St-Takla.org  >   books  >   fr-tadros-malaty  >   patristic-social-line
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب الخط الاجتماعي عند آباء الكنيسة الأولى - القمص تادرس يعقوب ملطي

125- حدود التأديب في العهد الجديد

 

يلتزم الحكام بتأديب الأشرار والمجرمين، وكما يقول الرسول بولس: "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة. فإن الحكام ليسوا خوفًا للأعمال الصالحة بل للشريرة. أفتريد أن لا تخاف السلطان؟! افعل الصلاح فيكون لكي مدح منه.لأنه خادم الله للصلاح. ولكن إن فعلت الشر فخفْ. لأنه لا يحمل السيف عبثًا إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر. لذلك يلزم أن يُخضع له، ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضًا بسبب الضمير" (رو 1:13-5).

واضح أن العهد الجديد أعطى للحاكم أو المسئولين حق تأديب الأشرار حتى إلى استخدام السيف. وقد ترك للمشرعين أن يضعوا حدود العقوبة أو التأديب حسب ظروف العصر أو الدولة أو مرتكب الشر أو ملابسات القضية.

أما من جانب الساقط تحت العقوبة أو التأديب فإنه إذ يخضع للحكم العادل يلزمه ألا يخاف من غضب الناس بل من ضميره، فيكون التأديب لمراجعته لنفسه وبنيانه في كل جوانب حياته.

هذا عن تأديب الجماعة للأشرار، أما بالنسبة لتأديب الأبناء فيقول الرسول بولس: "أي ابن لا يؤدبه أبوه؟!" (عب 7:12). أما حدود هذا التأديب فهو تقديم صورة حب الله الحاني الحازم لأولاده: "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله" (عب 6:12). لم يقدم لنا العهد الجديد شرائع تفصيلية، لكنه يقدم مبدأ أساسيًا، وهو التعامل مع الأبناء كظل لتعامل الله معنا، مثل إعلان الحب الفائق مع الحزم لبنياننا، وتقديم الحرية الإنسانية، وتقدير شخصية الإنسان مهما صغر سنه ولو كان رضيعًا إلخ.

يقول القديس أغسطينوس[29]:

[لا يعني ما سبق ذكره أننا نتنحى عن توقيع التأديب، كوسيلة للتهذيب، وذلك كما تمليه المحبة نفسها، على أن توقيع التأديب لا يمنع من كون الإنسان مستعدًا لاحتمال أضرارٍ أكثر ممن يؤدبه. ولكن لا يستطيع الإنسان ذلك ما لم يكن قد تغلب على الكراهية التي تدفع إلى الانتقام، وهذه الغلبة لا تكون إلا بالمحبة الشديدة. فنحن لا نخاف أن يكره الأب ابنه الصغير عندما يؤدبه كي لا يخطئ مرة أخرى.

إن كمال المحبة يظهر لنا في الله الآب نفسه الذي نقتدي به، عندما قال فيما بعد ذلك: "أحبوا أعداءكم.. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (مت 44:5)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ومع هذا فقد قيل عنه بالرسول: "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله" (عب 6:12). يقول الرب أيضًا: "وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيُضرب كثيرًا. ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات يُضرب قليلًا" (أنظر لو 47:12، 48). لذلك فمن أُعطي له سلطان التأديب، فليُؤدب بحسب النظام الطبيعي، بنفس الإرادة الصالحة التي للأب نحو ابنه الصغير الذي لا يمكن أن يكرهه.

St-Takla.org Image: Arabic Bible marking, highlighting and adding notes - Personal Bible - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org صورة في موقع الأنبا تكلا: التخطيط والتعليم في الكتاب المقدس باللغة العربية وإضافة ملاحظات - إنجيل شخصي - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلا

St-Takla.org Image: Arabic Bible marking, highlighting and adding notes - Personal Bible - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org

صورة في موقع الأنبا تكلا: التخطيط والتعليم في الكتاب المقدس باللغة العربية وإضافة ملاحظات - إنجيل شخصي - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلا

وإنه لمن الخطأ أن يترك الخاطئ بدون تأديب، فمن يؤدب بمحبة لا يقصد جعل الخاطئ بائسًا، بل يرغب في إسعاده بالتأديب، ولكن على المؤدب أن يكون مستعدًا لاحتمال شرورًا أكثر من الشخص الذي يؤدبه، سواء أكان في سلطانه أن يمنعه من ذلك أو ليس في سلطانه ذلك.

استخدم بعض الآباء القديسين أحيانًا عقوبة الموت في الحكم على البشر، ومع ذلك فهم يعرفون جيدًا أن الموت (الذي يفصل الروح عن الجسد) ليس بعقابٍ، ولكن لأن كثيرين يشعرون بخوف من الموت، لذلك أُستخدمت عقوبة الموت لتخويف الخطاة. والحقيقة أن الموت لا يضر من يؤدَب به، إنما الذي يجلب الضرر هي تلك الخطية التي تتزايد ببقاء الخطاة أحياء في الجسد.

إن استخدام الآباء للسلطان الإلهي في الحكم بالموت على الخطاة لم يكن بتهور بل كان بحكمةٍ. فحكم إيليا النبي بالموت على كثيرين من الخطاة سواء بالقتل أو بطلبه نارًا من السماء لإبادتهم (أنظر 1 مل 40:18، 2 مل 10:1)، هذا الحكم إنما حدث بروح المحبة لخير البشرية ونفع المؤمنين.

لذلك عندما طلب التلاميذ من السيد المسيح نفس الطلب، أن تنزل نار من السماء على أهل السامرة الذين لم يقبلوا السيد المسيح متمثلين بإيليا النبي، لم ينقد الرب ما صنع النبي، بل انتهر جهل التلاميذ، موبخًا معرفتهم البدائية برسالة المسيح الخلاصية، موضحًا لهم أنهم بذلك لا يرغبون في التهذيب بمحبة، بل يرغبون في الانتقام بكراهية (لو 52:9-56). وبعد ما علمهم الرب عن محبة القريب كالنفس، وبعد ما حل الروح القدس عليهم في يوم الخمسين، لم يعودوا بعد يطلبون مثل هذه الأمور الانتقامية، بل أصبحت هذه الطلبات نادرة جدًا في العهد الجديد (حنانيا وسفيرة) إذا ما قورنت بالعهد القديم. إن العلاقة بين الله والإنسان في العهد القديم، كالعلاقة بين السيد والعبد، تقوم على الخوف. أما في العهد الجديد، فلم نصبح بعد عبيدًا بل أبناء، إذ تحررت نفوسنا من عبودية الخوف بالمحبة الإلهية.]

يتحدث العلامة أوريجينوس عن عٌرفٍ سائدٍ يشير إلى استخدام التأديب منذ زمنٍ بعيدٍ. [في كنيسة المسيح، جَرَى العٌرفٌ على استبعاد الممارسين لخطايا واضحة عن الصلاة المشتركة[30].]

يلزم أن يكون التأديب أكثر صرامة وحزمًا طبقًا لمسئولية المؤمن في الكنيسة ودوره دون استثناء. وكما يقول العلامة أوريجينوس:

[كل الخطاة في الكنيسة.. مستحقون للعقاب. لكن عقابهم يختلف تبعًا للمرتبة التي يشغلونها..

يستأهل الموعوظ رحمة أكثر من المؤمن.

وللشماس الحق في العفو أكثر مما للكاهن.

أما ما يتبع ذلك، فلستم في حاجة لأخبركم عنه.. إني أخاف دينونة الله. وأضع أمام مخيلتي صورة لما سيحدث فيها.. أضع في اعتباري القول: إن كان الحمل أثقل مما يمكنك تحمله فلا ترفعه. فماذا أنتفع إن كنت أتوَّج عند منبر المعلم في مكان الشرف ..إذا كنت عاجزًا عن إنجاز العمل الذي يستلزمه وضعي(كمعلمٍ)؟ سيكون عقابي، حينئذ أكثر ألمًا، في وقت يٌعاملني فيه كل الناس باحترام، على أساس إني صالح، في حين أكون أنا خاطئًا[31].]

يقول العلامة أوريجينوس أنه يلزمنا ألا نتسرع بالتأديب العلني:

[(الله) لا يُريدك، إذا ما رأيت خطيئة أخيك أن تندفع مٌسرعًا إلى مكان عام، وأن تصيح بغير تمييز، مفشيًا سره. فإن مثل هذا التصرف لا يصدر عن من يقصد التصحيح، بل بالأحرى من يهدف إلى التشهير. لهذا يقول: "عاتبه بينك وبينه وحدكما" (مت 15:18). فعندما يرى من أخطأ أن سره قد حٌفظ، يكون في وسعه أيضًا إصلاح موقفه في خجل. لكنه إذا رأى أنه قد شُهِّر به، فسيتعمد حالًا إلى الإنكار في عدم حياء. بهذا ليس فقط تفشل في تصحيح الخطأ، بل وينتهي بك الأمر إلى مضاعفته. فعليك إذًا أن تتعلم هذا النظام اللائق من الأناجيل[32].]

لا تمتنع الكنيسة عن ممارسة التأديب خشية التشهير بها وكما يقول العلامة أوريجينوس:

[يتحمل الأنبياء والمعلمون ممن يقاومونهم ما يحتمله الأطباء من المرضى غير الراغبين في تقبل العلاج الطبي القاسي. مثل هؤلاء المرضى غير المنضبطين يقدِمون إما على الهروب من أطبائهم، أو يوجهون إليهم الإيذاء والإهانة، ويتعاملون معهم كما لو كانوا أعداء لهم[33].]

* كما يضطر الأطباء إلى مضايقة المرضى لكن المرضى يقبلون ذلك من أجل فائدتهم، وكما أن الآباء كثيرًا ما يضايقون أبناءهم، هكذا بالأكثر جدًا يفعل المعلمون. يتضايق المرضى من الطبيب ومع هذا فغالبًا ما يدخلون معه في علاقة ود، ويمارس الأب سلطانه على ابنه بسهولة شديدة بحكم الطبيعة وخلال القوانين الوضعية، فيقوم بتأديب ابنه بغير إرادة الابن ومع ذلك فلا يجد ما يعوقه ولا يقدر الابن أن يرفع نظره إليه، أما الكاهن فإن فعل هكذا يجد صعوبة شديدة. فمن جهة الكاهن ملتزم بتدبير أمور شعب يطيعونه بإرادتهم (دون إلزام) ويشكرونه على تدبير أمورهم، وإن كان هذا لا يتحقق بسهولة، فإن دان الكاهن شخصًا ووبخه، فبالتأكيد لا يشكره الشخص، بل يتحول إلى عدوٍ، وهكذا إن قدم نصيحة أو نذر. فإن قلت لكم أنفقوا غناكم على المحتاجين أكون كمن يهاجمكم ومن هو ثقيل عليكم. وإن قلت لكم اكبحوا غضبكم، واطفئوا غيظكم، واضبطوا شهواتكم الشريرة، وتخلوا عن الترف، تحسبوا هذا أمرًا ثقيلًا وهجومًا ضدكم. فإن عاقبت إنسانًا كسولًا أو طردته من الكنيسة أو استبعدته عن الصلوات العامة يحزن لا لأنه سيحرم من هذه الأمور، وإنما لأنه يحسب في ذلك إهانة عامة قد لحقت به[34].

* الذين يتناولون الدواء المرّ يخضعون أولًا لشيء من الامتعاض لكنهم يشعرون بالراحة بعد ذلك.. هكذا أنتم تتألمون، هكذا هو التأديب في بدايته.. فإنه كل تأديب يبدو للحزن مع أنه في حقيقته غير ذلك[35].

القديس يوحنا الذهبي الفم

* صديق ينتهر آخر سرًا هو طبيب حكيم، أما من يريد أن يشفي أمام عيون كثيرين ففي الحقيقة هو شتَّام.. الإنسان البار يتشبه بالله، لن يؤدب إنسانًا للثأر والانتقام من شره، بل ليصلحه أو لكي يخاف الآخرون[36].

القديس مار إسحق السرياني

* لا يليق بالأطباء أن يسخطوا على المرضى، بل يجب عليهم أن يضادوا الأمراض ليشفوا المرضى.

القديس باسيليوس الكبير

* ارعَ الماشية لا بضجرٍ ولا بهزءٍ، كأن لك سلطان عليهم، بل كراعٍ صالحٍ تجمع الخراف إلى حضنك، وتقوِّي الحبالى.

الدسقوليَّة

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[30] PG 13:1740.

[31] In Ezech. Hom. 5:4.

[32] In Lev. Hom. 2:1.

[33] In Jer. Hom. 14:1.

[34] In 1. Thess, hom., 10.

[35] In Hebr. hom 30 : 1.

[36] Ascetical Homilies, 48.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/punishment.html

تقصير الرابط:
tak.la/x8g22da