يقول " عاطف عبد الغني " تعليقًا على هذا: "إذًا فقد كانوا يظنون أن روح الرب تأتي بالإستجلاب ويساعد على إستحضارها العزف (المقدَّس) الذي هو ميراث طقس موروث في المعابد المصرية القديمة"(1).
ويقول " فراس السواح": "كان وجْدُ هؤلاء الأنبياء يشبه إلى حد كبير وجْدُ دراويش الشرق الراقصين اليوم، حيث كانوا يعيشون حالة من الوله الديني حيث تملأ عليهم روح يهوه كيانهم، بحيث يمتلكون السبيل للوصول إلى حقيقته. في سفر صموئيل الأول الإصحاح العاشر، نرى شاول الذي مُسِح ملكًا بعد أن صبَّ صموئيل العجوز الدهن على رأسه وكرَّسه كقائد عسكري للإسرائيليين، نراه يرسله بهذه النبوءة... (1صم 10: 5 - 6) ولكن عندما يحل ذلك بشاول، يعلم أنه لم يكسب بعد رضا الناس، فقد قالوا باحتقار: "أشاول أيضًا بين الأنبياء" (1صم 10: 11) مثل هؤلاء الأنبياء الدراويش كانوا ينطقون في حالة الوجْدُ بكلام مُستغلق على الفهم حتى بالنسبة إليهم أنفسهم"(2).
ج: 1- أنشأ صموئيل النبي مدارس الأنبياء كما رأينا من قبل هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت حيث كانوا يعيشون حياة البساطة يدرسون الشريعة والتاريخ المقدَّس ويهتمون بالموسيقى والتسبيح، وليس في هذا عيبًا، فعندما التقى شاول بزمرة من الأنبياء نازلين من المرتفعة ومعهم آلاتهم الموسيقية من رباب ودُف وناي وعود، وجميعها آلات موسيقية رائعة لا تُصدر موسيقى صاخبة، وبلا شك كانوا يستخدمونها بشكل كبير من الهدوء والتعقل، وهم في وسط تسبيحاتهم لإله إسرائيل كانوا يعزفون ألحانًا تحمل روح النبوءة، وليس معنى هذا أن روح الله يمكن إستجلابه بالموسيقى، فكل موسيقى العالم لا تقوى على تحريك روح الله، ولكن الموسيقى الروحية والترانيم والتسابيح تهيئ للإنسان الفرصة المناسبة للالتقاء بروح الله القدوس، ويقول " القمص تادرس يعقوب " عن شاول: "يلتقي بالأنبياء نازلين من المرتفعة وأمامهم رباب ودف وناي وعود وهم يتنبأون، أي يسبحون الرب بفرح وتهليل (1صم 10: 5)"(3).
ويقول " القمص مكسيموس وصفي " كان " زمرة من الأنبياء كانوا نازلين من المرتفعة بعد أن قدموا صلوات أمام الرب وكان أمامهم العازفون يسبحون بترانيم وصلوات على آلات العزف رباب ودف وناي وعود وهم يتنبأون فإنضم إليهم شاول وحلَّ عليه روح الرب فتنبأ في وسطهم حيث ثارت غيرته للتسبيح والإبتهاج بالرب وكان ذلك في مدينته حيث كانت هناك مدرسة من مدارس الأنبياء التي أسَّسها صموئيل وكانت قريبة من بيت شاول، وصار ذلك معلومًا في كل مدينته حيث رآه الجميع بين الأنبياء يتنبأ وصار بينهم ذلك مثلًا: أشاول أيضًا بين الأنبياء (1صم 10: 11) وصعد شاول إلى المرتفعة وكانت روحه آنذاك عالية فصعد يقدم تسبيحًا وشكر لله ويطلب منه عونًا في مهمته الجديدة"(4).
2- قديمًا بعد أن أجرى الله معجزة شق البحر الأحمر أمام شعبه فعبروا إلى أرض سيناء ثم عادت المياه وأغرقت فرعون وكل جنوده، فما كان من موسى إلاَّ أنه أخذ يرنم ويسبح الله مع شعبه: "حينئذ رنَّم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبحة للرب وقالوا. أرنّم للرب فأنه قد تعظَّم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر.." (خر 15: 1 - 19) وماذا كان رد فعل مريم أخت موسى؟. " أخذت مريم النبيَّة أخت هرون الدف بيدها... وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص. وأجابتهم مريم رنَّموا للرب فأنه قد تعظَّم الفرس وراكبه طرحهما في البحر" (خر 15: 20، 21) وفيما بعد عند إصعاد تابوت العهد إلى أورشليم... ماذا فعل داود..؟ " فذهب داود وأصعد تابوت الله من بيت عوبيد أدوم إلى مدينة داود بفرح... كان داود يرقص بكل قوته أمام الرب... فأصعد داود وجميع بيت إسرائيل تابوت الرب بالهتاف وبصوت البوق" (2صم 6: 12 - 15) وعندما استقر التابوت نظم داود فرق للتسبيح: "وهؤلاء هم الذين أقامهم داود على يد الغناء في بيت الرب بعدما أستقر التابوت" (1أي 6: 31).. " وأفرز داود ورؤساء الجيش بني آساف وهيمان ويدوثون المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج" (1أي 25: 1) وظلت هذه الفرق الموسيقية حتى بعد العودة من السبي... فماذا فعل عزرا..؟ " ولما أسَّس البانون هيكل الرب أقاموا الكهنة بملابسهم بأبواق واللاويين بني آساف بالصنوج لتسبيح الرب على ترتيب داود ملك إسرائيل" (عز 3: 10).
3- اختار موسى سبعين شيخًا ليعاونوه في خدمة الشعب والقضاء " وأوقفهم حول الخيمة فنزل الرب في سحابة وتكلَّم معه وأخذ من الروح الذي عليه وجعل على السبعين رجلًا الشيوخ. فلما حلَّت عليهم الروح تنبأوا ولكنهم لم يزيدوا. وبقى رجلان في المحلَّة اسم الواحد الداد واسم الآخر ميداد فحلَّ عليهم الروح. وكانا من المكتوبين لكنهما لم يخرجا إلى الخيمة. فتنبَّآ في المحلَّة" (عد 11: 24 - 26) وعندما علم يشوع بن نون " قال يا سيدي أردعهما، فقال له موسى هل تغار أنت لي. يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء إذ جعل الربُّ روحه عليهم" (عد 11: 28، 29) وهكذا يعطي الروح القدس روح النبوءة باتساع، فتكرَّر الموقف أكثر من مرة مع شاول (1صم 10: 10، 19: 24).
4- عندما رأى أهل جبعة (مدينة شاول) شاول يتبنأ تعجبوا لأنهم يعرفون جيدًا أنه لم يلتحق بمدرسة الأنبياء، وهم لم يرونه يتنبأ من قبل، ولذلك قالوا " أشاول أيضًا بين الأنبياء؟ " ثم صار هذا مثلًا يُطلق على أي شخص يفعل شيئًا لا يتوقعه الآخرون، كما يكنى به عن عمل الله الفائق في المؤمنين، وقال آخر: "ومن هو أبوهم " ويقول " الأرشيدياكون نجيب جرجس":" (أ) في دهشتهم أيضًا سأل واحد منهم: (ومن هو أبوهم؟) أي من هو قيس أبو شاول وأخوته، أليس هو إنسانًا عاديًا ليس من الأنبياء ولا واحد من أولاده عنده روح النبوءة أيضًا؟ ولقد قال الرجل هذا بلغة التعجب وربما الاستخفاف أيضًا.
(ب) ولذلك ذهب مثلًا (أشاول أيضًا بين الأنبياء؟) أصبح القول مثلًا فيما بعد، يضربه الناس كلما رأوا إنسانًا يتسلم مركًزًا أو عملًا ليس أهلًا له، أو غير متوقع له"(5).
5- ما أعظم الفارق بين هؤلاء الأنبياء أو بني الأنبياء طلاب مدارس الأنبياء، المتعلمين والعارفين بالشريعة، يعيشون حياة الزهد والتعقل والعلم والرزانة والتسبيح والتهليل، وبين أولئك الدراويش الذي يطوفون الشارع بلا مأوى يرتدون الملابس المهلهلة الرثة.
_____
(1) أساطير التوراة ص 87.
(2) موسوعة تاريخ الأديان - الكتاب الخامس ص 119.
(3) تفسير سفر صموئيل الأول ص 78.
(4) دراسة في سفر صموئيل الأول ص 74، 75.
(5) تفسير الكتاب المقدَّس - سفر صموئيل الأول ص 95.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1103.html
تقصير الرابط:
tak.la/q3y4cwf