يقول " أحمد ديدات": "داود عليه السلام وقد بلغ أرذل العمر يضاجع فتاة صغيرة في فراشه {وَشَاخَ الْمَلِكُ دَاوُدُ. تَقَدَّمَ فِي الأَيَّامِ. وَكَانُوا يُدَثِّرُونَهُ بِالثِّيَابِ فَلَمْ يَدْفَأْ. فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «لِيُفَتِّشُوا لِسَيِّدِنَا الْمَلِكِ عَلَى فَتَاةٍ عَذْرَاءَ، فَلْتَقِفْ أَمَامَ الْمَلِكِ وَلْتَكُنْ لَهُ حَاضِنَةً وَلْتَضْطَجعْ فِي حِضْنِكَ فَيَدْفَأَ سَيِّدُنَا الْمَلِكُ». فَفَتَّشُوا عَلَى فَتَاةٍ جَمِيلَةٍ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَوَجَدُوا أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ، فَجَاءُوا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ} (1مل 1: 1 - 3)"(1).
كما يقول " علاء أبو بكر": "فهل تؤمن حقًا أن الرب أوحى أن تنام فتاة عذراء في حضن داود؟ هل تقبل ذلك على أختك؟ هل ترضى ذلك لابنتك؟ ماذا سيكون رد فعلك لو قال لك شخص ما أعطني أختك لتنام في حضني كما أمر الرب، وأقسم لك إنه لن يعبث بها؟ أعتقد أنك سوف تسبه هو وربه الذي أمر بذلك... وأين محافظة الرب على العفة والفضيلة بين عباده؟ بل ما ذنب هذه الفتاة التي وافق الرب على تلويث سمعتها، ونشر قصتها في كتابه؟ وهل يدعو الرب أن تكون هذه القصة قدوة للشيوخ فينامون في أحضان العذارى... وحتى لو لم يحدث ذلك من الرب، فأين إدانة الرب لمثل هذا العمل في الكتاب المقدَّس..؟ وإذا كان هؤلاء هم الأنبياء القدوة، فماذا سيكون آباؤكم وأجدادكم وقساوستكم وأساقفتكم ورجال الدين عندكم..؟ وأراد الكاتب أن يُظهر تقوى الملك وورعه فأضاف أنه لم يعرفها أي لم يزن بها! يا له من نبي ورع! فهل رأيتم رجالًا أكثر من ذلك تقوى؟!"(2).
ج: 1- لم يبلغ داود من العمر أرذله، فقط كان عمره سبعون عامًا (2صم 5: 4) ولكن بسبب الحياة الشاقة التي عاشها في الجبال هربًا من شاول، وبسبب الحروب العديدة التي خاضها، والأحزان التي لحقته من جراء خطيته مع بثشبع فقد شاخ سريعًا " وَشَاخَ الْمَلِكُ دَاوُدُ. تَقَدَّمَ فِي الأَيَّامِ. وَكَانُوا يُدَثِّرُونَهُ بِالثِّيَابِ فَلَمْ يَدْفَأْ. فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «لِيُفَتِّشُوا لِسَيِّدِنَا الْمَلِكِ عَلَى فَتَاةٍ عَذْرَاءَ، فَلْتَقِفْ أَمَامَ الْمَلِكِ وَلْتَكُنْ لَهُ حَاضِنَةً وَلْتَضْطَجعْ فِي حِضْنِكَ فَيَدْفَأَ سَيِّدُنَا الْمَلِكُ». فَفَتَّشُوا عَلَى فَتَاةٍ جَمِيلَةٍ فِي جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَوَجَدُوا أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ، فَجَاءُوا بِهَا إِلَى الْمَلِكِ. وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةً جِدًّا، فَكَانَتْ حَاضِنَةَ الْمَلِكِ. وَكَانَتْ تَخْدِمُهُ، وَلكِنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَعْرِفْهَا." (1مل 1: 4) وهذا يذكرنا بقول الوحي الإلهي على فم حجي النبي " تكتسون ولا تدفأون" (حج 1: 6) هكذا حدث مع داود وهو في السبعين من عمره.
شاخ داود وهو في السبعين من عمره في الوقت الذي عاش فيه البعض عمر أطول وكانوا يتمتعون بصحة جيدة " وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ" (تث 34: 7) وكالب بن يفنة وهو في سنة الخامسة والثمانين كان له نفس القدرة التي تمتع بها في سن الأربعين (يش 14: 7) فقال " فَهَا أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً. 11فَلَمْ أَزَلِ الْيَوْمَ مُتَشَدِّدًا كَمَا فِي يَوْمَ أَرْسَلَنِي مُوسَى. كَمَا كَانَتْ قُوَّتِي حِينَئِذٍ، هكَذَا قُوَّتِي الآنَ لِلْحَرْبِ وَلِلْخُرُوجِ وَلِلدُّخُولِ" (يش 14: 10، 11) ومازلنا لليوم نرى من يبلغ الثمانين من عمره ولم يفقد نشاطه وحيويته.
2- ما حدث مع داود كان أمرًا مُتعارف عليه في ذلك الزمان، ولذلك لم يتم الموضوع سرًّا بل في العلن، فظلوا يفتشون عن فتاة جميلة مملوءة بالحيوية في جميع تخوم إسرائيل، فلم يجدوا في أورشليم ولا حولها، إنما أتوا بأبيشج من شونم، ولو كان هذا التصرف شاذًا في زمانه لتمَّموه في الخفاء سرًّا... جاء في حاشية " الكتاب المقدَّس الدراسي": "أشار كل من المؤرخ اليهودي يوسيفوس (القرن الأول الميلادي) والطبيب اليوناني جالن Galen (القرن الثاني الميلادي) إلى العادة الطبية القديمة التي كانت تقضي باستخدام جسد شخص صحيح لتدفئة شخص مريض"(3). أن الكتاب المقدَّس ذكر خطايا الأنبياء بكل أمانة وصدق لكيما نتعلم منها ولا نسقط فيها، ولو كان تصرف داود هذا خاطئًا لأشار الكتاب لهذا بكل صراحة وجرأة.
3- عندما قال الكتاب " فقال له عبيده " لم يقصد بطانة الملك الفاسدة والتي تعرف فساده، إنما المقصود بعبيد الملك هم مشيروه وعظماء شعبه، كما قال ملك آرام عن نعمان السرياني وهو رئيس الجيش " نعمان عبدي" (2مل 5: 6) ومن الطبيعي أن رجل مثل داود ذو القامة الروحية العالية، الذي كان مداومًا على التسابيح والصلوات والأصوام، رغم كثرة مشغولياته، وبشهادة الجميع يهود ومسيحيين ومسلمين، لا بُد أن مشيروه هم أناس أتقياء.
4- قد يتساءل البعض ما الداعي أن الكتاب المقدَّس يذكر مثل هذه القصة؟ وهل ذكرها ليشجع على الفساد..؟ الحقيقة أن الكتاب المقدَّس ذكر هذه القصة ليوضح الخطية التي سقط فيها أدونيا فيما بعد، إذ أراد أن يتزوج بهذه الفتاة بعد موت أبيه، لكيما يثبت أحقيته في عرش داود، كعادة ذلك الزمان، حيث كان الملك المنتصر يضم إليه نساء الملك المنهزم كعلامة على أنهن دخلن تحت حمايته وسطوته وسلطته، حتى وإن كان الوضع مختلف هنا لأن داود لم يكن منهزمًا وأدونيا لم يكن منتصرًا، إلاَّ أن أدونيا غالبًا فكَّر هكذا، وأمام عينيه أخيه أبشالوم الذي اضطجع مع سراري أبيه أمام أعين بني إسرائيل، وهكذا أدرك سليمان الحكيم بحكمته قصد أدونيا (1مل 2: 22).
5- تساؤلات علاء أبو بكر العديدة لا محل لها من الإعراب... لماذا..؟ لأنه أسقط من حساباته تمامًا عنصر الزمن، فما كان مقبولًا منذ نحو ثلاثة آلاف عامًا لم يعد مقبولًا الآن، بل أن ما كان يمارس منذ نحو 1600 عام في الفتوحات الإسلامية، واغتناء فقراء المسلمين من غنائم وأسلاب وكنوز الملوك والأمراء بعد أن انتصروا عليهم، وكم فرحوا بهذه الغنائم واستحلُّوها واعتبروا أن هذا فتح من الله!! كل هذا لم يعد الآن مقبولًا، والدليل على ذلك أن صدام حسين عندما ابتلع دولة الكويت بين عشية وضحاها لم يصمت العالم، بل تصدى له وحاربه وأجبره على إعادة دولة الكويت للكويتيين كدولة مستقلة، فهل ما كان يستحلَّه المسلمون الأوائل من غنائم ويشعرون أن الله قد منَّ بها عليهم يستطيع علاء أبو بكر أن يستحلَّه الآن..؟! وحتى لو استحلَّه فهل يصمت العالم الحر على هذا..؟!! وهل علاء أبو بكر يستطيع أن يقرَّ " جهاد المناكحة " حيث تقدم النسوة المطلقات والبنات أنفسهن للمجاهدين في سبيل الله، فيقمن معهن علاقات زوجية وهن لسن بزوجاتهم..؟! وهل يعترف علاء أبو بكر بأن جهاد المناكحة هو أفضل أنواع الجهاد للنساء..؟! وما الفرق بين " جهاد المناكحة " والزنا المقنَّع..؟!
من المؤسف أن الصحفية المصرية "آية حسن" عندما ذهبت إلى اعتصام الأخوة المسلمين برابعة العدوية يوم الجمعة 9 أغسطس 2013 م. قبض عليها الأخوان وتعدوا عليها بالضرب، وتم تهديدها بتسليمها للرجال بقصد جهاد المناكحة، وقد تناولت هذا الحدث عدة برامج تليفزيونية. وفي حوار للسيدة "صباح السقاري" القيادية بحزب الحرية والعدالة مع جريدة " أخبار اليوم " تقريبًا في شهر يوليو 2013 م. قالت أن جهاد النكاح لا يحل إلاَّ في أرض الجهاد كرابعة العدوية والنهضة، وهو قائم في سوريا، ويعتبر فرض على كل مسلمة في سوريا، وفي مصر أيضًا، لأن مصر صارت مغتصبة ولا بُد أن ترجع لحضن الأخوان، وعلى الأخوات المسلمات جهاد المناكحة لأنه مُرضٍ.
وهل الله الطاهر القدوس يأمر بمثل هذه الأمور التي تخالف العقل والمنطق والمشاعر الإنسانية الراقية..؟!! كم كان هذا الأمر مؤسفًا عندما قيل أن بعض النسوة السوريات قدمن أنفسهن للمجاهدين ضد بشار الأسد..؟! وكم كان هذا الموضوع مخزيًا عندما تناقلته الأخبار عن رغبة بعض النسوة في "جهاد المناكحة" لتعضيد المؤيدين للرئيس محمد مرسي الذي عزله الشعب بثورة شعبية ليس لها مثيل يوم 30 يونيو، حتى أن الجموع التي خرجت تعترض على حكمه لم يحدث لها قط نظير في التاريخ كله وقُدر عددهم بأكثر من ثلاثين مليونًا، وكم كان المذيع "محمد خيري" في قناة cbc متأذيًا عندما بلغه أن إحدى النساء سألت شيخًا عن "جهاد المناكحة" لمؤيدي الرئيس في رابعة العدوية، فقال لها: ليس الآن، أي أنه لم يستنكر ولم يستهجن "جهاد المناكحة" بل قال ليس الآن... وقد أثارت نفس الموضوع قناة التحرير في الأسبوع الثاني من شهر يوليو 2013م وبالتحديد يوم 13/7 عندما هاجم أحد المذيعين الفتيات السوريات اللاتي يعتقدن بهذا، وفي اليوم التالي قدم المذيع "أحمد موسى" أسفه وأوضح أن زميله لم يقصد كل النساء السوريات... ولا نريد أن تكون المعاملة بالمثل ولا نريد أن نسأل الأستاذ علاء أبو بكر: هل تقبل أن تقوم أختك أو ابنتك بجهاد المناكحة؟ وإذا قال لنا هذا أمر إلهي فهل نقبل منه هذا؟!!
6- يقول علاء إن كان هذا حال أنبياؤكم وكم وكم يكون حال القسوس والأساقفة..؟ ونحن نقول له سواء الأنبياء أو القسوس والأساقفة، فإن جميعهم بشر غير معصومين من الخطأ... أنهم من نفس عجينة البشرية ولهم ضعفاتهم، ولكنهم تميزوا بالرقي والسمو ومحبة الله من كل قلوبهم، وقد شهد القرآن لهم عندما قال".. ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون" (سورة المائدة 82).
_____
(1) ترجمة علي الجوهري - عتاد الجهاد ص 16.
(2) البهريز جـ 1 س 19 ص 35، 36.
(3) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 770.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1234.html
تقصير الرابط:
tak.la/qbsg4zk