وكان أدونيا يجمح نحو كرسي المُلك وليس نحو النبوءة.
_____
(1) البهريز جـ 1 س 419 ص 298 - 301.
(2) تفسير سفر الملوك الأول ص 54.
(3) تفسير سفر الملوك الأول ص 56 - 59.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1235.html
تقصير الرابط:
tak.la/25s6vs7