إذ التقت الكنيسة حول مخلصها، واجتمعت فيه تقدم الكنيسة هذه الصلوات الثلاث كاستعداد للقسمة:
أ. صلاة لكي ينطلق بها إلى الملكوت.
ب. صلاة لكي يحفظها كل أيام غربتها.
ج. صلاة شكر من أجل أعماله الخلاصية.
أما نحن الغرباء فاحفظنا في إيمانك،
وانعم لنا بسلامك إلى التمام".
ويجيب الشعب بهذه التسبحة: "كما كان وهكذا يكون، من جيل إلى جيل وإلى دهر الدهور. آمين".
إنهم يشتركون بهذا مع الأربعة وعشرين قسيسًا السمائيين الذين يسبحون الرب قائلين: "نشكرك أيها الرب الإله القادر على كل شيء، الكائن والذي كان والذي يأتي، لأنك أخذت قدرتك العظيمة وملكت"، ومع الأربعة المخلوقات الحية القائلين: "قدوس، قدوس، قدوس الرب الإله القادر، الذي كان، والكائن والذي يأتي".
وكأن الشعب بعدما اتحد معًا في المسيح يسوع أدرك خلاصه فيقول: أنت الذي كنت تعمل لأجلنا، وهذا نحن نرى عملك حاضرًا فينا، وننتظر أعمالك المستمرة عبر كل الأجيال حتى نلتقي بك وجهًا لوجه في الأبدية.
"وأهدنا إلى ملكوتك،
لكي وبهذا كما في كل شيء،
يتمجد ويتبارك اسمك العظيم القدوس،
في كل شيء كريم ومبارك مع يسوع المسيح ابنك الحبيب والروح القدس"
القداس الباسيلي
يختم الكاهن هذه الصلاة بالسلام الرسولي الرب مع جميعكم، لكن دون أن يرشم الشعب بالصليب، لأنه إذ تم التقديس وحلول الروح القدس صار الرب حاضرًا على المذبح هو الذي يرشم ويبارك!
"وأيضًا فلنشكر الله ضابط الكل،
لأنه جعلنا أهلًا الآن أن نقف في هذا الموضع المقدس،
ونرفع أيدينا إلى فور،
ونخدم اسمه القدوس.
هو أيضًا فلنسأله أن يجعلنا مستحقين لشركة وإصعاد أسراره الإلهية غير المائتة".
من هذه الصلوات الثلاث، خاصة خاتمة الصلاة الأخيرة نفهم الاستعداد للتمتع بالشركة والتناول من الأسرار المقدسة:
أ. التسليم بين يدي نعمة الله التي عملت وتعمل وتبقى عاملة عبر الأجيال من أجل خلاص البشرية.
ب. رفع القلب إلى الملكوت والانشغال بالأبدية.
ج. حياة الشكر المستمر من أجل تدبيراته وأعماله معنا.
قبلما يصلي الكاهن "القسمة" يأخذ الجسد على يده اليسرى ويشير إليه قائلًا: "الجسد المقدس".
الشعب: "نسجد لجسدك المقدس".
ثم يغمس إصبعه بالدم ويرشم به الجسد على شكل صليب.
قائلًا: الدم الكريم.
الشعب: ولدمك الكريم.
الكاهن: اللذان لمسيحه ضابط الكل.
الشماس: آمين. آمين. صلوا.
الشعب: يا رب ارحم.
الكاهن: سلام لجميعكم.
الشعب: ولروحك أيضًا.
إننا نرى الكنيسة تسجد لجسد الرب ودمه، وكما يقول القديس أغسطينوس: "من لا يسجد لجسد المسيح لا يتناوله". وقيل القديس يوحنا الذهبي الفم[322]: "إن المجوس وهم وثنيون وبرابرة تركوا مدنهم وبيوتهم وقطعوا مسافات طويلة وجاءوا بخوف ورعدة عظيمين وسجدوا له. فلنتقد إذن بهم على الأقل، نحن أبناء السموات، لأن هؤلاء رأوه في كوخ ومزود ولم يروا ما أنت تراه ن. هم تقدموا برعدة عظيمة وهذا أنت تراه على المذبح..."
رشم الجسد بالدم على شكل صليب يشير إلى اصطباغ الرب بالآلام، كما يشير إلى تدفق الدم من جنبه وهو على الصليب[323]، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولعل هذا الطقس يذكرنا بما تنبأ عنه إشعياء النبي[324] قائلًا: "ما بال لباسك محمر، وثيابك كلها كدائس المعصرة؟! لقد دُست المعصرة وحدي".
فالآن تنشغل أذهان الكنيسة بالجلجثة، بسرور تنعم بالشركة مع الرب المصلوب!
يكسر الكاهن الجسد إلى اثنيّ عشر جزءًا، حول المركز الذي يسمى "الاسباديقون". وفي هذا يقول الأب ثيؤدور[325]: "الآن قد تمت الليتورچيا، لهذا يقوم الكاهن الخادم بكسر الخبز كما يعلن ربنا نفسه في ظهوراته..."
وقد أشار القديس هيبوليتس[326] إلى "كسر الخبز" بواسطة الأسقف، كما أشار الأسقف سرابيون إلى صلاة القسمة في كتابه "الخولاجي".
وفي وجبة "الشبورة" كان رب الأسرة يكسر الخبز لأجل توزيعه فقط، أما في العشاء الأخير، فقد كسره ربنا يسوع بعدما قدسه وحوَّله إلى جسده، ثم قام بتوزيعه قائلًا[327]: "خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور عنكم". فالكسر هنا يعلن قبوله للآلام بإرادته وإن كان عظم من عظامه لا يُكسر.
يليق بنا أيضًا أن نفهم أن الجسد المحيي بعد القيامة لن يموت بعد. هو جسد روحي حق، وما نناله ليس جزءًا منه بل "جسد الرب" الحق كقول القديس إيرينيموس[328] أن الجسد نفسه لا يتجزأ.
في نهاية صلاة القسمة -التي تختلف حسب المناسبات- يسأل الكاهن الله أن ينقي نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا وقلوبنا وعيوننا وأفهامنا ونياتنا لكي بإيمان بغير رياء ومحبة كاملة ورجاء ثابت نجسر بدالة بغير خوف أن نصلي للآب الصلاة الربانية.
أشار الآباء: القديس كيرلس الأورشليمي والقديس يوحنا الذهبي الفم والقديس أمبروسيوس[329] القديس أغسطينوس[330] إلى أهمية الصلاة الربانية في نهاية تقديس الإفخارستيا. غير أنه يبدو أنها لم تقبل في روما حتى أيام غريغوريوس الأول[331].
لماذا يصلي بها الحاضرون جميعًا بصوت مسموع؟
أ. كما صرخ السيد المسيح إلى أبيه وهو على الصليب في الجلجثة، هكذا تمتثل الكنيسة بعريسها، صارخة إلى الآب وهو حول المذبح تسأله ما قد علمها إياه ربها.
خارج هذه الذبيحة السماوية لا يقدر أحد أن يدعو الله أباه، أما خلال هذه الخدمة فتدعوه الكنيسة بصوتٍ واحد أبًا لها. إنه تتلوا هذه الصلاة العامة استعدادًا للتناول، أي لأخذ جسد ابن الله ودمه.
يقول القديس أغسطينوس[332] "انظروا أننا نصلي الصلاة الربانية التي تعلمناها وحفظناها، نصلي بها عند نهاية الذبيحة، لأن هذه الذبيحة هي علامة ما نحن فيه (أبناء الله)".
ب. تناسب هذه الصلاة بدء خدمة التناول، إذ تحمل في اختصار كل صلوات النفس المسيحية واهتماماتها[333]. يقول القديس أغسطينوس[334] "إن كنا نصلي بحق ولياقة، فإننا لا نجد شيئًا لم يرد في الصلاة الربانية". وقيل العلامة ترتليان[335] أن هذه الصلاة تحوي تقريبًا كل مجموعة تعاليم المسيح وشريعته.
ج. يقول القديس أغسطينوس في عظة للمتعمدين حديثًا[336]: "نحن نصلي بها قبل تناولنا جسد المسيح وحمه بسبب ضعفنا البشري كأن يكون هناك فكر رديء أو زلفة لسان أو نظرة دنسة أو سماع قصة غير لائقة.
فإن كنتم خلال تجارب العالم وبسبب الضعف البشري تتعرضون لمثل هذه الخطية، فإنه بالصلاة الربانية تُنزع عنكم بالقول: "واغفر لنا ذنوبنا". عندئذ نقدر أن نقترب من المذبح بأمان، عالمين أننا لا نأكل أو نشرب دينونة لأنفسنا".
قبل التناول ينذر الشماس الشعب قائلًا: "احنوا رؤوسكم للرب..."، عندئذ يصلي الكاهن بعض الصلوات السرّية حيث يسأل الله أن ينقينا ويؤهلنا للتمتع بالتناول، كما يصلي "صلاة الخضوع"، مقدمًا الشكر لله الذي أعلن لنا أسراره ووهبنا ما تشتهي الملائكة أن تطلع عليه.
يقول الشماس: "أنصتوا بخوف" ويعطي الكاهن سلام المسيح للشعب، بعدها يصلي التحليل طالبًا من الله بالروح القدس أن يحل كل رباطات الخطية -أيًا كانت- من عبيده الكهنة والشعب ومن الخادم نفسه، طالبًا أن يكتب أسماءنا مع مصاف قديسيه في ملكوت السموات.
وقد شملت القداسات القبطية الثلاثة عدة صلوات سرّية، غاية في الروعة، ترفع قلب الكاهن بانسحاق لله من أجل تأهيله وكل الشعب لهذا المجد العظيم.
يختتم الكاهن هذه الصلاة بتلاوة أوشيتيّ سلام الكنيسة وآبائها سرًا، ثم يصلي علنًا قائلًا: "أذكر يا رب اجتماعاتنا هذه، باركها".
إذ يُكسر الخبز، يمسك الكاهن "الأسباديقون" ويرفعه إلى أعلى حانيا رأسه، داعيًا الكنيسة كلها للتمتع بالتناول، صارخًا[337]: "القدسات للقديسين"، وكأنه يقول: من كان مستحقًا للتناول فليتقدم، فإن هذه الأمور خاصة بالقديسين وحدهم.
كلمة "قديس" ومشتقاتها في اليونانية "أجيوس" لا تحمل معنى "صالح"، بل "المنتمي لله وحده"[338]. لهذا يدعو الرسول بولس أهل كورنثوس "قديسين" أي الشعب المختار المنتمي لله القدوس. بهذا نستطيع أن نترجم "تاجيا تيس آجيس" بـ "القدسات للقديسين"، أو بطريقة أوضح "الأمور المقدسة الخاصة بالله القدوس هي لكل شعب الله المقدس فيه".
دعوة الكاهن للتناول ليست موجهة للكاملين فحسب، بل وللمجاهدين في طريق الكمال في المسيح يسوع، بالروح القدس لا بذواتهم. أما دعوة "شعب الله" بالقديسين فسرّه اتحادهم بابن الله القدوس، إذ نحن أعضاء جسده، لحم من لحمه، وعظم من عظامه. قدر ما نتحد معه مثابرين في الالتصاق به نعيش بالقداسة متسللين -خلال أسراره المقدسة- إلى القداسة التي تفيض علينا من "الرأس".
يقول القديس أغسطينوس: ["كونوا قديسين لأني أنا قدوس"؛ إن قلتم أنكم لستم قديسين تكونوا جاحدي المعروف... إن قالوا إنهم ليسوا قديسين يهينون الرأس ذاته.]
* "لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه"[339]، وإذ أمتحن نفسي أجدني غير مستحق!
متى تصيرون مستحقين؟
متى تقدمون أنفسكم للمسيح؟
قرروا أن تسلكوا حياة مقدسة، تتفق مع الشريعة، فتنالون البركة. آمنوا أنكم تنالون قوة تسحق الموت بل وتبيد كل مرض أو ضعف يعمل فينا.
القديس كيرلس السكندري[340]
إن كان الكاهن يدعو القديسين وحدهم للتمتع بالقدسات، فإن الشعب يرتعب لهذا، قائلًا: "واحد هو الآب القدوس، واحد هو الابن القدوس، واحد هو الروح القدس. آمين" وكأنهم يقولون أنه توجد شمس واحدة هي تشرق بأشعة القداسة علينا فنتقدس بها!
يقول الأب دكس [341] "The Fermentum" التي ترجع إلى السنوات الأولى من القرن الثاني قد انتهت في الشرق أولًا ربما في القرن الرابع، ثم في روما بقيت حتى القرن الثامن أو التاسع. لكن في الحقيقة لا تزال هذه العادة قائمة إلى يومنا هذا في الكنيسة الشرقية القبطية الأرثوذكسية، إذ يضع الكاهن الاسباديقون في الكأس.
يرى الأب ثيؤدور أن هذه العادة تُظهر عدم انفصال الجسد والدم عن بعضهما البعض، وأنهما واحد في القوة، يهبان ذات النعمة لمن يتناولهما[342]
دخلت هذه العادة The Sanctum)) في القرن السادس، حيث يُترك "الإفخارستيا" إلى القداس التالي ويحضرونه على المذبح[343]، غير أن هذه العادة لم تدخل الكنيسة القبطية.
يرفع الكاهن الصينية بيديه ويقول "الاعتراف"، فيه يعلن أن هذا هو جسد ابن الله الوحيد المحيي، أخذه من سيدتنا وملكتنا والدة الإله "الثيؤتوكوس" القديسة مريم، وقد جعله واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير...
* هنا نعجب من قول الإنجيلي في وضوح، صارخًا "والكلمة صار جسدًا"، إذ لم يخجل من القول عنه أنه صار جسدًا، مظهرًا هذا "الإتحاد"...
إننا لا نقول أن الله، كلمة الآب، قد تحول إلى الطبع البشري، ولا تغيّر الجسد إلى الكلمة، إنما بطريقة لا يُنطق بها، غير مدرَكة، اتحد الكلمة مع جسده وكأن الجسد قد صار إليه، نازعًا عن طبعنا الفساد، محطمًا الموت الذي أسرنا فيه بالخطية.
فمن يأكل جسد المسيح الأقدس تكون له الحياة الأبدية، لأن الجسد له الكلمة الذي هو بالطبيعة "الحياة".
وذلك كما لو أن إنسانًا أخذ شرارة وأشعلها داخل "التبن" حتى تلهب النيران فيه، هكذا أخفى ربنا يسوع المسيح الحياة في جسده، و"حشر" نفسه كبذرة عدم فساد مبطلًا بالتمام الفساد الذي يعمل فينا.
القديس كيرلس السكندري[344]
_____
[322] اللآليء النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة ج 1 أيضًا 478.
[323] Jn. 19 : 34.
[324] Is 63 : 2, 3.
[325] Cat. Hom 16 : 18.
[326] Ap. Trad. 23 : 5.
[327] 1Cor 11 : 24.
[328] اللآليء النفيسة أيضًا 483.
[329] Ambrose: The Sacraments 6 : 24.
[330] In Jerusalem it comes after the Eucharistic prayer immediately before the fraction, and at Milan it appears to have been placed within the Eucharistic prayer itself recited by the celebrant only (Dix 131). In our church it comes as a conclusion of the fraction recited by the deacons and all the congregation, in a loud voice.
[331] Dix: The shape of the Liturgy, p 131, 108.
[332] Sermon 227.
[333] See Frenany: The Spirituality of the Mass, p 220.
[334] ad probam ep 130, 12.
[335] De Oration 1.
[336] Denys 6.
[337] He holds the Ispadikon with the tips of his thumb and forefinger, makes with it the sign of the Cross over the chalice, touches the blood with it, lifts it up and crosses the body with it.
[338] Dix p 134.
[339] 1Cor 11 : 29.
[340] Com. on St. John 6 : 56.
[341] P 134.
[342] Cat. Hom 6.
[343] Dix 134.
[344] Com. on St. John 6 : 24.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/jesus-eucharist/believers-fraction.html
تقصير الرابط:
tak.la/vtsjmz6