ج: يرى ريتشارد إليوت فريدمان أن مؤلف
المصدر الألوهيمي كان رجلًا من اللاويين بشيلوه، لأن جميع اللاويين من الرجال، وقد
يكون شاركه في العمل زوجته أو ابنته في الفكر أو الكتابة. أما مؤلف
المصدر اليهوي فيحتمل أن يكون رجلًا أو امرأة ولا سيما أنه ذكر بعض القصص التي تخص
النساء مثل قصة ثامار(1). والآن نأخذ فكرة مبسطة عن
كل من المصدرين اليهوي والألوهيمي.
يدعي أصحاب مدرسة النقد الأعلى أن هذا المصدر قد كتبه مؤلف عاش في الجنوب أيام الملك سليمان (970- 931 ق.م) وقبل انشقاق المملكة سنة 931 ق. م، وكان المؤلف من سبط يهوذا، ويتميز هذا المصدر بعدة خصائص أهمها:
أ- الخصائص الأدبية: يتميز هذا المصدر برشاقة الأسلوب القصصي الشيق، فهو يروي قصصًا متتابعة تبدأ من الرواية الثانية عن الخلقة وتمتد حتى نهاية سفر الخروج ثم بعض فقرات من سفر العدد، ويقولون أن هذه القصص تتميز بجمال آخاذ وصور تفيض بالحياة(2).
ب- الخصائص التاريخية: يقولون أن مؤلف هذا المصدر يُبرز الأصول، فيذكر أصل الجنس والزواج (تك 2) وأصل ارتداء الملابس (تك 3: 7، 21) وأصل نظام الرعي والحياة الحضرية والموسيقى والمعادن وتعدد الزوجات (تك 4) وأصل زراعة الكروم وصناعة النبيذ (تك 9: 20- 21) وأصل النظام الزراعي المصري (تك 47: 20- 26) وأصل الشعوب الخارجة من نسل حام (تك 10: 6- 20) ومن نسل سام (تك 10: 21- 31) ومن نسل لوط (تك 19: 37، 38) ومن نسل ناحور (تك 22: 20- 24) ومن نسل إسحق (تك 25: 21- 26).
ويعطي المؤلف تفسيرًا لمعاني الأسماء مثل اسم حواء (تك 3: 20) وقايين (تك 4: 1) ونوح (تك 5: 29) وإسماعيل (تك 16: 11)..إلخ. وتفسيرًا لأسماء بعض المدن مثل بابل (تك 11: 9) وبئر لحي الرائي (تك 16: 13، 14) وقرية صوغر (تك 19: 22) وبئر سبع (تك 21: 28- 31).. إلخ ويفضل المؤلف الدور الذي يقوم به هابيل الراعي عن قايين المزارع، ويفضل المؤلف سبط يهوذا الذي خرج منه عن بقية الأسباط، ويعطي ليهوذا الدور الأول في محاولة إنقاذ يوسف (تك 37: 26).
ج- الخصائص الدينية: يُظهِر المؤلف الله على أنه ملك التاريخ وسيده، فيهوه حاضر في التاريخ من خلال أعماله وأقواله، يسوق البشرية من خلال عصر الآباء وعصر الشريعة إلى طريق الخلاص، ويصف المؤلف الله بأوصاف بشرية فهو يعمل الإنسان من طين، ويغرس له جنة قبل أن يخلقه، ويأتي عند المساء ليتمشى في الجنة (تك 2، 3) ويغلق باب الفلك على نوح (تك 7: 16) ويتنسم رائحة الذبائح (تك 8: 21) وينزل من السماء ليبلبل الألسنة (تك 11: 5- 7) ويزور إبراهيم ويأكل معه (تك 18: 1- 8) ويصارع يعقوب (تك 32: 25- 33) ويحاول قتل موسى (خر 4: 24) ويخلع عجلات مركبات المصريين (خر 14: 25) ويُظهر المؤلف مشاعر الله الإنسانية مثل الحزن والأسف (تك 6: 6) والغضب (خر 4: 14).
أما الإنسان فقد قدم العبادة لله منذ فجر حياته فقدم هابيل ذبيحة مقبولة لدى الله (تك 4: 4) ودعا شيث باسم الرب (تك 4: 26) ومنذ عصر نوح عرف الإنسان تقديم الذبائح من الحيوانات والطيور الطاهرة فقط (تك 7: 2، 8: 20).
بينما ينسب المصدر التثنوي والكهنوتي هذا التمييز بين الحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة لموسى النبي (تث 14: 3- 20، لا 11) وعرف الإنسان بناء المذابح للرب، ومدح المؤلف الإيمان في شخص إبراهيم (تك 15: 6) ورغم إن الأحداث قاتمة إلًا إن المؤلف يضفي عليها جو من التفاؤل بفضل عمل الله الذي يحول سقطات الإنسان إلى خلاص، وقد اختار نوح ليكون بداية جديدة ثم إبراهيم، وجدد العهود مع إسحق ويعقوب(3).
قال أصحاب مدرسة النقد الأعلى أن هذا المصدر أقدم من المصدر اليهوي لأنه حوى معلومات عن أزمنة أقدم، وقال البعض الآخر ليس معنى وجود معلومات عن أزمنة قديمة أن عمل التحرير نفسه قديم، ولذلك أكدوا أنه أحدث من النص اليهوي، وحددّوا تاريخه بالفترة بعد انشقاق المملكة سنة 931 ق. م وبالأخص (900- 850 ق. م) وقالوا أنه كتب في المملكة الشمالية بدليل اهتمامه بقصة يوسف، ويوسف هو أبو أفرايم أهم أسباط مملكة بني إسرائيل، وذكر قصة تفضيل أفرايم على منسى (تك 48: 13- 20) وذكر أماكن العبادة في الشمال مثل شكيم وبيت إيل، وقبور الشمال مثل قبر دبورة في بيت إيل (تك 35: 8) وقبر راحيل في طريق أفراته (تك 35: 18- 20) وفي قصة يوسف يعطي الدور الأفضل لرأوبين (تك 37: 21، 29) وليس ليهوذا، كما فعل مؤلف المصدر اليهوي (تك 37: 26) وكذلك أظهر دور رأوبين في النزول إلى مصر واصطحاب بنيامين (تك 42: 37)(4).
وأهم ما يميز المصدر الألوهيمي من خصائص ما يلي:
أ- الخصائص الأدبية: يستخدم هذا المصدر اسم "إيلوهيم" حتى بعد ظهور الله لموسى النبي، وإعلانه عن اسمه أنه يهوه، فإن المصدر يستخدم إيلوهيم بشكل عام وغالب، ويهتم مؤلف هذا المصدر بالتفاصيل التي تعطي حيوية للقصة، وينفذ إلى الملامح النفسية لأبطال القصص مثلما حكى عن ذبيحة إسحق (تك 22) ولقاء يوسف بأخوته (تك 45) واهتم المؤلف بتفسير الأسماء ولكن بدرجة أقل من مؤلف المصدر اليهوي، فهو يفسر أسماء الأشخاص بعبارة موجزة يضعها على لسان الأم فمثلًا عندما ولدت سارة إسحق "قالت سارة قد صنع إليَّ الله ضحكًا. كل من يسمع يضحك لي" (تك 21: 6) فمعنى إسحق يضحك، وعندما ولدت بلهة جارية راحيل دان "فقالت راحيل قد قضى لي الله وسمع لصوتي وأعطاني ابنًا. لذلك دعت اسمه دانًا" (تك 30: 6) ومعنى دان يحكم، وعندما ولدت ليئة يساكر قالت "قد أعطاني الله أجرتي لأني أعطيت جاريتي لرجلي" (تك 30: 18) ومعنى يساكر أي أجر، وعندما ولدت زبولون قالت "الآن يساكنني رجلي لأني ولدت له ست بنين" (تك 30: 20) ومعنى زبولون أي يساكن، وعندما ولدت راحيل يوسف "ودعت اسمه يوسف قائلة يزيدني الرب ابنًا آخر" (تك 30: 24) ومعنى يوسف أي يزيد. كما فسر المؤلف أسماء الأماكن بعبارات وضعها على لسان الرجال فبعد أن رأى يعقوب حلمه "دعا اسم ذلك المكان بيت إيل. ولكن اسم المدينة أولًا كان لوز" (تك 28: 19) ومعنى بيت إيل أي بيت الله، وفي المكان الذي صارع فيه يعقوب الله "فدعا يعقوب اسم المكان فينيئيل. قائلًا لأني قد نظرت الله وجهًا لوجه" (تك 32: 30) فمعنى فنوئيل وجه الله.
ب- الخصائص التاريخية: أفاض المؤلف في ذكر بعض الأسماء والأماكن فذكر أليعازر الدمشقي المسئول عن بيت إبراهيم (تك 15: 2) ودبورة مرضعة رفقة (تك 35: 8) وحور الذي دعم يدي موسى مع هرون عند حرب عماليق (خر 17: 10) وذكر اسم فوطيفار رئيس الشرطة (تك 37: 36) واسم أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون (تك 41: 45) واسم شفرة وقوعة القابلتين (خر 1: 15) وجبل المُريّا الذي قدم فيه إبراهيم ابنه إسحق ذبيحة (تك 22: 2) واسم مدينتي فيثوم ورعمسيس (خر 1: 11).
واهتم المؤلف بالأرقام فحدَّد الفترة التي أمضاها يعقوب لدى خاله لابان بواحد وعشرين عامًا، وأخوة يوسف جاءوا إلى مصر بعد المجاعة بسنتين (تك 45: 6)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. واهتم برقم 3 فحلم رئيس السقاة ورئيس الخبازين تحقّق بعد ثلاثة أيام (تك 40: 12، 19) وأودع يوسف أخوته في السجن ثلاثة أيام (تك 42: 17) وحدّد المدة من مصر إلى مكان العبادة بمسيرة ثلاثة أيام: "فَنَذْهَبُ سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا" (خر 5: 3)، وضربة الظلام ثلاثة أيام (خر 10: 22)، وسار بنو إسرائيل ثلاثة أيام ولم يجدوا ماء (خر 15: 22).
ج- الخصائص الدينية: يصوّر المؤلف الله على أنه منزه عن الاتصال المباشر بالإنسان، فهو يتكلم من وسط النار والغمام وأحيانًا بواسطة ملاك، أو بواسطة الرؤى والأحلام فيذكر حلم يعقوب في بيت إيل (تك 28: 11- 15) وحلم لابان (تك 31: 24) وحلم يوسف (تك 27: 5- 10) وحلم عبيد فرعون (تك 40: 5- 19) وحلم فرعون (تك 41: 1- 7)(5).
قال أصحاب النقد أنه بعد سقوط مملكة الشمال سنة 722 ق. م أصبحت أورشليم هي المركز الوحيد للعباد، فنُقِلت إليها كتابات الشمال، وتم دمج المصدرين، ويقولون لا أحد يعلم إن كان الدمج قد تم بواسطة شخص واحد أو عدة أشخاص، وقد ظهر المصدر الجديد اليهوي الألوهيمي JE بينما اختفى كل من المصدرين الأولين واندثرا تمامًا.
تعليق: كل ما قيل عن هذين المصدرين اللذين تصورهما أصحاب مدرسة النقد الأعلى ما هو إلّا تصورات وتخيلات لا أثر لها في الواقع، وسيتم الرد على هذه الآراء في مجمل ردنا على نظرية المصادر.
_____
(1) راجع من كتب التوراة؟ ص 75.
(2) راجع الأب أنطون نجيب- رسالة صديق الكاهن ديسمبر 1971 م ص 40- 43.
(3) راجع رسالة صديق الكاهن سبتمبر 1971 م ص 30- 38.
(4) راجع الأب أنطون نجيب- رسالة صديق الكاهن ديسمبر 1971 م ص 52- 54.
(5) راجع رسالة صديق الكاهن ديسمبر 1971 م ص 44- 52.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/11.html
تقصير الرابط:
tak.la/ty3naz4