يقول " علاء أبو بكر": "لم يُحدّد سفر صموئيل الثاني اسم الابن موضوع النبوءة، وحدَّدها سفر أخبار الأيام الأول، كما أشار إلى أن الرب هو الذي سيبني بيت لداود، ثم بعدها مباشرة قال أن هذا النبي الابن هو الذي سيبني البيت، وهذا تضارب بين النبؤتين، فلو صدرتا عن رب العزة الذي لا تأخذه سنة ولا نوم لوجدناهما متطابقتين تمام الانطباق. وهذه النبوءة لا تنطبق على سليمان بأن حال من الأحوال، لأنه كما يقول الكتاب ضل في نهاية حياته وعبد الأوثان (1مل 11: 3 - 7)"(1).
ج: 1- حدَّد الله في سفر صموئيل من سيبني الهيكل عندما أبلغ داود على لسان ناثان النبي: "متى كملت أيامك واضطجعت مع أبائك أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته. هو يبني بيتًا لأسمي وأنا أُثبّت كرسي مملكته إلى الأبد" (2صم 7: 12، 13) فواضح من النص أن الذي سيبني بيتًا للرب هو من نسل داود الخارج من أحشائه، فهو بلا شك أحد أبنائه، وفي سفر أخبار الأيام أخبر داود ابنه سليمان بالقصة، فقد قال الله له: "هوذا يُولد لك ابن يكون صاحب راحة وأريحه من جميع أعدائه حواليه لأن اسمه يكون سليمان. فأجعل سلامًا وسكينة في إسرائيل في أيامه" (1أي 22: 9). لقد أبلغ ناثان داود الرؤيا: "فحسب جميع هذا الكلام وحسب كل هذه الرؤيا كذلك كلَّم ناثان داود" (2صم 7: 17) وليس شرطًا أن كل ما قاله ناثان لداود قد سجَّله في سفر صموئيل الثاني، فمن الممكن أن تكون هناك بعض التفصيلات لم يسجلها ناثان مثل اسم سليمان، وهذا ما أوضحه داود عندما " قال داود لسليمان" (1أي 22: 7) وبالتالي فأن ما ذُكر في سفر الأخبار هو مُكمّل لما جاء في سفر صموئيل، ولا يوجد أي تناقض بين ما جاء في سفر صموئيل، وبين ما جاء في سفر الأيام، فمثلًا لم يقل أحد السفرين أن الذي سيبني البيت هو من نسل داود الخارج من أحشائه والآخر نفى ذلك، أو لو قال أحد السفرين أن سليمان هو الذي سيبني بيت الآخر، والآخر نفى، لكان هذا وذاك تناقض، وهذا لم يحدث.
2- عندما قال الله لداود بفم ناثان النبي: "قد أرحتك من جميع أعدائك. والرب يخبرك أن الرب يصنع لك بيتًا" (2صم 7: 11) والمقصود هنا بيت داود أي مملكته، وهذا ما فهمه داود، ولذلك عندما قدم الشكر لله على جزيل نعمه في نفس الأصحاح قال: "لأنك أنت يا ربُّ الجنود إله إسرائيل قد أعلنت لعبدك قائلًا إني أبني لك بيتًا" (2صم 7: 27) وهذا ما نجده في ملوك يهوذا الذين خرجوا من صُلب داود، وقول الله لداود هنا يذكرنا بقول موسى النبي: "وكان إذ خافتا القابلتان الله أنه صنع لهما بيوتًا" (خر 1: 21) ووعد الله ليربعام على لسام أخيَّا النبي: "فإذا سمعت لكل ما أوصيك به... وحفظت فرائضي ووصاياي كما فعل داود عبدي أكون معك وأبني لك بيتًا آمنًا كما بنيت لداود" (1مل 11: 38) أما مَنْ سيبني بيت الرب فهو ابن داود الخارج من أحشائه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا ما أوضحه سفر صموئيل: "هو يبني بيتًا لأسمي" (2صم 7: 13) ولكن الناقد خلط، سواء بقصد أو بدون قصد، بين بيت داود الذي سيبنيه الرب ويثبته، والمقصود به مملكة داود، وبين بيت الرب الذي سيبنيه سليمان بن داود.
3- النبوءة التي جاءت في سفر صموئيل: "أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا. إن تعوَّج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم. ولكن رحمتي لا تُنزع منه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك" (2صم 7: 14، 15) فأنها تشمل جانبين:
الجانب الأول: "أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا" وهذا الجانب له بُعدان، البُعد الأول يشير إلى نبوة سليمان لله، والبُعد الآخر يشير إلى بنوة السيد المسيح لله الآب، كقول داود النبي في المزمور " إني أخبر من جهة قضاء الرب. قال لي أنت أبني. أنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7) وإلى هذا أشار بولس الرسول: "كما هو مكتوب أيضًا في المزمور الثاني أنت أبني أنا اليوم ولدتك" (أع 13: 33) وقال بولس الرسول أيضًا: "لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت أبني أنا اليوم ولدتك" (عب 1: 5).. " كذلك المسيح أيضًا لم يمجّد نفسه ليصير رئيس كهنة بل الذي قال له أنت ابني أنا اليوم ولدتك" (عب 5: 5).
الجانب الثاني: "إن تعوَّج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم. ولكن رحمتي لا تُنزع منه " وهذا ينطبق على سليمان وبقية الملوك الخارجين من صُلب داود، وقد حدث هذا مع سليمان إذ " في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى... وعمل سليمان الشر في عيني الرب... فغضب الرب على سليمان" (1مل 11: 4 - 11) وأدب الرب سليمان إذ " أقام الربُّ خصمًا لسليمان هدد الأدومي... وأقام الله له خصمًا آخر رزون بن اليداع... ويربعام بن نباط رفع يده على الملك" (1مل 11: 14، 23، 26).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا... صار سليمان كإبن لكنه تعوَّج وأحتاج إلى تأديب، أما السيد المسيح فهو الابن الأزلي الذي وهبنا فيه البنوة، خلاله لا تنزع عنه الرحمة الإلهيَّة، لكننا إن أخطأنا يؤدبنا بقضيب الناس وبضربات بني آدم"(2).
ويقول "الأرشيدياكون نجيب جرجس": "أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا (أ) الكلام بمعنى مجازي ينطبق على سليمان وعلى الملوك الأتقياء الذين يأتون بعده وعلى المؤمنين الصديقين بوجه عام لأن الرب بمحبته يُسر أن يُدعى لهم أبًا وأن يدعوهم له أبناء. (ب) ولكنه بالمعنى الحقيقي ينطبق على الله الكلمة، الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس، ابن الله الوحيد الكائن في حضن الآب، والواحد معه في الذات والجوهر.
إن تعوَّج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم: الكلام هنا عن سليمان والملوك الذين يأتون بعده، فقد (يتعوَّج) الواحد منهم، أي ينحرف ويبتعد عن طريق الله، فيؤدبه الرب ليس بقضيب (عصا) سخطه وغضبه، بل (بقضيب الناس وضربات بني آدم) أي بالتأديب المحتمل الذي يؤدب الرب به البشر عادة، يؤدبه على قدر طاقة البشر... أؤدبه على خطاياه لكي يصلح طريقه، ولكنني لا أرفضه من رحمتي كما رفضت شاول وأخذت المُلك من بيته"(3).
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س401 ص 284 - 286.
(2) تفسير صموئيل الثاني ص 53.
(3) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر صموئيل الثاني ص 75، 76.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1181.html
تقصير الرابط:
tak.la/kszw6kg