كان فيلسوفًا يرأس إحدى كراسي الأكاديمية (الموزيم Museum) بالإسكندرية، عكف على دراسة الكتاب المقدس ليضرب بسهام نقده الإيمان المسيحي، لكن روح الله اجتذبه، وصار عميدًا لمدرسة الإسكندرية المسيحية في القرن الثاني.
وضع هذا الأب عملين هامين، الأول: التماسه أو شفاعته عن المسيحيين وجهه إلى الإمبراطورين الفيلسوفين مرقس أوريليوس أنطونيوس (161 – 180) وابنه شريكه في الحكم كومودس. والعمل الثاني عن قيامة الموتى، دافع فيه عن قيامة الأجساد خلال المنطق وليس بعبارات كتابية, حيث وجهه إلى الفلاسفة غير المسيحيين.
في العمل الأول مدح العلامة أثيناغوراس الإمبراطور وابنه كفيلسوفين محبين لصنع السلام والعمل الإنساني نحو الجميع. ابرز أن المسيحيين لا يطلبون شيئًا سوى تحقيق العدالة[19]. كما أوضح أثيناغوراس أن المسيحيين يصلون من أجلهما وأنهم يرجون لهما النمو والتقدم وخضوع الكل لهما.
تظهر رقته في الأسلوب واعتداله في قوله أن العالم كله - مدنًا وأفرادًا - يتمتّعون بحسن معاملتكما. المسيحيّون وحدهم مضطهدون بسبب إشاعات وأقاويل.. "إذا استطاع أحد، حقًا، أن يثبت علينا جريمة، صغيرة كانت أو كبيرة، فإننا لا نطلب أن نُعفي من العقوبة، بل نحن على استعداد أن نحتمل أشد عقاب أو أقصاه"[20].
في نقس الوقت رد بكل قوة المنطق والشجاعة على الاتهامات الموجهة ضد المسيحيين.
1. الإلحاد وعدم الولاء للدولة، لرفضهم الاشتراك في الطقوس الشعبية الخاصة بالأعياد الوثنية، كما اتّهموا باحتقارهم الشعوب الأخرى وعدم ولائهم للإمبراطور.
أكّد أثيناغوراس أن المسيحيّين وإن كانوا لا يؤمنون بتعدّد الآلهة لكنهم يؤمنون بالله الواحد. هذه الوحدانيّة ليست غريبة عن الفكر اليوناني، بل وجدت لدى بعض شعرائهم وفلاسفتهم، ومع ذلك لم يتّهموا بالإلحاد (فصل 6)، مع أن براهينهم التي قدّموها ضعيفة، أما المسيحيّون فقد تقبّلوا إعلانًا إلهيًا وتعليمًا خلال الأنبياء بواسطة الروح القدس. بجانب هذا وجدت البراهين العقليّة جنبًا إلى جنب مع إيمانهم، فالمسيحي يقبل الله بطريقة أكثر نقاوة وكمالًا ممّا لكل الفلاسفة.
أوضح أيضًا إخلاص المسيحيّين للحكام، فهم يصلّون من أجل خير المملكة وثباتها ودوام انتقال التاج الإمبراطوري في النسل الملكي.
2. أنهم أكلة لحوم البشر، إذ أساء الوثنيون فهم التناول من جسد الرب ودمه. يقول العلامة أثيناغوراس أنه لو كان هذا حق التزم الأمر ارتكاب جرائم قتل؛ لكن المسيحيّون يفزعون حتى من رؤية من يحكم عليهم بالإعدام، كأنهم يشتركون في جريمة القتل مع منفذ الإعدام (فصل 35). يقول أيضًا كيف يفعلون هذا وهم لا يطيقون مشاهدة ألعاب المصارعة مع السباع والحيوانات الضاريّة التي يتلذّذ الوثنيّون بمشاهدتها؟! ويدلّل على كذب هذا الاتّهام من أن المسيحيّين يعتبرون النسوة اللائي يستعملن العقاقير لإسقاط جنين قتلًا يسألن عنه أمام الله. أخيرًا فإن المسيحيّين وهم يؤمنون بقيامة الأجساد كيف يجعلون من أنفسهم ضريحًا لأجساد لابد أن تقوم؟!
3. المعاشرات الأوديبية، إذ كانت لهم اجتماعات مغلقة لممارسة الليتورجيات، ولأن المسيحيين اتسموا بالحب والعلاقات الوطيدة مع بعضهم البعض، مع اشتراك الجنسين معًا حتى في الدراسة في مدرسة الإسكندريّة، هذا كله أدّى إلى تشكّك الوثنيّين في أمر هذه الاجتماعات، لهذا اتّهموا بالمعاشرات الأوديبية حتى يحطّموا هذه الاجتماعات المغلقة ويعرفوا أسرارها. أوضح الفيلسوف أن أخلاق المسيحيّين العاليّة تدرأ عنهم الاتّهام الظالم من جهة المعاشرات الأوديبية، إذ يعتقدون أن الله ينظر أفكارهم وحرّكات قلوبهم ونظراتهم. إن هذا الاتّهام يصدق على الوثنيّين الذين نظموا قصصًا من هذا النوع عن آلهتهم، فقالوا أن زيوس أنجب أولادًا من أمه ريا وابنته كوريا واتخذ أخته زوجة (فصل 32). أكّد أيضًا كذب الاتّهام من الاحترام المتبادل بين المسيحيّين بعضهم البعض. ونظرتهم المقدّسة للزواج، رفضهم الطلاق، وحبّهم للحياة البتوليّة.
في دفاعه اهتم بإبراز سموّ الحياة المسيحيّة. استخدم العلامة أوريجينوس ذات البرهان فيما بعد بقوّة في دفاعه ضدّ كلسس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فإن المسيحيّة وحدها تستطيع أن ترفع القطيع الصغير إلى الفضيلة العالية، الأمر الذي يعجز الفلاسفة عن البلوغ إليها(21).
_____
[19] Athenagoras: Leg. 2: 1-2.
[20] Embassy, 2.
(21) J. Lebreton : History of the Primitive Church, Vol 3, London 1946, p. 482.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/athenagoras-1.html
تقصير الرابط:
tak.la/35nxwc2