كَانَ ذلك السَّبْتُ عظيمًا، ولا بد أن يُنزَلَ الجسد عن الصليب فـ[حمله الرفيقان يوسف ونيقوديموس برِفْقٍ وخِشيةٍ، ووضعاه في القبر الجديد المنحوت في الصخر. ودحرجوا عليه حجرًا عظيمًا. وكان «السَّبْتُ يَلُوحُ»، فلا يجوز وفقًا للشريعة القيام بأي عمل فيه على الإطلاق.][445].
(متى57:27) |
(مر42:15-43) |
(لوقا50:23-51) |
(يوحنا38:19) |
جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامَةِ اسْمُهُ يُوسُفُ وَكَانَ هُوَ أَيْضًا تِلْمِيذًا لِيَسُوعَ. |
جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ. |
وَإذَا رَجُلٌ اسْمُهُ يُوسُفُ وَكَانَ مُشِيرًا وَرَجُلًا صَالِحًا بَارًّا. هذَا لَمْ يَكُنْ مُوافِقًا لِرَأْيِهِمْ وعملهم. وهو مِنَ الرَّامَةِ مَدِينَةٍ لِلْيَهُودِ. وَكَانَ هُوَ أَيْضًا يَنْتَظِرُ مَلَكُوتَ اللهِ. |
ثُمَّ إنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ. |
لأول مرة يُطالعنا الإنجيل عن القدّيس يُوسُف الرَّامِي:
كان يُوسُفُ هذا: 1«رَجُلٌ غَنِيٌّ» ذكر الإنجيل غِناهُ، لتفسير كيفية حصوله على جسد يسوع، وهو2«مِنَ الرَّامَةِ» (متى27: 57) بالجليل، نسبة إلى «رَامَتَايِمَ صُوفِيمَ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ» (1صموئيل1:1)، وهي مدينة يهودية مبنية على جبل أفرايم شمال أورشليم، وهى رام الله حاليًا. وكلمة رام عبرية تعني مرتفع[446]. كما أنه 3«من سبط لاوي»: درس التوراة. وكان 4«مشيرًا» βουλευτὴς؛ يهتم بمصالح المملكة مُدبرًا للأحوال المدنية والملكية معًا. ولمكانته هذه، استطاع أن يتَقَدَّمَ إلَى بِيلاَطُسَ وَيطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ (لو23: 52). رجلًا 5«صالحًا بارًا» (لو50:23): والبر هو استقامة الإنسان أمام الله، أما الصلاح فهو حُسن معاملته مع الناس. 6«شَرِيفًا» (مر42:15)، من عِلْيَةِ القَوم، و7«من أعضاء السنهدريم» محكمة اليهود العُليا، رافضًا لإدانته وصلبه (مرقس43:15، لوقا50:23)؛ لذلك لم يستدعونه في محاكمة المسيح أمام المجمع لمعرفتهم باستقامة رأيه، وهذا سجله القديس لوقا: 8«هذَا لَمْ يَكُنْ مُوافِقًا لِرَأْيِهِمْ وَعَمَلِهِمْ» (لو51:23). وإذ تتبع سَيْر المحاكمة، اقتنع أكثر ببراءة يسوع، ولكن لم تكُن لديه الشجاعة الكافية في ذلك الحين؛ ليقف مُحتجًا ضد أحكامهم، فبدأوا بتنفيذ الحُكْم بصلبه. وتتبع يُوسُفُ الرَّامِي أحداث الصليب، من بعيد.
وكان9«تلميذًا للمسيح» (متى27: 57)، «وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ» (يو38:19)، على نحو ما قال القديس يوحنا: «آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا
بِهِ، لِئَلاَّ يَصِيرُوا خَارِجَ الْمَجْمَعِ.» (يو42:12).
لَقَّب مار يوحنا يُوسُفُ الرَّامِي بأنهُ «تِلْمِيذُ يَسُوعَ» (يو19: 38)، بينما قال القديس متى أنه كان «يتتلمَذ ليسوع» (متى27: 57)، والحقيقة أنه كان «تِلْمِيذًا» «يتتلمَذ» للرب يسوع.
Ὀψίας δὲ γενομένης ἦλθεν ἄνθρωπος πλούσιος ἀπὸ Ἁριμαθαίας, τοὔνομα Ἰωσήφ, ὃς καὶ αὐτὸς ἐμαθητεύθη τῷ Ἰησοῦ[447] (متى27: 57)
وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ.[448] Ὀψίας، وهذا التعبير اليوناني يعني الْمَسَاءَ المُبكر بين الثالثة والسادسة مساء. جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ ἦλθεν ἄνθρωπος πλούσιος مِنَ الرَّامَةِ ἀπὸ Ἁριμαθαίας اسْمُهُ يُوسُفُ τοὔνομα Ἰωσήφ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا ὃς καὶ αὐτὸς يتِتلْمَذ لِيَسُوع ἐμαθητεύθη τῷ Ἰησοῦ. فالكلمة اليونانية تعني يتِتلْمَذ أو يصير تلميذًا.[449] فقد كان تلميذًا ليسوع، وظل يتتلمذ له طول الحياة، فيصير مُتعلمًا ومُعلمًا، كما يقول مار بولس الرسول: «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ (متعلمًا) مَا سَلَّمْتُكُمْ (معلمًا)» (1كو11: 22). هكذا كان الآباء الرسل تلاميذًا للرب (متى10: 1)، وقال لهم «فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ» (متى28: 19)، وهكذا تلمذوا (متى10: 26) وعمَّدوا آخَرين (متى10: 7، يو4: 1).
(متى58:27) |
(مرقس43:15-45) |
(لو52:23) |
(يوحنا38:19) |
فَهذَا تَقَدَّمَ إلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ.
|
فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: "هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ"؟ |
هذَا تَقَدَّمَ إلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. |
سَأَلَ بِيلاَطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ. |
ويُوسُفُ الرَّامِي الذي كان تِلْمِيذُ يَسُوعَ خُفْيَةً، أثناء حياته متأنسًا، خائفًا كشريكه نيقوديموس الذي «جَاءَ إلَى يَسُوعَ لَيْلًا» (يو3: 2)، أثَّرَ فيهما صليب المسيح، وأكسبهما قوة فأعلنا تبعيتهما للمصلوب. وفي اللحظات الصعبة، عندما تخلَّى الكل، تَقَدَّمَ يُوسُفُ الرَّامِي «إلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ» (لو23: 52).
[طلبه بإلحاح ولأجل مكانته ناله. وصار بعد صلب الرب جسورًا، فلم يكن شخصًا مغمورًا، بل صار جريئًا مقدامًا][450]،
وانضم إلى يُوسُف الرَّامِي «نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي أَتَى أَوَّلًا إلَى يَسُوعَ لَيْلًا» (يو39:19). فقال القديس
إبيفانيوس أسقف قبرص: [دخل المائت (يُوسُفَ) إلى المائت (بيلاطس) ليطلب جسد معطي الحياة. الجبلة تطلب من الجبلة أن تأخذ جابل الكل. والعشب يطلب من العشب، أن يأخذ النار الآكلة. المخلوق يَهِب المخلوق خالقَ الكل.][451]
وتميز إنجيل القديس مرقس الرسول وحده بذِكر أن الرب مات سريعًا، فتعجب بيلاطس. لم يُدهشه الطلب الذي أتى من أحد شيوخ السنهدريم، بل أدهشه موت الرب سريعًا: «فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: "هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ"؟ وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ» (مر44:15-45). وَهَبَه الْجَسَدَ لعله يُخَفِف ثورة ضميره إذ حكم بالموت على البريء. وقد تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ لسببين:
1. [ كان المحكوم عليه بالصلب في العادة لا يموت قبل أن يمُر عليه يوم أو أكثر من صلبه، في حين قد أسلم المسيح روحه، ولم يمُر على صلبه أكثر من ثلاث ساعات فقط.][452]
2. سمع بيلاطس أن يسوع، هو ابن الله، صانع الآيات، مُقيم الموتى. فالذي هذا وصفه، موته السريع يثير العجَّب.
(متى58:27) |
(مرقس44:15-45) |
(يوحنا38:19) |
فَأَمَرَ بِيلاَطُسُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطَى الْجَسَد. |
وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. |
فَأَذِنَ بِيلاَطُسُ.
|
رفيقان في مجمع السنهدريم، رفيقان في الإيمان خِفيةً، وفي إعلان إيمانهما أخيرًا.
رفيقان في خوفهما من اليهود، وخوفهما على مكانتهما، رفيقان في الندم على خوفهما.
رفيقان مضيا يشتريان أنقى كتان، وأثمن الأطياب. والآن يعلنان في النور ما فعلاه في الظلام.
حصل يُوسُفُ الرَّامِي، وَنِيقُودِيمُوسُ على أعظم هبة عرفتها الأرض.
كان الصليبُ هو المفتاح السِّري الذي فتح عيون قلبيهما وتقابلا تحت ظله، وعملا معًا.
أنزلا جسد الرب يسوع من الصليب، وطيَّباه بالحنوط. وكانا يسبحان بتلك الأنشودة: "قدوس الله. قدوس القوي. قدوس الذي لا يموت. يا من صُلب عنا ارحمنا". وسُمع صوت التقديس، الذي لا نَزال نُردد نغماتِه في اليوم الذي تَقدَّس للاحتفال بذكرى موت المسيح ودفْنه من كل عام.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(مت59:27) |
(مر46:15) |
(لو53:23) |
(يوحنا38:19-41) |
فَأَخَذَ يُوسُفُ الْجَسَدَ. وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ. |
فَاشْتَرَى كَتَّانًا، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ. |
وَأَنْزَلَهُ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ. |
فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ. وَجَاءَ أَيْضًا نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي أَتَى أَوَّلًا إلَى يَسُوعَ لَيْلًا، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا. فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَاب، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. |
يقول مار يوحنا: «جاء أيضًا نِيقُودِيمُوسُ.[453] وهو حامل مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نحو مئة منًا.» (يو19: 39).][454] فأخذ الجسد القدوس و«لَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ»، وكَفَّنه كالعادة مع الأطياب ودَفَنَهُ (يو19: 39-42). وهذه الكمية الكبيرة تُظهر حُب نِيقُودِيمُوسُ [الذي أراد أن يُظهِر الرب يسوع بمظهر الأغنياء الشُّرفاء بما يليق من الإكرام والإجلال.][455]، أما وجهه فَلَفّوه بمِنديل. ويشير القديس يوحنا إلى أن الأطياب قدمها نيقوديموس، والكفن قدَّمه يوسف الرامي. ويقول العلامة أوريجينوس: [أعتقد أن هذا الكفن أصبح أكثر نقاوة منذ لُفَّ جسد المسيح به؛ إذ احتفظ بكماله حتى في الموت، ونقَّى كل ما لمسه، وجدَّد القبر الجديد المنحوت في الصخر.][456]
والرب الذي قيل عنه ليس له أين يسند رأسه في حياته، سند رأسه في قبرِ غنيٍّ في بستانٍ جميل في مماته. واستعار الرب قبر يُوسُف الرَّامِي الذي عمله في بستان بيته ليُدفَن فيه، ثلاثة أيام، وأعاده له مُقدَّسًا يُشِع نورًا ببهجة القيامة[457]. ويُوسُفُ الرَّامِي، ذلك الغَني الذي تبارك بأن يُقدِّم قبره قبرًا للجسد القدوس، لم يأخذه ربُّ المجد، بل باركه وقدسه، ثم أرجعه قبرًا مقدسًا، بقيامته.
يقول القدّيس بطرس السدمنتي: [ كان يوسف ونِيقُودِيمُوسُ قد أحضرا حنوطًا كثيرة لكثرة محبّتهما للمسيح. وهذا فيه أسرار إلهيّة، حتى إذا قام المسيح وخرج من هذه الحنوط مع شدة التصاقه بالأكفان تكون تلك آيةً عظيمة. وحقًا إنه لَأَمرٌ عظيم أن الأكفان وُجدت بمفردها وكذلك المنديل.][458] وذلك يُبطل كذب الخصوم أن تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه؛ فإن من يأتي لِيَسرِقَه لا يُمهِلُه الوقت والخوف حتى يَفصِل الجسد من هذه الحنوط، ولا أن يُرتب الأكفان بمفردها، والمنديل منفردًا، فالتصاقَهما بالحنوط مانعٌ له في مثل ذلك الوقت.
أما عن الكفن، فهل كان قطعة واحدة، أم كان أكفانًا بالجمع؟!
قال القديس لوقا: «وَأَنْزَلَهُ، وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ.» (لوقا53:23).
καὶ καθελὼν ἐνετύλιξεν αὐτὸ σινδόνι
و[ الكلمة σινδόνι تدل على المفرد وتُطلَق على قطعة واحدة من القماش][459]. ولكن حينما نضيف على هذه القطعة الكتانية، الشريط الذي لُفَّ حول الرأس أو المنديل، يُمكِن القَول الأكفان بالجمع كما في إنجيل القديس يوحنا.
ἔδησαν αὐτὸ ὀθονίοις μετὰ τῶν ἀρωμάτων, لَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ
يقول القديس يوحنا «جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ» (يوحنا7:20).
[فهل كان الْمِنْدِيلُ يُغَطِّي وجهه؟ إن قصة كفن «تورينوُ» تُقدِّم لنا صورة الوجه ظاهرة ومطبوعة في الكفن][460]، بما يُثبت أن الْمِنْدِيلَ لم يُغَطِّ وجهه!، والحقيقة أن عاداتِنا نحن الشرقيين لا أن نُغَطِّي وجه المَيت بل نربط المنديل حول الوجه ليَحفظ الفَم مغلقًا.
[وهذا ما رأيناه في قصة «لِعَازَرُ» حتى قيل عنه «وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل.» واستخدم الإنجيل الكلمة اليونانية «περἰ» (يوحنا44:11) التي تعني حول، ولم يستعمل كلمة «ἐπὶ» التي تُترجم فوق.][461]
عمل يوسف ونِيقُودِيمُوسُ ما لم يستطع الاثنا عشر المُختارون عمله. ولولا ما فعله هذان ودَفَنا الرب في القبر الجديد الذي لم يُدفَن فيه أحد قط، لكان الجنود قد أخذوا جسد يسوع مع جسدي اللصين ووضعوهم معًا في مقبرة واحدة قديمة جماعية. وإذا حدث هذا، ما كانت القيامة قد تأكدت. وكان يمكن أن يُقال أن الذي قام شخصٌ آخَر غيره.
وهنا ظهر تلاميذ يسوع الحقيقيون، الذين امتلأوا حُبًا وشجاعة. ولم يهزمهم الخوف في وقتٍ هَزَم فيه الكثيرين. والعجيب أن [الأناجيل لم تكن قد ذكرت اسم يُوسُف الرَّامي من قبل. لكنه ظهر في الوقت المناسب ليعمل عملًا لم يجرؤ عليه أحد.][462]
في بُسْتَانِ عدن خدع إبليس آدم الأول، فكانت الخطية، والموت.
وفي بُسْتَانِ جثسيماني انتصر آدم الثاني، لا كَابْنِ الله بل كَابْنِ الإنسان.
وفي بُسْتَانِ الرامي كان قَبْرُه المقدس قَبْرًا جَدِيدًا، «لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ.» (يو19: 41).
فيه كان الدفن وكانت القيامة. ولمريم المجدلية بنت حواء مُمثِّلةٍ البشرية، ظهر الرب كأنه الْبُسْتَانِيُّ. «فقالَ لَهَا يَسُوعُ: "يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ"؟ وظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ. فَقَالَتْ لَهُ: "يَا سَيِّدُ، إنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ".» (يو20: 15).
ظهر لها بهذه الهيئة في البستان؛ ليُذَكِّرَها بقصةِ سقوط البشرية في بُسْتَانِ عدن؛ فتفهم أن الصليب هو مفتاح الفردوس المفقود. فالقبر كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ. (يو19:41).
[لأنه كما أعطانا عربون الروح، أخذ منا عربون الجسد الذي حمله معه إلى السماء، كعربون هذا المِلْء الكامل الذي سيرجع يومًا إليه. لذلك لا تخف ولا تقلق أيها اللحم والدم، ففي المسيح حُزتَ السماء ومملكة الله.][464]
حرَّك الرب قلب يُوسُف الرَّامِي. فنَحتَ لنفسه قبرًا جديدًا (مت27: 60)، داخل البستان، فيُوسُفُ الرَّامِي يمثل الإنسان وهذا قبره. ومات الرب ودُفِن بديلًا عن الإنسان، وأخذ قبره ؛ فَحَوَّل موته إلى قيامة.
السيد المسيح في دخوله إلى أرضنا، جاء من مريم البكر خطيبة يوسف.
وفي خروجه من أرضنا، استخدم قبرا بكرًا ليوسف الرامي.
[وكما وُلد الرب من مستودع أُمِّنا العذراء الطاهر الجديد، ولم يشترك معه فيه أحد قط، خرج المسيح
والقبر مغلق والأختام عليه. ووُلِد من العذراء دائمة البتولية؛ ليؤكد القبرُ الجديد حقيقةَ قيامة المسيح، وليكون دليلًا على أن الذي قام من القبر هو المسيح لا غيره.][465]
وإذ قدم يُوسُف الرَّامِي قبره، للسيِّد المسيح صار كنيسة مقدّسة، وموضع يشهد بانتصار الرب على الموت . ورثاه إشعيا بروح النُبُوَّة قبل موته بقرون. «جُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ.» (إش9:53).
[أما موكب دفنه، تملأه دموع النسوة المُخْلِصات: مريم المجدلية، ومريم أم يوسي وكثيرات كُن يتبعنه].[466]
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
(مت60:27) |
(مر46:15) |
(لو53:23) |
(يوحنا41:19-42) |
وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي الصَّخْرَةِ، ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى بَاب الْقَبْرِ وَمَضَى. |
وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتًا فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. |
وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ مَنْحُوتٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ وُضِعَ قَطُّ. |
وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيبًا. |
مات المسيح بين الأثمة كحامل خطايا البشرية، لكنه دُفن بإكرامٍ جزيل، في قبر جديد لم يوضع فيه أحد.
وقبل الصلب، قدمت مريم أخت لعازر قارورة الطيب الكثيرة الثمن، الذي قال عنها الرب: «قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلًا حَسَنًا!... سَكَبَتْ هذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إنَّمَا فَعَلَتْ ذلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي.» (متى6:26-13، مرقس3:14-9). وبعد الصلْب، قدَّم له يوسفُ الرامي المشير الكفنَ الكتاني النقي ومقبرتَه الجديدة المنحوتة في صخرة في بُستانه (مرقس46:15). وقَدَّم نِيقُودِيمُوسُ طِيبًا من مَزِيج مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا. (يوحنا19: 39-41). وقدَّم له النسوة حنوطًا وأطيابًا.
نعم [دُفِنت حبة الحنطة الإلهية فلم تبقَ وحدها، بل أتَتْ ثمرًا عَظيمًا. وبحرارة جثسيماني، ونيران الصليب صارت خبزًا حقيقيًا، هو جسد الذبيحة الكفارية. فقال الرب خذوا هذا جسدي.][467]
فصار القبر شاهدًا للموت والقيامة في وقتٍ واحد. وشاء الرب أن يكون البستان الذي يشهد للموت والحياة، قريبًا من صليب الجلجثة، «وكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ». (يو19: 41)
يقول القدّيس جيروم: [وُضِع الجسد في قبر جديد لم يكن قد وُضع فيه أحدٌ، حتى لا يُظَن أن القيامة قد صارت لآخَر موضوع معه. وحتى يتمكن تلاميذه أن يأتوا ويعاينوا ما يحدث، ولِيكونَ لِدفْنِهِ شهود. فبِوَضْعهم حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى بَاب الْقَبْرِ، لاستحالة إزاحته بلا مساعدةِ أشخاصٍ عديدين.][468].
وما أروع التدبير الإلهي، فقد ظن رؤساء الكهنة أنهم بضبط القبر وخَتمِه وحراسته يمنعون القيامة، ولم يدركوا أنهم بهذا أضافوا إثباتًا وبُرهانًا على صِدق قيامته. فالقبر الفارغ المُغلَق بحجرٍ عظيم (مر46:15)، والمختوم (مت66:27)، والمضبوط بالحُراس (مت66:27)، دليلُ إثباتٍ على قيامة الرب. ثُم إن خروج المسيح القائم من القبر المغلق بحجر مختوم، تأكيدٌ لولادته من العذراء دائمة البتولية.
ويقول القدّيس بطرس السدمنتي: [لما كان السيِّد قد وُلد من مستودع جديد طاهر لم يتقدّمه فيه غيره، حَسُن دفنه في قبرٍ جديد لم يُوضَع فيه غيره. أمّا كَونُه في بستان، فهو رمز إلى خلاص آدم الذي مات بالخطية في بستان، فدُفن السيِّد في بستان ليَردَّه إليه ثانيةً. وكان قبره جديدًا مؤكِّدًا أنه هو الذي قام لا غَيْرَه. فالبستان لم يكن مقبرة، وإنما تقدَّم يوسف فنَحت هذا القبر في موضعٍ لم يكن قد دُفِن فيه أحدٌ.][469]
(متى61:27) |
(مرقس47:15) |
(لو55:23، 56) |
وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ. |
وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ. |
وَتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُ. فَرَجَعْنَ وَأَعْدَدْنَ حَنُوطًا وأَطْيَابًا. |
«وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ.» (مر15: 40).
كانت محبتهن أقوى من طبيعتهن الضعيفة كنسوة غير قادرات على مواجهة أحداث الصلب. [وكُنَ قد عكفنَ بحكمة واجتهاد على الاعتناء بجسد الرب، كما يقول القديس كيرلس الكبير؛ لأنهن ظنَنَّ أن جسده سيبقى على الدوام في القبر][470].
_____
[445]الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي، الإنجيل للقديس يوحنا، دار المعارف 1986م، ص650.
[446]ناجي نصيف، أسبوع الآلام لحظة بلحظة: دراسة تفسيرية كتابية، طبعة أولى2012م، ص368.
[447]Kurt Aland and others ed., The Greek New Testament (Nestle Aland), 4th revised edition 1993, United Bible Societies, Germany.
[448]د. موريس تاوضروس، تحليل لغة الإنجيل للقديس متى في أصولها اليونانية، دير القديسة دميانة، طبعة أولى2000، ص867.
[449]المرجع السابق، ص868.
[450]القديس يوحنا ذهبي الفم، . PG, vol.58: p.778; NPNF, series 1: vol.10: p.522
[451]ناجي نصيف، أسبوع الآلام لحظة بلحظة: دراسة تفسيرية كتابية، طبعة أولى2012م، ص369.
[452]الأب لويس برسوم الفرنسيسكاني، حياة يسوع المسيح: ج2، المعهد الفرنسيسكاني، طبعة1960، ص263.
[453]يُسَجِّل القديس يوحنا ما حدث في اليوم الأخير العظيم من الفِصْح: شهادة جنود الهيكل (الخدام) عن المسيح قائلين: «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإنْسَانِ» (يو46:7). واعتراض الفريسيين قائلين: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا قَدْ ضَلَلْتُمْ؟ أَلَعَلَّ أَحَدًا مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَوْ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ آمَنَ بِهِ؟ وَلَكِنَّ هَذَا الشَّعْبَ الَّذِي لاَ يَفْهَمُ النَّامُوسَ هُوَ مَلْعُونٌ» (يو7: 47-49). فقال لهم نِيقُودِيمُوسُ (مدافعًا عن الرب): «أَلَعَلَّ نَامُوسَنَا يَدِينُ إنْسَانًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَوَّلًا وَيَعْرِفْ مَاذَا فَعَلَ؟» (يو7: 51) لذلك اعتبروه جليلي قائلين له: «أَلَعَلَّكَ أَنْتَ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ؟ فَتِّشْ وَانْظُرْ! إنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ مِنَ الْجَلِيلِ». (يو7: 52).
[454] والمَنَا هي وِحدةُ وَزْنٍ يونانية تُعادل 340 جرام تقريبًا. وعلى هذا يكون الوزن الكلي 34 كجم تقريبًا. دار الكتاب المقدس، العهد الجديد بالخلفيات التوضيحية، طبعة ثالثة 2006م، ص134.
[455]الأب لويس برسوم الفرنسيسكاني، حياة يسوع المسيح: ج2، المعهد الفرنسيسكاني، طبعة1960، ص263.
[456]Die griechischen christlichen Schriftsteller der ersten Jahrhunderte, Berlin Akademie, Verlag 1897-, vol.38/2: p.296.
[457]الأنبا إيسيذوروس، الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة، طبعة القمص عطاالله أرسانيوس المحرقي 1964م، ص25.
[458]القديس بطرس السدمنتي، القول الصحيح في آلام المسيح، تنقيح القمص يوحنا المقاري وشنوده عبدالسيد، سنة 1926م، ص407.
[459]Souter, A Pocket Lexicon To the Greek New Testament, Oxford 1934, p.235.
[460]الأنبا بيشوي مطران دمياط، القمص متياس فريد، كفن ربنا يسوع بين العلم والكتاب المقدس، 1983م.
[461]Rev. Dr. Marshall, The Interlinear Greek- English New Testament, p.92.
[462]البابا شنودة الثالث، مجموعة تأملات في أسبوع الآلام، طبعة ثانية 1991، ص192.
[463]اُنظر صورة رقم (5).
[464]ترتليانس الأفريقي ضد بركسياس أو عن الثالوث القدوس ضد هرموجانس أو في عدم أزلية المادة، ترجمة أمجد رفعت رشدي، الناشر: مدرسة الإسكندرية، طبعة أولى2017م، ص58.
[465]القديس جيروم (إيرونيموس) Corpus Christianorum, Series Latina, Turnhout, Belgium, Brepols, 1953-, vol.77 p.278.
[466]دليل القدس، رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس، طبعة سابعة 1960م، ص57.
[467] ف. و. كروماخر، المخلص المتألم، تعريب فؤاد حبيب، لجنة خلاص النفوس للنشر، طبعة 1962م، ص44.
[468]القديس جيروم (إيرونيموس) Corpus Christianorum, Series Latina, Turnhout, Belgium, Brepols, 1953-, vol.77 p.278.
[469]القديس بطرس السدمنتي، القول الصحيح في آلام المسيح، تنقيح القمص يوحنا المقاري وشنوده عبد السيد، سنة 1926م، ص421، 422.
[470]القديس كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل القديس لوقا، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، مؤسسة القديس أنطونيوس المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة ثانية 2007م، عظة 153، ص750.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-youhanna-fayez/trials-of-jesus/tomb.html
تقصير الرابط:
tak.la/7rd9n8w