ب. الطقس الليتورجي
الأفخارستي
أولًا: تقديم ذبيحة يومية
ثالثًا: الشمامسة ينذرون الشعب بالصمت
رابعًا: تسبحة الثلاث تقديسات
خامسًا: عطاء السلام
سادسًا: ليتورجيَّا من أجل العالم كله
تاسعًا: الاستحقاق للتناول
الحواشي والمراجع
فيما يلي بعض الطقوس الليتورجية الخاصة بالقداس الإلهي ومفاهيمها اللاهوتية والروحية كما وردت من خلال عظاته وكتاباته:
كانت الكنيسة الأولى تقيم الإفخارستيا يوم الأحد بكونه احتفالًا بعد قيامة الرب، فيه تنعم الكنيسة بالقيامة خلال اتحادها بالجسد القائم المخلص واتحاده فيها، وأيضًا تقدسه في بعض أعياد الشهداء والقديسين من الأموات. كما تقدس هذا السرّ في الأعياد السيدية بكونه التقاء مع الرب إعلانًا لقبولنا الحياة السماوية في شركة مع القديسين الذين عبروا إلى الفردوس. لكن عظات القديس تكشف عن تقديس السرّ يوميًا في الكاتدرائية... يبدو أن هذه العادة كانت في بعض الإيبارشيات الكبيرة فقط.
في حديث له مع الشعب يقول: "ماذا؟ ألسنا نقدم الذبيحة يوميًا؟ نعم نقدمها، لكننا نفعل هذا أنامنسيس (ذكرى) لموته. هي ذبيحة وحيدة غير متكررة(13)...".
كما يوبخ الذين لا يشتركون في التمتع بالسر، قائلًا: "هل باطلًا نقدم الذبيحة يوميًا؟ هل نقف أمام المذبح باطلًا؟ لماذا لا يشترك أحد في التناول؟(14)".
ثانيًا: التمييز بين ليتورجيَّا الموعوظين وليتورجيَّا المؤمنين:
إن كان قلب الكنيسة متسعًا بالحب نحو كل البشرية، تفتح أبواب منبرها للجميع يسمعون كلمة الله، لكن ليس الكل يقدر أن يمارس "طقس العبادة"، إنما هذا الحق خاص بالأبناء التائبين المجاهدين. لهذا كثيرًا ما تحدَّث القديس عن إخراج جماعات غير المؤمنين أو الذين تحت التأديب بعد ليتورجيَّا الموعوظين، وإغلاق الأبواب لكي يعيش المؤمنون في لحظات القداس الإلهي الرهيبة، يشتركون في ليتورجيَّا المؤمنين.
أما الفئات التي لا تشترك في ليتورجيَّا المؤمنين فهم:
1. الوثنيون، ولا تتلى عليهم أي صلاة.
2. جماعة الموعوظين، من أصل يهودي أو وثني، قبلوا الإيمان لكنهم لا يزالوا تحت الوعظ والتعليم حتى يتهيأوا للعماد، لذا يسمون بطالبي العماد.
3. المربوطون بالأرواح الشريرة، تتلى عليهم صلاة خاصة قبل خروجهم حتى يترفق الله بهم ويطرد عنهم الأرواح الشريرة.
4. الذين تحت التأديب.
أخيرًا فإن الهراطقة ليس لهم أيضًا حق الشركة مع المؤمنين في ليتورجيَّا الموعوظين. يطلب القديس من شعبه أن يصلوا عنهم، قائلًا لهم: "إن كنا نطلب إليكم تقديم الصلاة من أجل المرضى والعاملين في المناجم والمستعدين والمربوطين بأرواح شريرة، كم بالأحرى نطلب أيضًا من أجل الهراطقة؟(15)".
كانت الكنيسة تصلي من أجل الموعوظين عند خروجهم حتى يهبهم الله العضوية في جسده المقدس. وقد جاءت الصلاة في عظاته تطابق الطقس السرياني كما ورد في القوانين (الدساتير) الرسوليةThe Apostolic Constitutions في الكتاب الثامن الفصل السادس والتي سبق لي ترجمتها(16).
أما الصلاة كما وردت في عظات القديس، فجاءت هكذا:
"لنصل من أجل الموعوظين بكل حرارة لكي يسمع الله الكلي الشفقة والرحمة صلواتهم،
ويفتح آذان قلوبهم ويلقن فيها كلمة الحق.
ويزرع فيهم مخافته،
ويثبت إيمانهم،
ويكشف لهم إنجيل البرّ.
ويهبهم ذهنًا صالحًا وحكما سديدًا وحياة فاضلة، فيفكرون فيه على الدوام، ويمارسون أعماله، ويلهجون في ناموسه نهارًا وليلًا، ويذكرون وصاياه، ويحفظون أحكامه.
لنتضرع من أجلهم في أكثر غيرة حتى يخلصهم من كل شر، ومن كل تدبير شيطاني، وكل مضايقات العدو،
ويحسبهم مستحقين لتجديد الجرن في الزمان المحدود، وغفران الخطايا، ولباس عدم الفساد،
ويبارك دخولهم وخروجهم وكل شئون حياتهم،
ويبارك بيوتهم،
ويكثر نسلهم ويبارك فيهم ويبلغ بهم إلى حد القامة ويعلمهم الحكمة، ويدبر كل أمورهم للخير...
أيها الموعوظون قفوا، صلوا من أجل ملاك السلام، لكي تكون كل أموركم في سلام.
صلوا لكي يكون هذا اليوم وكل أيام حياتكم مملوءة سلامًا وتكون نهايتكم مسيحية.
قدموا أنفسكم لله الحيّ ومسيحه.
احنوا رؤوسكم.
ليجب الكل بصوت عال: آمين(17)".
ما يحدث أيضًا بالنسبة للموعوظين يتم أيضًا بالنسبة للمربوطين بأرواح شريرة، إذ نقدم عنهم صلاة خاصة بهم.
"في هذه اللحظة يدعو الشماس المأسورين من الشياطين ويأمرهم أن يحنوا رؤوسهم فقط، فإنه يليق بهم على الأقل أن يشتركوا في التضرع لله بخضوع أجسادهم، إذ لا يسمح لهم بالشركة في صلوات اجتماع الإخوة...
إنه يدعوهم لكي يرثي لكارثتهم وصمتهم(18)... ويشفع فيهم أمام الله...
هؤلاء لا يحضرون لكي يعاقبوا، إنما لكي يرفع الشعب وكل المدينة المجتمعة هنا الطلبات من أجلهم، متوسلين بقلب واحد إلى الرب، متضرعين إلى لطفه بأصوات عالية(19)".
يتحدث عن إنذار الشماس للشعب للوقوف بصمت ورعدة، قائلًا:
"النداء الذي يوجهه الشماس للجميع، قائلًا: قفوا وانصتوا لا يقال بغير سبب، إنما لكي نرفع أفكارنا التي ارتبطت بالأرض، ونطرد هموم الحياة اليومية، فنقدم لله نفوسنا المتحررة...
الوقوف بخوف لا يعني إلا الوقوف في حضرة الله كما يليق بخوف ورعدة، أي بنفس ساهرة متيقظة(20)".
مرة أخرى يعلق على ذات الموضوع قائلًا:
"تذكر بجانب من أنت واقف؟
وفي صحبة من أنت تصلي لله؟
أنك في شركة مع الشاروبيم.
تذكر الجوقة التي تقف معك فهذا حفزك على السهر.
تذكر أنك وأنت في الجسد ومرتبط به قد تأهلت للاحتفال بسيد الكل في شركة في القوات غير المتجسدين، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. لذلك لا يليق أن يشترك أحد في هذه الألحان المقدسة السرية بفتور. لا يسمح أحد لأفكاره أن تنحط إلى الماديات إنما يليق به أن يطرد من ذهنه كل فكر أرضي، مرتفعًا إلى التمام في صحبة السيرافيم، مسبحا للرب ترنيمة مقدسة، تسبحة المجد والعظمة(21)".
يرى القديس أن التسبيح بهذه التسبحة هو دخول إلى الليتورجية السماوية حيث "يمجد الملائكة الله، ويتعبدون له، ويترنمون له بتسابيح النصرة السريةmystical في وقار(22)".
يقول القديس: "في كل كنيسة يعطي الرئيس (الأسقف) السلام(23)".
لقد اقتطفBingham عن القديس هذا القول:
"ليس شيء مثل السلام والاتفاق، فإن أبانا (الأسقف) لا يصعد على هذا الكرسي إلا بعد أن يعطي السلام للجميع، ولا يقدم تعليماته لكم إلا بعد إعطائه السلام للكل. والكهنة يقدمون أولًا هذه الصلاة من أجلكم عند القديس وبعد ذلك يعطون البركة. والشمامسة عندما يأمرونكم بالصلاة إنما يطلبوا أن تصلوا لأجل ملاك السلام.
كل الأمور الموضوعة أمامكم هي لسلامكم...
وعند انصرافكم من هذا الاجتماع يطلب لكم قائلًا: "امضوا بسلام(24)".
ويرى القديس أن الكنيسة وهي بيت الجميع وموضوع السلام للكل، فيها يقبل الإخوة بعضهم بعضًا بقبلة كعمل إفخارستي جوهري.
يقدم المؤمنون ذبيحة الحب بقلب متسع للعالم كله، فيصلون من أجل الرئيس (الإمبراطور) والجند والمرضى والمسافرين... لينعم كل شخص بما يحتاج إليه.
لا يقف حبنا عند حدود إخوتنا في العالم بل نذكر حتى الذين سبق رقادهم:
"ليس باطلًا تذكر الذين رحلوا عنا، في الأسرار الإلهية، ونشفع فيهم متوسلين إلى الحمل المضطحع أمامنا، الحامل خطايا العالم(25)".
"ليس باطلًا أمر الرسل أن نذكر الموتى في الأسرار المهوبة، إذ يعرفون أن في ذلك نفعًا عظيمًا لهم. لأنه كيف لا يغلب الله بتوسلاتنا عنهم متى وقف الشعب كله بأيد مرفوعة في اجتماع كهنوتي ويقيموا ذبيحة مهوبة؟! إننا نفعل هذا من أجل الراحلين المؤمنين... ونقدم عطاءًا للفقراء من أجلهم، إذ يريدنا الله أن نعين بعضنا البعض(26)".
سابعًا: كانت العادة في أيامه أن يتقبل المؤمنون الجسد في أيديهم، كما يظهر من قوله: "لا تتجاسر أن تلمس الذبيحة المقدسة بأيد غير مغسولة... ولا تقترب بنفس غير مغتسلة. فإن الأمر الأخير أشر من الأول ويجلب عقوبة أشد(27)".
ثامنًا: يمنع الشماس غير المستحقين من التقدم للتناول، إذ يخاطبه قائلًا: "إن أتاك إنسان للتناول عن جهل فامنعه ولا تخف. خاف الله لا الإنسان. فإنك إن خشيت الإنسان تحتقر أيضًا منه. لكنك إن خشيت الله يحترمك حتى الناس. إن كنت لا تجسر على ذلك فاحضره لي... إني مستعد أن أسلم حياتي ولا أهين دم المسيح وأقدمه لغير المستحقين. مستعد أن يسفك دمي ولا أعطي هذا الدم المهوب بغير لياقة(28)".
"عندما يقول (الكاهن): القدسات للقديسين، هذا يعني أن ينسحب من كان غير مقدس".
"الذي يعطينا الاستعداد للاقتراب هو الإخلاص ونقاوة النفس(29)".
"لا يقترب أحد من هذه المائدة ليتناول بدون اشتياق، إنما يلزم أن يتقدم الكل وهم ملتهبون بحرارة التقوى والشجاعة(30)".
"نرى البعض قد اعتادوا الحضور إلى الكنيسة بثياب نظيفة وأيد مغسولة، ولا يهتمون أن يحضروا بنفوس نقية لله. لست أقول هذا لكي أمنعهم عن غسل أيديهم وفمهم، إنما أود أن يغتسلوا كما ينبغي، لا بالماء فقط وإنما بكل الفضائل، لأن دنس الفم هو الكلام الشرير والتجديف والسب والغضب والضحك(31)...".
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(13) In Hebr، hom 17: 6.
(14) In Eph، hom 3.
(15) De Incomp. 3 PG 48: 347-350.
(16) للمؤلف: المسيح في سرّ الإفخارستيا، ص 624-627. (القوانين الرسولية 8: 6-7).
(17) In 2 Cor، hom 2.
(18) البعض يصابون بخرس.
(19) De Incomp، hom 3، 4.
(20) Ibid. PG 48: 389-395.
(21) Ibid. PG 48: 408-420.
(22) De Incomp، hom 1.
(23) In Mat، hom 32: 9.
(24) N & PNF. Vol 10، P 216.
(25)In 1 Cor، hom 41: 4.
(26) In Philip، hom 3.
(27) Conc. Statues، hom 20: 19.
(28) In Mat، hom 82: 5.
(29) In Eph، hom 3.
(30) In Mat، hom 82: 4.
(31) In Mat، hom 51.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrysostom/liturgical.html
تقصير الرابط:
tak.la/6kpbxct