12- كيف نقتني الصبر؟
جرمانيوس: كيف يمكننا أن نقتني الوداعة ونحفظها؟ إننا عندما نمارس الصمت نغلق شفاهنا ونمتنع عن الحديث، حتى نتمكن من حفظ وداعة القلب التي نفقدها أحيانًا حتى ولوصمت اللسان، لهذا فنحن نعتقد أن وداعة الروح لا يمكن أن يحافظ عليها إلا ناسك متوحد في قلاية منعزلة.
13- بيامون
إننا لا نحصل على الصبر الحقيقي والهدوء، ولا نحفظهما بدون تواضع عميق من القلب. فإذا ما نبع الصبر من هذا المصدر لا تكون هناك حاجة إلى الوجود في قلاية (كمعين ضد الغضب) أو إلى حماية البرية، فإنه لا حاجة إلى عون خارجي من أي شيء طالما توجد فضيلة التواضع الداخلية، التي هي أم الصبر وحارسته.
أما إذا اضطربنا من أي إنسان يهاجمنا، يكون من الواضح أن أسس التواضع غير موجودة فينا بإحكام، لذلك فإن هبت أقل عاصفة يهتز البناء كله ويهلك. لأن الصبر لا يستحق الإعجاب والتقدير إن احتفظ بالهدوء عندما لا يهاجمنا عدو، بل يكون عظيمًا ومجيدًا إن بقى بلا تأثير عندما تهاجمه عواصف التجارب. لأنه يزداد قوة حين يضايقه عدو أو يؤذيه، وحيث يظنون أنه سيتضايق إذ هو بالأكثر يتزكى.
لأن كل إنسان يعرف أن "الصبر" يأخذ اسمه من الآلام والاحتمال، بهذا يتضح أنه لا يُمكن أن يدعى إنسان صبورًا إلا ذاك الذي يحتمل كل ما يحل به من متاعب دون أن يتضايق. هكذا لم يمدح سليمان مثل هذا الإنسان بغير بسبب، إذ يقول: "البطيءُ الغضب خير من الجبار ومالك روحهِ خير ممَّن يأخذ مدينة" (أم 32:16). وأيضًا "بطيءُ الغضب كثير الفهم، وقصير الروح معلّى الحمق" (أم 29:14).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إذا انهزم إنسان أمام خطأ واشتعلت فيه نيران الغضب، وجب عليه ألا يعتبر أن مرارة الإهانة الموجهة إليه هي سبب خطيته بل بالأحرى ظهور ضعفه الخفي، وذلك طبقًا لمثل ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي تحدث فيه عن المنزلين (مت 24:7، 26). أحدهما مؤسس على الصخر والآخر على الرمل. فقد قال عن الاثنين أن عواصف المطر والسيول والرياح هبت عليهما بالتساوي لكن المؤسس على الصخر والصلب لم يتأثر على الإطلاق من قسوة الصدمة، أما الذي تأسس على الرمل الناعم المتحرك فللحال انهار وسقط، والسبب في سقوطه بالتأكيد لم يكن اصطدامه بالعواصف والسيول بل لأنه بُني في غير حكمة على الرمل.
فالقديس لا يختلف عن الخاطئ في أنه ليس مجربًا مثله، بل يختلف عنه في أنه لا يُقهر حتى من الهجوم العنيف أما الآخر فينهزم من أقل تجربة. لأنه كما سبق وقلت أن ثبات أي إنسان صالح لا يستحق المديح بنواله النصرة بدون أن يجرب، لأنه ليست نصرة بدون حرب روحية...
"طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنهُ إذا تزكَّى ينال إكليل الحياة الذي وعد بهِ الربُّ للذين يحبُّونهُ" (يع12:1). وكما جاء في رسالة الرسول بولس أن "القوة تكمل" ليس في الطريق السهل المملوء مباهج، بل "في الضعف" (2كو9:12). ويقول الله "هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة وعمود حديدٍ وأسوار نحاس على كل الأرض، لملوك يهوذا ولرؤَسائها ولكهنتها ولشعب الأرض، فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب لأنقذك"[4] (إر1: 18، 19).
_____
[4] يستخدم الآباء مثل هذه النصوص بمعنى رمزي لنفعنا الروحي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-18-patience.html
تقصير الرابط:
tak.la/6bz86vm