11- عن التواضع الحقيقي والتواضع المزيف
إنني إذ أرى أنكما قد تعلمتما المبادئ الأولى لهذه الحياة من رهبان أفاضل، أعني مبتدئين بمدرسة الشركة الممتازة هادفين إلى نظام السمو الشاهق الذي للنساك، لذلك يجدر بكما أن تبحثا بإخلاص عن فضيلتي التواضع والصبر. وإنني لا أشك في أنكما قد لُقنتما هاتين الفضيلتين كما ينبغي وليس في صورة زائفة كلامية كما يفعل البعض، ولا بطريقة صناعية...
هذا التواضع المزيف كشفه الأب سرابيون في عمقه، عندما أتاه أحد الرهبان مظهرًا مسكنة عظيمة في ملبسه وطريقة حديثه، فطلب منه الأب الشيخ أن يوزع المزامير كالعادة، لكن الراهب اعتذر محتقرًا نفسه معلنًا أنه خاطئ ولا يستحق حتى أن يستنشق الهواء، ورفض حتى أن يستخدم الحصيرة التي قُدمت له، مفضلاً أن يجلس على الأرض العراء، مظهرًا ميلاً لغسل الأرجل... وبعد العشاء إذ اجتمعوا بدأ الأب سرابيون ينصح الراهب بوداعة ورقة أن يكف عن الأسفار بغير هدف، خاصة وأنه شاب قوى، وأن يبقى في قلايته حسب نظام الآباء، ويعتمد على جهاده وليس على جهاد غيره، الأمر الذي لم يسمح به الرسول لنفسه، فبينما يعمل من أجل الإنجيل لم يقبل أن يأخذ احتياجاته المادية التي هي من حقه، لكنه استحسن أن يعمل من أجل احتياجاته الضرورية واحتياجات الذين يخدمون معه وهم غير قادرين على العمل بأيديهم. احتدم الراهب بالغيظ، حتى انه لم يستطع أن يخفي الضيق الذي ملأ قلبه، فقال له الأب سرابيون "يا ابني إنك حتى هذه الساعة كنت تتهم نفسك بتعديات كثيرة معترفًا بآثام مخيفة تشوه سمعتك. وها أنا أرى كيف إن نصيحتي الممتلئة حبًا لك والتي لم تحوي توبيخًا أثارت كآبة في داخلك وغضبًا لم تستطع ضبطه... فلعلك كنت تطلب منَّا وراء تظاهرك بمظهر المسكنة أن تسمع منَّا مديحًا... لكن ينبغي أن تقتني تواضع القلب الذي لا يأتي من مظهر الكلام بل بمسكنة الروح الداخلية. هذه المسكنة وحدها تشرق بضياء الشهادة الحقيقية، وذلك عندما لا يفتخر الإنسان بالإثم بالتباهي به، بل في هدوء ووداعة روح يغفر لمن يتهمونه متغاضيًا عنهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/john-cassian/conferences-18-humility.html
تقصير الرابط:
tak.la/d79a3t7