4. الفضيلة بين لغة الروح واللغة الإنسانية ولغة الأرقام: حين يتحدث القديس يمزج بين لغة الإيمان والروح واللغة الإنسانية بطريقة بشرية كما يتحدث أحيانًا بلغة الأرقام.
ففي حديثه عن الصدقة يتحدث بلغة الروح، فيتحدث عن الفقير كممثل للسيد المسيح، قائلًا: "بقدر ما يكون الإنسان من الأصاغر هكذا يأتيك المسيح خلاله[6]." ويرى في أموالنا هي أموال الجسد كله أي الكنيسة: "لا تقل إنني أُنفق من أموالي، ومن أموالي أعول الآخرين، فإنها ليست أموالك، بل هي أموال غيرك. فكل فعل أو نفع يعود على الجسد كله، ويخدم كافة الأعضاء، فإن عاد النفع على عضو واحد فقط، كان هذا العضو غريبًا عن الجسد، هكذا بالنسبة للأموال[7]."
مرة أخرى يحدثنا عن الصدقة بلغة بشرية: "إن كنت تشتهي أن يكون لك أُناس ينظرون صدقتك، فإنه لن يعدمك هذه الشهوة في الوقت المناسب، بل يشبعها فيك بزيادة كبيرة.. فإن الله يشهد بها ويذكرك في حضرة أهل المسكونة كلها[8]."
ويتحدث عنها أيضًا بلغة الأرقام إذ يعلن استعداده أن يقدم إحصائية عن الفقراء والأغنياء ليؤكد أن المدينة قادرة أن تشبع عشرة مدن أخرى.
وفي حديثه عن محبة الأعداء يتحدث بلغة الروح، قائلًا: "كيف تطمع في نوال المغفرة إذا تضرعت إلى الله وأنت لم تسامح بعد نفسك، بعدم مسامحتك الذين صنعوا بك شرًا؟ كيف إذن يصفح الله عن هفواتك؟[9]."
ويتحدث أيضًا على المستوى الإنساني الاجتماعي:
* إن أردت أن تنتقم لنفسك، فاستخدم هذه الوسيلة: قابل الشر بالخير. بهذا تجعله مدينًا لك، وتنعم بنصرة مجيدة.
أتحتمل شرورًا؟ اصنع الخير فتنتقم من عدوك، لأنك إن قاومته يلومك الجميع كما يلومونه على نفس المستوى. لكنك إن احتملته يمدحونك ويعجبون بك، أما هو فيوبخونه.
أية عقوبة للعدو أشد من أن يرى عدوه قد صار موضع إعجاب كل الناس ومديحهم؟ وأية مرارة قاسية يعانيها، إذ يرى نفسه ملومًا من الجميع أمام عدوه؟
إن فتحت فمك لتنتقم صمتَ الكل، أما إن صمتَّ أنت فإنك تسبّه لا بلسان واحد، بل بعشرات الألوف من ألسنة الآخرين، فيكون الانتقام أعظم..
أتظنون، لماذا قال ربنا المسيح: "من لطمك على خدَّك الأيمن حوِّل له الآخر أيضًا. ليس لكي يحتمل الإنسان ضربًا أكثر، وإنما لأن في هذا نفع للاثنين.. فإنك بهذا تُشبع رغبة الإنسان الغضوب فيخزى.. فإن الكلاب أيضًا يقال عنها إنها إذا هاجمت إنسانًا فألقى بنفسه على ظهره ولم يفعل شيئًا يهدأ غضبهم في الحال. فإن كانت الكلاب تحترم من يحتمل شرها، كم بالأكثر يليق بالبشر وهم أكثر تعقلًا؟" (مت 5: 39).
وفي حديثه عن محبة العالم وشهوات الجسد يتحدث بلغة الروح، فيرى في التوبة طريق الانطلاق فوق كل محبة للأرضيات وسمو لأحاسيس الجسد واشتياقاته.
* التوبة نار تلتهم كل ضعفٍ بشريٍ، تنزع التهاون والكسل وثقل الجسد، وتعطي للنفس جناحًا تطير به نحو السماء، وتظهر لها خلال هذه القمة المرتفعة بطلان هذه الحياة الحاضرة. من لا يرتفع إلى مركز المراقبة، لا يستطيع أن يلتقط صورة صادقة للأرض ومحتوياتها. فإن أمورًا كثيرة تظلم مجال الرؤية وتصم الأذنين وتلعثم اللسان. لهذا يليق بالإنسان أن ينتزع نفسه من هذا الصخب ويبتعد عن الدخان ويدخل إلى الوحدة ليجد السلام العميق والهدوء والسكون مع الاستنارة. عندما تركز الأعين على حب الله، ولا تعود تسمع الأذن إلا كلماته وكأنها سيمفونية روحية عذبة، تصبح النفس أسيرة (لله) تشعر بتقزز من الطعام والنوم. حقًا إن ضجة العالم والاهتمامات المادية تنزلق على النفس لكنها لا تدخل إليها، وبارتفاع النفس هكذا لا تعود تبالي بمفرقعات العواصف الأرضية. وكما أن الذين يبلغون قمة الجبل لا يعودون يسمعون أصوات المدينة، ولا يرون ما يدور فيها، إنما يحسبون هذه كلها أشبه بضجيج مُبهم، هكذا الذين تركوا العالم بإرادتهم وانطلقوا، يطيرون في مرتفعات الفلسفة (الحكمة)، لا يعودوا يدركون شيئًا عن أحوال العالم، لأن كل حواسهم متجهة نحو السماء. إذن لنبحث لا عن وحدة البرية فحسب، إنما عن وحدة الرغبة الداخلية. لنختبئ فوق أعلى قمة النفس، حيث لا يسكن فيها شيء أرضي. إن قوة التوبة كمثل هواء يطرد الغبار ويكنس الشهوات أسرع من الدخان[10]."
ويتحدث "عن الشهوات الجسدية" بطريقة بشرية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فيقول: "إن كنت تُدرب كلابًا على مقاومة الجوع، وتستأنس أسودًا متوحشة، وتروِّض حيوانات جامحة، وتُدرب طيورًا على الكلام، إلا يكون من الغباء أن نُعلم حيوانات غير عاقلة أن تتصرف بعقلٍ، ونترك المخلوق العاقل نهبًا للشهوات الحيوانية؟[11]"
4. الفضيلة بين لغة الروح واللغة الإنسانية: حين يتحدث القديس يمزج بين لغة الإيمان والروح وبين اللغة الإنسانية بطريقة بشرية كما يتحدث أحيانًا بلغة الأرقام.
ففي حديثه عن الصدقة يتحدث بلغة الروح فيتحدث عن الفقير كممثل للسيد المسيح، قائلًا: "بقدر ما يكون الإنسان من الأصاغر هكذا يأتيك المسيح خلاله(9)"... ويرى في أموالنا هي أموال الجسد كله أي الكنيسة: "لا تقل إنني أُنفق من أموالي، ومن أموالي أعول الآخرين، فإنها ليست أموالك، بل هي أموال غيرك. فكل فعل أو نفع يعود على الجسد كله ويخدم كافة الأعضاء، فإن عاد النفع على عضو واحد فقط كان هذا العضو غريبًا عن الجسد، هكذا بالنسبة للأموال".
مرة أخرى يحدثنا عن الصدقة بلغة بشرية: "إن كنت تشتهي أن يكون لك أُناس ينظرون صدقتك، فإنه لن يعدمك هذه الشهوة في الوقت المناسب، بل يشبعها فيك بزيادة كبيرة... فإن الله يشهد بها ويذكرك في حضرة أهل المسكونة كلها".
ويتحدث عنها أيضًا بلغة الأرقام إذ يعلن استعداده أن يقدم إحصائية عن الفقراء والأغنياء ليؤكد أن المدينة قادرة أن تشبع عشر مدن أخرى.
وفي حديثه عن محبة الأعداء يتحدث بلغة الروح قائلًا: "كيف تطمع في نوال المغفرة إذا تضرعت إلى الله وأنت لم تسامح بعد نفسك، بعدم مسامحتك الذين صنعوا بك شرًا؟ كيف إذن يصفح الله عن هفواتك؟...". ويتحدث أيضًا عن المستوى الإنساني الاجتماعي: "إن أردت أن تنتقم لنفسك، فاستخدم هذه الوسيلة: قابل الشر بالخير. بهذا تجعله مدينًا لك وتنعم بنصرة مجيدة. أتحتمل شرورًا؟ اصنع الخير فتنتقم من عدوك، لأنك إن قاومته يلومك الجميع كما يلومونه على نفس المستوى. لكنك إن احتملته يمدحونك ويعجبون بك، أما هو فيوبخونه. أية عقوبة للعدو أشد من أن يرى عدوه قد صار موضع إعجاب كل الناس ومديحهم؟ وأي مرارة قاسية يعانيها إذ يرى نفسه ملومًا من الجميع أمام عدوه؟ إن فتحت فمك لتنتقم صمتَ الكل، أما إن صمتَّ أنت فإنك تسبّه لا بلسان واحد، بل بعشرات الألوف من ألسنة الآخرين، فيكون الانتقام أعظم... أتظنون، لماذا قال ربنا المسيح: "من لطمك على خدَّك الأيمن حوِّل له الآخر أيضًا". ليس لكي يحتمل الإنسان ضربًا أكثر، وإنما لأن في هذا نفع للاثنين... فإنك بهذا تُشبع رغبة الإنسان الغضوب فيخزى... فإن الكلاب أيضًا يقال عنها إنها إذا هاجمت إنسانًا فألقى بنفسه على ظهره ولم يفعل شيئًا يهدأ غضبهم في الحال. فإن كانت الكلاب تحترم من يحتمل شرها، كم بالأكثر يليق بالبشر وهم أكثر تعقلًا؟".
وفي حديثه عن محبة العالم وشهوات الجسد يتحدث بلغة الروح، فيرى في التوبة طريق الانطلاق فوق كل محبة للأرضيات وسمو لأحاسيس الجسد واشتياقاته، فيقول: "التوبة نار تلتهم كل ضعف بشري، تنزع التهاون والكسل وثقل الجسد، وتعطي للنفس جناحًا تطير به نحو السماء، وتظهر لها خلال هذه القمة المرتفعة بطلان هذه الحياة الحاضرة. من لا يرتفع إلى مركز المراقبة لا يستطيع أن يلتقط صورة صادقة للأرض ومحتوياتها. فإن أمورًا كثيرة تظلم مجال الرؤية وتصم الأذنين وتلعثم اللسان. لهذا يليق بالإنسان أن ينتزع نفسه من هذا الصخب ويبتعد عن الدخان ويدخل إلى الوحدة ليجد السلام العميق والهدوء والسكون مع الاستنارة. عندما تركز الأعين على حب الله، ولا تعود تسمع الأذن إلا كلماته وكأنها سيمفونية روحية عذبة، تصبح النفس أسيرة (لله) تشعر بتقزز من الطعام والنوم. حقًا إن ضجة العالم والاهتمامات المادية تنزلق على النفس لكنها لا تدخل إليها، وبارتفاع النفس هكذا لا تعود تبالي بمفرقعات العواصف الأرضية. وكما أن الذين يبلغون قمة الجبل لا يعودون يسمعون أصوات المدينة ولا يرون ما يدور فيها، إنما يحسبون هذه كلها أشبه بضجيج مبهم، هكذا الذين تركوا العالم بإرادتهم وانطلقوا يطيرون في مرتفعات الفلسفة (الحكمة)، لا يعودون يدركون شيئًا عن أحوال العالم، لأن كل حواسهم متجهة نحو السماء. إذن لنبحث لا عن وحدة البرية فحسب إنما عن وحدة الرغبة الداخلية. لنختبئ فوق أعلى قمة النفس، حيث لا يسكن فيها شيء أرضي. إن قوة التوبة كمثل هواء يطرد الغبار ويكنس الشهوات أسرع من الدخان".
ويتحدث "عن الشهوات الجسدية" بطريقة بشرية فيقول: "إن كنت تُدرب كلابًا على مقاومة الجوع، وتستأنس أسودًا متوحشة، وتروِّض حيوانات جامحة، وتُدرب عصافير على الكلام، إلا يكون من الغباء أن نُعلم حيوانات غير عاقلة أن تتصرف بعقل ونترك المخلوق العاقل نهبًا للشهوات الحيوانية؟".
_____
[6] للمؤلف: الحب والعطاء، طبعة 1970 م.، ص 8.
[7] للمؤلف: الحب والعطاء ص 13.
[8] الحب والعطاء ص 18-19.
[9] In Mat, hom 66: 3.
[10] In Eph, hom 16.
[11] In Acts, PG 60: 251.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrysostom-virtuous-life/language.html
تقصير الرابط:
tak.la/b53chgn