ما قلناه عن موت الزوجة يمكن أن يقال عن موت الزوج لأن العلاقة واحدة. والرجل للمرأة رأسها. وأي جسد فقد رأسه ولم يتوجع. فلا تلوموا الزوجة إذا بكت وأذرفت دموعها كيف تشاء، ومن يقدر أن يمنع دموعها عن الجريان. ولكن يوجد واحد فقط الذي يقدر أن يسمح دموعها ويحول بكاءها إلى أنهار تعزيات، هو لذلك الحنون الذي تحنن على الأرملة وقال لها "لا تبكى" (لو 7: 13) لا تزجروها ولا تمنعوها عن البكاء، ولكن ضعوا أمامها تعزيات الرب. دعوها تقرأ كلمات الله فهي وحدها القادرة أن تكفكف عبراتها. وفي الفصول الواردة في هذا الكتاب كثير من الحقائق الإيمانية التي تعزينا في غربة هذه الحياة. وتعلمنا احتمال آلام الحزن والصبر على الضيقات. وإلقاء نفوسنا بين يدي الروح المعزي القادر أن يملأها بعزائه وسلوانه.
أيتها الزوجة الحزينة، إن بكيت وأكثرت من سكب الدموع فلا ينفعك من ذاك شيء غير زيادة الأسى. وان تضجرت وتذمرت على عناية الله فلا تحصدين إلا مضاعفة الحزن وتضيفين عليه اليأس وفقد الإيمان. نعم أن الحزن شديد والضيق مر. ولكن لنا من الله ما يخففه عنا... وذلك بالإيمان والصلاة وتلاوة كلامه المقدس. ولكن إذا مزجنا ضيقاتنا بعقاقير الضجر، وفقدنا الإيمان، وازددنا حزنا وبعدت عنا كل تعزية. عار على المؤمن أن يجزع في زمن الضيق. وما دمنا نعرف أن أرادة الله لابد أن تتم فلماذا لا نخضع لها؟ هل الحزن والبكاء يغيران شيئا من مشيئته. الدموع تجرى وحدها مع التسليم لله في أحكامه وقضائه. عالمين أن شدة الحزن خطية ضد الإيمان والرجاء. ولذلك قال الرسول بولس (لا أريد أن تجهلوا أيها الأخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضا معه" (1 تس 4: 13، 14).
قد انتقل زوجك وخلص من أتعاب الدنيا ودخل بيت راحته الأبدي. وأي محب يود رجوع حبيبه إلى ميدان الكفاح بعد أن غلب وانتصر. قد فاز الجندي ووضع عليه الملك أكليل المجد وأمسكه غصن النصر. فهل نتمنى أن يترك كل ذلك ويعود من جديد إلى الحرب ويكون عرضة للنيران الأعداء وهدفا لسهام التجارب. لقد أعيد المنفى إلى وطنه ودخل بيت أبيه. فهل نحزن ونشتهى رجوعه إلى دار الغربة ليقاسمنا ويلات هذه الدنيا ويتورط في فخاخها ويسير بين أشواكها، يأكل من خرنوبها، يتألم بمصائبها. مرض احد الأتقياء بحمى خبيثة ويئس الأطباء من شفائه. وأخيرًا رجوا له الشفاء ولما أبلغوه ذلك قال لهم "لم تعزوني بهذا بل مزقتم قلبي فكأنكم تقولون لغريق حملنه الأمواج إلى الميناء الآمين انك ستعود إلى حيث كنت لتبتلعك الأعماق".
اعلمي أيتها الزوجة أن زوجك الذي فارقك انضم إلى صفوف القديسين وهو يطرب الآن بعشرة الملائكة وسكان السماء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولو تأملت خساسة هذه الدنيا وأمجاد النعيم، وقارنت بين هذه وتلك، وبين حياة الأرض الزائلة وحياة الملكوت الأبدية لعدت كل شيء في الدنيا خسارة ونفاية بالنسبة لدقيقة واحدة من دقائق النعيم. فدعي إذن رجائك في الله. وآمني بأنك سترين زوجك في القيامة المجيد وثقي بأن جسده الذي رقد واستراح سيعود أبهى مما كان ويقوم في عدم فساد. ليتك تقولين: ليستريح جسدك أيها الراقد الحبيب في ضريحه بسلام. ولتتمتع نفسك بالخلود أمام الله فانك قد سبقتنا وسنلتقي بك يوما في حياة لا فراق فيها إلى الأبد.
إن التجأت أيتها الزوجة إلى رحمة المسيح وطلبت عزاءه يمنحك العزاء الوافر والسلام الكامل. لقد أصبحت أرملة وفقدت بعلك. ولكن لا تنسى أن المسيح من شدة محبته للكنيسة سمى نفسه بعلا لها فهو يعرف مقدار حزنك ومرارة نفسك ويعلم ما تفتقرين إليه من التعزيات ولا تجدين العزاء إلا فيه. فإذا أطلقت لنفسك وجرت دموعك فلا تدعى الدموع تحجب قلبك عن رؤية المسيح بل اسمعي صوته يقول: "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا" (يو 11: 25، 26) وان قلت لقد ترك لي أطفالا أصبحوا أيتاما بلا أب فاعلمي أن الله هو أبو الأيتام وقاضى الأرامل واسمعي مواعيده تعالى: الرب يحفظ الغرباء. يعضد اليتيم والأرملة (مز 146: 9) وهوذا قوله: اترك أيتامك أنا أحييهم وأراملك على ليتوكلن (ار 49: 11) وقول هوشع النبي: بك يرحم اليتيم (هو 14: 3) وقول المرنم إليك يسلم المسكين أمره. أنت صرت معين اليتيم... لحق اليتيم والمنسحق لكي لا يعود أيضا يرعبهم إنسان من الأرض (مز 10: 14، 18) وقول الحكيم: لا تدخل حقول الأيتام. لان وليهم قوى هو يقيم دعواهم عليك (أم 23: 11) الرب يقلع بيت المتكبرين ويوطد تخم الأرملة (أم 15: 25) وقول حزقيال النبي لا تسئ إلى أرملة ما ولا إلى يتيم. إن أسأت إليه فإني إن صرخ إلى أسمع صراخه فيحمى غضبى وأقتلكم بالسيف فتصير نساؤكم أراكل وأولادكم يتامى (حز 22: 22-24) فهو الصانع حق اليتيم والأرملة (تث 10: 18) كراع يرعى قطيعه. بذراعه وجمع الحملان وفي حضنه يحملها ويقود المرضعات (اش 40: 11) قالت صهيون: قد تركني الرب. سيدي نسيني. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها، حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك (اش 49: 14، 15).
ألا تجدين في كل هذه المواعيد الإلهية تعزيات وافرة على ترملك! وان كنت فقدت زوجك وأصبح أولادك أيتاما بفقدان أبيهم الجسدي فلهم الأب السماوي أبا وقاضيا وهو الذي يعتني بالجميع. فضعي اتكالك عليه تجدين فيه كل شيء. قال إسرائيل ليوسف عند موته: ها أنا أموت ولكن الله سيكون معكم ويردكم إلى أرض آبائكم (تك 48: 21) وقال يوسف لإخوته: أنا أموت ولكن الله سيفتقدكم ويصعدكم من هذه الأرض (تك 50: 34).
فليكن كلام الله تعزيتك. والإيمان قوتك. والرجاء سندك. لقد اتحدت مع زوجك على الأرض بالمحبة والإخلاص ولا يزال رباط المحبة بينكما وثيقًا إلى الأبد أنظري بعين الإيمان إلى الوطن الأبدي الذي ذهب إليه زوجك وهناك ستلتقين به بعد هذه الحياة، وتعرفينه وتتيقنين أنه ل يمت بل انه حي، وقد سبقك إلى المجد في النعيم الخالد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/habib-guirguis/consolation/husband.html
تقصير الرابط:
tak.la/6bz4p7k